الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 410

648 - [فإما كرام موسرون لقيتهم] * فحسبي من ذى عندهم ما كفانيا وقال العقيلى: 649 - نحن الذون صبحوا الصباحا * [يوم النخيل غارة ملحاحا] وقال الهذلى: 650 - هم اللاؤن فكوا الغل عنى * والثانى نحو أعجبني أن قمت، أو ما قمت إذا قلنا بحرفية ما المصدرية، وفى هذا النوع يقال: الموصول وصلته في موضع كذا، لان الموصول حرف فلا إعراب له لا لفظا ولا محلا، وأما قول أبى البقاء في (بما كانوا يكذبون): إن ما مصدرية وصلتها (يكذبون) وحكمه مع ذلك بأن يكذبون في موضع نصب خبرا لكان، فظاهره متناقض، ولعل مراده أن المصدر إنما ينسبك من ما ويكذبون، لا منها ومن كان، بناء على قول أبى العباس وأبى بكر وأبى على وأبى الفتح وآخرين: إن كان الناقصة لا مصدر لها. الجملة السابعة: التابعة لما لا محل له نحو قام زيد ولم يقم عمرو إذا قدرت الواو عاطفة، لا واو الحال.

الجمل التى لها محل من الاعراب

وهى أيضا سبع: الجملة الاولى: الواقعة خبرا، وموضعها رفع في بابى المبتدأ وإن، ونصب في بابى كان وكاد، واختلف في نحو زيد اضربه، وعمرو هل جاءك فقيل: محل الجملة التى بعد المبتدأ رفع على الخبرية، وهو صحيح، وقيل: نصب بقول مضمر هو الخبر، بناء على أن الجملة الانشائية لا تكون خبرا، وقد مر إبطاله. الجملة الثانية: الواقعة حالا، وموضعها نصب، نحو (ولا تمنن تستكثر)

ص 411

ونحو (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون) ومنه (ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) فجملة استمعوه حال من مفعول يأتيهم، أو من فاعله، وقرئ (محدثا) لان الذكر مختص بصفته مع أنه قد سبق بالنفى، فالحالان على الاول - وهو أن يكون استمعوه حالا من مفعول يأتيهم - مثلهما في قولك ما لقى الزيدين عمر ومصعدا إلا منحدرين وعلى الثاني - وهو أن يكون جملة استمعوه حالا من فاعل يأتيهم - مثلهما في قولك ما لقى الزيدين عمرو راكبا إلا ضاحكا وأما (وهم يلعبون) فحال من فاعل (استمعوه) فالحالان متداخلتان، ولاهية حال من فاعل (يلعبون) وهذا من التداخل أيضا، أو من فاعل (استمعوه) فيكون من التعدد لا من التداخل. ومن مثل الحالية أيضا قوله عليه الصلاة والسلام أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو من أقوى الادلة على أن انتصاب قائما في ضربي زيدا قائما على الحال، لا على أنه خبر لكان محذوفة، إذ لا يقترن الخبر بالواو، وقولك ما تكلم فلان إلا قال خيرا كما تقول ما تكلم إلا قائلا خيرا ، وهو استثناء مفرغ من أحول عامة محذوفة، وقول الفرزدق: بأيدى رجال لم يشيموا سيوفهم * ولم تكثر القتلى بها حين سلت [582] لان تقدير العطف مفسد للمعنى، وقول كعب رضى الله عنه: 651 - [شجت بذى شبم من ماء محنية] * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول وأضحى تامة.

ص 412

الجملة الثالثة: الواقعة مفعولا، ومحلها النصب إن لم تنب عن فاعل، وهذه النيابة مختصة بباب القول نحو (ثم يقال هذا الذى كنتم به تكذبون) لما قدمناه من أن الجملة التى يراد بها لفظها تنزل منزلة الاسماء المفردة. قيل: وتقع أيضا في الجملة المقرونة بمعلق، نحو علم أقام زيد وأجاز هؤلاء وقوع هذه فاعلا، وحملوا عليه (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) (أولم يهد لهم كم أهلكنا) (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) والصواب خلاف ذلك، وعلى قول هؤلاء فيزاد في الجمل التى لها محل الجملة الواقعة فاعلا. فإن قلت: وينبغى زيادتها على ما قدمت اختياره من جواز ذلك مع الفعل القلبى المعلق بالاستفهام فقط نحو ظهر لى أقام زيد . قلت: إنما أجزت ذلك على أن المسند إليه مضاف محذوف، لا الجملة. وتقع الجملة مفعولا في ثلاثة أبواب. أحدها: باب الحكاية بالقول أو مرادفه، فالاول نحو (قال إنى عبد الله) وهل هي مفعول به أو مفعول مطلق نوعي كالقرفصاء في قعد القرفصاء إذ هي دالة على نوع خاص من القول ؟ فيه مذهبان، ثانيهما اختيار ابن الحاجب، قال: والذى غر الاكثرين أنهم ظنوا أن تعلق الجملة بالقول كتعلقها بعلم في علمت لزيد منطلق وليس كذلك، لان الجملة نفس القول والعلم غير المعلوم فافترقا، اه‍. والصواب قول الجمهور: إذ يصح أن يخبر عن الجملة بأنها مقولة كما يخبر عن زيد من ضربت زيدا بأنه مضروب، بخلاف القرفصاء في المثال فلا يصح أن يخبر عنها بأنها مقعودة، لانها نفس القعود، وأما تسمية النحويين الكلام قولا فكتسمينهم إياه لفظا، وإنما الحقيقة أنه مقول وملفوظ.

ص 413

والثانى: نوعان: ما معه حرف التفسير كقوله: وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقليننى، لكن إياك لا أقلى [114] وقولك كتبت إليه أن افعل إذا لم تقدر باء الجر، والجملة في هذا النوع مفسرة للفعل فلا موضع لها. وما ليس معه حرف التفسير، نحو (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين) ونحو (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا) وقراءة بعضهم (فدعا ربه إنى مغلوب) بكسر الهمزة، وقوله: 652 - رجلان من مكة أخبرانا * إنا رأينا رجلا عريانا روى بكسر إن فهذه الجمل في محل نصب اتفاقا، ثم قال البصريون: النصب بقول مقدر، وقال الكوفيون: بالفعل المذكور، ويشهد للبصريين التصريح بالقول في نحو (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلى) ونحو (إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إنى وهن العظم منى) وقول أبى البقاء في قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) إن الجملة الثانية في موضع نصب بيوصى، قال: لان المعنى يفرض لكم أو يشرع لكم في أمر أولادكم، وإنما يصح هذا على قول الكوفيين، وقال الزمخشري: إن الجملة الاولى إجمال، والثانية تفصيل لها، وهذا يقتضى أنها عنده مفسرة ولا محل لها، وهو الظاهر. تنبيهات - الاول: من الجمل المحكية ما قد يخفى، فمن ذلك في المحكية بعد القول (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) والاصل إنكم لذائقون عذابي، ثم عدل إلى التكلم، لانهم تكلموا بذلك عن أنفسهم، كما قال:

ص 414

653 - ألم تر أنى يوم جو سويقة * بكيت فنادتني هنيدة ماليا والاصل مالك، ومنه في المحكية بعد ما فيه معنى القول (أم لكم كتاب فيه تدرسون، إن لكم فيه لما تخيرون) أي تدرسون فيه هذا اللفظ، أو تدرسون فيه قولنا هذا الكلام، وذلك إما على أن يكونوا خوطبوا بذلك في الكتاب على زعمهم، أو الاصل إن لهم لما يتخيرون، ثم عدل إلى الخطاب عند مواجهتهم، وقد قيل في قوله تعالى (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) إن يدعو في معنى يقول مثلها في قول عنترة: 654 - يدعون عنتر والرماح كأنها * أشطان بئر في لبان الادهم فيمن رواه عنتر بالضم على النداء، وإن (من) مبتدأ، و (لبئس المولى) خبره، وما بينهما جملة اسمية صلة، وجملة (من) وخبرها محكية بيدعو، أي أن الكافر يقول ذلك في يوم القيامة، وقيل: من مبتدأ حذف خبره: أي إلهه، وإن ذلك حكاية لما يقول في الدنيا، وعلى هذا فالاصل يقول: الوثن إلهه، ثم عبر عن الوثن بمن ضره أقرب من نفعه، تشنيعا على الكافر. الثاني: قد يقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها نحو أتقول موسى في الدار فلك أن تقدر موسى مفعولا أول وفى الدار مفعولا ثانيا على إجراء القول مجرى الظن، ولك أن تقدرهما مبتدأ وخبرا على الحكاية كما في قوله تعالى: (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) الآية، ألا ترى أن القول قد استوفى شروط إجرائه مجرى الظن ومع هذا جئ بالجملة بعده محكية.

ص 415

الثالث: قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها، وذلك نحو أول قولى إنى أحمد الله إذا كسرت إن، لان المعنى أول قولى هذا اللفظ، فالجملة خبر لا مفعول، خلافا لابي على، زعم أنها في موضع نصب بالقول، فبقى المبتدأ بلا خبر فقدر موجود أو ثابت، وهذا المقدر يستغنى عنه، بل هو مفسد للمعنى، لان أول قولى إنى أحمد الله باعتبار الكلمات إن وباعتبار الحروف الهمزة، فيفيد الكلام على تقديره الاخبار بأن ذلك الاول ثابت، ويقتضى بمفهومه أن بقية الكلام غير ثابت، اللهم إلا أن يقدر أول زائدا، والبصريون لا يجيزونه، وتبع الزمخشري أبا على في التقدير المذكور، والصواب خلاف قولهما، فإن فتحت فالمعنى حمد الله، يعنى بأى عبارة كانت. الرابع: قد تقع الجملة بعد القول غير محكية به، وهى نوعان: محكية بقول آخر محذوف كقوله تعالى (فماذا تأمرون) بعد (قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم) لان قولهم تم عند قوله (من أرضكم) ثم التقدير: فقال فرعون، بدليل (قالوا أرجه وأخاه) وقول الشاعر: 655 - قالت له وهو بعيش ضنك * لا تكثري لومى وخلى عنك التقدير قالت له: أتذكر قولك لى إذ ألومك في الاسراف في الانفاق، لا تكثري لومى، فحذف المحكية بالمذكور، وأثبت المحكية بالمحذوف. وغير محكية، وهى نوعان: دالة على المحكية، كقولك قال زيد لعمرو في حاتم أتظن حاتما بخيلا فحذف المقول، وهو حاتم بخيل مدلولا عليه بجملة الانكار التى هي من كلامك دونه، وليس من ذلك قوله تعالى: (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا) وإن كان الاصل والله أعلم

ص 416

أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر، ثم حذفت مقالتهم مدلولا عليها بجملة الانكار، لان جملة الانكار هنا محكية بالقول الاول، وإن لم تكن محكية بالقول الثاني، وغير دالة عليه نحو (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا)، وقد مر البحث فيها. الخامس: قد يوصل بالمحكية غير محكى، وهو الذى يسميه المحدثون مدرجا، ومنه (وكذلك يفعلون) بعد حكاية قولها، وهذه الجملة ونحوها مستأنفة لا يقدر لها قول. الباب الثاني من الابواب التى تقع فيها الجملة مفعولا: باب ظن وأعلم، فإنها تقع مفعولا ثانيا لظن وثالثا لاعلم، وذلك لان أصلهما الخبر، ووقوعه جملة سائغ كما مر، وقد اجتمع وقوع خبرى كان وإن والثانى من مفعولي باب ظن جملة في قول أبى ذؤيب: 656 - فإن تزغمينى كنت أجهل فيكم * فإنى شريت الحلم بعدك بالجهل الباب الثالث: باب التعليق، وذلك غير مختص بباب ظن، بل هو جائز في كل فعل قلبى، ولهذا انقسمت هذه الجملة إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون في موضع مفعول مقيد بالجار، نحو (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) (فلينظر أيها أزكى طعاما) (يسألون أيان يوم الدين) لانه يقال: فكرت فيه، وسألت عنه، ونظرت فيه، ولكن علقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول، وهى من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف. وزعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضمن معناهما، وعلى هذا فتكون هذه الجملة سادة مسد المفعولين.

ص 417

واختلف في قوله تعالى: (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) فقيل: التقدير ينظرون أيهم يكفل مريم، وقيل: يتعرفون، وقيل. يقولون: فالجملة على التقدير الاول مما نحن فيه، وعلى الثاني في موضع المفعول به المسرح، أي غير مقيد بالجار، وعلى الثالث ليست من باب التعليق البتة. والثانى: أن تكون في موضع المفعول المسرح، نحو عرفت من أبوك وذلك لانك تقول: عرفت زيدا، وكذا علمت من أبوك إذا أردت علم بمعنى عرف، ومنه قول بعضهم أما ترى أي برق ههنا لان رأى البصرية وسائر أفعال الحواس إنما تتعدى لواحد بلا خلاف، لا سمع المعلقة باسم عين نحو سمعت زيدا يقرأ فقيل: (سمع) متعدية لاثنين ثانيهما الجملة، وقيل: إلى واحد والجملة حال، فإن علقت بمسموع فمتعدية لواحد اتفاقا، نحو (يوم يسمعون الصيحة بالحق). وليس من الباب (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد) خلافا ليونس، لان ننزع ليس بفعل قلبى، بل أي موصولة لا استفهامية، وهى المفعول، وضمتها بناء لا إعراب، وأشد: خبر لهو محذوفا، والجملة صلة. والثالث: أن تكون في موضع المفعولين، نحو (ولتعلمن أينا أشد عذابا) (لنعلم أي الحزبين أحصى) ومنه (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) لان أيا مفعول مطلق لينقلبون، لا مفعول به ليعلم، لان الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ومجموع الجملة الفعلية في محل نصب بفعل العلم. ومما يوهمون في إنشاده وإعرابه: 657 - ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأى غريم للتقاضى غريمها [ص 515]

ص 418

والصواب فيه نصب أي الاولى على حد انتصابها في (أي منقلب) إلا أنها مفعول به، لا مفعول مطلق، ورفع أي الثانية مبتدأ، وما بعدها الخبر، والعلم معلق عن الجملتين المتعاطفتين الفعلية والاسمية. واختلف في نحو عرفت زيدا من هو فقيل: جملة الاستفهام حال، ورد بأن الجمل الانشائية لا تكون حالا، وقيل: مفعول ثان على تضمين عرف معنى علم، ورد بأن التضمين لا ينقاس، وهذا التركيب مقيس، وقيل: بدل من المنصوب، ثم اختلف، فقيل: بدل اشتمال، وقيل: بدل كل، والاصل عرفت شأن زيد، وعلى القول بأن عرف بمعنى علم فهل يقال: إن الفعل معلق أم لا ؟ قال جماعة من المغاربة: إذا قلت علمت زيدا لابوه قائم أو ما أبوه قائم فالعامل معلق عن الجملة، وهو عامل في محلها النصب على أنها مفعول ثان، وخالف في ذلك بعضهم، لان الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب، وأن لا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق، وذلك نحو علمت زيدا أبوه قائم واضطرب في ذلك كلام الزمخشري فقال في قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) في سورة هود: إنما جاز تعليق فعل البلوى لما في الاختبار من معنى العلم، لانه طريق إليه، فهو ملابس له، كما تقول أنظر أيهم أحسن وجها، واستمع أيهم أحسن صوتا لان النظر والاستماع من طرق العلم، اه‍. ولم أقف على تعليق النظر البصري والاستماع إلا من جهته، وقال في تفسير الآية في سورة الملك: ولا يسمى هذا تعليقا، وإنما التعليق أن يوقع بعد العامل ما يسد مسد منصوبيه جميعا ك‍ - علمت أيهما عمرو ألا ترى أنه لا يفترق الحال - بعد تقدم أحد المنصوبين - بين مجئ ماله الصدر وغيره ؟ ولو كان تعليقا لافترقا كما افترقا في علمت زيدا منطلقا، وعلمت أزيد منطلق . تنبيه - فائدة الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ظهور ذلك في التابع، فتقول عرفت من زيد وغير ذلك من أموره واستدل به ابن عصفور بقول كثير:

ص 419

658 - وما كنت أدرى قبل عزة ما البكى * ولا موجعات القلب حتى تولت بنصب موجعات ولك أن تدعى أن البكى مفعول، وأن ما زائدة، أو أن الاصل ولا أدرى موجعات فيكون من عطف الجمل، أو أن الواو للحال وموجعات اسم لا، أي وما كنت أدرى قبل عزة والحال أنه لا موجعات للقلب موجودة ما البكاء، ورأيت بخط الامام بهاء الدين بن النحاس رحمه الله: أقمت مدة أقول: القياس جواز العطف على محل الجملة المعلق عنها بالنصب، ثم رأيته منصوصا، اه‍. وممن نص عليه ابن مالك، ولا وجه للتوقف فيه مع قولهم: إن المعلق عامل في المحل. الجملة الرابعة: المضاف إليها، ومحلها الجر، ولا يضاف إلى الجملة إلا ثمانية: أحدها: أسماء الزمان، ظروفا كانت أو أسماء، نحو (والسلام على يوم ولدت) ونحو (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) ونحو (لينذر يوم التلاق يومهم بارزون) ونحو (هذا يوم لا ينطقون) ألا ترى أن اليوم ظرف في الاولى، ومفعول ثان في الثانية، وبدل منه في الثالثة، وخبر في الرابعة، ويمكن في الثالثة أن يكون ظرفا ليخفى من قوله تعالى (لا يخفى على الله منهم شئ). ومن أسماء الزمان ثلاثة إضافتها إلى الجملة واجبة: إذ باتفاق، وإذا عند الجمهور ولما عند من قال باسميتها، وزعم سيبويه أن اسم الزمان المبهم إن كان مستقبلا فهو كإذا في اختصاصه بالجمل الفعلية، وإن كان ماضيا فهو كإذ في الاضافة إلى الجملتين فتقول آتيك زمن يقدم الحاج ولا يجوز زمن الحاج قادم وتقول أتيتك زمن قدم الحاج، وزمن الحاج قادم ورد عليه دعوى اختصاص المستقبل بالفعلية بقوله تعالى (يومهم بارزون) وبقول الشاعر: 659 - وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة * بمغن فتيلا عن سواد بن قارب [ص 582]

ص 420

وأجاب ابن عصفور عن الآية بأنه إنما يشترط حمل الزمان المستقبل على إذا إذا كان ظرفا، وهى في الآية بدل من المفعول به لا ظرف، ولا يأتي (1) هذا الجواب في البيت، والجواب الشامل لهما أن يوم القيامة لما كان محقق الوقوع جعل كالماضي، فحمل على إذ، لا على إذا، على حد (ونفخ في الصور). الثاني: حيث، وتختص بذلك عن سائر أسماء المكان، وإضافتها إلى الجملة لازمة، ولا يشترط لذلك كونها ظرفا، وزعم المهدوى شارح الدريدية - وليس بالمهدوى المفسر المقرئ - أن حيث في قوله: 660 - ثمت راح في الملبين إلى * حيث تحجى المأزمان ومنى لما خرجت عن الظرفية بدخول إلى عليها خرجت عن الاضافة إلى الجمل، وصارت الجملة بعدها صفة لها، وتكلف تقدير رابط لها، وهو فيه، وليس بشئ، لما قدمنا في أسماء الزمان. الثالث: آية بمعنى علامة، فإنها تضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرف فعلها مثبتا أو منفيا بما، كقوله: 661 - بآية يقدمون الخيل شعثا * [كأن على سنابكها مداما] [ص 638] وقوله: 662 - [الكنى إلى قومي السلام رسالة] * بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا [ص 421] وهذا قول سيبويه، زعم أبو الفتح أنها إنما تضاف إلى المفرد نحو (آية ملكه أن يأتيكم التابوت) وقال الاصل بآية ما يقدمون، أي بآية إقدامكم كما قال: 663 - [ألا من مبلغ عنى تميما] * بآية ما تحبون الطعاما [ص 638] اه‍ وفيه حذف موصول حرفي غير أن وبفاء صلته، ثم هو غير متأت في قوله:

(هامش)

(1) في نسخة ولا يتأتى . (*)

ص 421

* بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا * [662] الرابع: ذو في قولهم اذهب بذى تسلم والباء في ذلك ظرفية، وذى صفة لزمن محذوف، ثم قال الاكثرون: هي بمعنى صاحب، فالموصوف نكرة، أي أذهب في وقت صاحب سلامة، أي في وقت هو مظنة السلامة، وقيل: بمعنى الذى فالموصوف معرفة، والجملة صلة فلا محل لها، والاصل: اذهب في الوقت الذى تسلم فيه، ويضعفه أن استعمال ذى موصولة مختص بطيئ، ولم ينقل اختصاص هذا الاستعمال بهم، وأن الغالب عليها في لغتهم البناء، ولم يسمع هنا إلا الاعراب وأن حذف العائد المجرور هو والموصول بحرف متحد المعنى مشروط باتحاد المتعلق نحو (ويشرب مما تشربون) والمتعلق هنا مختلف، وأن هذا العائد لم يذكر في وقت، وبهذا الاخير يضعف قول الاخفش في (يا أيها الناس) إن أيا موصولة والناس خبر لمحذوف، والجملة صلة وعائد، أي يا من هم الناس، على أنه قد حذف العائد حذفا لازما في نحو * ولا سيما يوم * [219] فيمن رفع، أي لا مثل الذى هو يوم، ولم يسمع في نظائره ذكر العائد، ولكنه نادر، فلا يحسن الحمل عليه. والخامس، والسادس: لدن وريث، فإنهما يضافان جوازا إلى الجملة الفعلية التى فعلها متصرف، ويشترط كونه مثبتا، بخلافه مع آية. فأما لدن فهى اسم لمبدأ الغاية، زمانية كانت أو مكانية، ومن شواهدها قوله: 664 - لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم * فلا يك منكم للخلاف جنوح وأما ريث فهى مصدر راث إذا أبطأ، وعوملت معاملة أسماء الزمان في الاضافة إلى الجملة، كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت كقولك جئتك صلاة العصر قال: 665 - خليلي رفقا رث أقضى آية * من العرصات المذكرات عهودا

ص 422

وزعم ابن مالك في كافيته وشرحها أن الفعل بعدهما على إضمار أن، والاول قوله في التسهيل وشرحه، وقد يعذر في ريث، لانها ليست زمانا، بخلاف لدن، وقد يجاب بأنها لما كانت لمبدأ الغايات مطلقا لم تخلص للوقت، وفى الغرة لابن الدهان أن سيبويه لا يرى جواز إضافتها إلى الجملة، ولهذا قال في قوله: 666 - * من لد شولا [فإلى إتلائها] * إن تقديره من لد أن كانت شولا، ولم يقدر من لد كانت. والسابع والثامن: قول وقائل كقوله: 667 - قول يا للرجال ينهض منا * مسرعين الكهول والشبانا وقوله: 668 - وأجبت قائل كيف أنت بصالح * حتى مللت وملنى عوادى والجملة الخامسة: الواقعة بعد الفاء أو إذا جوابا لشرط جازم، لانها لم تصدر بمفرد يقبل الجزم لفظا كما في قولك إن تقم أقم ومحلا كما في قولك إن جئتني أكرمتك مثال المقرونة بالفاء (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) ولهذا قرئ بجزم يذر عطفا على المحل، ومثال المقرونة بإذا (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) والفاء المقدرة كالموجودة كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] ومنه عند المبرد نحو إن قمت أقوم وقول زهير: 669 - وإن أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب مالى ولا حرم

ص 423

وهذا أحد الوجهين عند سيبويه، والوجه الآخر أنه على التقديم والتأخير: فيكون دليل الجواب لا عينه، وحينئذ فلا يجزم ما عطف عليه، ويجوز أن يفسر ناصبا لما قبل الاداة، نحو زيدا إن أتانى أكرمه ومنع المبرد تقدير التقديم، محتجا بأن الشيء إذا حل في موضعه لا ينوى به غيره، وإلا لجاز ضرب غلامه زيدا وإذا خلا الجواب الذى لم يجزم لفظه من الفاء وإذا نحو إن قام زيد قام عمرو فمحل الجزم محكوم به للفعل لا للجملة، وكذا القول في فعل الشرط، قيل: ولهذا جاز نحو إن قام ويقعدا أخواك على إعمال الاول، ولو كان محل الجزم للجملة بأسرها لزم العطف على الجملة قبل أن تكمل. تنبيه - قرأ غير أبى عمرو (لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن) بالجزم، فقيل: عطف على ما قبله على تقدير إسقاط الفاء، وجزم (أصدق) ويسمى العطف على المعنى، ويقال له في غير القرآن العطف على التوهم، وقيل: عطف على محل الفاء وما بعدها وهو (أصدق) ومحله الجزم، لانه جواب التحضيض، ويجزم بإن مقدرة وإنه كالعطف على (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) بالجزم، وعلى هذا فيضاف إلى الضابط المذكور أن يقال: أو جواب طلب، ولا تقيد هذه المسألة بالفاء: لانهم أنشدوا على ذلك قوله: 670 - فأبلوني بليتكم لعلى * أصالحكم وأستدرج نويا (1) [ص 477] وقال أبو على: عطف أستدرج على محل الفاء الداخلة في التقدير على لعلى وما بعدها، قلت: فكأن هذا [هنا] بمنزلة: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] في باب الشرط، وبعد فالتحقيق أن العطف في الباب من العطف على المعنى،

(هامش)

(1) أبلوني: أعطوني، والبلية: الناقة يربطونها على قبر صاحبها حتى تموت، ونويا أي نواى، قلب الالف ياء وأدغمها في باء المتكلم على لغة هذيل. ومعناه الجهة التى ينويها. (*)

ص 424

لان المنصوب بعد الفاء في تأويل الاسم، فكيف يكون هو والفاء في محل الجزم ؟ وسأوضح ذلك في باب أقسام العطف. الجملة السادسة: التابعة لمفرد، وهى ثلاثة أنواع: أحدها: المنعوت بها، فهى في موضع رفع في نحو (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) ونصب في نحو (واتقوا يوما ترجعون فيه) وجر في نحو (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) ومن مثل المنصوبة المحل (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) الآية، فجملة (تكون لنا عيدا) صفة لمائدة، وجملة (تطهرهم وتزكيهم) صفة لصدقة، ويحتمل أن الاولى حال من ضمير مائدة المستتر في (من السماء) على تقديره صفة لها لا متعلقا بأنزل، أو من (مائدة) على هذا التقدير، لانها قد وصفت، وأن الثانية حال من ضمير (خذ) ونحو (فهب لى من لدنك وليا يرثنى) أي وليا وارثا، وذلك فيمن رفع (يرث) وأما من جزمه فهو جواب للدعاء، ومثل ذلك (أرسله معى ردا يصدقني) قرئ برفع يصدق وجزمه. والثانى: المعطوفة بالحرف نحو زيد منطلق وأبوه ذاهب إن قدرت الواو عاطفة على الخبر، فان قدرت العطف على الجملة فلا موضع لها، أو قدرت الواو واو الحال فلا تبعية والمحل نصب. وقال أبو البقاء في قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة): الاصل فهى تصبح، والضمير للقصة، و (تصبح) خبره، أو (تصيح) بمعنى أصبحت، وهو معطوف على (أنزل) فلا محل له إذا، اه‍. وفيه إشكالان: أحدهما أنه لا محوج في الظاهر لتقدير ضمير القصة، والثانى تقديره الفعل المعطوف على الفعل المخبر به لا محل له.

ص 425

وجواب الاول أنه قد يكون قدر الكلام مستأنفا، والنحويون يقدرون في مثل ذلك مبتدأ كما قالوا في وتشرب اللبن فيمن رفع: إن التقدير: وأنت تشرب اللبن، وذلك إما لقصدهم إيضاح الاستئناف، أو لانه لا يستأنف إلا على هذا التقدير، وإلا لزم العطف الذى هو مقتضى الظاهر. وجواب الثاني أن الفاء نزلت الجملتين منزلة الجملة الواحدة، ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد، وحينئذ فالخبر مجموعهما كما في جملتي الشرط والجزاء الواقعتين خبرا، والمحل لذلك المجموع، وأما كل منهما فجزء الخبر، فلا محل له، فافهمه فإنه بديع. ويجب على هذا أن يدعى أن الفاء في ذلك وفى نظائره من نحو زيد يطير الذباب فيغضب قد أخلصت لمعنى السببية، وأخرجت عن العطف، كما أن الفاء كذلك في جواب الشرط، وفى نحو أحسن إليك فلان فأحسن إليه ويكون ذكر أبى البقاء للعطف تجوزا أو سهوا. ومما يلحق بهذا البحث أنه إذا قيل: قال زيد عبد الله منطلق وعمرو مقيم فليست الجملة الاولى في محل نصب والثانية تابعة لها، بل الجملتان معا في موضع نصب، ولا محل لواحدة منهما، لان المقول مجموعهما، وكل منهما جزء للمقول، كما أن جزأى الجملة الواحدة لا محل لواحد منهما باعتبار القول، فتأمله. الثالث: المبدلة كقوله تعالى: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) فإن وما عملت فيه بدل من ما وصلتها، وجاز إسناد يقال إلى الجملة كما جاز في (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها) هذا كله إن كان المعنى ما يقول الله لك إلا ما قد قيل، فأما إن كان المعنى ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لانبيائهم، وهو الوجه الذى بدأ به الزمخشري، فالجملة استئناف.

ص 426

ومن ذلك (وأسروا النجوى) ثم قال الله تعالى: (هل هذا إلا بشر مثلكم أفتاتون السحر) قال الزمخشري: هذا في موضع نصب بدلا من النجوى، ويحتمل التفسير: وقال ابن جنى في قوله: إلى الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشأم أخرى كيف يلتقيان ؟ [339] جملة الاستفهام بدل من حاجة وأخرى، أي إلى الله أشكو حاجتى (1) تعذر التقائهما الجملة السابعة: التابعة لجملة لها محل، ويقع ذلك في بابى النسق والبدل خاصة فالاول نحو زيد قام أبوه وقعد أخوه إذا لم تقدر الواو للحال، ولا قدرت العطف على الجملة الكبرى. والثانى شرطه كون الثانية أوفى من الاولى بتأدية المعنى المراد، نحو (واتقوا الذى أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون) (فإن دلالة الثانية على نعم الله مفصلة، بخلاف الاولى، وقوله: 671 - أقول له ارحل لا تقيمن عندنا * [وإلا فكن في السر والجهر مسلما] [ص 456] فإن دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهية لاقامته بالمطابقة، بخلاف الاولى. قيل: ومن ذلك قوله: 672 - ذكرتك والخطى يخطر بيننا * وقد نهلت منا المثقفة السمر فإنه أبدل وقد نهلت من قوله والخطى يخطر بيننا بدل اشتمال، اه‍. وليس متعينا، لجواز كونه من باب النسق، على أن تقدر الواو للعطف، ويجوز أن تقدر واو الحال، وتكون الجملة حالا، إما من فاعل ذكرتك على المذهب

(هامش)

(1) في نسخة أشكو حاجتين . (*)

ص 427

الصحيح في جواز ترادف الاحوال، وإما من فاعل يخطر فتكون الحالان متداخلتين، والرابط على هذا الواو، وإعادة صاحب الحال بمعناه، فإن المثقفة السمر هي الرماح. ومن غريب هذا الباب قولك قلت لهم قوموا أولكم وآخركم زعم ابن مالك أن التقدير: ليقم أولكم وآخركم، وأنه من باب بدل الجملة من الجملة لا المفرد من المفرد، كما قال في العطف في نحو (اسكن أنت وزوجك الجنة) و (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) و (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده). تنبيه - هذا الذى ذكرته - من انحصار الجمل التى لها محل في سبع - جار على ما قرروا،

والحق أنها تسع

والذى أهملوه: الجملة المستثناة، والجملة المسند إليها. أما الاولى فنحو (لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله) قال ابن خروف: من مبتدأ، ويعذبه الله الخبر، والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، وقال الفراء في قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم): إن (قليل) مبتدأ حذف خبره أي لم يشربوا، وقال جماعة في (إلا امرأتك) بالرفع: إنه مبتدأ والجملة بعده خبر، وليس من ذلك نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه لان الجملة هنا حال من أحد باتفاق، أو صفة له عند الاخفش، وكل منهما قد مضى ذكره، وكذلك الجملة في (إلا إنهم ليأكلون الطعام) فإنها حال، وفى نحو ما علمت زيدا إلا يفعل الخير فإنها مفعول، وكل ذلك قد ذكر. وأما الثانية فنحو (سواء عليهم أأنذرتهم) الآية إذا أعرب سواء خبرا، وأنذرتهم مبتدأ، ونحو تسمع بالمعيدى خير من أن تراه إذا لم تقدر الاصل أن تسمع، بل يقدر تسمع قائما مقام السماع كما أن الجملة بعد الظرف في نحو (ويوم نسير الجبال) وفى نحو (أأنذرتهم) في تأويل المصدر، وإن لم يكن معها (1) حرف سابك

(هامش)

(1) في نسخة معهما بالتثنية - ولها وجه. (*)

ص 428

واختلف في الفاعل ونائبه هل يكونان جملة أم لا، فالمشهور المنع مطلقا، وأجازه هشام وثعلب مطلقا نحو يعجبنى قام زيد وفصل الفراء وجماعة ونسبوه لسيبويه فقالوا: إن كان الفعل قلبيا ووجد معلق عن العمل نحو ظهر لى أقام زيد صح، وإلا فلا، وحملوا عليه (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ومنعوا يعجبنى يقوم زيد وأجازهما هشام وثعلب، واحتجا بقوله: 673 - وما راعني إلا يسير بشرطة * [وعهدي به قينا يسير بكير] ومنع الاكثرون ذلك كله، وأولوا ما ورد مما يوهمه، فقالوا: في بدا ضمير البداء، وتسمع ويسير على إضمار أن. وأما قوله تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض) وقوله عليه الصلاة والسلام لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة وقول العرب زعموا مطية الكذب فليس من باب الاسناد إلى الجملة، لما بينا في غير هذا الموضع.

حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات 

يقول المعربون على سبيل التقريب: الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. وشرح المسألة مستوفاة أن يقال: الجمل الخبرية التى لم يستلزمها ما قبلها: إن كانت مرتبطة بنكرة محضة فهى صفة لها، أو بمعرفة محضة فهى حال عنها، أو بغير المحضة منهما فهى محتملة لهما، وكل ذلك بشرط وجود المقتضى وانتفاء المانع. مثال النوع الاول - وهو الواقع صفة لا غير لوقوعه بعد النكرات المحضة - قوله تعالى (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم) (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) ومنه (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها) وإنما أعيد ذكر الاهل لانه لو قيل استطعماهم مع أن المراد وصف القرية لزم

ص 429

خلو الصفة من ضمير الموصوف، ولو قيل استطعماها كان مجازا، ولهذا كان هذا الوجه أولى من أن تقدر الجملة جوابا لاذا، لان تكرار الظاهر يعرى حينئذ عن هذا المعنى، وأيضا فلان الجواب في قصة الغلام (قال أقتلت) لا قوله (فقتله) لان الماضي. المقرون بقد لا يكون جوابا، فليكن (قال) في هذه الآية أيضا جوابا. ومثال النوع الثاني - وهو الواقع حالا لا غير لوقوعه بعد المعارف المحضة - (ولا تمنن تستكثر) (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى). ومثال النوع النوع الثالث - وهو المحتمل لهما بعد النكرة - (وهذا ذكر مبارك أنزلناه) فلك أن تقدر الجملة صفة للنكرة وهو الظاهر، ولك أن تقدرها حالا منها لانها قد تخصصت بالوصف وذلك يقربها من المعرفة، حتى إن أبا الحسن أجاز وصفها بالمعرفة فقال في قوله تعالى (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان) إن الاوليان صفة لآخران لوصفه بيقومان، ولك أن تقدرها حالا من المعرفة وهو الضمير في (مبارك) إلا أنه قد يضعف من حيث المعنى وجها الحال، أما الاول فلان الاشارة إليه لم تقع في حالة الانزال كما وقعت الاشارة إلى البعل في حالة الشيخوخة في (وهذا بعلى شيخا) وأما الثاني فلاقتضائه تقييد البركة بحالة الانزال، وتقول ما فيها أحد يقرأ فيجوز الوجهان أيضا، لزوال الابهام عن النكرة بعمومها (1) ومثال النوع الرابع - وهو المحتمل لهما بعد المعرفة - (كمثل الحمار يحمل أسفارا) فإن المعرف الجنسى يقرب في المعنى من النكرة، فيصح تقدير (يحمل) حالا أو وصفا ومثله (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) وقوله: * ولقد أمر على اللئيم يسبنى * [142] وقد اشتمل الضابط المذكور على قيود: أحدها: كون الجملة خبرية، واحترزت بذلك من نحو هذا عبد بعتكه

(هامش)

(1) في نسخة لعمومها . (*)

ص 430  

تريد بالجملة الانشاء، و هذا عبدى بعتكه كذلك، فإن الجملتين مستأنفتان، لان الانشاء لا يكون نعتا ولا حالا، ويجوز أن يكونا خبرين آخرين إلا عند من منع تعدد الخبر مطلقا، وهو اختيار ابن عصفور، وعند من منع تعدده مختلفا بالافراد والجملة، وهو أبو على، وعند من منع وقوع الانشاء خبرا، وهم طائفة من الكوفيين. ومن الجمل ما يحتمل الانشائية والخبرية فيختلف الحكم باختلاف التقدير، وله أمثلة: منها: قوله تعالى (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما) فإن جملة (أنعم الله عليهما) تحتمل الدعاء فتكون معترضة، والاخبار فتكون صفة ثانية، ويضعف من حيث المعنى أن تكون حالا، ولا يضعف في الصناعة لوصفها بالظرف. ومنها: قوله تعالى (أو جاءوكم حصرت صدورهم) فذهب الجمهور إلى أن (حصرت صدورهم) جملة خبرية، ثم اختلفوا فقال جماعة منهم الاخفش: هي حال من فاعل جاء على إضمار قد، ويؤيده قراءة الحسن (حصرة صدورهم) وقال آخرون: هي صفة، لئلا يحتاج إلى إضمار قد، ثم اختلفوا فقيل: الموصوف منصوب محذوف، أي قوما حصرت صدورهم، ورأوا أن إضمار الاسم أسهل من إضمار حرف المعنى، وقيل: مخفوض مذكور وهم قوم المتقدم ذكرهم، فلا إضمار البتة، وما بينهما اعتراض، ويؤيده أنه قرئ بإسقاط (أو) وعلى ذلك فيكون (جاءوكم) صفة لقوم، ويكون (حصرت) صفة ثانية، وقيل: بدل اشتمال من (جاءوكم) لان المجئ مشتمل على الحصر، وفيه بعد، لان الحصر من صفة الجائين، وقال أبو العباس المبرد: الجملة إنشائية معناها الدعاء، مثل (غلت أيديهم) فهى مستأنفة، ورد بأن الدعاء عليهم بضيق قلوبهم عن قتال قومهم لا يتجه. ومن ذلك قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)

ص 431

فإنه يجوز أن تقدر لا ناهية ونافية، وعلى الاول فهى مقولة لقول محذوف هو الصفة. أي فتنة مقولا فيها ذلك، ويرجحه أن توكيد الفعل بالنون بعد لا الناهية قياس نحو (ولا تحسبن الله غافلا) وعلى الثاني فهى صفة لفتنة، ويرجحه سلامته من تقدير. القيد الثاني: صلاحيتها للاستغناء عنها، وخرج بذلك جملة الصلة، وجملة الخبر، والجملة المحكية بالقول، فإنها لا يستغنى عنها، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها وأشباه ذلك. القيد الثالث: وجود المقتضى، واحترزت بذلك عن نحو (فعلوه) من قوله تعالى (وكل شئ فعلوه في الزبر) فإنه صفة لكل أو لشئ، ولا يصح أن يكون حالا من كل مع جواز الوجهين في نحو أكرم كل رجل جاءك لعدم ما يعمل في الحال، ولا يكون خبرا، لانهم لم يفعلوا كل شئ، ونظيره قوله تعالى (لولا كتاب من الله سبق) يتعين كون (سبق) صفة ثانية، لا حالا من الكتاب، لان الابتداء لا يعمل في الحال، ولا من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، لان أبا الحسن حكى أن الحال لا يذكر بعد لولا كما لا يذكر الخبر، ولا يكون خبرا، لما أشرنا إليه، ولا ينقض الاول بقوله لولا رأسك مدهونا ولا الثاني بقول الزبير رضى الله عنه: 674 - ولولا بنوها حولها لخبطتها * [كخبطة عصفور ولم أتلعثم] لندورهما، وأما قول ابن الشجرى في (ولولا فضل الله عليكم): إن عليكم خبر، فمردود، بل هو متعلق بالمبتدأ، والخبر محذوف. القيد الرابع: انتفاء المانع، والمانع أربعة أنواع، أحدها: ما يمنع حالية كانت متعينة لولا وجوده، ويتعين حينئذ الاستئناف نحو زارني زيد سأكافئه أو

ص 432

لن أنسى له ذلك فإن الجملة بعد المعرفة المحضة حال، ولكن السين ولن مانعان، لان الحالية لا تصدر بدليل استقبال، وأما قول بعضهم في (وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين): إن (سيهدين) حال كما تقول سأذهب مهديا فسهو. والثانى: ما يمنع وصفية كانت متعينة لولا وجود المانع، ويمتنع فيه الاستئناف، لان المعنى على تقييد المتقدم، فتتعين الحالية بعد أن كانت ممتنعة، وذلك نحو (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) (أو كالذى مر على قرية وهى خاوية) وقوله: 675 - مضى زمن والناس يستشفعون بى * [فهل لى إلى ليلى الغداة شفيع] والمعارض فيهن الواو، فإنها لا تعترض بين الموصوف وصفته، خلافا للزمخشري ومن وافقه. والثالث: ما يمنعهما معا، نحو (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون) وقد مضى البحث فيها، والرابع: ما يمنع أحدهما دون الآخر ولولا المانع لكانا جائزين، وذلك نحو ما جاءني أحد إلا قال خيرا فإن جملة القول كانت قبل وجود إلا محتمله للوصفية والحالية، ولما جاءت إلا امتنعت الوصفية ومثله: (وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون) وأما (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) فللوصفية مانعان الواو وإلا، ولم ير الزمخشري وأبو البقاء واحدا منهما مانعا، وكلام النحويين بخلاف ذلك، وقال الاخفش: لا تفصل إلا بين الموصوف وصفته، فإن قلت ما جاءني رجل إلا راكب فالتقدير إلا رجل راكب، يعنى أن راكبا صفة لبدل محذوف، قال وفيه قبح، لجعلك الصفة كالاسم، يعنى في إيلائك إياها العامل، وقال الفارسى: لا يجوز ما مررت بأحد إلا قائم فإن قلت إلا قائما جاز، ومثل ذلك قوله: 676 - وقائله تخشى على: أظنه * سيؤدى به ترحاله وجعائله (1)

(هامش)

(1) قرأ الدسوقي أظنه بوزن أعزة، وجعله جمع ظن، كما قرأ سيردى به وليس بشئ (*)

ص 433

فإن جملة تخشى على حال من الضمير في قائلة، ولا يجوز أن يكون صفة لها، لان اسم الفاعل لا يوصف قبل العمل، والله أعلم.

الباب الثالث من الكتاب في ذكر أحكام ما يشبه الجملة
وهو الظرف والجار والمجرور

ذكر حكمها في التعلق

لابد من تعلقهما بالفعل، أو ما يشبهه، أو ما أول بما يشبهه، أو ما يشير إلى معناه، فإن لم يكن شئ من هذه الاربعة موجودا قدر، كما سيأتي. وزعم الكوفيون وابنا طاهر وخروف أنه لا تقدير في نحو زيد عندك وعمرو في الدار ثم اختلفوا، فقال ابنا طاهر وخروف: الناصب المبتدأ، وزعما أنه يرفع الخبر إذا كان عينه نحو زيد أخوك وينصبه إذا كان غيره، وأن ذلك مذهب سيبويه، وقال الكوفيون: الناصب أمر معنوى، وهو كونهما مخالفين للمبتدأ. ولا معول على هذين المذهبين. مثال التعلق بالفعل وما يشبهه (1) قوله تعالى (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) وقول ابن دريد: 677 - واشتعل المبيض في مسوده * مثل اشتعال النار في جزل الغضا [ص 652] وقد تقدر في الاولى متعلقة بالمبيض، فيكون تعلق الجارين بالاسم، ولكن تعلق الثاني بالاشتعال يرجح تعلق الاول بفعله، لانه أتم لمعنى التشبيه، وقد يجوز تعلق في الثانية بكون محذوف حالا من النار، ويبعده أن الاصل عدم الحذف.

(هامش)

(1) في نسخة بالفعل وشبهه . (*)

ص 434

ومثال التعلق بما أول بمشبه الفعل قوله تعالى (وهو الذى في السماء إله وفى الارض إله) أي وهو الذى هو إله في السماء، ففى متعلقة بإله، وهو اسم غير صفة، بدليل أنه يوصف فتقول إله واحد ولا يوصف به لا يقال شئ إله وإنما صح التعلق به لتأوله بمعبود، وإله خبر لهو محذوفا، ولا يجوز تقدير إله مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو فاعلا بالظرف، لان الصلة حينئذ خالية من العائد، ولا يحسن تقدير الظرف صلة وإله بدلا من الضمير المستتر فيه، وتقدير (وفى الارض إله) معطوفا كذلك، لتضمنه الابدال من ضمير العائد مرتين، وفيه بعد، حتى قيل بامتناعه، ولان الحمل على الوجه البعيد ينبغى أن يكون سببه التخلص به من محذور، فأما أن يكون هو موقعا فيما يحتاج (1) إلى تأويلين فلا، ولا يجوز على هذا الوجه أن يكون (وفى الارض إله) مبتدأ وخبرا، لئلا يلزم فساد المعنى إن استؤنف، وخلو الصلة من عائد إن عطف. ومن ذلك أيضا قوله: 678 - وإن لساني شهدة يشتفى بها * وهو على من صبه الله علقم أصله علقم عليه فعلى المحذوفة متعلقة بصبه،، والمذكورة متعلقة بعلقم، لتأوله بصعب، أو شاق، أو شديد. ومن هنا كان الحذف شاذا، لاختلاف متعلقي جار الموصول وجار العائد. ومثال التعلق بما فيه رائحته قوله: 679 - * أنا أبو المنهال بعض الاحيان * [ص 514] وقوله: 680 - أنا ابن ماوية إذ جد النقر * [وجاءت الخيل أثافى زمر] فتعلق بعض وإذ بالاسمين العلمين، لا لتأولهما باسم يشبه الفعل، بل لما فيهما من

(هامش)

(1) في نسخة موقعا فيما يحوج - إلخ. (*)

ص 435

معنى قولك الشجاع أو الجواد. وتقول فلان حاتم في قومه فتعلق الظرف بما في حاتم من معنى (1) الجود، ومن هنا رد على الكسائي في استدلاله على إعمال اسم الفاعل المصغر بقول بعضهم أظنني مرتحلا وسويرا فرسخا وعلى سيبويه في استدلاله على إعمال فعيل بقوله: 681 - حتى شآها كليل موهنا عمل * [باتت طرابا وبات الليل لم ينم] وذلك أن فرسخا ظرف مكان و موهنا ظرف زمان، والظرف يعمل فيه روائح الفعل، بخلاف المفعول به، ويوضح كون الموهن ليس مفعولا به أن كليلا من كل، وفعله لا يعدى، واعتذر عن سيبويه بأن كليلا بمعنى مكل، وكأن البرق يكل الوقت بدوامه فيه، كما يقال أتعبت يومك أو بأنه إنما استشهد به على أن فاعلا يعدل إلى فعيل للمبالغة، ولم يستدل به على الاعمال، وهذا أقرب، فإن في الاول حمل الكلام على المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة، وقال ابن مالك في قول الشاعر: * ونعم من هو في سر وإعلان * [535] يجوز كون من موصولة فاعلة بنعم، وهو: مبتدأ خبره هو أخرى مقدرة، وفى: متعلقة بالمقدرة، لان فيها معنى الفعل، أي الذى هو مشهور، انتهى: والاولى أن يكون المعنى الذى هو ملازم لحالة واحدة في سر وإعلان، وقدر أبو على من هذه تمييزا، والفاعل مستتر، وقد أجيز في قوله تعالى: (وهو الله في السموات وفى الارض) نعلقه باسم الله تعالى وإن كان علما، على معنى وهو المعبود، وهو المسمى بهذا الاسم، وأجيز تعلقه بيعلم، وبسركم وجهركم، وبخبر محذوف قدره الزمخشري بعالم، ورد الثاني بأن فيه تقديم معمول المصدر وتنازع عاملين في متقدم، وليس بشئ لان المصدر هنا ليس مقدرا بحرف مصدري وصلته، ولانه قد جاء نحو (بالمؤمنين

(هامش)

(1) العبارة الدقيقة فتعلق الظرف بحاتم لما فيه من معنى الجواد . (*)

ص 436

رؤوف رحيم) والظرف متعلق بأحد الوصفين قطعا، فكذا هنا، ورد أبو حيان الثالث بأن في لا تدل على عالم ونحوه من الاكوان الخاصة، وكذا رد على تقديرهم (فطلقوهن لعدتهن) مستقبلات لعدتهن، وليس بشئ، لان الدليل ما جرى في الكلام من ذكر العلم، فإن بعده (يعلم سركم وجهركم) وليس الدليل حرف الجر، ويقال له: إذا كنت تجيز الحذف للدليل المعنوي مع عدم ما يسد مسده فكيف تمنعه مع وجود ما يسد ؟ وإنما اشترطوا الكون المطلق لوجوب الحذف، لا لجوازه. ومثال التعلق بالمحذوف (وإلي ثمود أخاهم صالحا) بتقدير وأرسلنا ولم يتقدم ذكر الارسال، ولكن ذكر النبي والمرسل إليهم يدل على ذلك، ومثله (في تسع آيات إلى فرعون) ففى وإلى متعلقان باذهب محذوفا (وبالوالدين إحسانا) أي وأحسنوا بالوالدين إحسانا مثل (وقد أحسن بى) أو وصيناهم بالوالدين إحسانا مثل (ووصينا الانسان بوالديه حسنا) ومنه باء البسملة. هل يتعلقان بالفعل الناقص ؟ من زعم أنه لا يدل على الحدث منع من ذلك، وهم المبرد فالفارسي فابن جنى فالجرجاني فابن برهان ثم الشلوبين، والصحيح أنها كلها دالة عليه إلا ليس. واستدل لمثبتي ذلك التعلق بقوله تعالى: (أكان للناس عجبا أن أوحينا) فإن اللزم لا تتعلق بعجبا، لانه مصدر مؤخر، ولا بأوحينا لفساد المعنى، ولانه صلة لان، وقد مضى عن قريب أن المصدر الذى ليس في تقدير حرف موصول ولا صلته لا يمتنع التقديم عليه، ويجوز أيضا أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال من عجبا على حد قوله: لمية موحشا طلل * [يلوح كأنه خلل] [125]

ص 437

هل يتعلقان بالفعل الجامد ؟ زعم الفارسى في قوله: ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه * ونعم من هو في سر وإعلان [535] أن من نكرة تامة تمييز لفاعل نعم مستترا، كما قال هو وطائفة في ما من نحو (فنعما هي) إن الظرف متعلق بنعم، وزعم ابن مالك أنها موصولة فاعل، وأن هو مبتدأ خبره هو أخرى مقدرة على حد * شعرى شعرى * [536] وإن الظرف متعلق بهو المحذوفة لتضمنها معنى الفعل، أي ونعم الذى هو باق على وده في سره وإعلانه، وإن المخصوص محذوف، أي بشر بن مروان، وعندي أن يقدر المخصوص هو، لتقدم ذكر بشر في البيت قبله، وهو: 682 - وكيف أرهب أمرا أو أراع به * وقد زكأت إلى بشر بن مروان ؟ فيبقى التقدير حينئذ هو هو هو. هل يتعلقان بأحرف المعاني ؟ المشهور منع ذلك مطلقا، وقيل بجوازه مطلقا، وفصل بعضهم فقال: إن كان نائبا عن فعل حذف جاز ذلك على طريق (1) النيابة لا الاصالة، وإلا فلا، وهو قول أبى على وأبى الفتح، زعما في نحو يا لزيد أن اللام متعلقة بيا، بل قالا في يا عبد الله إن النصب بيا، وهو نظير قولهما في قوله: * أبا خراشة أما أنت ذا نفر * [44] إن ما الزائدة هي الرافعة الناصبة، لا كان المحذوفة.

(هامش)

(1) في نسخة على سبيل النيابة. (*)

ص 438

وأما الذين قالوا بالجواز مطلقا فقال بعضهم في قول كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه: 683 - وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول غداة البين: ظرف للنفي، أي انتفى كونها في هذا الوقت إلا كأغن. وقال ابن الحاجب في (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) إذ بدل من اليوم، واليوم إما ظرف للنفع المنفى، وإما لما في لن من معنى النفى، أي انتفى في هذا اليوم النفع، فالمنفى نفع مطلق، وعلى الاول نفع مقيد باليوم. وقال أيضا: إذا قلت ما ضربته للتأديب فإن قصدت نفى ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل، والمنفى ضرب مخصوص، وللتأديب: تعليل للضرب المنفى، وإن قصدت نفى الضرب كل حال فاللام متعلقة بالنفى والتعليل له، أي أن انتفاء الضرب كان لاجل التأديب، لانه قد يؤدب بعض الناس بترك الضرب، ومثله في التعلق بحرف النفى ما أكرمت المسئ لتأديبه، وما أهنت المحسن لمكافأته ، إذ لو علق هذا بالفعل فسد المعنى المراد، ومن ذلك قوله تعالى (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) الباء متعلقة بالنفى، إذ لو علقت بمجنون لافاد نفى جنون خاص، وهو الجنون الذى يكون من نعمة الله تعالى، وليس في الوجود جنون هو نعمة، ولا المراد نفى جنون خاص، اه‍ ملخصا. وهو كلام بديع، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف، فينبغي على قولهم أن يقدر أن التعلق بفعل دل عليه النافي، أي انتفى ذلك بنعمة ربك. وقد ذكرت في شرحي لقصيدة كعب رضى الله تعالى عنه أن المختار تعلق الظرف بمعنى التشبيه الذى تضمنه البيت، وذلك على أن الاصل: وما كسعاد إلا ظبى أغن، على التشبيه المعكوس للمبالغة، لئلا يكون الظرف متقدما في التقدير على اللفظ الحامل لمعنى التشبيه، وهذا الوجه هو اختيار ابن عمرون، وإذا جاز لحرف التشبيه أن يعمل في الحال في نحو قوله:

ص 439

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالى [465] مع أن الحال شبيهة بالمفعول به، فعمله في الظرف أجدر. فإن قلت: لا يلزم من صحة إعمال المذكور [صحة] إعمال المقدر، لانه أضعف. قلت: قد قالوا زيد زهير شعرا وحاتم جودا وقيل في المنصوب فيهما: إنه حال أو تمييز، وهو الظاهر، وأيا كان فالحجة قائمة [به]، وقد جاء أبلغ من ذلك، وهو إعماله في الحالين، وذلك في قوله: 684 - تعيرنا أننا عالة * ونحن صعاليك أنتم ملوكا إذ المعنى تعيرنا أننا فقراء، ونحن في حال صعلكتنا مثلكم في حال ملككم. فإن قلت : قد أوجبت في بيت كعب بن زهير رضى الله عنه أن يكون من عكس التشبيه لئلا يتقدم الحال على عاملها المعنوي، فما الذى سوغ تقدم صعاليك هنا عليه ؟ قلت: سوغه الذى سوغ تقدم بسرا في هذا بسرا أطيب منه رطبا وإن كان معمول اسم التفضيل لا يتقدم عليه في نحو لهو أكفؤهم ناصرا وهو خشية اختلاط المعنى، إلا أن هذا مطرد ثم لقوة التفضيل. ونادر هنا لضعف حرف التشبيه. وهذا الذى ذكرته في البيت أجود ما قيل فيه، وفيه قولان آخران، أحدهما: ذكره السخاوى في كتابه سفر السعادة، وهو أن عالة من عالنى الشيء إذا اثقلني، و ملوكا مفعول: أي أننا نثقل الملوك بطرح كلنا عليهم، ونحن أنتم أي مثلكم في هذا الامر، فالاخبار هنا مثله في (وأزواجه أمهاتهم) والثانى قاله الحريري وقد سئل عن البيت، وهو أن التقدير: إنا عالة صعاليك نحن وأنتم، وقد خطئ في ذلك، وقيل: إنه كلام لا معنى له، وليس كذلك، بل هو متجه على

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب