الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 375

أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون) إن الزمخشري حكم بجواز الاعتراض بسبع جمل، إذ زعم أن (أفأمن) معطوف على (فأخذناهم) ورد عليه من ظن أن الجملة والكلام مترادفان فقال: إنما اعترض بأربع جمل، وزعم أن من عند (ولو أن أهل القرى) إلى (والارض) جملة، لان الفائدة إنما تتم بمجموعه. وبعد، ففى القولين نظر. أما قول ابن مالك فلانه كان من حقه أن يعدها ثمان جمل، إحداها (وهم لا يشعرون) وأربعة في حيز لو - وهى (آمنوا، واتقوا، وفتحنا) والمركبة من أن وصلتها مع ثبت مقدرا أو مع ثابت مقدرا، على الخلاف في أنها فعلية أو اسمية، والسادسة (ولكن كذبوا) والسابعة (فأخذناهم) والثامنة (بما كانوا يكسبون) فإن قلت: لعله بنى ذلك على ما اختاره ونقله عن سيبويه من كون أن وصلتها مبتدأ لا خبر له، وذلك لطوله وجريان الاسناد في ضمنه. قلت: إنما مراده أن يبين ما لزم على إعراب الزمخشري، والزمخشري يرى أن أن وصلتها هنا فاعل بثبت. واما قول المعترض فلانه كان من حقه أن يعدها ثلاث جمل، وذلك لانه لا يعد (وهم لا يشعرون) جملة، لانها حال مرتبطة بعاملها، وليست مستقلة برأسها، وبعد لو وما في حيزها جملة واحدة: إما فعلية إن قدر ولو ثبت أن أهل القرى آمنوا واتقوا، أو اسمية إن قدر ولو أن إيمانهم وتقواهم ثابتان، ويعد (ولكن كذبوا) جملة، و (فأخذناهم بما كانوا يكسبون) كله جملة، وهذا هو التحقيق، ولا ينافى ذلك ما قدمناه في تفسير الجملة، لان الكلام هنا ليس في مطلق الجملة، بل في الجملة بقيد كونها جملة اعتراض، وتلك لا تكون إلا كلاما تاما.

ص 376

انقسام الجملة إلى اسمية وفعلية وظرفية

فالاسمية هي: التى صدرها اسم، كزيد قائم، وهيهات العقيق، وقائم الزيدان، عند من جوزه وهو الاخفش والكوفيون. والفعلية هي: التى صدرها فعل، كقام زيد، وضرب اللص، وكان زيد قائما، وظننته قائما، ويقوم زيد، وقم. والظرفية هي: المصدرة بظرف أو مجرور، نحو: أعندك زيد، وأفى الدار زيد، إذا قدرت زيدا فاعلا بالظرف والجار والمجرور، لا بالاستقرار المحذوف، ولا مبتدأ مخبرا عنه بهما، ومثل الزمخشري لذلك بفى الدار من قولك زيد في الدار وهو مبنى على أن الاستقرار المقدر فعل لا اسم، وعلى أنه حذف وحده وانتقل الضمير إلى الظرف بعد أن عمل فيه. وزاد الزمخشري وغيره الجملة الشرطية، والصواب أنها من قبيل الفعلية لما سيأتي. تنبيه - مرادنا بصدر الجملة المسند أو المسند إليه، فلا عبرة بما تقدم عليهما من الحروف، فالجملة من نحو أقائم الزيدان، وأزيد أخوك، ولعل أباك منطلق، وما زيد قائما اسمية، ومن نحو أقام زيد، وإن قام زيد، وقد قام زيد، وهلا قمت فعلية. والمعتبر أيضا ما هو صدر في الاصل، فالجملة من نحو كيف جاء زيد ومن نحو (فأى آيات الله تنكرون) ومن نحو (فريقا كذبتم وفريقا تقتلون) و (خشعا ابصارهم يخرجون) فعلية، لان هذه الاسماء في نية التأخير وكذا الجملة في نحو يا عبد الله ونحو (وإن أحد من المشركين استجارك) (والانعام خلقها) (والليل إذا يغشى) [فعلية] لان صدورها في الاصل أفعال، والتقدير: أدعو زيدا، وإن استجارك أحد، وخلق الانعام، وأقسم والليل.

ص 377

باب ما يجب على المسئول في المسئول عنه أن يفصل فيه لاحتماله الاسمية والفعلية، لاختلاف التقدير، أو لاختلاف النحويين ولذلك أمثلة: أحدها: صدر الكلام من نحو إذا قام زيد فأنا أكرمه وهذا مبنى على الخلاف السابق في عامل إذا، فإن قلنا جوابها فصدر الكلام جملة اسمية، وإذا مقدمة من تأخير، وما بعد إذا متمم لها، لانه مضاف إليه، ونظير ذلك قولك يوم يسافر زيد أنا مسافر وعكسه قوله: 611 - فبينا نحن نرقبه أتانا * [معلق وفضة وزناد راع] إذا قدرت ألف بينا زائدة وبين مضافة للجملة الاسمية، فإن صدر الكلام جملة فعلية، والظرف مضاف إلى جملة اسمية، وإن قلنا العامل في إذا فعل الشرط، وإذا غير مضافة، فصدر الكلام جملة فعلية قدم ظرفها كما في قولك متى تقم فأنا أقوم . الثاني: نحو أفى الدار زيد، وأعندك عمرو فإنا إن قدرنا المرفوع مبتدأ أو مرفوعا بمبتدأ محذوف تقديره كائن أو مستقر، فالجملة اسمية ذات خبر في الاولى وذات فاعل مغن عن الخبر في الثانية، وإن قدرناه فاعلا باستقر ففعلية، أو بالظرف فظرفية. الثالث: نحو يومان في نحو ما رأيته مذ يومان فإن تقديره عند الاخفش والزجاج: بينى وبين لقائه يومان، وعند أبى بكر وأبى على: أمد انتفاء الرؤية يومان، وعليهما فالجملة اسمية لا محل لها، ومنذ خبر على الاول ومبتدأ على الثاني، وقال الكسائي وجماعة: المعنى منذ كان يومان، فمنذ ظرف لما قبلها، وما بعدها جملة فعلية فعلها ماض حذف فعلها، وهى في محل خفض، وقال آخرون:

ص 378

المعنى من الزمن الذى هو يومان، ومنذ مركبة من حرف الابتداء وذو الطائية واقعة على الزمن، وما بعدها جملة اسمية حذف مبتدؤها، ولا محل لها لانها صلة. الرابع: ماذا صنعت فإنه يحتمل معنيين، أحدهما: ما الذى صنعته ؟ فالجملة اسمية قدم خبرها عند الاخفش ومبتدؤها عند سيبويه، والثانى: أي شئ صنعت، فهى فعلية قدم مفعولها، فإن قلت ماذا صنعته فعلى التقدير الاول الجملة بحالها، وعلى الثاني تحتمل الاسمية بأن تقدر ماذا مبتدأ، و صنعته الخبر، والفعلية بأن تقدره مفعولا لفعل محذوف على شريطة التفسير، ويكون تقديره بعد ماذا، لان الاستفهام له الصدر. الخامس: نحو (أبشر يهدوننا) فالارجح تقدير بشر فاعلا ليهدى محذوفا، والجملة فعلية، ويجوز تقديره مبتدأ، وتقدير الاسمية في (أأنتم تخلقونه) أرجح منه في (أبشر يهدوننا) لمعادلتها للاسمية، وهى (أم نحن الخالقون) وتقدير الفعلية في قوله: * فقلت : أهى سرت أم عادني حلم ؟ * [53] أكثر رجحانا من تقديرها في (أبشر يهدوننا) لمعادلتها الفعلية. السادس: نحو قاما أخواك فإن الالف إن قدرت حرف تثنية كما أن التاء حرف تأنيث في قامت هند أو اسما وأخواك بدل منها فالجملة فعلية، وإن قدرت اسما وما بعدها مبتدأ فالجملة اسمية قدم خبرها. السابع: نحو نعم الرجل زيد فإن قدر نعم الرجل خبرا عن زيد فاسمية، كما في زيد نعم الرجل وإن قدر زيد خبرا لمبتدأ محذوف فجملتان فعلية واسمية. الثامن: جملة البسملة، فإن قدر ابتدائى باسم الله فاسمية، وهو قول البصريين،

ص 379

أو أبدأ باسم الله ففعلية، وهو قول الكوفيين، وهو المشهور في التفاسير والاعاريب، ولم يذكر الزمخشري غيره، إلا أنه يقدر الفعل مؤخرا ومناسبا لما جعلت البسملة مبتدأ له، فيقدر باسم الله أقرأ، باسم الله أحل، باسم الله أرتحل، ويؤيده الحديث باسمك ربى وضعت جنبى . التاسع: قولهم ما جاءت حاجتك فإنه يروى برفع حاجتك فالجملة فعلية، وبنصبها فالجملة اسمية، وذلك لان جاء بمعنى صار، فعلى الاول ما خبرها، و حاجتك اسمها، وعلى الثاني ما مبتدأ واسمها ضمير ما، وأنث حملا على معنى ما، وحاجتك خبرها. ونظير ما هذه ما في قولك ما أنت وموسى فإنها أيضا تحتمل الرفع والنصب، إلا أن الرفع على الابتدائية أو الخبرية، على خلاف بين سيبويه والاخفش، وذلك إذا قدرت موسى عطفا على أنت، والنصب على الخبرية أو المفعولية، وذلك إذا قدرته مفعولا معه، إذ لابد من تقدير فعل حينئذ، أي ما تكون، أو ما تصنع. ونظير ما هذه في [هذين] الوجهين على اختلاف التقديرين كيف في نحو كيف أنت وموسى إلا أنها لا تكون مبتدأ ولا مفعولا به، فليس للرفع إلا توجيه واحد، وأما النصب فيجوز كونه على الخبرية أو الحالية. العاشر: الجملة المعطوفة من نحو قعد عمرو وزيد قام فالارجح الفعلية للتناسب، وذلك لازم عند من يوجب توافق الجملتين المتعاطفتين. ومما يترجح فيه الفعلية نحو موسى أكرمه ونحو زيد ليقم، وعمرو لا يذهب بالجزم، لان وقوع الجملة الطلبية خبرا قليل، وأما نحو زيد قام فالجملة اسمية لا غير، لعدم ما يطلب الفعل. هذا قول الجمهور، وجوز المبرد وابن العريف وابن مالك فعليتها على الاضمار والتفسير، والكوفيون على التقديم والتأخير

ص 380

فإن قلت: زيد قام وعمرو قعد عنده فالاولى اسمية عند الجمهور، والثانية (مشتملة) ؟ لهما على السواء عند الجميع.

انقسام الجملة إلى صغرى وكبرى

الكبرى هي: الاسمية التى خبرها جملة نحو زيد قام أبوه، وزيدا أبوه قائم والصغرى هي: المبنية على المبتدأ، كالجملة المخبر بها في المثالين. وقد تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين، نحو زيد أبوه غلامه منطلق فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير، و غلامه منطلق صغرى لا غير، لانها خبر، و أبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق وصغرى باعتبار جملة الكلام، ومثله (لكنا هو الله ربى) إذ الاصل لكن أنا هو الله ربى، ففيها أيضا ثلاث مبتدآت إذا لم يقدر (هو) ضميرا له سبحانه ولفظ الجلالة بدل منه أو عطف بيان عليه كما جزم به ابن الحاجب، بل قدر ضمير الشأن وهو الظاهر، ثم حذفت همزة أنا حذفا اعتباطيا، وقيل: حذفا قياسيا بأن نقلت حركتها ثم حذفت، ثم أدغمت نون لكن في نون أنا. تنبيهان الاول: ما فسرت به الجملة الكبرى هو مقتضى كلامهم، وقد يقال: كما تكون مصدرة بالمبتدأ تكون مصدرة بالفعل نحو ظننت زيدا يقوم أبوه . الثاني: إنما قلت صغرى وكبرى موافقة لهم، وإنما الوجه استعمال فعلى أفعل بأل أو بالاضافة، ولذلك لحن من قال: 612 - كأن صغرى وكبرى من فقاقعها * حصباء در على أرض من الذهب وقول بعضهم إن من زائدة وإنهما مضافان على حد قوله: 613 - [يا من رأى عارضا أسر به] * بين ذراعي وجبهة الاسد يرده أن الصحيح أن من لا تقحم في الايجاب، ولا مع تعريف المجرور،

ص 381

ولكن ربما استعمل أفعل التفضيل الذى لم يرد به المفاضلة مطابقا مع كونه مجردا قال: 614 - إذا غاب عنكم أسود العين كنتم * كراما، وأنتم ما أقام ألائم أي لئام، فعلى هذا يتخرج البيت، وقول النحويين [جملة] صغرى وكبرى وكذلك قول العروضيين: فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى. وقد يحتمل الكلام الكبرى وغيرها. ولهذا النوع أمثله: أحدها: نحو (أنا آتيك به) إذا يحتمل (آتيك) أن يكون فعلا مضارعا ومفعولا، وأن يكون اسم فاعل ومضافا إليه مثل (وإنهم آتيهم عذاب) ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) ويؤيده أن أصل الخبر الافراد، وأن حمزة يميل الالف من (آتيك) وذلك ممتنع على تقدير انقلابها من الهمزة. الثاني: نحو زيد في الدار إذ يحتمل تقدير استقر وتقدير مستقر. الثالث: نحو إنما أنت سيرا إذ يحتمل تقدير تسير وتقدير سائر، وينبغى أن يجرى هنا الخلاف الذى في المسألة قبلها. الرابع: زيد قائم أبوه إذ يحتمل أن يقدر أبوه مبتدأ، وأن يقدر فاعلا بقائم. تنبيه يتعين في قوله: * ألا عمر ولى مستطاع رجوعه * [102] تقدير رجوعه مبتدأ ومستطاع خبره والجملة في محل نصب على أنها صفة لا في محل رفع على أنها خبر، لان لا التى للتمني لا خبر لها عند سيبويه لا لفظا ولا تقديرا، فإذا قيل ألا ماء كان ذلك كلاما مؤلفا من حرف واسم، وإنما تم

ص 382

الكلام بذلك حملا على معناه وهو أتمنى ماء، وكذلك يمتنع تقدير مستطاع خبرا ورجوعه فاعلا لما ذكرنا، ويمتنع أيضا تقدير مستطاع صفة على المحل، أو تقدير مستطاع رجوعه جملة في موضع رفع على أنها صفة على المحل إجراء لالا مجرى ليت في امتناع مراعاة محل اسمها، وهذا أيضا قول سيبويه في الوجهين، وخالفه في المسألتين المازنى والمبرد. انقسام الجملة الكبرى إلى ذات وجه، وإلى ذات وجهين ذات الوجهين: هي اسمية الصدر فعلية العجز، نحو زيد يقوم أبوه كذا قالوا، وينبغى أن يراد (1) عكس ذلك في نحو ظننت زيدا أبوه قائم بناء على ما قدمنا. وذات الوجه نحو زيد أبوه قائم ومثله على ما قدمنا نحو ظننت زيدا يقوم أبوه .

الجمل التى لا محل لها من الاعراب

وهى سبع، وبدأنا بها لانها لم تحل محل المفرد، وذلك هو الاصل في الجمل. فالاولى: الابتدائية، وتسمى أيضا المستأنفة، وهو أوضح، لان الجملة الابتدائية تطلق أيضا على الجملة المصدرة بالمبتدأ، ولو كان لها محل، ثم الجمل المستأنفة نوعان: أحدهما: الجملة المفتتح بها النطق، كقولك ابتداء زيد قائم ومنه الجمل لتفتتح بها السور. والثانى: الجملة المنقطعة عما قبلها نحو مات فلان، رحمه الله وقوله تعالى (قل سأتلو عليكم منه ذكرا، إنا مكنا له في الارض) ومنه جملة العامل اللمغى لتأخره نحو زيد قائم أظن فأما العامل الملغى لتوسطه نحو زيد أظن قائم فجملته أيضا لا محل لها، إلا أنها من باب جمل الاعتراض.

(هامش)

(1) في عدة نسخ يزاد بالزاى، وهى صحيحة، والمقصود واحد. (*)

ص 383

ويخص البيانيون الاستئناف بما كان جواب لسؤال مقدر نحو قوله تعالى (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون) فإن جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدر تقديره: فماذا قال لهم ؟ ولهذا فصلت عن الاولى فلم تعطف عليها، وفى قوله تعالى (سلام قوم ن منكرون) جملتان حذف خبر الاولى ومبتدأ الثانية، إذ التقدير سلام عليكم، أنتم قوم منكرون، ومثله في استئناف جملة القول الثانية (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون) وقد استؤنفت جملتا القول في قوله تعالى (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام) ومن الاستئناف البيانى أيضا قوله: 615 - زعم العواذل أننى في غمرة * صدقوا، ولكن غمرتي لا تنجلي فإن قوله صدقوا جواب لسؤال [مقدر] تقديره: أصدقوا أم كذبوا ؟ ومثله قوله تعالى (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) فيمن فتح باء (يسبح) تنبيهات - الاول: من الاستئناف ما قد يخفى، وله أمثلة كثيرة. أحدها: (لا يسمعون) من قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى) فإن الذى يتبادر إلى الذهن أنه صفة لكل شيطان أو حال منه، وكلاهما باطل، إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وإنما هي للاستئناف النحوي، ولا يكون استئنافا بيانيا لفساد المعنى أيضا، وقيل: يحتمل أن الاصل لئلا يسمعوا ثم حذفت اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذفت أن فارتفع الفعل كما في قوله: 616 - ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى * [وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى] [ص 641] فيمن رفع أحضر واستضعف الزمخشري، الجمع بين الحذفين.

ص 384

فإن قلت: اجعلها حالا مقدرة، أي وحفظا من كل شيطان مارد مقدرا عدم سماعه، أي بعد الحفظ. قلت: الذى يقدر وجود معنى الحال هو صاحبها، كالممرور به في قولك مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا حال المرور به أن يصيد به غدا، والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه. الثاني: (إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) بعد قوله تعالى (فلا يحزنك قولهم) فإنه [ربما [يتبادر إلى الذهن أنه محكى بالقول، وليس كذلك، لان ذلك ليس مقولا لهم الثالث: (إن العزة لله جميعا) بعد قوله تعالى (فلا يحزنك قولهم) وهى كالتى قبلها، وفى جمال القراء للسخاوي أن الوقف على قولهم في الآيتين واجب، والصواب أنه ليس في جميع القرآن وقف واجب. الرابع: (ثم يعيده) بعد (أو لم يروا كيف يبدأ الله الخلق) لان إعادة الخلق لم تقع بعد فيقرروا برؤيتها، ويؤيد الاستئناف فيه قوله تعالى على عقب ذلك (قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) الخامس: زعم أبو حاتم أن من ذلك (تثير الارض) فقال: الوقف على (ذلول) جيد، ثم يبتدئ (تثير الارض) على الاستئناف، ورده أبو البقاء بأن (ولا) إنما تعطف على النفى، وبأنها لو أثارت الارض كانت ذلولا. ويرد اعتراضه الاول صحة مررت برجل يصلى ولا يلتفت والثانى أن أبا حاتم زعم أن ذلك من عجائب هذه البقرة، وإنما وجه الرد أن الخبر لم يأت بأن ذلك من عجائبها، وبأنهم إنما كلفوا بأمر موجود، لا بأمر خارق للعادة، وبأنه كان يجب تكرار لا في ذلول إذ لا يقال مررت برجل لا شاعر حتى تقول ولا كاتب لا يقال قد تكررت بقوله تعالى (ولا تسقى الحرث) لان ذلك واقع بعد الاستئناف على زعمه التنبيه الثاني: قد يحتمل اللفظ الاستئناف وغيره، وهو نوعان:

ص 385

أحدهما : ما إذا حمل على الاستئناف احتيج إلى تقدير جزء يكون معه كلاما نحو زيد من قولك نعم الرجل زيد . والثانى: ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، لكونه جملة تامة، وذلك كثير جدا نحو الجملة المنفية وما بعدها في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر) قال الزمخشري: الاحسن والابلغ أن تكون مستأنفات على وجه التعليل للنهى عن اتخاذهم بطانة من دون المسلمين، ويجوز أن يكون لا يألونكم وقد بدت صفتين، أي بطانة غير ما نعتكم فسادا بادية بغضاؤهم. ومنع الواحدى هذا الوجه، لعدم حرف العطف بين الجملتين، وزعم أنه لا يقال لا تتخذ صاحبا يؤذيك أحب مفارقتك والذى يظهر أن الصفة تتعدد بغير عاطف وإن كانت جملة كما في الخبر نحو (الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان) وحصل للامام فخر الدين في تفسير هذه الآية سهو، فإنه سأل ما الحكمة في تقديم من دونكم على بطانة وأجاب بأن محط النهى هو من دونكم لا بطانة، فلذلك قدم الاهم، وليست التلاوة كما ذكر، ونظير هذا أن أبا حيان فسر في سورة الانبياء كلمة (زبرا) بعد قوله تعالى (وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا) وإنما هي في سورة المؤمنين، وترك تفسيرها هناك، وتبعه على هذا السهو رجلان لخصا من تفسيره إعرابا. التنبيه الثالث: من الجمل ما جرى فيه خلاف، هل هو مستأنف أم لا ؟ وله أمثلة أحدها: أقوم من نحو قولك إن قام زيد أقوم وذلك لان المبرد يرى أنه على إضمار الفاء، وسيبويه يرى أنه مؤخر من تقديم، وأن الاصل أقوم إن قام زيد، وأن جواب الشرط محذوف، ويؤيده التزامهم في مثل ذلك كون الشرط ماضيا.

ص 386

وينبنى على هذا مسألتان: إحداهما: أنه هل يجوز زيدا إن أتانى أكرمه بنصب زيدا ؟ فسيبويه يجيزه كما يجيز زيدا أكرمه إن أتانى والقياس أن المبرد يمنعه، لانه في سياق أداة الشرط فلا يعمل فيما تقدم على الشرط، فلا يفسر عاملا فيه. والثانية: أنه إذا جئ بعد هذا الفعل المرفوع بفعل معطوف، هل يجزم أم لا ؟ فعلى قول سيبويه لا يجوز الجزم، وعلى قول المبرد ينبغى أن يجوز الرفع بالعطف على لفظ الفعل والجزم بالعطف على محل (1) الفاء المقدرة وما بعدها. الثاني (2): مذ ومنذ وما بعدهما في نحو ما رأيته مذ يومان فقال السيرافى: في موضع نصب على الحال، وليس بشئ، لعدم الرابط، وقال الجمهور: مستأنفة جوابا لسؤال تقديره عند من قدر مذ مبتدأ: ما أمد ذلك، وعند من قدرها خبرا: ما بينك وبين لقائه. الثالث: جملة أفعال الاستثناء ليس ولا يكون وخلا وعدا وحاشا، وقال السيرافى: حال، إذ المعنى قام القوم خالين عن زيد، وجوز الاستئناف، وأوجبه ابن عصفور، فإن قلت جاءني رجال ليسوا زيدا فالجملة صفة، ولا يمتنع عندي أن يقال جاءني ليسوا زيدا على الحال. الرابع: الجملة بعد حتى الابتدائية كقوله: * حتى ماء دجلة أشكل * [195] فقال الجمهور: مستأنفة، وعن الزجاج وابن درستويه أنها في موضع جربحتى، وقد تقدم. الجملة الثانية: المعترضة بين شيئين لافادة الكلام تقوية وتسديدا أو تحسينا، وقد وقعت في مواضع.

(هامش)

(1) التحقيق أن المحل للجملة التى بعد الفاء، وليس للفاء مدخل في ذلك.
(2) الثاني من أمثلة الجملة التى اختلف في كونها مستأنفة. (*)

ص 387

أحدها: بين الفعل ومرفوعه كقوله: 617 - شجاك أظن ربع الظاعنينا * [ولم تعبأ بعذل العاذلينا] ويروى بنصب ربع على أنه مفعول أول، و شجاك مفعوله الثاني، وفيه ضمير مستتر راجع إليه، وقوله: 618 - وقد أدركتني والحوادث جمة * أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل وهو الظاهر في قوله: ألم يأتيك والانباء تنمى * بما لاقت لبون بنى زياد [154] على أن الباء زائدة في الفاعل، ويحتمل أن يأتي وتنمى تنازعا ما فأعمل الثاني وأضمر الفاعل في الاول، فلا اعتراض ولا زيادة، ولكن المعنى على الاول أوجه، إذ الانباء من شأنها أن تنمى بهذا وبغيره. الثاني: بينه وبين مفعوله كقوله: 629 - وبدلت والدهر ذو تبدل * هيفا دبورا بالصبا والشمأل والثالث: بين المبتدأ وخبره كقوله: 620 - وفيهن والايام يعثرن بالفتى * نوادب لا يمللنه ونوائح ومنه الاعتراض بجملة الفعل الملغى في نحو زيد أظن قائم وبجملة الاختصاص في نحو قوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الانبياء لا نورث وقول الشاعر 621 - نحن بنات طارق * نمشي على النمارق وأما الاعتراض بكان الزائدة في نحو قوله أو نبى كان موسى فالصحيح أنها لا فاعل لها، فلا جملة.

ص 388

والرابع: بين ما أصله المبتدأ والخبر كقوله: 622 - وإنى لرام نظرة فبل التى * لعلى وإن شطت نواها - أزورها [ص 391 و 585] وذلك على تقدير أزورها خبر لعل، وتقدير الصلة محذوفة، أي التى أقول لعلى، وكقوله: 623 - لعلك والموعود حق لقاؤه * بدا لك في تلك القلوص بداء وقوله: 624 - يا ليت شعرى والمنى لا تنفع * هل أغدون يوما وأمري مجمع إذا قيل بأن جملة الاستفهام خبر على تأويل شعرى بمشعورى، لتكون الجملة نفس المبتدأ فلا تحتاج إلى رابط، وأما إذا قيل بأن الخبر محذوف أي موجود، أو إن ليت لا خبر لها ههنا إذ المعنى ليتنى أشعر، فالاعتراض بين الشعر ومعموله الذى علق عنه بالاستفهام، وقول الحماسي: 625 - إن الثمانين وبلغتها * قد أحوجت سمعي إلى ترجمان [ص 396] وقول ابن هرمة: 626 - إن سليمى والله بكلؤها * ضنت بشئ ما كان يرزؤها [ص 396] وقول رؤية: 627 - إنى وأسطار سطرن سطرا * لقائل يا نصر نصر نصرا [ص 396 و 457]

ص 389

وقول كثير: 328 - وإنى وتهيامى بعزة بعدما * تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما * تبوأ منها للمقيل اضمحلت قال أبو على: تهيامى بعزة جملة معترضة بين اسم إن وخبرها، وقال أبو الفتح: يجوز أن تكون الواو للقسم كقولك إنى وحبك لضنين بك فتكون الباء متعلقة بالتهيام لا بخبر محذوف. الخامس : بين الشرط وجوابه، نحو (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) ونحو (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) ونحو (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى) قاله جماعة منهم ابن مالك، والظاهر أن الجواب (فالله أولى بهما (1)) ولا يرد ذلك تثنية الضمير كما توهموا لان أو هنا للتنويع، وحكمها حكم الواو في وجوب المطابقة، نص عليه الابدي، وهو الحق، أما قول ابن عصفور إن تثنية الضمير في الآية شاذة فباطل كبطلان قوله مثل ذلك في إفراد الضمير في (والله ورسوله أحق أن يرضوه) وفى ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن (أحق) خبر عنهما، وسهل إفراد الضمير أمران: معنوى وهو أن إرضاء الله سبحانه إرضاء لرسوله عليه الصلاة والسلام، وبالعكس (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) ولفظي وهو تقديم إفراد أحق، ووجه ذلك أن اسم التفضيل المجرد من أل والاضافة واجب الافراد نحو (ليوسف وأخوه أحب) (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم) إلى قوله (أحب إليكم).

(هامش)

(1) التحقيق أن الجواب محذوف، والتقدير: إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا فلا تكتموا الشهادة رأفة به لان الله أولى - إلخ. (*)

ص 390

والثانى: أن (أحق) خبر عن اسم الله سبحانه، وحذف مثله خبرا عن اسمه عليه الصلاة والسلام، أو بالعكس. والثالث: أن (أن يرضوه) ليس في موضع جر أو نصب بتقدير بأن يرضوه، بل في موضع رفع بدلا عن أحد الاسمين، وحذف من الآخر مثل ذلك، والمعنى وإرضاء الله وإرضاء رسوله أحق من إرضاء غيرهما. والسادس: بين القسم وجوابه كقوله: 329 - لعمري وما عمرى على بهين * لقد نطقت بطلا على الاقارع وقوله تعالى: (قال فالحق والحق أقول لاملان) الاصل أقسم بالحق لاملان وأقول الحق، فانتصب الحق الاول - بعد إسقاط الخافض - بأقسم محذوفا، والحق الثاني بأقول، واعترض بجملة أقول الحق وقدم معمولها للاختصاص، وقرئ برفعهما بتقدير فالحق قسمي والحق أقوله، وبجرهما على تقدير واو القسم في الاول والثانى توكيدا كقولك والله والله لافعلن ، وقال الزمخشري: جر الثاني على أن المعنى وأقول والحق، أي هذا اللفظ، فأعمل القول في لفظ واو القسم مع مجرورها على سبيل الحكاية، قال: وهو وجه حسن دقيق جائز في الرفع والنصب، اه‍. وقرئ برفع الاول ونصب الثاني، قيل: أي فالحق قسمي أو فالحق منى أو فالحق أنا، والاول أولى، ومن ذلك قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم) الآية. والسابع: بين الموصوف وصفته كالآية فإن فيها اعتراضين: اعتراضا بين الموصوف وهو (قسم) وصفته وهو (عظيم) بجملة (لو تعلمون)، واعتراضا بين (أقسم بمواقع النجوم) وجوابه وهو (إنه لقرآن كريم) بالكلام الذى بينهما، وأما قول ابن عطية ليس فيها إلا اعتراض واحد وهو (لو تعلمون) لان (وإنه لقسم عظيم) توكيد لا اعتراض

ص 391

فمردود، لان التوكيد والاعتراض لا يتنافيان، وقد مضى ذلك في حد جملة الاعتراض. والثامن: بين الموصول وصلته كقوله: 630 - ذاك الذى وأبيك يعرف مالكا * [والحق يدمغ ترهات الباطل] ويحتمله قوله: وإنى لرام نظرة قبل التى * لعلى وإن شطت نواها أزورها [622] وذلك على أن تقدر الصلة أزورها وتقدر خبر لعل محذوفا، أي لعلى أفعل ذلك. والتاسع : بين أجزاء الصلة نحو (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة) الآيات، فإن جملة (وترهقهم ذلة) معطوفة على (كسبوا السيئات) فهى من الصلة، وما بينهما اعتراض بين به قدر جزائهم، وجملة (ما لهم من الله من عاصم) خبر، قاله ابن عصفور، وهو بعيد، لان الظاهر أن (ترهقهم) لم يؤت به لتعريف الذين فيعطف على صلته، بل جئ به للاعلام بما يصيبهم جزاء على كسبهم السيئات، ثم إنه ليس بمتعين، لجواز أن يكون الخبر (جزاء سيئة بمثلها) فلا يكون في الآية اعتراض، ويجوز أن يكون الخبر جملة النفى كما ذكر، وما قبلها جملتان معترضتان، وأن يكون الخبر (كأنما أغشيت) فالاعتراض بثلاث جمل، أو (أولئك أصحاب النار) فالاعتراض بأربع جمل، ويحتمل - وهو الاظهر - أن (الذين) ليس مبتدأ، بل معطوف على الذين الاولى، أي للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، فمثلها هنا في مقابلة الزيادة هناك، ونظيرها في المعنى قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى

ص 392

الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) وفى اللفظ قولهم في الدار زيد والحجرة عمرو وذلك من العطف على معمولي عاملين مختلفين عند الاخفش، وعلى إضمار الجار عند سيبويه والمحققين، ومما يرجح هذا الوجه أن الظاهر أن الباء في (بمثلها) متعلقه بالجزاء، فإذا كان جزاء سيئة مبتدأ احتيج إلى تقدير الخبر، أي واقع، قاله أبو البقاء، أولهم، قاله الحوفى، وهو أحسن، لاغنائه عن تقدير رابط بين هذه الجملة ومبتدئها وهو (الذين) وعلى ما اخترناه يكون جزاء عطفا على الحسنى، فلا يحتاج إلى تقدير آخر، وأما قول أبى الحسن وابن كيسان إن بمثلها هو الخبر، وإن الباء زيدت في الخبر كما زيدت في المبتدأ في بحسبك درهم فمردود عند الجمهور، وقد يؤنس قولهما بقوله (وجزاء سيئة سيئة مثلها). والعاشر: بين المتضايفين كقولهم هذا غلام والله زيد و لا أخا فاعلم لزيد وقيل: الاخ هو الاسم والظرف الخبر، وإن الاخ حينئذ جاء على لغة القصر، كقوله مكره أخاك لا بطل فهو كقولهم لا عصا لك . الحادى عشر: بين الجار والمجرور كقوله اشتريته بأرى ألف درهم . الثاني عشر: بين الحرف الناسخ وما دخل عليه كقوله: 631 - كأن وقد أتى حول كميل * أثافيها حمامات مثول كذا قال قوم، ويمكن أن تكون هذه الجملة حالية تقدمت على صاحبها، وهو اسم كأن، على حد الحال في قوله: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالى [365] الثالث عشر: بين الحرف وتوكيده كقوله:

ص 393

632 - لبت وهل ينفع شيئا ليت * ليت شبابا بوع فاشتريت الرابع عشر: بين حرف التنفيس والفعل كقوله: وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء [51] وهذا الاعتراض في أثناء اعتراض آخر، فإن سوف وما يعدها اعتراض بين أدرى وجملة الاستفهام. الخامس عشر: بين قد والفعل كقوله: * أخالد قد والله أوطأت عشوة * [284] السادس عشر: بين حرف النفى ومنفيه كقوله: 633 - ولا أراها تزال ظالمة * [تحدث لى نكبة وتنكؤها] وقوله: 634 - فلا وأبى دهماء زالت عزيزة * [على قومها ما دام للزند قادح] السابع عشر: بين جملتين مستقلتين نحو (فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، نساؤكم حرث لكم) فإن (نساؤكم حرث لكم) تفسير لقوله تعالى (من حيث أمركم الله) أي أن المأتى الذى أمركم الله به هو مكان الحرث، ودلالة على أن الغرض الاصلى في الاتيان طلب النسل لا محض الشهوة، وقد تضمنت هذه الآية الاعتراض بأكثر من جملة، ومثلها في ذلك قوله تعالى (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لى ولوالديك) وقوله تعالى (رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإنى سميتها مريم) فيمن قرأ بسكون تاء (وضعت) إذ الجملتان المصدرتان بإنى من قولها عليها السلام، وما بينها اعتراض، والمعنى: وليس الذكر الذى طلبته كالانثى التى وهبت لها، وقال الزمخشري:

ص 394

هنا جملتان معترضتان كقوله تعالى (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) انتهى، وفى التنظير نظر، لان الذى في الآية الثانية اعتراضان كل منهما بجملة، لا اعتراض واحد بجملتين. وقد يعترض بأكثر من جملتين كقوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم) إن قدر (من الذين هادوا) بيانا للذين أوتوا وتخصيصا لهم إذا كان اللفظ عاما في اليهود والنصارى والمراد اليهود، أو بيانا لاعدائكم، والمعترض به على هذا التقدير جملتان، وعلى التقدير الاول ثلاث جمل، وهى والله أعلم وكفى بالله مرتين، وأما يشترون ويريدون فجملتا تفسير لمقدر، إذ المعنى ألم تر إلى قصة الذى أوتوا، وإن علقت من بنصيرا مثل (ونصرناه من القوم) أو بخبر محذوف على أن (يحرفون) صفة لمبتدأ محذوف، أي قوم يحرفون كقولهم منا ظعن ومنا أقام أي منا فريق فلا اعتراض البتة، وقد مر أن الزمخشري أجاز في سورة الاعراف الاعتراض بسبع جمل على ما ذكر ابن مالك. وزعم أبو على أنه لا يعترض بأكثر من جملة، وذلك لانه قال في قول الشاعر: 635 - أرانى ولا كفران لله أية * لنفسي قد طالبت غير منيل إن أية وهى مصدر أويت له إذا رحمته ورفقت به لا ينتصب بأويت محذوفة، لئلا يلزم الاعتراض بجملتين، قال: وإنما انتصابه باسم لا أي ولا أكفر الله رحمة منى لنفسي، ولزمه من هذا ترك تنوين الاسم المطول، وهو قول البغداديين أجازوا لا طالع جبلا أجروه في ذلك مجرى المضاف كما أجرى مجراه في الاعراب، وعلى قولهم يتخرج الحديث لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما

ص 395

منعت وأما على قول البصريين فيجب تنوينه، ولكن الرواية إنما جاءت بغير تنوين. وقد اعترض ابن مالك قول أبى على بقوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر) وبقول زهير: 636 - لعمري والخطوب مغيرات * وفى طول المعاشرة التقالى لقد باليت مظعن أم أوفى * ولكن أم أوفى لا تبالي وقد يجاب عن الآية بأن جملة الامر دليل الجواب عند الاكثرين ونفسه عند قوم: فهى مع جملة الشرط كالجملة الواحدة، وبأنه يجب أن يقدر للباء متعلق محذوف، أي أرسلناهم بالبينات، لانه لا يستثنى بأداة واحدة شيئان، ولا يعمل ما قبل إلا فيما بعدها إلا إذا كان مستثنى نحو ما قام إلا زيد أو مستثنى منه نحو ما قام إلا زيدا أحد أو تابعا له نحو ما قام أحد إلا زيدا فاضل . مسألة - كثيرا ما تشتبه المعترضة بالحالية، ويميزها منها أمور: أحدها: أنها تكون غير خبرية كالامرية في (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله، أن يؤنى أحد مثل ما أوتيتم) كذا مثل ابن مالك وغيره، بناء على أن (أن يؤتى أحد) متعلق بتؤمنوا، وأن المعنى ولا تظهروا تصديقكم بأن أحدا يؤتى من كتب الله مثل ما أوتيتم، وبأن ذلك الاحد يحاجونكم عند الله يوم القيامة بالحق فيغلبونكم، إلا لاهل دينكم لان ذلك لا يغير اعتقادهم بخلاف المسلمين، فإن ذلك يزيدهم ثباتا، وبخلاف المشركين، فإن ذلك يدعوهم إلى الاسلام، ومعنى الاعتراض حينئذ أن الهدى بيد الله، فإذا قدره لاحد لم يضره مكرهم.

ص 396

والآية محتملة لغير ذلك، وهى أن يكون الكلام قد تم عند الاستثناء، والمراد ولا تظهروا الايمان الكاذب الذى توقعونه وجه النهار وتنقضونه آخره إلا لمن كان منكم كعبد الله بن سلام ثم أسلم، وذلك لان إسلامهم كان أغيظ لهم ورجوعهم إلى الكفر كان عندهم أقرب، وعلى هذا ف‍ (أن يؤتى) من كلام الله تعالى، وهو متعلق بمحذوف مؤخر، أي لكراهية أن يؤتى أحد دبرتم هذا الكيد، وهذا الوجه أرجح لوجهين: أحدهما: أنه الموافق لقراءة ابن كثير (أأن يؤتى) بهمزتين، أي لكراهية أن يؤتى قلتم ذلك. والثانى : أن في الوجه الاول عمل ما قبل إلا فيما بعدها، مع أنه ليس من المسائل الثلاث المذكورة آنفا. وكالدعائية في قوله: إن الثمانين وبلغتها * قد أحوجت سمعي إلى ترجمان [625] وقوله: إن سليمى والله يكلؤها * ضنت بشئ ما كان يرزؤها [626] وكالقسمية في قوله: * إنى وأسطار سطرن سطرا * [627] البيت [ص 457] وكالتنزيهية في قوله تعالى (ويجعلون لله البنات، سبحانه، ولهم ما يشتهون) كذا مثل بعضهم. وكالاستفهامية في قوله تعالى (فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا) كذا مثل ابن مالك.

ص 397

فأما الاولى فلا دليل فيها إذا قدر لهم خبرا، وما مبتدأ، والواو للاستئناف لا عاطفة جملة على جملة، وقدر الكلام تهديدا كقولك لعبدك: لك عندي ما تختار، تريد بذلك إيعاده أو التهكم به، بل إذا قدر (لهم) معطوفا على (لله) وما معطوفة على البنات، وذلك ممتنع في الظاهر، إذ لا يتعدى فعل الضمير المتصل إلى ضميره المتصل إلا في باب ظن وفقد وعدم نحو (فلا يحسبنهم بمفازة من العذاب) فيمن ضم الباء، ونحو (أن رآه استغنى) ولا يجوز مثل زيد ضربه تريد ضرب نفسه، وإنما يصح في الآية العطف المذكور إذا قدر أن الاصل ولانفسهم ثم حذف المضاف، وذلك تكلف، ومن العجب أن الفراء والزمخشري والحوفى قدروا العطف المذكور ولم يقدروا المضاف المحذوف، ولا يصح العطف إلا به. وأما الثانية فنص هو وغيره على أن الاستفهام فيها بمعنى النفى، فالجملة خبرية. وقد فهم مما أوردته من أن المعترضة تقع طلبية أن الحالية لا تقع إلا خبرية، وذلك بالاجماع، وأما قول بعضهم في قول القائل: 637 - اطلب ولا تضجر من مطلب * [فآفة الطالب أن يضجرا] [ص 586] إن الواو للحال، وإن لا ناهية، فخطأ، وإنما هي عاطفة إما مصدرا يسبك من أن والفعل على مصدر متوهم من الامر السابق، أي ليكن منك طلب وعدم ضجر، أو جملة على جملة، وعلى الاول ففتحة تضجر إعراب، ولا نافية، والعطف مثله في قولك ائتنى ولا أجفوك بالنصب وقوله: 638 - فقلت ادعى وأدعو إن أندى * لصوت أن ينادى داعيان وعلى الثاني فالفتحة للتركيب، والاصل ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت للضرورة، ولا ناهية، والعطف مثله في قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا).

ص 398

الثاني: أنه يجوز تصديرها بدليل استقبال كالتنفيس في قوله: * وما أدرى وسوف إخال أدرى * [51] وأما قول الحوفى في (إنى ذاهب إلى ربى سيهدين): إن الجملة حالية فمردود، وكلن في (ولن تفعلوا) وكالشرط في (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض) (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا) (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) (إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) (فكيف تنقون إن كفرتم يوما) (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) وإنما جاز لاضربنه إن ذهب وإن مكث ، لان المعنى لاضربنه على كل حال، إذ لا يصح أن يشترط وجود الشيء وعدمه لشئ واحد. والثالث: أنه يجوز اقترانها بالفاء كقوله: 639 - وأعلم فعلم المرء ينفعه * أن سوف يأتي كل ما قدرا وكجملة (فالله أولى بهما) في قول وقد مضى، وكجملة (فبأى آلاء ربكما تكذبان) الفاصلة بين (فإذا انشقت السماء فكانت وردة) وبين الجواب وهو (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس) والفاصلة بين (ومن دونهما جنتان) وبين (فيهن خيرات حسان) وبين صفتيهما، وهى (مدهامتان) في الاولى (وحور مقصورات) في الثانية، ويحتملان تقدير مبتدأ، فتكون الجملة إما صفة وإما مستأنفة. الرابع: أنه يجوز اقترانها بالواو مع تصديرها بالمضارع المثبت كقول المتنبي: 640 - يا حاديى عيرها، وأحسبنى * أوجد ميتا قبيل أفقدها

ص 399

قفا قليلا بها على، فلا * أقل من نظرة أزودها قوله أفقدها على إضمار أن، وقوله أقل يروى بالرفع والنصب. تنبيه - للبيانيين في الاعتراض اصطلاحات مخالفة لاصطلاح النحويين، ولزمخشري يستعمل بعضها كقوله في قوله تعالى: (ونحن له مسلمون): يجوز أن يكون حالا من فاعل (نعبد) أو من مفعوله، لاشتمالها على ضميريهما، وأن تكون معطوفة على (نعبد) وأن تكون اعتراضية مؤكدة، أي من حالنا أنا مخلصون له التوحيد، ويرد عليه مثل ذلك من لا يعرف هذا العلم كأبى حيان توهما منه أنه لا اعتراض إلا ما يقوله النحوي وهو الاعتراض بين شيئين متطالبين. الجملة الثالثة: التفسيرية، وهى الفضلة الكاشفة لحقيقة ما تليه، وسأذكر لها أمثلة توضحها: أحدها: (وأسروا النجوى الذين ظلموا: هل هذا إلا بشر مثلكم) فجملة الاستفهام مفسرة للنجوى، وهل هنا للنفي، ويجوز أن تكون بدلا منها إن قلنا إن ما فيه معنى القول يعمل في الجمل، وهو قول الكوفيين، وأن تكون معمولة لقول محذوف، وهو حال مثل (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم). الثاني: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) فخلقه وما بعده تفسير لمثل آدم، لا باعتبار ما يعطيه ظاهر لفظ الجملة من كونه قدر جسدا من طين ثم كون، بل باعتبار المعنى، أي إن شأن عيسى كشأن آدم في الخروج عن مستمر العادة وهو التولد بين أبوين. والثالث: (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله) فجملة تؤمنون تفسير للتجارة، وقيل: مستأنفة معناها الطلب، أي آمنوا،

ص 400

بدليل (يغفر) بالجزم كقولهم اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه أي ليتق الله وليفعل يثب، وعلى الاول فالجزم في جواب الاستفهام، تنزيلا للسبب وهو الدلالة منزلة المسبب وهو الامتثال. الرابع: (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) وجوز أبو البقاء كونها حالية على إضمار قد، والحال لا تأتى من المضاف إليه في مثل هذا. الخامس: (حتى إذا جاؤك يجادلونك يقول الذين كفروا) إن قدرت إذا غير شرطية فجملة القول تفسير ليجادلونك، وإلا فهى جواب إذا، وعليهما فيجادلونك حال. تنبيه - المفسرة ثلاثة أقسام: مجردة من حرف التفسير كما في الامثلة السابقة، ومقرونة بأى كقوله: وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * [وتقليننى لكن إياك لا أقلى] [114] ومقرونة بأن (فأوحينا إليه أن أصنع الفلك) وقولك كتبت إليه أن افعل إن لم تقدر الباء قبل أن. السادس: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) فجملة ليسجننه قيل: هي مفسرة للضمير في بدا الراجع إلى البداء المفهوم منه، والتحقيق أنها جواب لقسم مقدر، وأن المفسر مجموع الجملتين، ولا يمنع من ذلك كون القسم إنشاء: لان المفسر هنا إنما هو المعنى المتحصل من الجواب، وهو خبرى لا إنشائى، وذلك المعنى هو سجنه عليه الصلاة والسلام، فهذا هو البداء الذى بدا لهم. ثم أعلم أنه لا يمتنع كون الجملة الانشائية مفسرة بنفسها، ويقع ذلك في موضعين:

ص 401

أحدهما: أن يكون المفسر إنشاء أيضا، نحو أحسن إلى زيد أعطه ألف دينار . والثانى: أن يكون مفردا مؤديا معنى جملة نحو (وأسروا النجوى الذين ظلموا) الآية. وإنما قلنا فيما مضى إن الاستفهام مراد به النفى تفسيرا لما اقتضاه المعنى وأوجبته الصناعة لاجل الاستثناء المفرغ، لا أن التفسير أوجب ذلك. ونظيره بلغني عن زيد كلام والله لافعلن كذا . ويجوز أن يكون (ليسجننه) جوابا لبدا، لان أفعال القلوب لافادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، قال: 641 - ولقد علمت لتأتين منيتى * [إن المنايا لا تطيش سهامها] [ص 407] وقال الكوفيون: الجملة فاعل، ثم قال هشام وثعلب وجماعة: يجوز ذلك في كل جملة نحو يعجبنى تقوم وقال الفراء وجماعة: جوازه مشروط بكون المسند إليها قلبيا، وباقترانها بأداة معلقة نحو ظهر لى أقام زيد، وعلم هل قعد عمرو وفيه نظر، لان أداة التعليق بأن تكون مانعة أشبه من أن تكون مجوزة، وكيف تعلق الفعل عما هو منه كالجزء ؟ وبعد فعندي أن المسألة صحيحة، ولكن مع الاستفهام خاصة دون سائر المعلقات، وعلى أن الاسناد إلى مضاف محذوف لا إلى الجملة الاخرى، لا ترى أن المعنى ظهر لى جواب أقام زيد، أي جواب قول القائل ذلك ؟ وكذلك في علم أقعد عمرو وذلك لابد من تقديره دفعا للتناقض، إذ ظهور الشيء والعلم به منافيان للاستفهام المقتضى للجهل به. فإن قلت: ليس هذا مما تصح فيه الاضافة إلى الجمل. قلت: قد مضى [لنا] عن قريب أن الجملة التى يراد بها اللفظ يحكم لها بحكم المفردات.

ص 402

السابع: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض) زعم ابن عصفور أن البصريين يقدرون نائب الفاعل [في قيل] ضمير المصدر، وجملة النهى مفسرة لذلك الضمير، وقيل: الظرف نائب [عن] الفاعل، فالجملة في محل نصب، ويرد بأنه لا تتم الفائدة بالظرف، وبعدمه في (وإذا قيل إن وعد الله حق) والصواب أن النائب الجملة، لانها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة بالقول، فكيف انقلبت مفسرة ؟ والمفعول به متعين للنيابة، وقولهم الجملة لا تكون فاعلا ولا نائبا عنه جوابه أن التى يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ نحو لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة وفى المثل زعموا مطية الكذب ومن هنا لم يحتج الخبر إلى رابط في نحو قولى لا إله إلا الله كما لا يحتاج إليه الخبر المفرد الجامد. الثامن: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) لان وعد يتعدى لاثنين، وليس الثاني هنا (لهم مغفرة)، لان ثانى مفعولي كسالا يكون جملة، بل هو محذوف، والجملة مفسرة له، وتقديره خيرا عظيما أو الجنة، وعلى الثاني فوجه التفسير إقامة السبب مقام المسبب، إذ الجنة مسببة عن استقرار الغفران والاجر. وقولى في الضابط الفضلة احترزت به عن الجملة المفسرة لضمير الشأن، فإنها كاشفة لحقيقة المعنى المراد به، ولها موضع بالاجماع، لانها خبر في الحال أو في الاصل، وعن الجملة المفسرة في باب الاشتغال [في نحو زيدا ضربته ] فقد قيل: إنها تكون ذات محل كما سيأتي، وهذا القيد أهملوه ولا بد منه. مسألة - قولنا إن الجملة المفسرة لا محل لها خالف فيه الشلوبين، فزعم أنها بحسب ما تفسره، فهى في نحو زيدا ضربته لا محل لها، وفى نحو (إنا كل شئ

ص 403

خلقناه بقدر) ونحو زيد الخبز يأكله بنصب الخبز - في محل رفع، ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله، وقال: 642 - فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن * [ومن لا نجره يمس منا مفزعا] فظهر الجزم، وكأن الجملة المفسرة عنده عطف بيان أو بدل، ولم يثبت الجمهور وقوع البيان والبدل جملة، وقد بينت أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التى تسمى في الاصطلاح جملة مفسرة وإن حصل فيها تفسير، ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف البيان، واختلف في المبدل منه، وفى البغداديات لابي على أن الجزم في ذلك بأداة شرط مقدرة، فإنه قال ما ملخصه: إن الفعل المحذوف والفعل المذكور في نحو قوله: * لا تجزعي إن منفسا أهلكته * [273] مجزومان في التقدير، وإن انجزام الثاني ليس على البدلية، إذ لم يثبت حذف المبدل منه، بل على تكرير إن، أي إن أهلكت منفسا إن أهلكته، وساغ إضمار إن وإن لم يجز إضمار لام الامر إلا ضرورة لاتساعهم فيها، بدليل إيلائهم إياها الاسم، ولان تقدمها مقو للدلالة عليها، ولهذا أجاز سيبويه بمن تمرر أمرر ومنع من تضرب أنزل لعدم دليل على المحذوف، وهو عليه، حتى تقول عليه وقال فيمن قال مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح بالخفض: إنه أسهل من إضمار رب بعد الواو، ورب شئ يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة كما في ضرب غلامه زيدا فإنه ضعيف جدا، وحسن في نحو ضربوني وضربت قومك واستغنى بجواب الاولى عن جواب الثانية كما استغنى في نحو أزيدا ظننته قائما بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثانى مفعولي ظننت المقدرة. الجملة الرابعة: المجاب بها القسم نحو (والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين)

ص 404

ونحو (وتالله لاكيدن أصنامكم) ومنه (لينبذن في الحطمة) (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) يقدر لذلك ولما أشبهه القسم. ومما يحتمل جواب القسم (وإن منكم إلا واردها) وذلك بأن تقدر الواو عاطفة على (ثم لنحن أعلم) فإنه وما قبله أجوبة لقوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين) وهذا مراد ابن عطية من قوله: هو قسم، والواو تقتضيه، أي هو جواب قسم والواو هي المحصلة لذلك لانها عاطفة (1)، وتوهم أبو حيان عليه ما لا يتوهم على صغار الطلبة، وهو أن الواو حرف قسم، فرد عليه بأنه يلزم منه حذف المجرور وبقاء الجار وحذف القسم مع كون الجواب منفيا بإن. تنبيه - من أمثلة جواب القسم ما يخفى نحو (أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون) (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله) (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) وذلك لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، قاله كثيرون منهم الزجاج، ويوضحه (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) وقال الكسائي والفراء ومن وافقهما: التقدير بأن لا تعبدوا إلا الله، وبأن لا تسفكوا، ثم حذف الجار، ثم أن فارتفع الفعل، وجوز الفراء أن يكون الاصل النهى، ثم أخرج مخرج الخبر، ويؤيده أن بعده (وقولوا) (وأقيموا) (وآتوا). ومما يحتمل الجواب وغيره قول الفرزدق: 643 - تعش فإن عاهدتني لا تخوننى * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فجملة النفى إما جواب لعاهدتني. كما قال: 644 - أرى محرزا عاهدته ليوافقن * فكان كمن أغريته بخلاف

(هامش)

(1) في نسخة عطفت . (*)

ص 405

فلا محل لها، أو حال من الفاعل أو المفعول أو كليهما فمحلها النصب، والمعنى شاهد للجوابية، وقد يحتج للحالية بقوله أيضا: 645 - ألم ترنى عاهدت ربى، وإنني * لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدهر مسلما * ولا خارجا من في زور كلام وذلك أنه عطف خارجا على محل جملة لا أشتم فكأنه قال حلفت غير شاتم ولا خارجا والذى عليه المحققون أن خارجا مفعول مطلق، والاصل ولا يخرج خروجا، ثم حذف الفعل وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى (إن أصبح ماؤكم غورا) لان المراد أنه حلف بين باب الكعبة وبين مقام إبراهيم أنه لا يشتم مسلما في المستقبل ولا يتكلم بزور، لا أنه حلف في حال اتصافه بهذين الوصفين على شئ آخر. مسألة - قال ثعلب: لا تقع جملة القسم خبرا، فقيل في تعليله: لان نحو لافعلن لا محل له، فإذا بنى على مبتدأ فقيل زيد ليفعلن صار له موضع، وليس بشئ، لانه إنما منع وقوع الخبر جملة قسمية، لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم وجوابه لا يكونان خبرا، إذ لا تنفك إحداهما عن الاخرى، وجملتا القسم والجواب يمكن أن يكون لهما محل من الاعراب كقولك: قال زيد أقسم لافعلن وإنما المانع عنده إما كون جملة القسم لا ضمير فيها فلا تكون خبرا، لان الجملتين ههنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء، لان الجملة الثانية ليست معمولة لشئ من الجملة الاولى، ولهذا منع بعضهم وقوعها صلة، وإما كون الجملة - أعنى

ص 406

جملة القسم - إنشائية، والجملة الواقعة خبرا لابد من احتمالها للصدق والكذب، ولهذا منع قوم من الكوفيين - منهم ابن الانباري - أن يقال: زيد اضربه، وزيد هل جاءك ! . وبعد فعندي أن كلا من التعليلين ملغى. أما الاول فلان الجملتين مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة [الواحدة] وإن لم يكن بينهما عمل، وزعم ابن عصفور أن السماع قد جاء بوصل الموصول بالجملة القسمية وجوابها، وذلك قوله تعالى: (وإن كلا لما ليوفينهم) قال: فما موصولة لا زائدة، وإلا لزم دخول اللام على اللام، انتهى. وليس بشئ، لان امتناع دخول اللام على اللام إنما هو لامر لفظي، وهو ثقل التكرار، والفاصل يزيله ولو كان زائدا، ولهذا اكتفى بالالف فاصلة بين النونات في اذهبنان وبين الهمزتين في (أأنذرتهم) وإن كانت زائدة، وكان الجيد أن يستدل بقوله تعالى: (وإن منكم لمن ليبطئن) فإن قيل: تحتمل من الموصوفية، أي لفريقا ليبطئن، قلنا: وكذا ما في الآية، أي لقوم ليوفينهم، ثم إنه لا يقع صفة إلا ما يقع صلة، فالاستدلال ثابت وإن قدرت صفة، فإن قيل: فما وجهه والجملة الاولى إنشائية ؟ قلت: جاز لانها غير مقصودة، وإنما المقصود جملة الجواب، وهى خبرية، ولم يؤت بجملة القسم إلا لمجرد التوكيد، لا للتأسيس. وأما الثاني فلان الخبر الذى شرطه احتمال الصدق والكذب الخبر الذى هو قسيم الانشاء، لا خبر المبتدأ، للاتفاق على أن أصله الافراد، واحتمال الصدق والكذب إنما هو من صفات الكلام، وعلى جواز أين زيد ؟ وكيف عمرو ؟ وزعم ابن مالك أن السماع ورد بما منعه ثعلب وهو قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم) وقوله:

ص 407

646 - جشأت فقلت: اللذ خشيت ليأتين * [وإذا أتاك فلات حين مناص] وعندي لما استدل به تأويل لطيف، وهو أن المبتدأ في ذلك كله ضمن معنى الشرط، وخبره منزل منزلة الجواب، فإذا قدر قبله قسم كان الجواب له، وكان خبر المبتدأ المشبه لجواب الشرط محذوفا، للاستغناء بجواب القسم المقدر قبله، ونظيره في الاستغناء بجواب القسم المقدر قبل الشرط المجرد من لام التوطئة نحو (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) التقدير: والله ليمس لئن لم ينتهوا يمسن. تنبيه - وقع لمكى وأبى البقاء وهم في جملة الجواب فأعرباها إعرابا يقتضى أن لها موضعا. فأما مكى فقال في قوله تعالى (كتب ربكم على نفسه الرحمة ليجمعنكم) إن ليجمعنكم بدل من الرحمة، وقد سبقه إلى هذا الاعراب غيره، ولكنه زعم أن اللام بمعنى أن المصدرية وأن من ذلك (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) أي أن يسجنوه، ولم يثبت مجئ اللام مصدرية، وخلط مكى فأجاز البدلية مع قوله إن اللام لام جواب القسم، والصواب أنها لام الجواب، وأنها منقطعة مما قبلها إن قدر قسم أو متصلة به اتصال الجواب بالقسم إن أجرى بدا مجرى أقسم كما أجرى علم في قوله: * ولقد علمت لتأتين منيتى * [641] وأما أبو البقاء فإنه قال في قوله (لما آتيتكم من كتاب وحكمة - الآية) من فتح اللام ففى ما وجهان: أحدهما: أنها موصولة مبتدأ، والخبر إما (من كتاب) أي للذى آتيتكموه من الكتاب، أو (لتؤمنن به)، واللام جواب القسم، لان أخذ الميثاق قسم، و (جاءكم) عطف على (آتيتكم)، والاصل ثم جاءكم به، فحذف عائد ما، أو الاصل

ص 408

مصدق له، ثم ناب الظاهر عن المضمر، أو العائد ضمير استقر الذى تعلقت به مع. والثانى: أنها شرطية، واللام موطئة، وموضع ما نصب بآتيت، والمفعول الثاني ضمير المخاطب، و (من كتاب) مثل من آية في (ما ننسخ من آية) اه‍. ملخصا، وفيه أمور: أحدها: أن إجازته كون (من كتاب) خبرا فيه الاخبار عن الموصول قبل كمال صلته، لان (ثم جاءكم) عطف على الصلة. الثاني: أن تجويزه كون (لتؤمنن) خبرا مع تقديره إياه جوابا لاخذ الميثاق يقتضى أن له موضعا، وأنه لا موضع له، وإنما كان حقه أن يقدره جوابا لقسم محذوف، ويقدر الجملتين خبرا، وقد يقال: إنما أراد بقوله اللام جواب القسم لان أخذ الميثاق قسم أن أخذ الميثاق دال على جملة قسم مقدرة، ومجموع الجملتين الخبر، وإنما سمى (لتؤمنن) خبرا، لانه الدال على المقصود بالاصالة، لا أنه وحده هو الخبر بالحقيقة وأنه لا قسم مقدر، بل أخذ الله ميثاق النبيين هو جملة القسم، وقد يقال: لو أراد هذا لم يحصر الدليل فيما ذكره، للاتفاق على أن وجود المضارع مفتتحا بلام مفتوحة مختتما بنون موكدة دليل قاطع على القسم، وإن لم يذكر معه أخذ الميثاق أو نحوه. والثالث: أن تجويزه كون العائد ضمير استقر يقتضى عود ضمير مفرد إلى شيئين معا، فإنه عائد إلى الموصول. والرابع: أنه جوز حذف العائد المجرور مع أن الموصول غير مجرور، فإن قيل: اكتفى بكلمة به الثانية فيكون كقوله: 647 - ولو أن ما عالجت لين فؤادها * فقسا استلين به للان الجندل قلنا: قد جوز على هذا الوجه عود به المذكورة إلى الرسول، لا إلى ما.

ص 409

والخامس: أنه سمى ضمير (آتيتكم) مفعولا ثانيا، وإنما هو مفعول أول. مسألة - زعم الاخفش في قوله: إذا قال: قدنى، قال: بالله حلفة * لتغنى عنى ذا إنائك أجمعا [344] أن لتغنى جواب القسم، وكذا قال في (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) لان قبله (وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا) الآية، وليس فيه ما يكون (ولتصغى) معطوفا عليه، والصواب خلاف قوله، لان الجواب لا يكون إلا جملة، ولام كى وما بعدها في تأويل المفرد، وأما ما استدل به فمتعلق اللام فيه محذوف، أي لتشربن لتغنى عنى، وفعلنا ذلك لتصغى. الجملة الخامسة: الواقعة جوابا لشرط غير جازم مطلقا، أو جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية، فالاول جواب لو ولولا ولما وكيف، والثانى نحو إن تقم أقم وإن قمت قمت أما الاول فلظهور الجزم في لفظ الفعل، وأما الثاني فلان المحكوم لموضعه بالجزم الفعل، لا الجملة بأسرها. الجملة السادسة: الواقعة صلة لاسم أو حرف، فالاول نحو جاء الذى قام أبوه فالذي في موضع رفع، والصلة لا محل لها، وبلغني عن بعضهم أنه كان يلقن أصحابه أن يقولوا: إن الموصول وصلته في موضع كذا، محتجا بأنهما ككلمة واحدة، والحق ما قدمت لك، بدليل ظهور الاعراب في نفس الموصول في نحو ليقم أيهم في الدار، ولالزمن أيهم عندك، وامرر بأيهم هو أفضل وفى التنزيل (ربنا أرنا اللذين أضلانا) وقرئ (أيهم أشد) بالنصب، وروى * فسلم على أيهم أفضل * [117] بالخفض، وقال الطائى:

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب