ص 97
وفي المبسوط والخلاف: يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس. وهي رواية أبي عبيدة، عن أبي
جعفر عليه السلام. وفي موضع آخر من الكتاب: لو قطع يد رجل ثم قتله، قطع ثم قتل.
والاقرب ما تضمنته النهاية، لثبوت القصاص بالجناية الاولى. ولا كذا لو كانت الضربة
واحدة، وكذا لو كان بسرايته، كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه، فالقصاص في النفس لا
في الطرف.
اختلف الاصحاب في دخول قصاص الطرف والشجاج في قصاص النفسإذا اجتمعا على
أقوال ثلاثة، وكلها للشيخ - رحمه الله -: أحدها: عدم الدخول مطلقا. ذهب إليه في
المبسوط (1) والخلاف (2). واختاره ابن إدريس (3) ناقلا له عن الشيخ في الكتابين،
لعموم قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (4). وقوله
تعالى: (والجروح قصاص) (5). ولثبوت القصاص بالقطع والشجة عند فعلها، فيستصحب.
والثاني: ضده، وهو دخول الاضعف في الاقوى مطلقا. نقله المصنف عن الشيخ في الكتابين
(6) أيضا. واحتج له برواية أبي عبيدة الحذاء الصحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(سألته عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة، فأجافه حتى وصلت الضربة
إلى الدماغ وذهب عقله.
(هامش)
(1) المبسوط 7: 21 و113. (2) الخلاف 5: 210 مسألة (89). (3) السرائر 3: 396. (4)
البقرة: 194. (5) المائدة: 45. (6) المبسوط 7: 22، الخلاف 5: 163 مسألة (23). (*)
ص 98
فقال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة، ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له،
فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة أقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما
بينه وبين سنة، ولم يرجع إليه عقله، أغرم ضاربه الدية في ماله، لذهاب عقله. قلت:
فما ترى عليه في الشجة شيئا؟قال: لا، لانه إنما ضربه ضربة واحدة، فجنت الضربة
جنايتين، فألزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدية. ولو كان ضربه ضربتين، فجنت الضربتان
جنايتين، لالزمته جناية ما جنى كائنا ما كان، إلا أن يكون فيهما الموت، فيقاد به
ضاربه بواحدة، وتطرح الاخرى. قال: وإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة، فجنين ثلاث
جنايات، ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنة ما كانت، ما لم يكن فيها الموت،
فيقاد به ضاربه. قال: وقال: وإن ضربه عشر ضربات، فجنين جناية واحدة، ألزمته تلك
الجناية التي جنتها العشر ضربات، كائنة ما كانت، ما لم يكن فيها الموت) (1). واحتج
له في المبسوط أيضا برواية أصحابنا أنه: (إذا مثل إنسان بغيره وقتله لم يكن له غير
القتل، وليس له التمثيل بصاحبه) (2). والثالث: التفصيل، وهو التداخل إن اتحد الضرب،
وعدمه مع تعدده. ذهب
(هامش)
(1) الكافي 7: 325 ح 1، الفقيه 4: 98 ح 327، التهذيب 10: 253 ح 1003، الوسائل 19:
281 ب (7) من أبواب ديات المنافع ح 1. (2) المبسوط 7: 22. (*)
ص 99
مسائل من الاشتراك:
الاولى: إذا اشترك جماعة في قتل واحد، قتلوا به. والولي بالخيار
بين قتل الجميع، بعد أن يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول،
إليه الشيخ في النهاية
(1). واستقربه المصنف، لما ذكرناه في حجة الاول من ثبوت القصاص بالاولى عند فعلها،
والاصل عدم زواله، بخلاف ما إذا اتحدت الضربة. ولرواية محمد بن قيس عن أحدهما
عليهما السلام: (في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثم قتله، فقال: إن كان فرق
ذلك اقتص منه ثم يقتل، وإن كان ضربه ضربة واحدة ضرب عنقه ولم يقتص منه) (2). وحسنة
حفص بن البختري قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه
وبصره واعتقل لسانه ثم مات، فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتص منه ثم قتل، وإن
كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه) (3). وصحيحة أبي عبيدة (4) تدل عليه
أيضا. ولعله أقوى. وتوقف في المختلف (5)، مع نفيه البأس عما ذهب إليه ابن إدريس.
قوله: (إذا اشترك جماعة في قتل واحد... إلخ).
(هامش)
(1) النهاية: 771. (2) الكافي 7: 326 ح 1، الفقيه 4: 97 ح 324، التهذيب 10: 252 ح
1000، الوسائل 19:82 ب (51) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (3) التهذيب 10: 253 ح
1002، الوسائل 19: 83 الباب المتقدم ح 2. (4) راجع ص: 97. (5) المختلف: 809. (*)
ص 100
فيأخذ كل واحد منهم ما فضل عن ديته من جنايته، وبين قتل البعض، ويرد الباقون دية
جنايتهم. وإن فضل للمقتولين فضل، قام به الولي. وتتحقق الشركة، بأن يفعل كل [واحد]
منهم ما يقتل لو انفرد، أو ما يكون له شركة في السراية، مع القصد إلى الجناية. ولا
يعتبر التساوي في الجناية، بل لو جرحه واحد جرحا، والاخر مائة [جرح]، ثم سرى
الجميع، فالجناية عليهما بالسوية. ولو طلب الدية، كانت الدية عليهما نصفين.
إذا قتل
الجماعة واحدا قتلوا به، سواء قتلوه بمحدد أم مثقل، أم ألقوه من شاهق أم في بحر، أم
جرحوه جراحات مجتمعة أم متفرقة. وهو قول أكثر العامة (1). واحتجوا له - مع النص -
بأن القصاص شرع لحقن الدماء، فلو لم يجب عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها. ومذهب
الاصحاب أن نفس المقتول موزعة بين القاتلين، فيجب على كل واحد منهم بنسبته إلى
الجميع. فإن اتفقوا على الدية أو اختارها الولي لزم كل واحد منهم بتلك النسبة إلى
الجميع، فلو كانوا ثلاثة فعلى كل واحد ثلث الدية. وإن اختار القصاص فله قتل الجميع
والبعض. فإن اقتصر على واحد فقد استوفى بمقدار حقه، لكن يرد على المقتول ما زاد عما
يخصه منها، ويأخذه منالباقين. وإن قتل أكثر من واحد لزمه دية الزائد. فلو قتل اثنين
أدى إلى أولياء كل واحد نصف ديته، وأخذوا من الباقي ثلث دية، فيجتمع لكل واحد من
أولياء
(هامش)
(1) الحاوي الكبير 12: 27 - 28، حلية العلماء 7: 456، بداية المجتهد 2: 399، بدائع
الصنائع 7: 238، المغني لابن قدامة 9: 367، روضة الطالبين 7: 37. (*)
ص 101
المقتولين ثلثا دية، ويسقط ما قابل جنايته وهو الثلث. وهكذا. ومستندهم على ذلك
الاخبار الكثيرة، منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: (في عشرة اشتركوا
في قتل رجل، قال: يخير أهل المقتول فأيهم شأوا قتلوا، ويرجع أولياؤه على الباقين
بتسعة أعشار الدية) (1). ورواية الفضيل بن يسار قال: (قلت لابي جعفر عليه السلام:
عشرة قتلوا رجلا، فقال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات، وإن شأوا
تخيروا رجلا فقتلوه، وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الاخير عشر الدية، كل رجل
منهم، قال: ثم إن الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم) (2). ورواية عبد الله بن مسكان عن
أبي عبد الله عليه السلام: (في رجلين قتلا رجلا، قال: إن أراد أولياء المقتول
قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما، وتكون الدية بين أولياء المقتولين، وإن أرادوا قتل
أحدهما فقتلوه أدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول) (3). وغيرها من الاخبار (4).
واختلف الجمهور (5) في ذلك، فأكثرهم على ما ذهب إليه الاصحاب من جواز قتل الجميع،
لكنهم لم يوجبوا ردا، بل جعلوا دم كل واحد منهم مستحقاللولي مجانا، كما إذا قذف
جماعة واحدا فاستوفي الحد من الجميع.
(هامش)
(1) الكافي 7: 283 ح 1، الفقيه 4: 86 ح 276، التهذيب 10: 218 ح 857، الاستبصار 4:
281 ح 1067، الوسائل 19: 29 ب (12) من أبواب القصاص في النفس ح 3. (2) الكافي 7:
283 ح 4، الفقيه 4: 85 ح 274، التهذيب 10: 217 ح 854، الاستبصار 4: 281 ح 1064،
الوسائل 19: 30 الباب المتقدم ح 6. (3) الكافي 7: 283 ح 2، التهذيب 10: 217 ح 855،
الوسائل 19: 30 الباب المتقدم ح 4. (4) راجع الوسائل 19: 29 ب (12) من أبواب القصاص
في النفس. (5) راجع الهامش (1) في الصفحة السابقة. (*)
ص 102
الثانية: يقتص من الجماعة في الاطراف، كما يقتص في النفس. فلو اجتمع جماعة، على قطع
يده أو قلع عينه، فله الاقتصاص منهم
وذهب بعضهم (1) إلى أن القصاص مفضوص عليهم،
فإذا قتل العشرة واحدا فالمستحق للولي العشر من دم كل واحد، إلا أنه لا يمكن
استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي، وقد يستوفي من المتعدي غير المستحق إذا لم يمكن
استيفاء المستحق إلا به، كما لو أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق، واحتيج في رده إلى
قلع الباب وهدم الجدار. وذهب بعضهم (2) إلى أن الولي ليس له قتل (3) سوى واحد منهم،
ويأخذ حصة الاخرين، ولا يقتل الجميع. وهذا مروي أيضا عندنا في الحسن عن أبي العباس
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا اجتمع العدة في قتل رجل واحد حكم الوالي أن
يقتل أيهم شأوا، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عز وجل يقول: (ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا). فإذا قتل ثلاثة
واحدا خير الوالي أي الثلاثة شاء أن يقتل، ويضمن الاخران ثلثي الديةلورثة المقتول)
(4). وحملها الشيخ (5) على التقية، أو على أنه لا يقتل إلا بعد أن يرد ما يفضل عن
دية صاحبه. وكلاهما بعيد. قوله: (يقتص من الجماعة في الاطراف... إلخ).
(هامش)
(1 و2) انظر الهامش (1) في ص: 100. (3) في (د): ليس له إلا قتل واحد... (4) الكافي
7: 284 ح 9، التهذيب 10: 218 ح 858، الاستبصار 4: 282 ح 1068، الوسائل 19: 30 ب
(12) من أبواب القصاص في النفس ح 7 و8 والاية في سورة الاسراء: 33. (5) التهذيب 10:
218 ذيل ح 858، الاستبصار 4: 282 ذيل ح 1068. (*)
ص 103
جميعا، بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته. وله الاقتصاص من أحدهم، ويرد
الباقون دية جنايتهم. وتتحقق الشركة في ذلك، بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد.
فلو انفرد كل واحد بقطع جز من يده، لم تقطع يد أحدهما. وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق
يده، والاخر تحت يده، واعتمدا حتى التقتا، فلا قطع في اليد على أحدهما، لان كلا
منهما منفرد بجنايته، لم يشاركه الاخر فيها، فعليه القصاص في جنايته حسب. الثالثة:
لو اشترك في قتله امرأتان، قتلتا به ولا رد، إذ لا فاضل لهما عن ديته.
الحكم هنا
كما سبق (1) في قصاص النفس، ولكن يفترقان في أن الاشتراك في النفس يتحقق بموته
بالامرين أو الامور، سواء اجتمعت أم تفرقت، وهنا لا تتحقق الشركة إلا مع صدور الفعل
عنهم أجمع، إما بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطع يده ثم يرجعوا، أو يكرهوا إنسانا على
قطعه، أو يلقوا صخرة على طرفه فيقطعه، أو يضعوا حديدة على المفصل ويعتمدوا عليها
جميعا، ونحو ذلك. فلو قطع كل واحد منهم جزا من يده لم يقطع أحدهم، بل يكون على كل
واحد حق جنايته، لانفراده بها. وكذا لو وضعوا منشارا ونحوه على عضوه ومده كل واحد
مرة إلى أن حصل القطع، لان كل واحد لم يقطع بانفراده، ولم يشارك في قطع الجميع. فإن
أمكن الاقتصاص من كل واحد على حدته ثبت بمقدار جنايته، وإلا فلا. قوله: (لو اشترك
في قتله امرأتان... إلخ).
(هامش)
(1) في ص: 99. (*)
ص 104
ولو كن أكثر، كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن بالسوية، إن كن متساويات في الدية،
وإلا أكمل لكل واحدة ديتها بعد وضع أرشجنايتها. ولو اشترك رجل وامرأة، فعلى كل واحد
منهما نصف الدية، وللولي قتلهما، ويختص الرجل بالرد. وفي المقنعة: يقسم الرد بينهما
أثلاثا. وليس بمعتمد. ولو قتل المرأة، فلا رد، وعلى الرجل نصف الدية. ولو قتل
الرجل، ردت المرأة عليه نصف ديته. وقيل: نصف ديتها. وهو ضعيف. وكل موضع يوجب الرد،
فإنه يكون مقدما على الاستيفاء.
يتحقق التساوي بكونهن جميعا حرائر مسلمات. فلو كانت
فيهن أمة أو ذمية، وقيمة الامة لا تبلغ دية الحرة، لم يكن الرد عليهن متساويا.
قوله: (ولو اشترك رجل وامرأة... إلخ). إذا اشترك في قتله رجل وامرأة كان على كل
[واحد] (1) منهما نصف الجناية. فإن اتفقوا على الدية فعلى كل واحد منهما نصفها. وإن
قتلهما الولي كان عليه نصف الدية، لانها الفاضل عن مقدار حقه. وإن قتلها خاصة كان
له على الرجل نصف الدية. وإنما الخلاف في موضعين: أحدهما: إذا قتلهما ففي مستحق
النصف قولان: أحدهما: قول الاكثر أنه لاولياء الرجل خاصة، إذ لا فاضل للمرأة عن قدر
جنايتها، والمستوفى من الرجل ضعف جنايته، فيكون الرد مختصا به.
(هامش)
(1) من الحجريتين. (*)
ص 105
الرابعة: إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا، قال في النهاية: للاولياء أن يقتلوهما
ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة
آلاف درهم، أو يسلم العبد إليهم، أو يقتلوا العبد، وليس لمولاه على الحر سبيل.
والاشبه أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته، ولا يرد على مولى العبد شي، ما لم
تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر، فيرد عليه الزائد. وإن قتلوا العبد، وكانت قيمته
زائدة عن نصف دية المقتول، أدوا إلى مولاه الزائد. فإن استوعب الدية، وإلا كان تمام
الدية لاولياء الاول. وفي هذه اختلاف للاصحاب، وما اخترناه أنسب بالمذهب.
وقال
المفيد (1) - رحمه الله -: إن المردود على تقدير قتلهما يقسم أثلاثا، للمرأة ثلثه،
بناء على أن جناية الرجل ضعف جناية المرأة، لان الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس،
فتكون الجناية بينهما أثلاثا بحسب ذلك. وضعفه ظاهر. وإنما هما نفسان جنتا على نفس،
فكان على كل واحد نصف. فالفاضل للرجل خاصة، لان القدر المستوفى منه أكثر قيمة من
جنايته، والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها، فلا شي لها. والثاني: إذا قتل الرجل
خاصة ردت المرأة نصف ديته، لان عليها نصف الجناية. وقال الشيخ في النهاية (2): ترد
نصف ديتها، مائتين وخمسين دينارا. وتبعه تلميذه القاضي (3). والاصح الاول. قوله:
(إذا اشترك حر وعبد في قتل حر... إلخ).
(هامش)
(1) المقنعة: 752. (2) النهاية: 745. (3) المهذب 2: 468. (*)
ص 106
إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا، فعلى كل منهما نصف الجناية قصاصا ودية. فإن
اختار الولي قتلهما فقد استوفى من الحر نفسا كاملة، وعليه نصفها، فيرد على وليه نصف
الدية. وأما العبد فعوض جنايته معتبر بقيمته ما لم يزد على دية الحر، فيرد إليها.
فإن كانت قيمته بقدر نصف دية الحر فقد استوفى الحق من رقبته، فلا يرد على مولاه
الزائد. وإن نقصت قيمته عن نصف الدية فلا شي على مولاه، لان الجاني لا يجني على
أكثر من نفسه. وإن زادت قيمته عن نصف الدية رد على مولاه الزائد، ما لم يتجاوز
قيمته دية الحر فيرد إليها، ويكون المردود على مولاه نصف ديته كالحر. وإن اختار قتل
الحر خاصة فالمردود على وليه نصف ديته. وهو واضح. وأما مولى العبد فيلزمه أقل
الامرين من جنايته - وهو نصف الدية - ومن قيمة عبده، لان الاقل إن كان هو الجناية
فلا يلزم الجاني سواها، وإن كان هو قيمة العبد فلا يجني على أكثر من نفسه، ولا يلزم
مولاه الزائد. ثم إن كان الاقل هو قيمة العبد فعلى ولي المقتول إكمال نصف الدية
لاولياء الحر. وإن اختار قتل العبد خاصة، وكانت قيمته بقدر نصف الدية فما دون، فلا
شي لمولاه. وكان للولي على الحر نصف الدية. وإن زادت قيمته عن الجناية وبلغت مقدار
الدية أو أزيد، فالمردود من الحر كله لمولاه. وإن كان أقل من الدية فالفاضل من
قيمته عن جنايته له، وبقية المردود لولي المقتول. وإن لم يقتلهما فعلى الحر نصف
الدية، وعلى مولى العبد أقل الامرين من
ص 107
الخامسة: لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر، فللاولياء قتلهما، ولا رد على المرأة ولا
على العبد، إلا أن تزيد قيمته عن نصف الدية، فيرد على مولاه الزائد. ولو قتلت
المرأة به، كان لهم استرقاق العبد، إلا أن تكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول،
فيرد على مولاه ما فضل.
ويقتل العبد بالعبد وبالامة، والامة بالامة وبالعبد. ولا يقتل حر بعبد ولا
أمة. وقيل: إن اعتاد قتل العبيد قتل، حسما للجرأة.
ويقوى الاشكال لو طلبت القصاص في ثلاث والعفو في الرابعة. وعدم إجابتها هنا أقوى.
وعلى الاول تتخير بين قطع إصبعين من غير رد، وبين قطع أربع مع رد دية إصبعين. ولو
طلبت الدية فليس لها أكثر من دية إصبعين. هذا إذا كان القطع بضربة واحدة. ولو كان
بأزيد ثبت لها دية الاربع أو القصاص في الجميع من غير رد، لثبوت حكم السابق
فيستصحب. وكذا حكم الباقي.
قوله: (ويقتل العبد بالعبد... إلخ). هذا إذا تساويا قيمة، أو كانت قيمة القاتل أقل
من قيمة المقتول. أما لو كانت أزيد ففي جواز قتله من غير رد الزائد، أو اشتراطه به
قولان، منشؤهما عموم: (النفس بالنفس) (1)، وقوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد)
(2). وهو الذي يقتضيه إطلاق [عبارة] (3) المصنف رحمه الله. ومن أن ضمان المملوك
يراعى فيه المالية، فلا يستوفى الزائد بالناقص، بل بالمساوي. وهذا الاخير لا يخلو
من قوة. وثبوت رد الزائد لا ينافي جواز قتل العبد بالعبد في الجملة. قوله: (ولا
يقتل حر بعبد ولا أمة... إلخ). لا يقتل الحر بالعبد، له ولا لغيره، لقوله تعالى:
(الحر بالحر والعبد
(هامش)
(1) المائدة: 45. (2) البقرة: 178. (3) من الحجريتين. (*)
ص 113
بالعبد) (1). والتخصيص بالذكر هنا تخصيص للحكم وإن لم نقل بدليل الخطاب، حذرا من
التكرار [قطعا] (2). ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (لا يقتل حر بعبد) (3).
وصحيحة الحلبي وغيره عن الصادق عليه السلام: (لا يقتل الحر بالعبد) (4). وادعى في
الخلاف (5) إجماع الصحابة عليه. وهذا الحكم متفق عليه عندنا مع عدم الاعتياد
لقتلهم. ومعه قيل: يقتل، سوأكان عبده أم لا، لرواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي
الحسن عليه السلام: (في رجل قتل مملوكه أو مملوكته، قال: إن كان المملوك له أدب
وحبس، إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك، فيقتل به) (6). ورواية يونس عنهم عليهم
السلام قال: (سئل عن رجل قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا،
وأخذ منه قيمة العبد فتدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان متعودا للقتل قتل به)
(7). والظاهر أن المسؤول أحد الائمة عليهم السلام.
(هامش)
(1) البقرة 178 (2) من الحجريتين (3) عوالي اللئالي 1: 235 ح 142، وانظر سنن أبي
داود 4: 176 ح 4517، سنن الدارقطني 3: 133 ح 158، سنن البيهقي 8: 35، تلخيص الحبير
4: 16 ح 1686. (4) الكافي 7: 304 ح 3 و2، التهذيب 10: 191 ح 751 و753، الاستبصار 4:
272 ح 1029 و1031، الوسائل 19: 70 ب (40) من أبواب القصاص في النفس ح 2، 3. (5)
الخلاف 5: 148 مسألة (4). (6) الكافي 7: 303 ح 5، التهذيب 10: 192 ح 758، الاستبصار
4: 273 ح 1036، الوسائل 19: 69 ب (38) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (7) الكافي 7:
303 ح 7، التهذيب 10: 192 ح 759، الاستبصار 4: 273 ح 1037، الوسائل 19: 69 الباب
المتقدم ح 2. (*)
ص 114
ولو قتل المولى عبده كفر وعزر، ولم يقتل به. وقيل: يغرم قيمته [و] يتصدق بها. وفي
المستند ضعف. وفي بعض الروايات: إن اعتاد ذلك قتل به.
ولرواية السكوني عن الصادق
عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام: (أن عليا عليه السلام قتل حرا بعبد) (1).
بحملها على المعتاد جمعا. وبمضمون ذلك أفتى جماعة (2) من الاصحاب، مع ضعف المستند،
ومخالفته للكتاب (3)، فإن الفتح مجهول الحال، والرواية الاخرى مرسلة مقطوعة،
والاخيرة ظاهرة الضعف. فالقول بعدم قتله بالمملوك مطلقا أقوى. وعليه، ففي قتله
قصاصا، أو لافساده، قولان. وتظهر الفائدة في رد الزائد من ديته عن قيمة المقتول على
أوليائه. والاظهر على هذا التقدير الثاني، لان قتله بعد الاعتياد ليس بواحد معين
حتى يعتبر قيمته، واعتبار قيمة الجميع لا دليل عليه، والنصوص مطلقة، وظاهرها
التعليل بالافساد، وبه صرح المصنف. قوله: (ولو قتل المولى عبده... إلخ). قد تقدم ما
يدل على الحكم فيما لو كان المقتول عبده، والرواية الدالة على قتله مع الاعتياد،
وأن القول بعدم قتله مطلقا أقوى. والقول بالصدقة بثمنه لاكثر الاصحاب، كالشيخين (4)
والاتباع (5) وابن
(هامش)
(1) التهذيب 10: 192 ح 757، الاستبصار 4: 273 ح 1035، الوسائل 19: 72 ب (40) من
أبواب القصاص في النفس ح 9. (2) الكافي في الفقه: 384، المراسم: 236 - 237،
الوسيلة: 431، غنية النزوع: 407. إصباح الشيعة: 494. (3) البقرة: 178. (4) المقنعة:
749، النهاية: 752. (5) المراسم: 237، الوسيلة: 433، غنية النزوع: 407، إصباح
الشيعة: 494. (*)
ص 115
إدريس (1). ولم يخالف فيه صريحا إلا ابن الجنيد (2)، فإنه أورده بصيغة: وروي.
والمصنف - رحمه الله - تردد في الحكم، استضعافا للرواية الدالة عليه.وكذلك العلامة
(3). والرواية رواها الشيخ عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن
أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات، فضربه مائة نكالا، وحبسه
سنة، وغرمه قيمة العبد، فتصدق بها عنه) (4). وفي طريقها سهل بن زياد، وضعفه مشهور،
ومحمد بن الحسن بن شمون، وهو غال ضعيف جدا، وعبد الله بن عبد الرحمن الاصم، وهو
ضعيف ليس بشي. وباقي الروايات لم يذكر فيها سوى الكفارة. وكثير منها صحيح أو حسن أو
موثق. وقد تقدم (5) في رواية يونس أن قيمته توضع في بيت المال، هو قريب من الصدقة
بها. وبالجملة، فالحكم مشكل، لضعف المستند، وعدم ظهور الاجماع، وإن كانت موافقة ابن
إدريس لهم تؤذن به، حيث إنه لا يعمل بالاخبار الصحيحة فكيف بمثل هذه! والشهيد في
الشرح (6) استند إلى فتوى الاصحاب دون الرواية. ولا يخفى ما فيه.
(هامش)
(1) السرائر 3: 355. (2) حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 373. (3) تحرير الاحكام
2: 245، قواعد الاحكام 2: 286. (4) الكافي 7: 303 ح 6، التهذيب 10: 235 ح 933،
الوسائل 19: 68 ب (37) من أبواب القصاص في النفس ح 5. (5) في ص: 113. (6) غاية
المراد: 373. (*)
ص 116
ولو قتل عبدا لغيره عمدا، أغرم قيمته يوم قتل، ولا يتجاوز بها دية الحر، ولا بقيمة
المملوكة دية الحرة. ولو كان ذميا لذمي، لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه، ولا
بقيمة الانثى دية الذمية.
قوله: (ولو قتل عبدا لغيره... إلخ). القول بضمان قاتل
العبد قيمته ما لم يتجاوز دية الحر فيرد إليها موضع وفاق ونص. ففي صحيحة ابن رئاب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب، قيل: وإن
كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال: لا تتجاوز قيمة العبد دية الاحرار) (1). وفي صحيحة
ابن رئاب أيضا عن أبي الورد قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل عبدا خطاء،
قال: عليه قيمته، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: ومن يقومه وهو ميت؟ قال:
إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانتيوم قتله كذا وكذا أخذ بها قاتله، وإن لم يكن له
شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه، يشهد بالله ما له قيمة أكثر مما
قومته، فإن أبى أن يحلف ورد اليمين على المولى حلف المولى، فإن حلف المولى أعطي ما
حلف عليه، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف) (2). وغيرهما من الاخبار (3).
(هامش)
(1) الكافي 7: 305 ح 11، الفقيه 4: 95 ح 312، التهذيب 10: 193 ح 761، الاستبصار 4:
274 ح 1039، الوسائل 19: 71 ب (40) من أبواب القصاص في النفس ح 4. (2) الفقيه 4: 96
ح 318، التهذيب 10: 193 ح 762، الوسائل 19: 153 ب (7) من أبواب ديات النفس ح 1. (3)
راجع الوسائل 19: 152 ب (6) من أبواب ديات النفس ح 2 و5. (*)
ص 117
ولو قتل العبد حرا، قتل به، ولا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار بين قتله
و[بين] استرقاقه، وليس لمولاه فكه مع كراهية الولي. ولو جرح حرا، كان للمجروح
الاقتصاص منه.
وألحق بالذكر الانثى وإن كان مولاها (1) ذكرا. والذمي إذا كان مولاه
ذميا اعتبر فيه دية الذمي، وإن كان مسلما فدية المسلم. ولو كان المولى ذميا والعبد
مسلم فقتل قبل أن يباع عليه، ففي اعتبار قيمته بدية المسلم أو الذمي وجهان، منشؤهما
اعتبار حال المقتول، مضافا إلى عموم الادلة السابقة، ومن أن زيادة القيمة بسبب
الإسلام، والذمي لا يستقر ملكه على المسلم، وعموم ما روي: (أن العبد لا يتجاوز
بقيمته دية مولاه) (2). والاصح الاول. واستثنى بعضهم من ذلك الغاصب، فحكم بضمانه
القيمة بالغة ما بلغت، مراعاة لجانب المالية، ومؤاخذة له بأشق الاحوال. وهو قوي.
وقد تقدم (3) تحقيقه في محله. فعلى هذا، لو غصبه غاصب فقتله غيره، لزم القاتل أقل
الامرين من قيمته ودية الحر، ولزم الغاصب ما زاد من قيمته عن الدية.قوله: (ولو قتل
العبد حرا... إلخ). لا إشكال في تسلط الولي على قتله، لانه موجب (4) القتل عمدا.
وأما إذا
(هامش)
(1) كذا في هامش (د) بعنوان: ظاهرا، وهو الصحيح، وفي سائر النسخ والحجريتين: مولاه.
(2) لم نجده بهذا اللفظ في مصادر الحديث، وأرسله فخر المحققين (قدس سره) في إيضاح
الفوائد 4: 581 - 582، وللاستزادة انظر جواهر الكلام 42: 98. (3) في ج 12: 194. (4)
كذا في (ت)، وفي سائر النسخ: يوجب. (*)
ص 118
فإن طلب الدية فكه مولاه بأرش الجناية. ولو امتنع، كان للمجروح استرقاقه، إن أحاطت
به الجناية. وإن قصر أرشها، كان له أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته. وإن شاء
طالب ببيعه، وله من ثمنه أرش الجناية. فإن زاد ثمنه، فالزيادة للمولى. ولو قتل
العبد عبدا عمدا، فالقود لمولاه. فإن قتل جاز. وإن طلب الدية، تعلقت برقبة الجاني.
فإن تساوت القيمتان، كان لمولى المقتول استرقاقه. ولا يضمنه مولاه، لكن لو تبرع فكه
بقيمة الجناية. وإن كانت قيمة القاتل أكثر، فلمولاه منه بقدر قيمة المقتول. وإن
كانت قيمته أقل. فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه. ولا يضمن مولى القاتل شيئا، إذ
المولى لا يعقل عبدا.
أراد استرقاقه، فهل يتوقف على رضا المولى؟ وجهان، أصحهما -
وهو الذي جزم به المصنف رحمه الله -: العدم، لان الشارع سلطه على إتلافه بدون رضا
المولىالمستلزم لزوال ملكه عنه، فإزالته مع إبقاء نفسه أولى، لما يتضمن من حقن دم
المؤمن، وهو مطلوب للشارع، ولورود أخبار (1) كثيرة عن أبي عبد الله عليه السلام
بتخير الولي بين قتله واسترقاقه. ووجه العدم: أن القتل عمدا يوجب القصاص، ولا يثبت
المال عوضا عنه إلا بالتراضي، واسترقاقه من جملة أفراده. قوله: (فإن طلب الدية فكه
مولاه... إلخ).
(هامش)
(1) الوسائل 19: 73 ب (41) من أبواب القصاص في النفس. (*)
ص 119
ولو كان القتل خطاء، كان مولى القاتل بالخيار، بين فكه بقيمته - ولا تخيير لمولى
المجني عليه - وبين دفعه، وله منه ما يفضل عن قيمة المقتول، وليس عليه ما يعوز. ولو
اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم قتل، فالقول قول الجاني مع يمينه، إذا لم
يكن للمولى بينة. والمدبر كالقن. فلو قتل عمدا قتل. وإن شاء الولي استرقاقه كان له.
ولو قتل خطاء، فإن فكه مولاه بأرش الجناية، وإلا سلمه للرق. فإذا مات الذي دبره، هل
ينعتق؟ قيل: لا، لانه كالوصية، وقد خرج عن ملكه بالجناية، فيبطل التدبير. وقيل: لا
يبطل، بل ينعتق.
وجه فكه بأرش الجناية أنه الواجب لتلك الجناية، فإن اتفقا على
المال فليكن بموجب الجناية. وهذا هو أحد القولين في المسألة. والاخر أنه يفكه بأقل
الامرين من قيمته وأرش الجناية، لان الاقل إن كان هو الارش فواضح، وإن كان هو
القيمة فهي بدل العين فتقوم مقامها، والجاني لا يجني على أكثر من نفسه، والمولى لا
يعقل مملوكه، فلا يلزمه الزائد. والقولان للشيخ (1)، بل ادعى في الخلاف (2) الاجماع
على الثاني. وقد تقدم الكلام فيهما في باب الاستيلاد (3). قوله: (ولو كان القتل
خطاء... إلخ). بل بأقل الامرين على أصح القولين، كما مر. قوله: (والمدبر كالقن...
إلخ).
(هامش)
(1) انظر المبسوط 7: 7 و160. (2) الخلاف 5: 149 مسألة (5). (3) راجع ج 10: 531. (*)
ص 120
[وهو المروي]. ومع القول بعتقه، هل يسعى في فك رقبته؟ فيه خلاف، الاشهر أنه يسعى.
وربما قال بعض [الاصحاب]: يسعى في دية المقتول. ولعله وهم.
الخلاف في هذه المسألة
في موضعين: أحدهما: هل ينعتق المدبر الجاني جناية تستغرق قيمته بموت مولاه، أم يبطل
التدبير؟ ذهب الشيخان (1) إلى الاول، وابن إدريس (2) إلى الثاني، وتبعه أكثر (3)
المتأخرين. ويظهر من المصنف التردد في الحكم، حيث اقتصر على نقل القولين. احتج
الاولون بحسنة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام قال: (قلت له: مدبر قتل رجلا
خطاء، من يضمن عنه؟ قال: يصالح عنه مولاه، فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم
حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا لا سبيل عليه) (4). واحتج الاخرون بصحيحة أبي بصير
عن الباقر عليه السلام قال: (سألته عن مدبر قتل رجلا عمدا، فقال: يقتل به، قلت: وإن
قتله خطاء؟ فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم، فإن شأوا استرقوه وليس لهم
قتله، ثم قال:
(هامش)
(1) المقنعة: 751 - 752، النهاية: 751. (2) السرائر 3: 354. (3) المختلف: 792،
إرشاد الاذهان 2: 205 - 206، إيضاح الفوائد 4: 577، التنقيح الرائع 4: 419،
المقتصر: 424 - 425. (4) الكافي 7: 305 ح 9، التهذيب 10: 197 ح 783، الاستبصار 4:
275 ح 1042، الوسائل 19: 155 ب (9) من أبواب ديات النفس ح 1. (*)
ص 121
يا أبا محمد إن المدبر مملوك) (1).وهذا نص حيث إن حكم المملوك ذلك (2)، ولان
التدبير جائز كالوصية، فيبطل بفعل ما يوجب خروجه عن الملك كالبيع. والثاني: على
القول بعدم بطلان التدبير، والحكم بعتقه بعد موت المولى، هل يسعى في شي لاولياء
المقتول؟ قيل: لا، لاطلاق الرواية. وقال الشيخ (3): يسعى في دية المقتول إن كان
حرا، وقيمته إن كان عبدا. والمصنف - رحمه الله - نسب هذا القول إلى الوهم، لعدم
الدليل عليه، خصوصا مع زيادة الدية على قيمته. وقال الصدوق (4): يسعى في قيمته،
لرواية هشام بن أحمد قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن مدبر قتل رجلا خطاء، قال:
أي شي رويتم في هذا الباب؟ قلت: روينا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يتل
(5) برمته إلى أولياء المقتول، فإذا مات الذي دبره أعتق، قال: سبحان الله فيبطل دم
امر مسلم؟! قلت: هكذا روينا، قال: غلطتم على أبي، يتل برمته إلى أولياء المقتول،
فإذا مات الذي دبره استسعي في قيمته) (6).
(هامش)
(1) الكافي 7: 305 ح 8، الفقيه 4: 95 ح 315، التهذيب 10: 197 ح 782، الوسائل 19: 75
ب (42) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (2) في (ت، د): كذلك. (3) النهاية: 751. (4)
المقنع: 533. (5) يقال: تل يتل: إذا ألقاه. وتله للجبين: أي: صرعه وألقاه. برمته:
أي: كله. النهاية لابن الاثير 1: 195، 2: 267. (6) الكافي 7: 307 ح 20 وفيه: هشام
بن أحمر، التهذيب 10: 198 ح 785، الاستبصار 4: 275 ح 1044، الوسائل 19: 156 ب (9)
من أبواب ديات النفس ح 5. (*)
ص 122
والمكاتب إن لم يؤد من مكاتبته شيئا، أو كان مشروطا، فهوكالقن. وإن كان مطلقا، وقد
أدى من مال الكتابة شيئا، تحرر منه بحسابه. فإذا قتل حرا عمدا، قتل [به]. وإن قتل
مملوكا، فلا قود، وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة، فيسعى في نصيب الحرية،
ويسترق الباقي منه، أو يباع في نصيب الرق. ولو قتل خطاء، فعلى الامام بقدر ما فيه
من الحرية، والمولى بالخيار بين فكه بنصيب الرقية من الجناية، وبين تسليم حصة الرق
لتقاص بالجناية.
واحتج الشيخ بأن الواجب في القتل دية المقتول أو قيمته، فإذا سعى
فإنما يسعى في ذلك المضمون. وقيل (1): يسعى في أقل الامرين من قيمة نفسه ومن دية
المقتول أو قيمته، جمعا بين الادلة. والاقوى في الموضعين أنه مع استرقاقه بالفعل
قبل موت المولى يبطل التدبير، وإلا عتق بموت مولاه، وسعى في فك رقبته بأقل الامرين
من قيمته يوم الجناية وأرش الجناية، إن لم يكن الجناية موجبة لقتله حرا، لانه لم
يخرج عن ملك المولى بمجرد الجناية، وقد تعلقت برقبته، فإذا امتنع استرقاقه استسعي
في حق الجناية. ويمكن الجمع بين الاخبار بذلك أيضا. قوله: (والمكاتب إن لم يؤد...
إلخ).
(هامش)
(1) إيضاح الفوائد 4: 578. (*)
ص 123
وفي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام: (إذا أدى نصف ما عليه،
فهو بمنزلة الحر). وقد رجحها في الاستبصار، ورفضها في غيره. والعبد إذا قتل مولاه،
جاز للولي قتله. وكذا لو كان للحر عبدان، فقتل أحدهما الاخر، كان مخيرا بين قتل
القاتل وبين العفو.
إذا جنى المكاتب، فإن كان مشروطا أو مطلقا ولم يؤد شيئا من مال
الكتابة فحكمه حكم المملوك. وقد تقدم (1). وإن كان مطلقا، وقد أدى شيئا من [مال]
(2) كتابته، تحرر منه بنسبته. وحينئذ فتتعلق الجناية برقبته مبعضة. فما قابل نصيب
الحرية يكون على الامام في الخطاء، وعلى ماله في العمد. وما قابل نصيب الرقية إن
فداه المولى فالكتابة بحالها. وإن دفعه استرقه أولياء المقتول، وبطلت الكتابة في
ذلك البعض. هذا هو الذي تقتضيه الاصول، وعليه أكثر المتأخرين (3). وفي بعض الاخبار
(4) دلالة عليه. وفي المسألة أقوال أخر: أحدها: أنه مع أدائه نصف ما عليه يصير
بمنزلة الحر، فيستسعى في العمد، ويجب على الامام أداء نصيب (5) الجناية في الخطاء.
وهو مذهب الشيخ في
(هامش)
(1) في ص: 117. (2) من (أ). (3) قواعد الاحكام 2: 285 و287، المقتصر: 425 - 426،
المهذب البارع 5: 167. (4) راجع الوسائل 19: 78 ب (46) من أبواب القصاص في النفس.
(5) في (م): نصف. (*)
ص 124
الاستبصار (1)، وقبله الصدوق (2). ومستنده رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما
السلام في حديث من جملته: (وسألته عن المكاتب إذا أدى نصف ما عليه، قال: هو بمنزلة
الحر في الحدود وغير ذلك، من قتل وغيره) (3). وفي طريق الرواية جهالة تمنع من العمل
بها، مضافة إلى مخالفتها للاصل. وثانيها: أن على الامام أن يؤدي بقدر ما عتق من
المكاتب، وما لم يؤد للورثة أن يستخدموه فيه مدة حياته، وليس لهم بيعه. قاله الصدوق
(4) أيضا، وتلميذه المفيد (5)، وتلميذه سلار (6). ونفى عنه في المختلف (7) البأس.
ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن مكاتب قتل رجلا
خطاء، فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إذا عجزفهو رد في الرق فهو بمنزلة
المماليك، يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شأوا قتلوه وإن شأوا باعوه، وإن كان مولاه
حين كاتبه لم يشترط عليه وكان قد أدى من مكاتبته شيئا، فإن عليا عليه السلام كان
يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته، وإن على الامام أن يؤدي إلى أولياء
المقتول من الدية بقدر ما أعتق
(هامش)
(1) الاستبصار 4: 277 ذيل ح 1049. (2) المقنع: 528 - 529. (3) التهذيب 10: 201 ح
795، الاستبصار 4: 277 ح 1049، الوسائل 19: 157 ب (10) من أبواب ديات النفس ح 3.
(4) المقنع: 535. (5) المقنعة: 752. (6) المراسم: 237. (7) المختلف: 795. (*)
ص 125
مسائل ست: الاولى: لو قتل حر حرين، فليس لاوليائهما إلا قتله، وليس لهما المطالبة
بالدية.
من المكاتب، ولا يبطل دم امر مسلم، وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب ما لم
يؤده، فلاولياء المقتول أن يستخدموه حياته بقدر ما بقي عليه، وليس لهم أن يبيعوه)
(1). وثالثها: أن على مولاه ما قابل نصيب الرقية، وعلى الامام ما قابل الحرية. وهو
مذهب الشيخ في النهاية (2)، واختاره ابن إدريس (3)، وهو قول الصدوق (4) أيضا. قوله:
(لو قتل حر حرين... إلخ). إذا قتل حر حرين فصاعدا، فإن اجتمع أولياؤهم في الاستيفاء
فليس لهم إلا نفسه، لان موجب العمد القصاص، فلا يجب غيره حيث يطلب. وإن طلبه بعضهم
دون بعض جاز قتله بالمبتدئ (5) به، لانه مكافئ لنفسه، سواء كان هو الذي قتله ابتداء
أم لا. وفي جواز مطالبة الباقين حينئذ بالدية وجهان، من أن الجناية لم توجب إلا
القصاص، وقد امتنع بفوات محله، ودية العمد لا تثبت إلا صلحا، ومن منع
(هامش)
(1) الكافي 7: 308 ح 3، الفقيه 4: 95 ح 316، التهذيب 10: 198 ح 787، الوسائل 19: 78
ب (46) من أبواب القصاص في النفس ح 2. (2) النهاية: 751. (3) السرائر 3: 354 - 355.
(4) المقنع: 516. (5) سقطت من (أ، ت، ث، م). (*)
ص 126
ولو قطع يمين رجل، ومثلها من آخر، قطعت يمينه بالاول ويسراه بالثاني. فلو قطع يد
ثالث، قيل: سقط القصاص إلى الدية. وقيل: قطعت رجله بالثالث. وكذا لو قطع رابعا. أما
لو قطع، ولا يد له ولا رجل، كان عليه الدية، لفوات محل القصاص.
انحصار الحق في
القصاص، بل الواجب أحد الامرين منه ومن الدية، كما دلتعليه الرواية (1)، وذهب إليه
جمع من الاصحاب (2). ويؤيده أن فيه جمعا بين الحقين، وأنه لولاه لزم طل دم المسلم،
وهو باطل، لقوله صلى الله عليه وآله: (لا يطل دم امر مسلم) (3). وهذا هو الوجه.
قوله: (ولو قطع يمين رجل... إلخ). أما قطع اليد باليد (4) وإن كانت مخالفة للمقطوعة
في الجهة فموضع وفاق، ولصدق المماثلة في الجملة حيث تعذرت من كل وجه. وأما قطع
الرجل باليد فهو مذهب الشيخ (5) وأتباعه (6)، لصحيحة حبيب السجستاني عن الباقر عليه
السلام قال: (سألته عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، فقال: يا حبيب تقطع يمينه
للرجل الذي قطع يمينه أولا، ويقطع يساره للذي قطع يمينه أخيرا، لانه إنما قطع يد
الرجل الاخير، ويمينه قصاص للرجل. قال: فقلت: إن عليا عليه السلام إنما كان يقطع
اليد اليمنى والرجل اليسرى.
(هامش)
(1) راجع الوسائل 19: 37 ب (19) من أبواب القصاص في النفس. (2) قواعد الاحكام 2:
284، إيضاح الفوائد 4: 573، التنقيح الرائع 4: 420 - 421. (3) عوالي اللئالي 3: 581
ح 21. (4) سقطت من (أ، ت، ط). (5) النهاية: 771، الخلاف 5: 193 مسألة (59). (6)
المهذب 2: 479 - 480، غنية النزوع: 410، إصباح الشيعة: 496. (*)
ص 127
ولو قتل العبد حرين على التعاقب، كان لاولياء الاخير. وفي رواية أخرى: يشتركان فيه،
ما لم يحكم به للاول. وهذه أشبه.
قال: فقال: إنما يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله
تعالى، فأما ما يجب من حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص، اليد باليد
إذا كان للقاطع يدان، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يدان. فقلت له: إنما توجب
عليه الدية وتترك رجله. فقال: إنما توجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع
يدان ولا رجلان، فثم توجب عليه الدية، لانه ليس له جارحة فيقاص منها) (1). ولان
المماثلة الحقيقية لو اعتبرت لما جاز التخطي من اليد اليمنى إلى اليسرى. وذهب ابن
إدريس (2) إلى سقوط القصاص حينئذ، والانتقال إلى الدية، لفقد المماثلة بين اليد
والرجل، بخلاف اليدين وإن اختلفا من وجه. وهذا هو الوجه، إلا أن تصح الرواية. وفي
صحتها - وإن وصفها بها الجماعة - منع واضح، لان حبيبا لم ينص الاصحاب على توثيقه،
وإنما ذكروا أنه كان شاريا وانتقل إلينا، وفي إلحاقه بذلك بالحسن فضلا عن الصحيح
بعد. نعم، الطريق إليه صحيح. ولعل وصفهم لها بالصحة إضافية، كما سبق بيانه غير مرة.
ولو قطع يد رابع فالقول في قطع رجله الاخرى كالقول في الثالثة، وأولىبالمنع. أما
الخامسة فصاعدا ففيها الدية بغير إشكال. قوله: (ولو قتل العبد حرين... إلخ).
(هامش)
(1) الكافي 7: 319 ح 4، الفقيه 4: 99 ح 328، التهذيب 10: 259 ح 1022، الوسائل 19:
131 ب (12) من أبواب القصاص في الطرف ح 2. (2) السرائر 3: 396 - 397. (*)
ص 128
ويكفي في الاختصاص، أن يختار الولي استرقاقه، ولو لم يحكم له الحاكم. ومع اختيار
ولي الاول، لو قتل بعد ذلك كان للثاني.
احترز بالتعاقب عما لو قتلهم دفعة واحدة،
فإن أولياء المقتولين يشتركون فيه اتفاقا. وإنما الخلاف فيما لو قتل واحدا بعد
واحد. والقول بكونه للاخير للشيخ في النهاية (1)، استنادا إلى رواية علي بن عقبة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد، قال:
هو لاهل الاخير من القتلى، إن شأوا قتلوه وإن شأوا استرقوه، لانه إذا قتل الاول
استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الاول، فصار لاولياء الثاني، فإذا
قتل الثالث استحق من أولياء الثاني، فصار لاولياء الثالث، فإذا قتل الرابع استحق من
أولياء الثالث، فصار لاولياء الرابع، إن شأوا قتلوه وإن شأوا استرقوه) (2). وفي
طريق الرواية ضعف. وحملها الشيخ في الاستبصار (3) على أنه إنما يصير لاولياء الاخير
إذا حكم بذلك الحاكم، أما قبل ذلك فلا، بل يشترك فيه الجميع. وهذا هو الذي اختاره
المصنف والاكثر. ويدل عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام في عبد جرح رجلين،
قال: (هو بينهما إن كانت الجناية محيطة بقيمته، قيل له: فإن جرح رجلا في أول النهار
وجرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم الوالي في
(هامش)
(1) النهاية: 752. (2) التهذيب 10: 195 ح 774، الاستبصار 4: 274 ح 1040، الوسائل
19: 77 ب (45) من أبواب القصاص في النفس ح 3. (3) الاستبصار 4: 274 ذيل ح 1040. (*)
ص 129
الثانية: قيمة العبد مقسومة على أعضائه، كما أن دية الحرمقسومة على أعضائه. فكل ما
فيه منه واحد ففيه كمال قيمته، كاللسان والذكر والانف. وما فيه اثنان ففيهما [كمال]
قيمته، وفي كل واحد نصف قيمته. وكذا ما فيه عشر، ففي كل واحد عشر قيمته. وبالجملة:
الحر أصل للعبد، فيما له دية مقدرة، وما لا تقدير له فيه، ففيه الحكومة.
المجروح
الاول، قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإن جنايته على الاخير) (1). وهذا هو الاصح.
ونبه المصنف - رحمه الله - بقوله: (ويكفي في الاختصاص أن يختار الولي استرقاقه...
إلخ) على خلاف الشيخ في الاستبصار، حيث اشترط في اختصاص الاخير حكم الحاكم به
للسابق، كما حكيناه عنه في تأويل الخبر، ولعله جعل حكم الحاكم به كناية عن اختيار
الاول الاسترقاق. قوله: (قيمة العبد مقسومة على أعضائه... إلخ). معنى كون الحر أصلا
للعبد فيما له دية مقدرة: أن الثابت لمولى العبد بسبب الجناية عليه من قيمته على
نسبة ما يثبت للحر من الدية. وما لا تقدير لديته فالعبد أصل للحر فيه، بمعنى أن
الحر يقدر عبدا صحيحا ومعيبا بذلك الجرح الذي لا تقدير له، ويثبت له من الدية بنسبة
ما بين القيمتين. وهذا الحكم كالمتفق عليه. وهو مروي عن الصادق عليه السلام: (أن
عليا
(هامش)
(1) الفقيه 4: 94 ح 311، التهذيب 10: 195 ح 775، الاستبصار 4: 274 ح 1041، الوسائل
19: 77 ب (45) من أبواب القصاص في النفس ح 1. (*)
ص 130
فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته، فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شي له، وبين
دفعه وأخذ قيمته. ولو قطع يده ورجله دفعة، ألزمه القيمة، أو أمسكه ولا شي له. أما
لو قطع يده، فللسيد إلزامه بنصف قيمته. وكذا كل جناية لا تستوعب قيمته. ولو قطع يده
قاطع، ورجله آخر، قال بعض الاصحاب: يدفعه إليهما، ويلزمهما الدية، أو يمسكه، كما لو
كانت الجنايتان من واحد. والاولى: أن له إلزام كل واحد [منهما] بدية جنايته، ولا
يجب دفعه إليهما.
عليه السلام قال: جراحات العبيد على نحو جراحات الاحرار في الثمن)
(1). قوله: (فإذا جنى الحر على العبد... إلخ). لئلا يجمع بين العوض والمعوض.
ولرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليهالسلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
أنف العبد أو ذكره أو شي يحيط بقيمته، أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد، ويأخذ العبد)
(2). واستثني من ذلك ما لو كان الجاني غاصبا، فإنه يجمع عليه بين أخذ العوض
والمعوض، مراعاة لجانب المالية، ووقوفا فيما خالف الاصل على موضع الوفاق. وقد تقدم
(3) في بابه. قوله: (ولو قطع يده قاطع ورجله... إلخ).
(هامش)
(1) الفقيه 4: 95 ح 313، التهذيب 10: 295 ح 1147، الوسائل 19: 298 ب (8) من أبواب
ديات الشجاج والجراح ح 2. (2) الكافي 7: 307 ح 21، التهذيب 10: 194 ح 765، الوسائل
19: 298 ب (8) من أبواب ديات الشجاج والجراح ح 3.(3) في ج 12: 198. (*)
ص 131
الثالثة: كل موضع نقول يفكه المولى، فإنما يفكه بأرش الجناية، زادت عن قيمة المملوك
الجاني أو نقصت. وللشيخ (1) قول آخر: أنه يفديه بأقل الامرين. والاول مروي (2).
الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدين، كل واحد لمالك. فإن اختارا القود، قيل: يقدم
الاول، لان حقه أسبق، ويسقط الثاني بعد قتله، لفوات محل الاستحقاق. وقيل: يشتركان
فيه، ما لم يختر مولى الاول استرقاقه قبل الجناية الثانية، فيكون للثاني. وهو أشبه.
القائل بذلك الشيخ في المبسوط (3)، فإنه سوى بين الجانيين والجاني الواحد في ذلك،
نظرا إلى المشاركة في العلة.وذهب ابن (4) إدريس إلى إلزام كل واحد بدية جنايته من
غير أن يدفعإليهما، لان ذلك هو مقتضى حكم الجناية. والفرق بين الجاني الواحد وما
زاد ثبتبالاجماع على الاول، فيقتصر فيه على مورده، ويبقى غيره على حكم الاصل.وهذا
أقوى.قوله: (كل موضع نقول يفكه المولى... إلخ).قد تقدم (5) الكلام في هذه المسألة
مرارا، وأن القول الثاني أقوى. قوله: (لو قتل عبد واحد عبدين... إلخ).
(هامش)
(1) المبسوط 7: 160. (2) لم نجد تصريحا بذلك في الروايات. نعم، يستفاد من إطلاق
بعضها، راجع الوسائل 19: 154 ب (8) من أبواب ديات النفس ح 1، 2. (3) المبسوط 7:
108. (4) السرائر 3: 356. (5) راجع ص: 118. (*)
ص 132
فإن اختار الاول المال، وضمن المولى، تعلق حق الثاني برقبته، وكان له القصاص. فإن
قتله، بقي المال في ذمة مولى الجاني. ولو لم يضمن، ورضي الاول باسترقاقه، تعلق به
حق الثاني. فإن قتله، سقط حق الاول، وإن استرق اشترك الموليان. ولو قتل [عبد] عبدا
لاثنين، فطلب أحدهما القيمة، ملك منه بقدر قيمة حصته من المقتول، ولم يسقط حق
الثاني من القود، مع رد قيمة حصة شريكه.
إذا قتل العبد عبدين، وكانت قيمة كل واحد
تستوعب قيمته، فإن كان القتل دفعة فلا إشكال في اشتراك الموليين في الحق قصاصا
واسترقاقا. وإن كان على التعاقب فقد تقدم (1) أن التخيير في القتل والاسترقاق لمولى
المجني عليه. فإن كان مولى الاول قد اختار الاسترقاق قبل الجناية الثانية صار ملكا
له، فإذا جنى بعد ذلك كانت واقعة في ملك مولى الاول، فيكون الحق منحصرا في مولى
الثاني. وإن لم يكن قد سبق اختياره الاسترقاق ففي اشتراكهما أو تقديم الاول قولان،
أصحهما الاول، لتعلق الجنايتين برقبته، فلا وجه للترجيح وإن كان أحدالسببين أسبق،
لان مجرد الجناية لم يوجب انتقاله إلى ملك مولى المجني عليه، بل يتوقف على اختياره،
ولم يحصل. والثاني للشيخ في المبسوط (2)، نظرا إلى سبق الاستحقاق. وقد ظهر كونه غير
كاف في التقديم بمجرده. قوله: (فإن اختار الاول المال... إلخ).
(هامش)
(1) في ص: 118. (2) المبسوط 7: 8. (*)
ص 133
الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبدا، فعلى كل واحد عشر قيمته، فإن قتل مولاه العشرة،
أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته. ولو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته فلا رد.
وإن طلب الدية، فمولى كل واحد بالخيار، بين فكه بأرش جنايته، وبين تسليمه ليسترق إن
استوعبت جنايته قيمته، وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته، أو يرد
على مولاه ما يفضل عن حقه، ويكون له. ولو قتل المولى بعضا جاز، ويرد كل واحد عشر
الجناية. فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل، أتم مولى المقتول ما يعوز، أو يقتصر على
قتل من ينهض الرد بقيمته.
قد تقدم حكم ما إذا اختار الاول استرقاق الجاني قبل أن
يجني على الثاني، وأن اختياره لا يتوقف على رضا مولاه، بل يملكه بمجرد اختياره ذلك،
كما له القود منه بدون رضاه. وحينئذ فيتعلق حق الثاني برقبته. وأما إذا اختار أخذ
أرش الجناية من غير رقبته، فإنه يتوقف على رضا مولاه، لان ذلك [غرم] (1) لم يجب
بأصل الشرع، وإنما هو معاوضة على الجناية، فيتوقف على التراضي. فإن رضي مولى الجاني
بالمال انتقل إلى ذمته، وبقي العبد على ملكه، وسقط عنه حق الاول. فإذا جنى بعد ذلك
تعلقت الجناية برقبته، وكان لمولى المجني عليه ثانيا استرقاقه وقتله. وعلى
التقديرين فحق الاول باق في ذمة مولاه.
(هامش)
(1) من (ت، خ) والحجريتين. (*)
ص 134
وأما إذا اختار مولى الاول المال من غير رقبته فقد عرفت توقفه على رضا مولاه، فإن
لم يرض به لم يتعلق بذمته شي. وهل يسقط بذلك حق الاول من القتل أو الاسترقاق؟
يحتمله، لان عدوله عن القتل والاسترقاق إلى المال الخارج عن رقبته إسقاط لحقه منهما
ابتداء، وعدمه، لان رضاه بالمال أعم من كونه على جهة الاسترقاق للجاني، فإنه من
جملة المال، فلا ينافيه. وحينئذ فيتعلق حقه بالرقبة أولا، ثم يتعلق بها حق المجني
عليه ثانيا، كما لو اختار الاول الاسترقاق ابتداء. وهذه الصورة لم يذكرها المصنف
صريحا، وإنما ذكر حكم اختيار الاول المال مع رضا المولى، وحكم اختياره الاسترقاق من
دون رضاه. وجعل هذه الصورة قسيمة للسابقة، وكان حقه أن يجعل القسيم هو المسألة
المتروكة. ويمكن أن يكون وجه العدول دعوى تساويهما في الحكم. وهكذا صنع العلامة (1)
في كتبه. ولا يخفى عدم استقامة تساوي الصورتين، لان الرضا بالمال غايته أن يكون أعم
من الاسترقاق، فلا يدل عليه. ثم يبقى على تقدير اختياره الاسترقاق إشكال آخر في
الحكم باشتراك الموليين فيه، فإن الظاهر حينئذ واللازم من القواعد السابقة كونه
لمولى الثاني. وهذا هو الذي رجحه في التحرير (2)، بعد أن حكم فيه وفي غيره (3) من
كتبه باشتراكهما، كما ذكره المصنف هنا.
(هامش)
(1) قواعد الاحكام 2: 286، إرشاد الاذهان 2: 202، تحرير الاحكام 2: 246. (2) تحرير
الاحكام 2: 246. (3) قواعد الاحكام 2: 286، إرشاد الاذهان 2: 202. (*)
ص 135
السادسة: إذا قتل العبد حرا عمدا، فأعتقه مولاه، صح ولم يسقط القود. ولو قيل: لا
يصح، لئلا يبطل حق الولي من الاسترقاق، كان حسنا. وكذا البحث في بيعه وهبته. ولو
كان خطاء، قيل: يصح العتق، ويضمن المولى الدية، على رواية عمرو بن شمر، عن جابر، عن
أبي جعفر عليه السلام. وفي عمرو ضعف.
والشيخ في المبسوط (1) صرح بكون العفو على مال
يوجب تعلقه برقبته،وأنه مع عفو الثاني على مال أيضا يشترك الموليان فيه، كما ذكره
المصنف والعلامة. وهو مع مشاركته لهما في الحكم مصرح بأن اختيار المال كاختيار
الاسترقاق. وفيه الاشكال الذي ذكرناه. قوله: (إذا قتل العبد حرا عمدا... إلخ). وجه
صحة العتق أنه لم يخرج بالجناية عن الرق، والرق قابل للعتق، وهو مبني على التغليب.
ومع ذلك لم يبطل حق الجناية رأسا، لان الاصل في جناية العمد القصاص، وهو باق مع
العتق، لان المقتول مكافئ للحر لو كانت الحرية ابتداء، فمع طريانها أولى. والاقوى
ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم صحة العتق، لان حق الجناية من العبد موجبة
ابتداء لتخيير المجني عليه أو وليه بين الاسترقاق والقتل، والعتق يبطل أحد
اللازمين، والمنع من اللازم يستلزم المنع من الملزوم، وهو باطل. ويمنع كون الواجب
ابتداء بالجناية هو القصاص خاصة مطلقا، كما لا يخفى. قوله: (ولو كان خطاء...).
(هامش)
(1) المبسوط 7: 8. (*)
ص 136
وقيل: لا يصح، إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها.
إذا كانت جناية العبد خطاء،
فأعتقه مولاه قبل أداء حق الجناية، ففي صحة العتق قولان: أحدهما - وهو الذي ذهب
إليه الشيخ في النهاية (1) -: الصحة، واختاره العلامة (2) في أحد قوليه، لان
التخيير في جناية الخطاء إلى مولى الجاني، فإن شاء دفعه فيها، وإن شاء فداه بأرش
الجناية، فله عتقه، لانه لم يخرج عن ملكه بها كما مر، ويكون العتق التزاما بالفداء.
ويؤيده رواية عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في عبد قتل حرا خطاء، فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه
وضمنه الدية) (3). والرواية مع ضعفها بعمرو مرسلة أيضا، لكنها تصلح شاهدا لما ذكر
من التعليل. ويشكل التعليل أيضا على تقدير إعسار المولى بالدية، فإن عتقه حينئذ
يوجب منع حق الولي من الرقبة حيث يتعذر الفداء من المولى، فإن ذلك لازم قتل الخطاء.
ومن ثم قيد في القواعد (4) صحة العتق بيسار المولى المعتق. وفيه أيضا: أنه قد يدافع
مع يساره. فالاولى حينئذ تقييد الصحة بأداء المولى الدية، سواء كان موسرا أممعسرا.
(هامش)
(1) النهاية: 753. (2) المختلف: 796. (3) التهذيب 10: 200 ح 794، الوسائل 19: 160 ب
(12) من أبواب ديات النفس. (4) قواعد الاحكام 2: 288. (*)
ص 137
فروع
في السراية
الاول: إذا جنى الحر على المملوك، فسرت إلى نفسه، فللمولى كمال
قيمته. ولو تحرر، وسرت إلى نفسه، كان للمولى أقل الامرين، من قيمة الجناية أو الدية
عند السراية، لان القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له، والزيادة حصلت بعد الحرية،
فلا يملكها المولى. وإن نقصت مع السراية، لم يلزم الجاني تلك النقيصة، لان دية
الطرف تدخل في دية النفس، مثل أن يقطع واحد يده وهو رق، فعليه نصف قيمته، فلو كانت
قيمته ألفا، لكان على الجاني خمس مائة.
وقد يشكل حينئذ بأن العتق لا يقع موقوفا،
لبنائه على التغليب، بل إما أن يحكم بصحته منجزا أو ببطلانه. والمصنف - رحمه الله -
اقتصر على نقل القولين مؤذنا بتردده، مع ميله إلى البطلان، لطعنه في دليل الصحة.
وقد ظهر وجهه. قوله: (إذا جنى الحر على المملوك... إلخ). إذا جنى الحر على المملوك
جناية، بأن قطع يده عمدا، فلا قصاص عليه، لعدم المكافأة بينهما، ويثبت عليه نصف
القيمة. ولو فرض سريان الجناية إلى نفسه فلا قود عليه أيضا، ولكن يلزمه تمام
القيمة، لان سراية الجناية تابعة لاصلها في الضمان. ولو فرض انعتاقه قبل السراية
وبعد الجناية، ثم سرت إلى نفسه، فلا قود عليه أيضا، اعتبارا بوقت الجناية. ويجب على
الجاني دية الحر، لانه مات حرا.ويكون بين المولى والوارث.
ص 138
الثالث: لو قطع يده وهو رق، ثم قطع رجله وهو حر، كان على الجاني نصف قيمته وقت
الجناية لمولاه، وعليه القصاص في الجناية حال الحرية. فإن اقتص المعتق جاز، وإن
طالب بالدية، كان له نصف الدية، يختص به دون المولى. ولو سرتا فلا قصاص في الاولى،
لعدم التساوي. و[له] القصاص في الرجل، لانه مكافئ. وهل يثبت القود؟ قيل: لا، لان
السراية عن قطعين، أحدهما لا يوجب القود. والاشبه ثبوته مع رد ما يستحقه المولى.
ولو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل، أخذ المولى نصف قيمة المجني عليه وقت
الجناية. وكان الفاضل للوارث، فيجتمع له الاقتصاص وفاضل دية اليد، إن كانت ديتها
زائدة عن نصف قيمة العبد.