الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 339

بسم الله الرحمن الرحيم

حرف النون

النون المفردة 

تأتى على أربعة أوجه: أحدها: نون التوكيد، وهى خفيفة وثقيلة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (ليسجنن وليكونا) وهما أصلان عند البصريين، وقال الكوفيون: الثقيلة أصل، ومعناهما التوكيد، قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ، ويختصان بالفعل، وأما قوله: 554 - [أريت إن جاءت به أملودا * مرجلا ويلبس البرودا] * أقائلن أحضروا الشهودا * فضرورة سوغها شبه الوصف بالفعل. ويؤكد بهما صيغ الامر مطلقا، ولو كان دعائيا كقوله: 555 - فأنزلن سكينة علينا [وثبت الاقدام إن لاقينا] إلا أفعل في التعجب، لان معناه كمعنى الفعل الماضي، وشذ قوله: 556 - [ومستبدل من بعد غضيى صريمة] * فأحربه بطول فقر وأحريا ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا، وشذ قوله: 557 - دامن سعدك لو رحمت متيما * لولاك لم يك للصبابة جانحا والذى سهله أنه بمعنى أفعل، وأما المضارع فإن كان حالا لم يؤكد بهما، وإن كان مستقبلا أكد بهما وجوبا في نحو قوله تعالى (وتالله لاكيدن أصنامكم) وقريبا من الوجوب بعد إما في نحو (وإما تخافن من قوم) (وإما ينزغنك) وذكر ابن جنى أنه قرئ (فإما ترين) بياء ساكنة بعدها نون الرفع على حد قوله: * يوم الصليفاء لم يوفون بالجار * [448]

ص 340

ففيها شذوذان: ترك نون التوكيد، وإثبات نون الرفع مع الجازم. وجوازا كثيرا بعد الطلب نحو (ولا تحسبن الله غافلا) وقليلا في مواضع كقولهم: 558 - [إذا مات منهم سيد سرق ابنه] * ومن عضة ما ينبتن شكيرها الثاني: التنوين، وهو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد، فخرج نون حسن لانها أصل، ونون ضيفن للطفيلي لانها متحركة، ونون منكسر وانكسر لانها غير آخر، ونون (لنسفعا) لانها للتوكيد. وأقسامه خمسة: تنوين التمكين، وهو: اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصرف، ويسمى تنوين الا مكنية أيضا، وتنوين الصرف، وذلك كزيد ورجل ورجال. وتنوين التنكير، وهو: اللاحق لبعض الاسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، ويقع في باب اسم الفعل بالسماع كصه ومه وإيه، وفى العلم المختوم بويه بقياس نحو جاءني سيبويه وسيبويه آخر . وأما تنوين رجل ونحوه من المعربات فتنوين تمكين، لا تنوين تنكير، كما قد يتوهم بعض الطلبة، ولهذا لو سميت به رجلا بقى ذلك التنوين بعينه مع زوال التنكير. وتنوين المقابلة، وهو: اللاحق لنحو مسلمات جعل في مقابلة النون في مسلمين وقيل: هو عوض عن الفتحة نصبا، ولو كان كذلك لم يوجد في الرفع والجر، ثم الفتحة قد عوض عنها الكسرة، فما هذا العوض الثاني ؟ وقيل: هو تنوين التمكين، ويرده ثبوته مع التسمية به كعرفات كما تبقى نون مسلمين مسمى به، وتنوين التمكين لا يجامع العلتين، ولهذا لو سمى بمسلمة

ص 341

أو عرفة زال تنوينهما، وزعم الزمخشري أن عرفات مصروف، لان تاءه ليست للتأنيث، وإنما هي والالف للجمع، قال: ولا يصح أن يقدر فيه تاء غيرها، لان هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث تأبى ذلك، كما لا تقدر التاء في بنت مع أن التاء المذكورة مبدلة من الواو، ولكن اختصاصها بالمؤنث يأبى ذلك، وقال ابن مالك: اعتبار تاء نحو عرفات في منع الصرف أولى من اعتبار تاء نحو عرفة ومسلمة، لانها لتأنيث معه جمعية، ولانها علامة لا تتغير في وصل ولا وقف. وتنوين العوض، وهو: اللاحق عوضا من حرف أصلى، أو زائد، أو مضاف إليه: مفردا، أو جملة. فالاول كجوار وغواش، فإنه عوض من الياء وفاقا لسيبويه والجمهور، لا عوض من ضمة الياء وفتحتها النائبة عن الكسرة خلافا للمبرد، إذ لو صح لعوض عن حركات نحو حبلى، ولا هو تنوين التمكين والاسم منصرف خلافا للاخفش، وقوله لما حذفت الياء التحق الجمع بأوزان الآحاد كسلام وكلام فصرف مردود، لان حذفها عارض للتخفيف، وهى منوية، بدليل أن الحرف الذى بقى أخيرا لم يحرك بحسب العوامل، وقد وافق على أنه لو سمى يكتف امرأة ثم سكن تخفيفا لم يجز صرفه كما جاز صرف هند، وأنه إذا قيل في جيال علما لرجل جيل بالنقل لم ينصرف انصراف قدم علما لرجل، لان حركة تاء كتف وهمزة جيل منويا الثبوت، ولهذا لم تقلب ياء جيل ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والثانى: كجندل، فإن تنوينه عوض من ألف جنادل، قاله ابن مالك، والذى يظهر خلافه، وأنه تنوين الصرف، ولهذا يجر بالكسرة، وليس ذهاب الالف التى هي علم الجمعية كذهاب الياء من نحو جوار وغواش. والثالث: تنوين كل وبعض إذا قطعتا عن الاضافة نحو (وكلا ضربنا له

ص 342

الامثال) (فضلنا بعضهم على بعض) وقبل: هو تنوين التمكين، رجع لزوال الاضافة التى كانت تعارضه. والرابع: اللاحق لاذ في نحو (وانشقت السماء فهى يومئذ واهية) والاصل فهى يوم إذ انشقت واهية، ثم حذفت الجملة المضاف إليها للعلم بها، وجئ بالتنوين عوضا عنها، وكسرت الذال للساكنين. وقال الاخفش: التنوين تنوين التمكين والكسرة إعراب المضاف إليه. وتنوين الترنم، وهو: اللاحق للقوافي المطلقة بدلا من حرف الاطلاق، وهو الالف والواو والياء، وذلك في إنشاد بنى تميم، وظاهر قولهم أنه [تنوين] محصل للترنم وقد صرح بذلك ابن يعيش كما سيأتي، والذى صرح به سيبويه وغيره من المحققين أنه جئ به لقطع الترنم، وأن الترنم وهو التغني يحصل بأحرف الاطلاق لقبولها لمد الصوت فيها، فإذا أنشدوا ولم يترنموا جاءوا بالنون في مكانها ولا يختص هذا التنوين بالاسم، بدليل قوله: 559 - [أقلى اللوم عاذل والعتابن] * وقولى إن أصبت لقد أصابن وقوله: [أفد الترحل غير أن ركابنا] * لما تزل برحالنا وكأن قدن [286] وزاد الاخفش والعروضيون تنوينا سادسا، وسموه الغالى، وهو: اللاحق لآخر القوافى المقيدة، كقول رؤبة: 560 - وقاتم الاعماق خاوى المخترقن * [مشتبه الاعلام لماع الخفقن] [ص 361] وسمى غاليا لتجاوزه حد الوزن، ويسمى الاخفش الحركة التى قبله غلوا، وفائدته الفرق بين الوقف والوصل، وجعله ابن يعيش من نوع تنوين الترنم، زاعما أن الترنم يحصل بالنون نفسها، لانها حرف أغن، قال: وإنما سمى المغنى مغنيا

ص 343

لانه يغنن صوته: أي يجعل فيه غنة، والاصل عنده مغنن بثلاث نونات فأبدلت الاخيرة ياء تخفيفا، وأنكر الزجاج والسيرافى ثبوت هذا التنوين البتة، لانه يكسر الوزن، وقالا: لعل الشاعر كان يزيد إن في آخر كل بيت، فضعف صوته بالهمزة، فتوهم السامع أن النون تنوين، واختار هذا القول ابن مالك، وزعم أبو الحجاج ابن معزوز أن ظاهر كلام سيبويه في المسمى تنوين الترنم أنه نون عوض من المدة، وليس بتنوين، وزعم ابن مالك في التحفة أن تسمية اللاحق للقوافي المطلقة والقوافي المقيدة تنوينا مجاز، وإنما هو نون أخرى زائدة، ولهذا لا يختص بالاسم، ويجامع الالف واللام، ويثبت في الوقف. وزاد بعضهم تنوينا سابعا، وهو تنوين الضرورة، وهو: اللاحق لمالا ينصرف كقوله: 561 - ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة [فقالت: لك الويلات، إنك مرجلى] وللمنادى المضموم كقوله: 562 - سلام الله يا مطر عليها * [وليس عليك يا مطر السلام] وبقوله أقول في الثاني دون الاول، لان الاول تنوين التمكين، لان الضرورة أباحت الصرف، وأما الثاني فليس تنوين تمكين، لان الاسم مبنى على الضم. وثامنا، وهو التنوين الشاذ، كقول بعضهم هؤلاء قومك حكاه أبو زيد، وفائدته مجرد تكثير اللفظ، كما قيل في ألف قبعثرى، وقال ابن مالك: الصحيح أن هذا نون زيدت في آخر الاسم كنون ضيفن، وليس بتنوين، وفيما قاله نظر، لان الذى حكاه سماه تنوينا، فهذا دليل منه على أنه سمعه في الوصل دون الوقف، ونون ضيفن ليست كذلك. وذكر ابن الخباز في شرح الجزولية أن أقسام التنوين عشرة، وجعل كلا من

ص 344

تنوين المنادى وتنوين صرف ما لا ينصرف قسما برأسه، قال: والعاشر تنوين الحكاية، مثل أن تسمى رجلا بعاقلة لبيبة، فإنك تحكى اللفظ المسمى به، وهذا اعتراف منه بأنه تنوين الصرف، لان الذى كان قبل التسمية حكى (1) بعدها. الثالث: نون الاناث، وهى اسم في نحو النسوة يذهبن خلافا للمازني، وحرف في نحو يذهبن النسوة في لغة من قال أكلوني البراغيث خلافا لمن زعم أنها اسم وما بعدها بدل منها، أو مبتدأ مؤخر والجملة قبله خبره. الرابع: نون الوقاية، وتسمى نون العماد أيضا، وتلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بواحد من ثلاثة: أحدها: الفعل، متصرفا كان نحو أكرمنى أو جامدا نحو عساني، وقاموا ما خلانى وما عدانى وحاشانى إن قدرت فعلا، وأما قوله: [عددت قومي كعديد الطيس] إذ ذهب القوم الكرام ليسى [283] فضرورة، ونحو (تأمرونني) يجوز فيه الفك، والادغام، والنطق بنون واحدة، وقد قرئ بهن في السبعة، وعلى الاخيرة فقيل: النون الباقية نون الرفع، وقيل: نون الوقاية، وهو الصحيح. الثاني: اسم الفعل نحو دراكنى و تراكنى و عليكنى بمعنى أدركني وأتركني والزمنى. الثالث: الحرف نحو إننى وهى جائزة الحذف مع إن وأن ولكن وكأن، وغالبة الحذف مع لعل، وقليلته مع ليت. وتلحق أيضا قبل الياء المخفوضة بمن وعن إلا في الضرورة، وقبل المضاف إليها لدن أو قد أو قط إلا في القليل (2) من الكلام، وقد تلحق في غير ذلك شذوذا كقولهم بجلنى بمعنى حسبى.

(هامش)

(1) في نسخة يحكى بعدها
(2) في نسخة إلا في قليل الكلام . (*)

ص 345

وقوله: 563 - [وما أدرى وظني كل ظن] * أمسلمنى إلى قومي شراحي يريد شراحيل، وزعم هشام أن الذى في أمسلمنى ونحوه تنوين لا نون، وبنى ذلك على قوله في ضاربني إن الياء منصوبة، ويرده قول الشاعر: 564 - وليس الموافينى ليرفد خائبا * [فإن له أضعاف ما كان أملا] وفى الحديث غير الدجال أخوفني عليكم والتنوين لا يجامع الالف واللام ولا اسم التفضيل لكونه غير منصرف، وما لا ينصرف لا تنوين فيه، وفى الصحاح أنه يقال بجلى ولا يقال بجلنى وليس كذلك.

(نعم)  

بفتح العين، وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي، وبعضهم يبدلها حاء، وبها قرأ ابن مسعود، وبعضهم بكسر النون إتباعا لكسرة العين تنزيلا لها منزلة الفعل في قولهم نعم وشهد بكسرتين، كما نزلت بلى منزلة (الفن) ؟ في الامالة، والفارسي لم يطلع على هذه القراءة وأجازها بالقياس وهى حرف تصديق ووعد وإعلام، فالاول بعد الخبر كقام زيد، وما قام زيد. والثانى بعد افعل ولا تفعل وما في معناهما نحو هلا تفعل وهلا لم تفعل، وبعد الاستفهام في نحو هل تعطيني، ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثالث والثالث بعد الاستفهام في نحو هل جاءك زيد، ونحو (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) (أئن لنا لاجرا) وقول صاحب المقرب إنها بعد الاستفهام للوعد غير مطرد، لما بيناه قبل. قيل: وتأتى للتوكيد إذا وقعت صدرا نحو نعم هذه أطلالهم والحق أنها في ذلك حرف إعلام، وأنها جواب لسؤال مقدر، ولم يذكر سيبويه معنى الاعلام البتة، بل قال: وأما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفى، وكأنه رأى أنه إذا قيل هل قام زيد فقيل نعم فهى لتصديق ما بعد الاستفهام والاولى

ص 346

ما ذكرناه من أنها للاعلام، إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك: صدقت، لانه إنشاء لا خبر. واعلم أنه إذا قيل قام زيد فتصديقه نعم، وتكذيبه لا، ويمتنع دخول بلى لعدم النفى. وإذا قيل ما قام زيد فتصديقه نعم، وتكذيبه بلى، ومنه (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) ويمتنع دخول لا، لانها لنفى الاثبات لا لنفى النفى. وإذا قيل أقام زيد فهو مثل قام زيد، أعنى أنك تقول إن أثبت القيام: نعم، وإن نفيته: لا، ويمتنع دخول بلى، وإذا قيل ألم يقم زيد فهو مثل لم يقم زيد، فتقول إذا أثبت القيام: بلى، ويمنع دخول لا، وإن نفيته قلت: نعم، قال الله تعالى (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) (أو لم تؤمن قال بلى) وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه لو قيل نعم في جواب (ألست بربكم) لكان كفرا. والحاصل أن بلى لا تأتى إلا بعد نفى، وأن لا لا تأتى إلا بعد إيجاب، وأن نعم تأتى بعدهما، وإنما جاز (بلى قد جاءتك آياتى) مع أنه لم يتقدم أداة نفى لان (لو أن الله هداني) يدل على نفى هدايته، ومعنى الجواب حينئذ بلى قد هديتك بمجئ الآيات، أي قد أرشدتك لذلك (1)، مثل (وأما ثمود فهديناهم). وقال سيبويه، في باب النعت، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين: فيقال له: ألست تقول كذا وكذا، فإنه لا يجد بدا من أن يقول: نعم، فيقال له: أفلست تفعل كذا ؟ فإنه قائل: نعم، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن. وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين: إذا كان قبل النفى استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفى المجرد، وإن كان مرادا به التقرير فالاكثر أن يجاب بما يجاب به النفى رعيا للفظه، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الايجاب

(هامش)

(1) في نسخة قد أرشدتك بذلك وكلاهما صحيح، ولكل وجه. (*)

ص 347

رعيا لمعناه، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد، ولا الاستثناء المفرغ، لا يقال: أليس أحد في الدار، ولا أليس في الدار إلا زيد، وعلى ذلك قول الانصار رضى الله تعالى عنهم للنبى صلى الله عليه وسلم - وقد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك - نعم، وقول جحدر: 565 - أليس الليل يجمع أم عمرو * وإيانا، فذاك بنا تدانى نعم، وأرى الهلال كما تراه * ويعلوها النهار كما علانى وعلى ذلك جرى كلام سيبويه، والمخطئ مخطئ. وقال ابن عصفور: أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفى المحض وإن كان إيجابا في المعنى، فإذا قيل ألم أعطك درهما قيل في تصديقه: نعم، وفى تكذيبه: بلى، وذلك لان المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك، فإذا قال نعم لم يعلم هل أراد نعم لم تعطنى على اللفظ أو نعم أعطيتني على المعنى، فلذلك أجابوه على اللفظ، ولم يلتفتوا إلى المعنى، وأما نعم في بيت جحدر فجواب لغير مذكور، وهو ما قدره في اعتقاده من أن الليل يجمعه وأم عمرو، وجاز ذلك لامن اللبس، لعلمه أن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو، أو هو جواب لقوله وأرى الهلال - البيت وقدمه عليه. قلت: أو لقوله: فذاك بنا تدانى وهو أحسن. وأما قول الانصار فجاز لزوال اللبس، لانه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك، وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التقرير، اه‍. ويتحرر على هذا أنه لو أجيب (ألست بربكم) بنعم لم يكف في الاقرار، لان الله سبحانه وتعالى أوجب في الاقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التى لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر، ولهذا لا يدخل في الاسلام بقوله لا إله إلا الله برفع إله: لاحتماله لنفى الوحدة فقط، ولعل ابن عباس رضى الله عنهما إنما قال إنهم لو قالوا نعم

ص 348

لم يكن إقرارا كافيا، وجوز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا نعم جوابا للملفوظ به على ما هو الافصح لكان كفرا، إذ الاصل تطابق الجواب والسؤال لفظا، وفيه (نظر) ؟، لان التكفير لا يكون بالاحتمال.

حرف الهاء

الهاء المفردة 

على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون ضميرا للغائب، وتستعمل في موضعي الجر والنصب، نحو (قال له صاحبه وهو يحاوره). والثانى: أن تكون حرفا للغيبة، وهى الهاء في إياه فالحق (1) أنها حرف لمجرد معنى الغيبة، وأن الضمير إيا وحدها. والثالث: هاء السكت، وهى اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو (ماهيه) ونحو ها هناه، ووازيداه وأصلها أن يوقف عليها، وربما وصلت بنية الوقف. والرابع: المبدلة من همزة الاستفهام كقوله: 566 - وأتى صواحبها فقلن: هذا الذى * منح المودة غيرنا وجفانا ؟ والتحقيق أن لا تعد هذه، لانها ليست بأصلية، على أن بعضهم زعم أن الاصل هذا فحذفت الالف. والخامس: هاء التأنيث، نحو رحمه في الوقف، وهو قول الكوفيين. زعموا أنها الاصل، وأن التاء في الوصل بدل منها، وعكس ذلك البصريون، والتحقيق أن لا تعد ولو قلنا بقول الكوفيين، لانها جزء كلمة لا كلمة.

(هامش)

(1) في نسخة والتحقيق أنها - إلخ . (*)

ص 349

(ها)  

على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما لفعل، وهو خذ، ويجوز مد ألفها، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها، ويجوز في الممدودة أن يستغنى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكاف، فيقال هاء للمذكر بالفتح و هاء للمؤنث بالكسر، و هاؤما و هاؤن و هاؤم ومنه (هاؤم اقرأوا كتابيه). والثانى: أن تكون ضميرا للمؤنث، فتستعمل مجرورة الموضع ومنصوبته نحو (فألهمها فجورها وتقواها). والثالث: أن تكون للتنبيه، فتدخل على أربعة، أحدها: الاشارة غير المختصة بالبعيد نحو هذا بخلاف ثم وهنا بالتشديد وهنالك. والثانى: ضمير الرفع المخبر عنه باسم إشارة نحو (ها أنتم أولاء) وقيل: إنما كانت داخلة على الاشارة فقدمت، فرد بنحو (ها أنتم هؤلاء) فأجيب بأنها أعيدت توكيدا، والثالث: نعت أي في النداء نحو يا أيها الرجل وهى في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء، قيل: وللتعويض عما تضاف إليه أي، ويجوز في هذه في لغة بنى أسد أن تحذف ألفها، وأن تضم هاؤها إتباعا، وعليه قراءة ابن عامر (أيه المؤمنون) (أيه الثقلان) (أيه الساحر) بضم الهاء في الوصل، والرابع: اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف، يقال (ها الله) بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها.

(هل) حرف موضوع لطلب التصديق الايجابي، دون التصور، ودون التصديق السلبي، فيمتنع نحو هل زيدا ضربت لان تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة، ونحو هل زيد قائم أم عمرو إذا أريد بأم المتصلة، و هل لم يقم زيد ونظيرها في الاختصاص بطلب التصديق أم المنقطعة، وعكسهما أم المتصلة، وجميع أسماء الاستفهام فإنهن لطلب التصور لا غير، وأعم من الجميع الهمزة فإنها مشتركة بين الطلبين.

ص 350

وتفترق هل من الهمزة من عشرة أوجه: أحدها: اختصاصها بالتصديق. والثانى: اختصاصها بالايجاب، تقول هل زيد (قائم) ؟ ويمتنع هل لم يقم بخلاف الهمزة، نحو (ألم نشرح) (ألن يكفيكم) (أليس الله بكاف عبده) وقال: * ألا طعان ألا فرسان عادية * [100] والثالث: تخصيصها المضارع بالاستقبال، نحو هل تسافر ؟ بخلاف الهمزة نحو أتظنه قائما وأما قول ابن سيده في شرح الجمل: لا يكون الفعل المستفهم عنه إلا مستقبلا، فسهو، قال الله سبحانه وتعالى (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) وقال زيره : 567 - فمن مبلغ الاحلاف عنى رسالة * وذبيان هل أقسمتم كل مقسم والرابع والخامس والسادس: أنها لا تدخل على الشرط، ولا على إن، ولا على اسم بعده فعل، في الاختيار، بخلاف الهمزة، بدليل (أفإن مت فهم الخلدون) (أئن ذكرتم، بل أنتم قوم مسرفون) (أئنك لانت يوسف) (أبشرا منا واحدا نتبعه). والسابع والثامن: أنها تقع بعد العاطف، لا قبله وبعد أم نحو (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) وفى الحديث وهل ترك لنا عقيل من رباع وقال: 568 - ليت شعرى هل ثم هل آتينهم * أو يحولن دون ذاك حمام ؟ وقال تعالى (قل هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور) التاسع: أنه يراد بالاستفهام بها النفى، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا في نحو (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) والباء في قوله:

ص 351

569 - [يقول إذا اقلولى عليها وأقردت]: * ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم ؟ وصح العطف في قوله: 570 - وإن شفائى عبرة مهراقة * وهل عند رسم دارس من معول [ص 483] إذ لا يعطف الانشاء على الخبر. فإن قلت: قد مر لك في صدر الكتاب أن الهمزة تأتى لمثل ذلك مثل (أفاصفاكم ربكم بالبنين) ألا ترى أن الواقع أنه سبحانه لم يصفهم بذلك ؟. قلت: إنما مر أنها للانكار على مدعى ذلك، ويلزم من ذلك الانتفاء، لا أنها للنفي ابتداء، ولهذا لا يجوز أقام إلا زيد كما يجوز هل قام إلا زيد (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) (هل ينظرون إلا الساعة) وقد يكون الانكار مقتضيا لوقوع الفعل، على العكس من هذا، وذلك إذا كان بمعنى ما كان ينبغى لك أن تفعل، نحو أتضرب زيدا وهو أخوك ؟ ويتلخص أن الانكار على ثلاثة أوجه: إنكار على من ادعى وقوع الشيء، ويلزم من هذا النفى وإنكار على من أوقع الشيء، ويختصان بالهمزة وإنكار لوقوع الشيء، وهذا هو معنى النفى، وهو الذى تنفرد به هل عن الهمزة. والعاشر: أنها تأتى بمعنى قد، وذلك مع الفعل، وبذلك فسر قوله تعالى (هل أتى على الانسان حين من الدهر) جماعة منهم ابن عباس رضى الله عنهما والكسائي والفراء والمبرد قال في مقتضبه: هل للاستفهام نحو هل جاء زيد، وقد تكون بمنزلة قد نحو قوله جل اسمه (هل أتى على الانسان) اه‍. وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبدا بمعنى قد، وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في المفصل عن سيبويه، فقال: وعند سيبويه أن هل بمعنى

ص 352

قد، إلا أنهم تركوا الالف قبلها، لانها لا تقع إلا في الاستفهام، وقد جاء دخولها عليها في قوله: 571 - سائل فوارس يربوع بشدتنا * أهل رأونا بسفح القاع ذى الاكم اه‍ ولو كان كما زعم لم تدخل إلا على الفعل كقد، وثبت في كتاب سيبويه رحمه الله ما نقله عنه، ذكره في باب أم المتصلة، ولكن فيه أيضا ما قد يخالفه، فإنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم ما نصه: وهل هي للاستفهام، ولم يزد على ذلك. وقال الزمخشري في كشافه (هل أتى) أي قد أتى، على معنى التقرير والتقريب جميعا، أي أتى على الانسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطويل الممتد لم يكن فيه شيئا مذكورا، بل شيئا منسيا نطفة في الاصلاب، والمراد بالانسان الجنس بدليل (إنا خلقنا الانسان من نطفة) ه‍. وفسرها غيره بقد خاصة، ولم يحملوا قد على معنى التقريب، بل على معنى التحقيق، وقال بعضهم: معناها التوقع، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عما أتى على الانسان وهو آدم عليه الصلاة والسلام، قال: والحين زمن كونه طينا، وفى تسهيل ابن مالك أنه يتعين مرادفة هل لقد إذا دخلت عليها الهمزة يعنى كما في البيت، ومفهومه أنها لا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها، بل قد تأتى لذلك كما في الآية، وقد لا تأتى له، وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري، فزعموا أن هل لا تأتى بمعنى قد أصلا. وهذا هو الصواب عندي، إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة أمور: أحدها: تفسير ابن عباس رضى الله عنهما، ولعله إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير، وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، فقال بعضهم: هل هنا للاستفهام التقريرى، والمقرر به من أنكر البحث، (وقد) ؟ علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أحدث الناس

ص 353

بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم ؟ وهو معنى قوله تعالى: (ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون) أي فهلا تذكرون فتعلمون أنه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه ؟ انتهى. وقال آخر مثل ذلك، إلا أنه فسر الحين بزمن التصوير في الرحم، فقال: المعنى ألم يأت على الناس حين من الدهر كانوا فيه نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. وكذا قال الزجاج، إلا أنه حمل الانسان على آدم عليه الصلاة والسلام، فقال: المعنى ألم يأت على الانسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح ؟ اه‍. وقال بعضهم: لا تكون هل للاستفهام التقريرى، وإنما ذلك من خصائص الهمزة، وليس كما قال، وذكر جماعة من النحويين أن هل تكون بمنزلة إن في إفادة التوكيد والتحقيق، وحملوا على ذلك (هل في ذلك قسم لذى حجر) وقدروه جوابا للقسم، وهو بعيد. والدليل الثاني: قول سيبويه الذى شافه العرب وفهم مقاصدهم، وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك. والثالث: دخول الهمزة عليها في البيت، والحرف لا يدخل على مثله في المعنى، وقد رأيت عن السيرافى أن الرواية الصحيحة أم هل وأم هذه منقطعة بمعنى بل، فلا دليل، وبتقدير ثبوت تلك الرواية فالبيت شاذ، فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى (1) واحد على سبيل التوكيد، كقوله: * ولا للما بهم أبدا دواء * [299] بل الذى في ذلك البيت أسهل، لاختلاف اللفظين، وكون أحدهما على حرفين فهو كقوله:

(هامش)

(1) في نسخة بمعنى واحد . (*)

ص 354

572 - فأصبح لا يسألنه عن بما به * أصعد في علو الهوى أم تصوبا (هو) وفروعه: تكون أسماء وهو الغالب، وأحرفا في نحو زيد هو الفاضل إذا أعرب فصلا وقلنا: لا موضع له من الاعراب، وقيل: هي مع القول بذلك أسماء كما قال الاخفش في نحو صه ونزال: أسماء لا محل لها، وكما في الالف واللام في نحو الضارب إذا قدرناهما اسما.

حرف الواو

(الواو المفردة)  

انتهى مجموع ما ذكر من أقسامها إلى أحد عشر: الاول: العاطفة، ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشيء على مصاحبه نحو (فأنجيناه وأصحاب السفينة) وعلى سابقه نحو (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم) وعلى لاحقه نحو (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك)، وقد اجتمع هذان في (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) فعلى هذا إذا قيل قام زيد وعمرو احتمل ثلاثة معان، قال ابن مالك: وكونها للمعية راجح، وللترتيب كثير، ولعكسه قليل، اه‍. ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب أو تراخ نحو (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فإن الرد بعيد إلقائه في اليم والارسال على رأس أربعين سنة، وقول بعضهم إن معناها الجمع المطلق غير سديد، لتقييد الجمع بقيد الاطلاق، وإنما هي للجمع لا بقيد، وقول السيرافى إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب مردود، بل قال بإفادتها إياه قطرب والربعى والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافعي، ونقل الامام في البرهان عن بعض الحنفية أنها للمعية

ص 355

وتنفرد عن سائر أحرف العطف بخمسة عشر حكما: أحدها: احتمال معطوفها للمعانى الثلاثة السابقة. والثانى: اقترانها بإما نحو (إما شاكرا وإما كفورا). والثالث: اقترانها بلا إن سبقت بنفى ولم تقصد المعية نحو ما قام زيد ولا عمرو ولتفيد أن الفعل منفى عنهما في حالتى الاجتماع والافتراق، ومنه (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى) والعطف حينئذ من عطف الجمل عند بعضهم على إضمار العامل، والمشهور أنه من عطف المفردات، وإذا فقد أحد الشرطين امتنع دخولها، فلا يجوز نحو قام زيد ولا عمرو وإنما جاز (ولا الضالين) لان في (غير) معنى النفى، وإنما جاز قوله: 573 - فاذهب فأى فتى في الناس أحرزه * من حتفه ظلم دعج ولا حيل لان المعنى لا فتى أحرزه، مثل (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، ولا يجوز ما اختصم زيد ولا عمرو لانه للمعية لا غير، وأما (وما يستوى الاعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوى الاحياء ولا الاموات) فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لامن اللبس. والرابع: اقترانها بلكن نحو (ولكن رسول الله). والخامس: عطف المفرد السببي على الأجنبي عند الاحتياج إلى الربط ك‍ - مررت برجل قائم زيد وأخوه ونحو زيد قائم عمرو وغلامه وقولك في باب الاشتغال زيدا ضربت عمرا وأخاه . والسادس: عطف العقد على النيف، نحو أحد وعشرون. والسابع: عطف الصفات المفرقة مع اجتماع منعوتها كقوله:

ص 356

574 - بكيت، وما بكا رجل حزين ؟ * على ربعين مسلوب وبالى والثامن: عطف ما حقه التثنية أو الجمع نحو قول الفرزدق: 575 - إن الرزية لا رزية مثلها * فقدان مثل محمد ومحمد وقول أبى نواس: 576 - أقمنا بها يوما ويوما وثالثا * ويوما له يوم الترحل خامس وهذا البيت يتسأل عنه أهل الادب، فيقولون: كم أقاموا ؟ والجواب: ثمانية لان يوما الاخير رابع، وقد وصف بأن يوم الترحل خامس له، وحينئذ فيكون يوم الترحل هو الثامن بالنسبة إلى أول يوم. التاسع : عطف ما لا يستغنى عنه كاختصم زيد وعمرو، واشترك زيد وعمرو. وهذا من أقوى الادلة على عدم إفادتها الترتيب، ومن ذلك: جلست بين زيد وعمرو، ولهذا كان الاصمعي يقول الصواب: [قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى] بين الدخول وحومل [266] لا فحومل، وأجيب بأن التقدير: بين نواحى الدخول، فهو كقولك: جلست بين الزيدين فالعمرين أو بأن الدخول مشتمل على أماكن وتشاركها في هذا الحكم أم المتصلة في نحو سواء أقمت أم قعدت فإنها عاطفة ما لا يستغنى عنه. والعاشر والحادي عشر: عطف العام على الخاص، وبالعكس، فالاول نحو (رب اغفر لى ولوالدي ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) والثانى نحو

ص 357

(وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الآية. ويشاركها في هذا الحكم الاخير حتى ك‍ مات الناس حتى (1) العلماء وقدم الحجاج حتى المشاة ، فإنها عاطفة خاصا على عام. والثانى عشر: عطف عامل حذف وبقى معموله على عامل آخر مذكور يجمعهما معنى واحد، كقوله: 577 - [إذا ما الغانيات برزن يوما] * وزججن الحواجب والعيونا أي وكحلن العيون، والجامع بينهما التحسين، ولولا هذا التقييد لورد اشتريته بدرهم فصاعدا إذ التقدير فذهب الثمن صاعدا. والثالث عشر: عطف الشيء على مرادفه نحو (إنما أشكو بثى وحزني إلى الله) ونحو (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) ونحو (عوجا ولا أمتا) وقوله عليه الصلاة والسلام ليلنى منكم ذوو الاحلام والنهى وقول الشاعر: 578 - [وقددت الاديم لراهشيه] * وألفى قولها كذبا ومينا وزعم بعضهم أن الرواية كذبا مبينا فلا عطف ولا تأكيد، ولك أن تقدر الاحلام في الحديث جمع حلم بضمتين فالمعنى ليلنى البالغون العقلاء، وزعم ابن مالك أن ذلك قد يأتي في أو، وأن منه (ومن يكسب خطيئة أو إثما). والرابع عشر: عطف المقدم على متبوعه للضرورة كقوله: 579 - ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام [ص 659] والخامس عشر: عطف المخفوض على الجوار كقوله تعالى (وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) فيمن خفض الارجل، وفيه بحث سيأتي. تنبيه - زعم قوم أن الواو قد تخرج عن إفادة مطلق الجمع، وذلك على أوجه:

(هامش)

(1) في نسخة حتى الانبياء وهو المشهور في أمثلة النحاة. (*)

ص 358

أحدها: أن تستعمل بمعنى أو، وذلك على ثلاثة أقسام، أحدها: أن تكون بمعناها في التقسيم كقولك الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله: * كما الناس مجروم عليه وجارم * [95] وممن ذكر ذلك ابن مالك في التحفة، والصواب أنها في ذلك على معناها الاصلى، إذ الانواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس، ولو كانت أو هي الاصل في التقسيم لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال الواو. والثانى: أن تكون بمعنى (1) أو في الاباحة، قاله الزمخشري، وزعم أنه يقال جالس الحسن وابن سيرين أي أحدهما، وأنه لهذا قيل (تلك عشرة كاملة) بعد ذكر ثلاثة وسبعة، لئلا يتوهم إرادة الاباحة، والمعروف من كلام النحويين أنه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين كان أمرا بمجالسة كل منهما، وجعلوا ذلك فرقا بين العطف بالواو والعطف بأو. والثالث: أن تكون بمعناها في التخيير، قاله بعضهم في قوله: 580 - وقالوا: نأت فاختر لها الصبر والبكا * فقلت: البكا أشفى إذا لغليلي قال: معناه أو البكاء، إذ لا يجتمع مع الصبر. ونقول: يحتمل أن [يكون] الاصل فاختر من الصبر والبكاء، أي أحدهما، ثم حذف من كما في (واختار موسى قومه) ويؤيده أن أبا على القالى رواه بمن، وقال الشاطبي رحمه الله في باب البسملة وصل واسكتا فقال شارحو كلامه: المراد التخيير، ثم قال محققوهم: ليس ذلك من قبل الواو، بل من جهة أن المعنى وصل إن شئت واسكتن إن شئت، وقال أبو شامة: وزعم بعضهم أن الواو تأتى للتخيير مجازا. والثانى: أن تكون بمعنى باء الجر كقولهم أنت أعلم ومالك و بعت الشاء شاة ودرهما قاله جماعة، وهو ظاهر.

(هامش)

(1) في نسخة أن تكون بمعناها . (*)

ص 359

والثالث: أن تكون بمعنى لام التعليل، قاله الخارزنجى، وحمل عليه الواوات الداخلة على الافعال المنصوبة في قوله تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين) (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون) والصواب أن الواو فيهن للمعية كما سيأتي. والثانى والثالث من أقسام الواو: واوان يرتفع ما بعدهما. إحداهما: واو الاستئناف نحو (لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء) ونحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن فيمن رفع، ونحو (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) فيمن رفع أيضا، ونحو (واتقوا الله ويعلمكم الله) إذ لو كانت واو العطف لانتصب (نقر) ولانتصب أو انجزم تشرب ولجزم (يذر) كما قرأ الآخرون، وللزم عطف الخبر على الامر، وقال الشاعر: 581 - على الحكم المأتى يوما إذا قضى * قضيته أن لا يجور ويقصد وهذا متعين للاستئناف، لان العطف يجعله شريكا في النفى، فيلزم التناقض وكذلك قولهم دعني ولا أعود لانه لو نصب كان المعنى ليجتمع تركك لعقوبتي وتركي لما تنهانى عنه، وهذا باطل (1)، لان طلبه لترك العقوبة إنما هو في الحال، فإذا تقيد ترك المنهى عنه بالحال لم يحصل غرض المؤدب، ولو جزم فإما بالعطف ولم يتقدم جازم، أو بلا على أن تقدر ناهية، ويرده أن المقتضى لترك التأديب إنما هو الخبر عن نفى العود، لا نهيه نفسه عن العود، إذ لا تناقض بين النهى عن العود وبين العود بخلاف العود والاخبار بعدمه، ويوضحه أنك تقول أنا أنهاه وهو يفعل ولا تقول أنا لا أفعل وأنا أفعل معا . والثانية : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية، نحو جاء زيد والشمس طالعة وتسمى واو الابتداء، ويقدرها سيبويه والاقدمون بإذ، ولا يريدون أنها بمعناها،

(هامش)

(1) في نسخة وهو باطل . (*)

ص 360

إذ لا يرادف الحرف الاسم، بل إنها وما بعدها قيد للفعل السابق كما أن إذ كذلك، ولم يقدرها بإذا لانها لا تدخل على الجمل الاسمية، ووهم أبو البقاء في قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) فقال: الواو للحال، وقيل: بمعنى إذ، وسبقه إلى ذلك مكى، وزاد عليه فقال: الواو للابتداء، وقيل: للحال، وقيل: بمعنى إذ، اه‍. والثلاثة بمعنى واحد، فإن أراد بالابتداء الاستئناف فقولهما سواء. ومن أمثلتها داخلة على الجملة الفعلية قوله: 582 - بأيدى رجال لم يشيموا سيوفهم * ولم تكثر القتلى بها حين سلت [ص 411] ولو قدرتها عاطفة (1) لا نقلب المدح ذما. وإذا سبقت بجملة حالية احتملت - عند من يجيز تعدد الحال - العاطفة والابتدائية نحو (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر). الرابع والخامس: واوان ينتصب ما بعدهما، وهما واو المفعول معه كسرت والنيل، وليس النصب بها خلافا للجرجاني، ولم يأت في التنزيل بيقين، فأما قوله تعالى (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) في قراءة السبعة (فأجمعوا) بقطع الهمزة و (شركاءكم) بالنصب، فتحتمل الواو فيه ذلك، وأن تكون عاطفة مفردا على مفرد بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم، أو جملة على جملة بتقدير فعل أي وأجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة، وموجب التقدير في الوجهين أن أجمع لا يتعلق بالذوات، بل بالمعاني، كقولك: أجمعوا على قول كذا، بخلاف جمع فإنه مشترك، بدليل (فجمع كيده) (الذى جمع مالا وعدده) ويقرأ (فاجمعوا) بالوصل فلا إشكال، ويقرأ برفع الشركاء عطفا على الواو للفصل بالمفعول. والواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول، فالاول كقوله:

( هامش)

(1) في نسخة ولو قدرت عاطفة . (*)

ص 361

ولبس عباءة وتقر عينى * أحب إلى من لبس الشفوف [424] والثانى شرطه أن يتقدم الواو نفى أو طلب، وسمى الكوفيون هذه الواو واو الصرف، وليس النصب بها خلافا لهم، ومثالها (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله: 583 - لا تنه عن خلق وتأتى مثله * [عار عليك إذا فعلت عظيم] والحق أن هذه واو العطف كما سيأتي. السادس والسابع: واوان ينجر ما بعدهما. إحداهما: واو القسم، ولا تدخل إلا على مظهر، ولا تتعلق إلا بمحذوف، نحو (والقرآن الحكيم) فإن تلتها واو أخرى نحو (والتين والزيتون) فالتالية واو العطف، وإلا لاحتاج كل من الاسمين إلى جواب. الثانية: واو رب كقوله: 584 - وليل كموج البحر أرخى سدوله [على بأنواع الهموم ليبتلى] ولا تدخل إلا على منكر، ولا تتعلق إلا بمؤخر، والصحيح أنها واو العطف، وأن الجر برب محذوفة خلافا للكوفيين والمبرد، وحجتهم افتتاح القصائد بها كقول رؤبة: * وقاتم الاعماق خاوى المخترق * [560] وأجيب بجواز تقدير العطف على شئ في نفس المتكلم، ويوضح كونها عاطفة أن واو العطف لا تدخل عليها كما تدخل على واو القسم، قال: 585 - ووالله لولا تمره ما حببته * [ولا كان أدنى من عبيد ومشرق] (1)

(هامش)

(1) يروى في صدر هذا البيت فأقسم ولا تمره - إلخ . (*)

ص 362

والثامن: واو دخولها كخروجها، وهى الزائدة، أثبتها الكوفيون والاخفش. وجماعة، وحمل على ذلك (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) بدليل الآية الاخرى، وقيل: هي عاطفة، والزائدة الواو في (وقال لهم خزنتها) وقيل: هما عاطفتان، والجواب محذوف أي كان كيت وكيت، وكذا البحث في (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه) الاولى أو الثانية زائدة على القول الاول، أو هما عاطفتان والجواب محذوف على القول الثاني، والزيادة ظاهرة في قوله: 586 - فما بال من أسعى لاجبر عظمه * حفاظا وينوى من سفاهته كسرى وقوله: 587 - ولقد رمقتك في المجالس كلها * فإذا وأنت تعين من يبغينى والتاسع، واو الثمانية، ذكرها جماعة من الادباء كالحريري، ومن النحويين الضعفاء كابن خالويه، ومن المفسرين كالثعلبي، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا ستة، سبعة، وثمانية، إيذانا بأن السبعة عدد تام، وأن ما بعدها عدد مستأنف واستدلوا على ذلك بآيات: إحداها (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) إلى قوله سبحانه (سبعة وثامنهم كلبهم) وقيل: هي في ذلك لعطف جملة على جملة، إذ التقدير هم سبعة، ثم قيل: الجميع كلامهم، وقيل: العطف من كلام الله تعالى، والمعنى نعم هم سبعة وثامنهم كلبهم، وإن هذا تصديق لهذه المقالة كما أن (رجما بالغيب) تكذيب لتلك المقالة، ويؤيده قول ابن عباس رضى الله عنهما: حين جاءت الواو انقطعت العدة، أي لم تبق عدة عاد يلتفت إليها.

ص 363

فإن قلت: إذا كان المراد التصديق فما وجه مجئ (قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) ؟. قلت: وجه الجملة الاولى توكيد صحة التصديق بإثبات علم المصدق، ووجه الثانية الاشارة إلى أن القائلين تلك المقالة الصادقة قليل، أو أن الذى قالها منهم عن يقين قليل، أو لما كان التصديق في الآية خفيا لا يستخرجه إلا مثل ابن عباس قيل ذلك، ولهذا كان يقول: أنا من ذلك القليل، هم سبعة وثامنهم كلبهم. وقيل: هي واو الحال وعلى هذا فيقدر المبتدأ اسم إشارة أي هؤلاء سبعة، ليكون في الكلام ما يعمل في الحال، ويرد ذلك أن حذف عامل الحال إذا كان معنويا ممتنع، ولهذا ردوا على المبرد قوله في بيت الفرزدق: [ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش] وإذا ما مثلهم بشر [120] إن مثلهم حال ناصبها خبر محذوف، أي وإذ ما في الوجود بشر مماثلا لهم. الثانية: آية الزمر، إذ قيل (فتحت) في آية النار لان أبوابها سبعة، (وفتحت) في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية، وأقول: لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها، إذ ليس فيها ذكر عدد ألبتة، وإنما فيها ذكر الابواب، وهى جمع لا يدل على عدد خاص، ثم الواو ليست داخلة عليه، بل على جملة هو فيها، وقد مر أن الواو في (وفتحت) مقحمة عند قوم وعاطفة عند آخرين، وقيل: هي واو الحال، أي جاؤها مفتحة أبوابها كما صرح بمفتحة حالا في (جنات عدن مفتحة لهم الابواب) وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة، وقيل: وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم. الثالثة: (والناهون عن المنكر) فإنه الوصف الثامن، والظاهر أن العطف

ص 364

في هذا الوصف بخصوصه إنما كان من جهة أن الامر والنهى من حيث هما أمر ونهى متقابلان، بخلاف بقية الصفات، أو لان الآمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف، والناهي عن المنكر آمر بالمعروف، فأشير إلى الاعتداد بكل منهما (1) وأنه لا يكتفى فيه بما يحصل في ضمن الآخر، وذهب أبو البقاء على إمامته في هذه الآية مذهب الضعفاء فقال: إنما دخلت [الواو] في الصفة الثامنة إيذانا بأن السبعة عندهم عدد تام، ولذلك قالوا: سبع في ثمانية، أي سبع أذرع في ثمانية أشبار، وإنما دخلت الواو على ذلك لان وضعها على مغايرة ما بعدها لما قبلها. الرابعة: (وأبكارا) في آية التحريم، ذكرها القاضى الفاضل، وتبجح باستخراجها، وقد سبقه إلى ذكرها الثعلبي، والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة، فلا يصح إسقاطها، إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة، وواو الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط، وأما قول الثعلبي إن منها الواو في قوله تعالى: (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) فسهو بين، وإنما هذه واو العطف، وهى واجبة الذكر، ثم إن (أبكارا) صفة تاسعة لا ثامنة: إذ أول الصفات (خيرا منكن) لا (مسلمات)، فإن أجاب بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرا منكن فلهذا لم تعد قسيمة لها، قلنا: وكذلك (ثيبات وأبكارا) تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن. والعاشرة: الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادتها أن اتصافه بها أمر ثابت، وهذه الواو أثبتها الزمخشري ومن قلده، وحملوا على ذلك مواضع لواو فيها كلها واو الحال نحو (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) الآية (سبعة وثامنهم كلبهم) (أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها) (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) والمسوغ لمجئ

(هامش)

(1) في نسخة بكل من الوصفين . (*)

ص 365

الحال من النكرة في هذه الآية أمران: أحدهما خاص بها، وهو تقدم النفى، والثانى عام في بقية الآيات وهو امتناع الوصفية، إذ الحال متى امتنع كونها صفة جاز مجيئها من النكرة، ولهذا جاءت منها عند تقدمها عليها نحو في الدار قائما رجل وعند جمودها نحو هذا خاتم حديدا، ومررت بماء قعدة رجل ومانع الوصفية في هذه الآية أمران، أحدهما خاص بها، وهو اقتران الجملة بإلا، إذ لا يجوز التفريغ في الصفات، لا تقول ما مررت بأحد إلا قائم نص على ذلك أبو على وغيره، والثانى عام في بقية الآيات، وهو اقترانها بالواو. والحادي عشر: واو ضمير الذكور، نحو الرجال قاموا وهى اسم، وقال الاخفش والمازني: حرف، والفاعل مستتر، وقد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، نحو قوله تعالى: (يأيها النمل أدخلوا مساكنكم) وذلك لتوجيه الخطاب إليهم، وشذ قوله: 588 - شربت بها والديك يدعو صباحه * إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا والذى جرأه على ذلك قوله بنو لا بنات، والذى سوغ ذلك أن ما فيه من تغيير نظم الواحد شبهه بجمع التكسير، فسهل مجيئه لغير العاقل، ولهذا اجاز تأنيث فعله نحو (إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل) مع امتناع قامت الزيدون . الثاني عشر: واو علامة المذكرين في لغة طئ أو أزدشنوأة أو بلحارث، ومنه الحديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقوله: 589 - يلومونني في اشتراء النخيل أهلى فكلهم ألوم وهى عند سيبويه حرف دال على الجماعة كما أن التاء في قالت حرف دال على التأنيث، وقيل: هي اسم مرفوع على الفاعلية، ثم قيل: إن ما بعدها

ص 366

بدل منها، وقيل: مبتدأ والجملة خبر مقدم، وكذا الخلاف في نحو قاما أخواك و قمن نسوتك وقد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، قال أبو سعيد: نحو أكلوني البراغيث إذ وصفت بالاكل لا بالقرص، وهذا سهو منه، فإن الاكل من صفات الحيوانات عاقلة وغير عاقلة، وقال ابن الشجرى: عندي أن الاكل هنا بمعنى العدوان والظلم كقوله: 590 - أكلت بنيك أكل الضب حتى * وجدت مرارة الكلا الوبيل أي ظلمتهم، وشبه الاكل المعنوي بالحقيقي، والاحسن في الضب في البيت أن لا يكون في موضع نصب على حذف الفاعل أي مثل أكلك الضب، بل في موضع رفع على حذف المفعول: أي مثل أكل الضب أولاده، لان ذلك أدخل في التشبيه، وعلى هذا فيحتمل الاكل الثاني أن يكون معنويا، لان الضب ظالم لاولاده بأكله إياهم، وفى المثل (1) أعق من ضب وقد حمل بعضهم على هذه اللغة (ثم عموا وصموا كثيرا منهم) (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وحملهما على غير هذه اللغة أولى لضعفها، وقد جوز في (الذين ظلموا) أن يكون بدلا من الواو في (وأسروا) أو مبتدأ خبره إما (وأسروا) أو قول محذوف عامل في جملة الاستفهام، أي يقولون هل هذا، وأن يكون خبرا لمحذوف: أي هم الذين، أو فاعلا بأسروا والواو علامة كما قدمنا، أو بيقول محذوفا، أو بدلا من واو (استمعوه) وأن يكون منصوبا على البدل من مفعول (يأتيهم) أو على إضمار أذم أو أعنى، وأن يكون مجرورا على البدل من (الناس) في (اقترب للناس حسابهم) أو من الهاء والميم في (لاهية قلوبهم) فهذه أحد عشر وجها، وأما الآية الاولى فإذا قدرت الواوان فيها علامتين فالعلاملان قد تنازعا الظاهر، فيجب حينئذ أن

(هامش)

(1) في نسخة ففى المثل . (*)

ص 367

تقدر في أحدهما ضميرا مستترا راجعا إليه، وهذا من غرائب العربية، أعنى وجوب استتار الضمير في فعل الغائبين، ويجوز كون (كثير) مبتدأ وما قبله خبرا، وكونه بدلا من الواو الاولى مثل اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم فالواو الثانية حينئذ عائدة على متقدم رتبة، ولا يجوز العكس، لان الاولى حينئذ لا مفسر لها. ومنع أبو حيان أن يقال على هذه اللغة جاءوني من جاءك لانها لم تسمع إلا مع ما لفظه جمع، وأقول: إذا كان سبب دخولها بيان أن الفاعل الآتى جمع كان الحاقه هنا أولى، لان الجمعية خفية وقد أوجب الجميع علامة التأنيث في قامت هند كما أوجبوها في قامت امرأة وأجازوها في غلت القدر، وانكسرت القوس كما أجازوها في طلعت الشمس، ونفعت الموعظة . وجوز الزمخشري في (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) كون (من) فاعلا والواو علامة. وإذا قيل جاؤا زيد وعمرو وبكر لم يجز عند ابن هشام (1) أن يكون من هذه اللغة، وكذا تقول في جاآ زيد وعمرو وقول غيره أولى، لما بينا من أن المراد بيان المعنى، وقد رد عليه بقوله: 591 - [تولى قتال المارقين بنفسه] * وقد أسلماه مبعد وحميم [ص 371] وليس بشئ: لانه إنما يمنع التخريج لا التركيب، ويجب القطع بامتناعها في نحو قام زيد أو عمرو لان القائم واحد، بخلاف قام أخواك أو غلاماك لانه اثنان، وكذلك تمتنع في قام أخواك أو زيد وأما قوله تعالى: (إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) فمن زعم أنه من ذلك فهو غالط، بل الالف ضمير الوالدين في (وبالوالدين إحسانا) وأحدهما أو كلاهما بتقدير يبلغه أحدهما

(هامش)

(1) هو ابن هشام الحضراوى. (*)

ص 368

أو كلاهما، أو أحدهما بدل بعض، وما بعده بإضمار فعل، ولا بكون معطوفا، لان بدل الكل لا يعطف على بدل البعض، لا تقول أعجبني زيد وجهه وأخوك على أن الاخ هو زيد، لانك لا تعطف المبين على المخصص. فإن قلت قام أخواك وزيد جاز قاموا بالواو، إن قدرته من عطف المفردات، و قاما بالالف إن قدرته من عطف الجمل، كما قال السهيلي في (لا تأخذه سنة ولا نوم) إن التقدير ولا يأخذه نوم. والثالث عشر: واو الانكار، نحو آلرجلوه بعد قول القائل قام الرجل والصواب أن لا تعد هذه، لانها إشباع للحركة بدليل آلرجلاه في النصب و آلرجليه في الجر، ونظيرها الواو في منو في الحكاية، وفى أنظور من قوله: 592 - [وأنني حيثما يثنى الهوى بصرى] * من حوثما سلكوا أدنو فأنظور وواو القوافى كقوله: 593 - [متى كان الخيام بذى طلوح] * سقيت الغيث أيتها الخيامو الرابع عشر: واو التذكر، كقول من أراد أن يقول يقوم زيد فنسى زيد، فأراد مد الصوت ليتذكر، إذ لم يرد قطع الكلام يقومو والصواب أن هذه كالتى قبلها. الخامس عشر: الواو المبدلة من همزة الاستفهام المضموم ما قبلها كقراءة قنبل (وإليه النشور وأمنتم) (قال فرعون وآمنتم به) والصواب أن لا تعد هذه أيضا، لانها مبدلة، ولو صح عدها لصح عد الواو من أحرف الاستفهام (1).

(هامش)

(1) وليست الواو من أحرف الاستفهام قطعا، وإذا بطل كونها من أحرف الاستفهام يبطل عد الواو المبدلة من حرف الاستفهام. (*)

ص 369

(وا)  

على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف نداء مختصا بباب الندبة، نحو وازيداه وأجاز بعضهم استعماله في النداء الحقيقي: والثانى: أن تكون اسما لاعجب، كقوله: 594 - وا، بأبى أنت وفوك الاشنب * كأنما ذر عليه الزرنب * أو زنجبيل، وهو عندي أطيب * وقد يقال واها كقوله: 595 - واها لسلمى ثم واها واها * [هي المنى لو أننا نلناها] ووى كقوله: 596 - وى، كأن من يكن له نشب يحبب، ومن يفتقر يعش عيش ضر وقد تلحق هذه كاف الخطاب كقوله: 597 - ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها * قيل الفوارس: ويك عنتر، أقدم وقال الكسائي: أصل ويك ويلك فالكاف ضمير مجرور، وأما (وى كأن الله) فقال أبو الحسن: وى اسم فعل، والكاف حرف خطاب، وأن على إضمار اللام، والمعنى أعجب لان الله، وقال الخليل: وى وحدها كما قال * وى كأن من يكن * البيت [596]، وكأن للتحقيق، كما قال: 598 - كأننى حين أمسى لا تكلمني * متيم يشتهى ما ليس موجود أي إننى حين أمسى على هذه الحالة.

ص 370

حرف الألف

والمراد (به) هنا الحرف الهاوى الممتنع الابتداء به

لكونه لا يقبل الحركة، فأما الذى يراد به الهمزة فقد مر في صدر الكتاب. وابن جنى يرى أن هذا الحرف اسمه لا وأنه الحرف الذى يذكر قبل الياء عند عد الحروف، وأنه لما لم يمكن أن يتلفظ به في أول اسمه كما فعل في أخواته إذ قيل صاد جيم توصل إليه باللام كما توصل إلى اللفظ بلام التعريف بالالف حين قيل في الابتداء الغلام ليتقارضا، وأن قول المعلمين لام ألف خطأ لان كلا من اللام والالف قد مضى ذكره، وليس الغرض بيان كيفية تركيب الحروف، بل سرد أسماء الحروف البسائط. ثم اعترض على نفسه بقول أبى النجم: 599 - أقبلت من عند زياد كالخرف * تخط رجلاى بخط مختلف * تكتبان في الطريق لام ألف * وأجاب بأنه لعله تلقاه من أفواه العامة، لان الخط ليس له تعلق بالفصاحة وقد ذكر للالف تسعة أوجه: أحدها: أن تكون للانكار، نحو أعمراه لمن قال: رأيت عمرا (1). والثانى: أن تكون للتذكر كرأيت الرجلا. وقد مضى أن التحقيق أن لا يعد هذان. الثالث: أن تكون ضمير الاثنين نحو الزيدان قاما وقال المازنى: هي حرف، والضمير مستتر.

(هامش)

(1) في نسخة لقيت عمرا والخطب هين. (*)

ص 371

الرابع: أن تكون علامة الاثنين كقوله: 600 - ألفيتا عيناك عند القفا * [أولى فأولى لك ذا واقيه] وقوله: * وقد أسلماه مبعد وحميم * [591] وعليه قول المتنبي: 601 - ورمى، وما رمتا يداه، فصابني * سهم يعذب، والسهام تريح الخامس: الالف الكافة كقوله: فبينا نسوس الناس والامر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة ليس ننصف [517] وقيل: الالف بعض ما الكافة، وقيل: إشباع، وبين مضافة إلى الجملة، ويؤيده أنها قد أضيفت إلى المفرد في قوله: 602 - بينا تعانقه الكماة وروغه * يوما أتيح له جرى سلفع [ص 522] السادس: أن تكون فاصلة بين الهمزتين نحو (أأنذرتهم) ودخولها جائز، لا واجب، ولا فرق بين كون الهمزة الثانية مسهلة أو محققة. السابع: أن تكون فاصلة بين النونين نون النسوة ونون التوكيد نحو اضربنان وهذه واجبة. الثامن: أن تكون لمد الصوت بالمنادى المستغاث، أو المتعجب منه، أو المندوب، كقوله: 603 - يا يزيدا لآمل نيل عز * وغنى بعد فاقة وهوان

ص 372

وقوله: 604 - يا عجبا لهذه الفليقه * هل تذهبن القوباء الريقه وقوله: 605 - حملت امرا عظيما فاصطبرت له * وقمت فيه بأمر الله يا عمرا التاسع: أن تكون بدلا من نون ساكنة، وهى إما نون التوكيد أو تنوين المنصوب، فالاول نحو (لنسفعا - وليكونا) وقوله: 606 - [وإياك والميتات لا تقربنها] * ولا تعبد الشيطان، والله فاعبدا ويحتمل أن تكون هذه النون من باب يا حرسي اضربا عنقه . والثانى كرأيت زيدا، في لغة غير ربيعة. ولا يجوز أن تعد الالف المبدلة من نون إذن، ولا ألف التكثير كألف قبعثرى، ولا ألف التأنيث كألف حبلى، ولا ألف الالحاق كألف أرطى، ولا ألف الاطلاق كالالف في قوله: 607 - [ما هاج أشواقا وشجوا قد شجا] * من طلل كالاتحمى أنهجا ولا ألف التثنية كالزيدان، ولا ألف الاشباع الواقعة في الحكاية نحو منا أو في غيرها في الضرورة، كقوله: 608 - أعوذ بالله من العقراب * [الشائلات عقد الاذناب] ولا الالف التى تبين بها الحركة في الوقف وهى ألف أنا عند البصريين، ولا ألف التصغير نحو ذيا واللذيا، لما قدمنا.

ص 373

حرف الياء

(الياء المفردة)  

تأتى على ثلاثة أوجه، وذلك أنها تكون ضميرا للمؤنثة نحو تقومين، وقومي وقال الاخفش والمازني: هي حرف تأنيث والفاعل مستتر، وحرف إنكار نحو أزيد نيه وحرف تذكار نحو (قدمى) ؟، وقد تقدم البحث فيهما، والصواب أن لا يعدا كما لا تعد ياء التصغير، وياء المضارعة، وياء الاطلاق، وياء الاشباع، ونحوهن، لانهن أجزاء للكلمات، لا كلمات.

(يا) حرف موضوع لنداء البعيد حقيقة أو حكما، وقد ينادى بها القريب توكيدا، وقيل: هي مشتركة بين القريب والبعيد، وقيل: بينهما وبين المتوسط، وهى أكثر أحرف النداء استعمالا، ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها نحو (يوسف أعرض عن هذا) ولا ينادى اسم الله عز وجل، ولاسم المستغاث، وأيها وأيتها، إلا بها، ولا المندوب إلا بها أو بوا، وليس نصب المنادى بها، ولا بأخواتها أحرفا، ولا بهن أسماء لادعو متحملة لضمير الفاعل، خلافا لزاعمي ذلك، بل بأدعو محذوفا لزوما، وقول ابن الطراوة: النداء إنشاء، وأدعو خبر، سهو منه، بل أدعو المقدر إنشاء كبعت وأقسمت. وإذا ولى يا ما ليس بمنادي كالفعل في (ألا يا اسجدوا) وقوله: 609 - ألا يا اسقياني بعد غارة سنجال * وقبل منايا عاديات وأوجال والحرف في نحو (يا ليتني كنت معهم فأفوز) يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة والجملة الاسمية كقوله: 610 - يالعنة الله والاقوام كلهم * والصالحين على سمعان من جار

ص 374

فقيل: هي للنداء والمنادى محذوف، وقيل: هي لمجرد التنبيه، لئلا يلزم الاجحاف بحذف الجملة كلها، وقال ابن مالك: إن وليها دعاء كهذا البيت أو أمر نحو (ألا يا اسجدوا) فهى للنداء، لكثرة وقوع النداء قبلهما نحو (يا آدم اسكن) (يا نوح اهبط) ونحو (يا مالك ليقض علينا ربك) وإلا فهى للتنبيه، والله أعلم.

الباب الثاني من الكتاب في تفسير الجملة، وذكر أقسامها، وأحكامها

شرح الجملة

وبيان أن الكلام أخص منها، لا مرادف لها الكلام: هو القول المفيد بالقصد. والمراد بالمفيد: ما دل على معنى يحسن السكوت عليه. والجملة عبارة عن الفعل وفاعله ك‍ قام زيد والمبتدأ وخبره ك‍ زيد قائم وما كان بمنزلة أحدهما نحو ضرب اللص و أقائم الزيدان و كان زيد قائما و ظننته قائما . وبهذا يظهر لك أنهما ليسا بمترادفين كما يتوهمه كثير من الناس، وهو ظاهر قول صاحب المفصل، فإنه بعد أن فرغ من حد الكلام قال: ويسمى جملة، والصواب أنها أعم منه، إذ شرطه الافادة، بخلافها، ولهذا تسمعهم يقولون: جملة الشرط، جملة الجواب، جملة الصلة، وكل ذلك ليس مفيدا، فليس بكلام وبهذا التقرير يتضح لك صحة قول ابن مالك في قوله تعالى (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، أفأمن

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب