الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 440

بعد فيه، وهو أن يكون صعاليك مفعول عالة، أي إنا نعول صعاليك، ويكون نحن توكيدا لضمير عالة، وأنتم توكيد لضمير مستتر في صعاليك، وحصل في البيت تقديم وتأخير للضرورة، ولم يتعرض لقوله ملوكا وكأنه عنده حال من ضمير عالة، والاولى على قوله أن يكون صعاليك حالا من محذوف، أي نعولكم صعاليك ويكون الحالان بمنزلتهما في لقيته مصعدا منحدرا فإنهم نصوا على أنه يكون الاول للثاني والثانى للاول، لان فصلا أسهل من فصلين، ويكون أنتم توكيدا للمحذوف، لا لضمير صعاليك لانه ضمير غيبة، وإنما جوزناه أولا لان الصعاليك هم المخاطبون، فيحتمل كونه راعى المعنى.

ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر

يستثنى من قولنا لابد لحرف الجر من متعلق ستة أمور: أحدها: الحرف الزائد كالباء ومن في (كفى بالله شهيدا) (هل من خالق غير الله) وذلك لان معنى التعلق الارتباط المعنوي، والاصل أن أفعالا قصرت عن الوصول إلى الاسماء فأعينت على ذلك بحروف الجر، والزائد إنما دخل في الكلام تقوية له وتوكيدا، ولم يدخل للربط. وقول الحوفى إن الباء في (أليس الله بأحكم الحاكمين) متعلقة وهم، نعم يصح في اللام المقوية أن يقال إنها متعلقة بالعامل المقوى نحو (مصدقا لما معهم) و (فعال لما يريد) و (إن كنتم للرؤيا تعبرون) لان التحقيق أنها ليست زائدة محضة، بل لما تخيل في العامل من الضعف الذى نزله منزلة القاصر، ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها، فلها منزلة بين المنزلتين. الثاني: لعل في لغة عقيل، لانها بمنزلة الحرف الزائد، ألا ترى أن مجرورها في موضع رفع على الابتداء، بدليل ارتفاع ما بعده على الخبرية، قال:

ص 441

* لعل أبى المغوار منك قريب * [470] ولانها لم تدخل لتوصيل عامل، بل لافادة معنى التوقع، كما دخلت ليت لافادة معنى التمنى، ثم إنهم جروا بها منبهة على أن الاصل في الحروف المختصة بالاسم أن تعمل الاعراب المختص به كحروف الجر. الثالث: لولا فيمن قال لولاى، ولولاك، ولولاه على قول سيبويه: إن لولا جارة للضمير، فإنها أيضا بمنزلة لعل في أن ما بعدها مرفوع المحل بالابتداء، فإن لولا الامتناعية تستدعى جملتين كسائر أدوات التعليق. وزعم أبو الحسن أن لولا غير جارة، وأن الضمير بعدها مرفوع، ولكنهم استعاروا ضمير الجر مكان ضمير الرفع، كما عكسوا في قولهم ما أنا كأنت وهذا كقوله في عساى ويردهما أن نيابة ضمير عن ضمير يخالفه في الاعراب إنما تثبت [في الكلام] في المنفصل، وإنما جاءت النيابة في المتصل بثلاثة شروط: كون المنوب عنه منفصلا، وتوافقهما في الاعراب، وكون ذلك في الضرورة، كقوله: 685 - [وما نبالي إذا ما كنت جارتنا] * أن لا يجاورنا إلاك ديار وعليه خرج أبو الفتح قوله: 686 - نحن بغرس الودى أعلمنا * منا بركض الجياد في السدف فادعى أن نا مرفوع مؤكد للضمير في أعلم، وهو نائب عن نحن، ليتخلص بذلك من الجمع بين إضافة أفعل وكونه بمن، وهذ البيت أشكل على أبى على حتى جعله من تخليط الاعراب. والرابع: رب في نحو رب رجل صالح لقيته، أو لقيت ، لان مجرورها

ص 442

مفعول في الثاني، ومبتدأ في الاول، أو مفعول على حد زيدا ضربته ويقدر الناصب بعد المجرور لا قبل الجار، لان رب لها الصدر من بين حروف الجر، وإنما دخلت في المثالين لافادة التكثير أو التقليل، لا لتعدية عامل. هذا قول الرماني وابن طاهر. وقال الجمهور: هي فيهما حرف جر معد، فإن قالوا إنها عدت العامل المذكور فخطأ، لانه يتعدى بنفسه، ولاستيفائه معموله في المثال الاول، وإن قالوا عدت محذوفا تقديره حصل أو نحوه كما صرح به جماعة ففيه تقدير لما معنى الكلام مستغن عنه ولم يلفظ به في وقت. الخامس: كاف التشبيه، قاله الاخفش وابن عصفور، مستدلين بأنه إذا قيل زيد كعمرو فإن كان المتعلق استقر فالكاف لا تدل عليه، بخلاف نحو في من زيد في الدار وإن كان فعلا مناسبا للكاف - وهو أشبه - فهو متعد بنفسه لا بالحرف. والحق أن جميع الحروف الجارة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدل على الاستقرار. السادس: حرف الاستثناء، وهو خلا وعدا وحاشا، إذا خفضن، فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه، كما أن إلا كذلك، وذلك عكس معنى التعدية الذى هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم، ولو صح أن يقال إنها متعلقة لصح ذلك في إلا، وإنما خفض بهن المستثنى ولم ينصب كالمستثنى بإلا لئلا يزول الفرق بينهن أفعالا وأحرفا.

حكمهما بعد المعارف والنكرات

حكمهما بعدهما حكم الجمل، فهما صفتان في نحو رأيت طائرا فوق غصن،

ص 443

أو على غصن ، لانهما بعد نكرة محضة، وحالان في نحو رأيت الهلال بين السحاب، أو في الافق لانهما بعد معرفة محضة، ومحتملان لهما في نحو يعجبنى الزهر في أكمامه، والثمر على أغصانه ، لان المعرف الجنسى كالنكرة، وفى نحو هذا ثمر يانع على أغصانه لان النكرة الموصوفة كالمعرفة. حكم المرفوع بعدهما إذا وقع بعدهما مرفوع، فإن تقدمهما نفى أو استفهام أو موصوف أو موصول أو صاحب خبر أو حال نحو ما في الدار أحد و أفى الدار زيد و مررت برجل معه صقر و جاء الذى في الدار أبوه و زيد عندك أخوه و مررت بزيد عليه جبة ففى المرفوع ثلاثة مذاهب: أحدهما: أن الارجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور، ويجوز كونه فاعلا. والثانى: أن الارجح كونه فاعلا، واختاره ابن مالك، وتوجيهه أن الاصل عدم التقديم والتأخير. والثالث: أنه يجب كونه فاعلا، نقله ابن هشام عن الاكثرين. وحيث أعرب فاعلا فهل عامله الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن استقر وقربهما من الفعل لاعتمادهما ! فيه خلاف، والمذهب المختار الثاني، لدليلين: أحدهما امتناع تقديم الحال في نحو زيد في الدار جالسا ولو كان العامل الفعل لم يمتنع، ولقوله: 687 - [فإن يك جثمانى بأرض سواكم] * فإن فؤادى عندك الدهر أجمع فأكد الضمير المستتر في الظرف، والضمير لا يستتر إلا في عامله، ولا يصح أن

ص 444

يكون توكيدا لضمير محذوف مع الاستقرار، لان التوكيد والحذف متنافيان، ولا لاسم إن على محله من الرفع بالابتداء، لان الطالب للمحل قد زال. واختار ابن مالك المذهب الاول، مع اعترافه بأن الضمير مستتر في الظرف وهذا تناقض، فإن الضمير لا يستكن إلا في عامله. وإن لم يعتمد الظرف أو المجرور نحو في الدار - أو عندك - زيد فالجمهور يوجبون الابتداء، والاخفش والكوفيون يجيزون الوجهين، لان الاعتماد عندهم ليس بشرط، ولذا يجيزون في نحو قائم زيد أن يكون قائم مبتدأ وزيد فاعلا وغيرهم يوجب كونهما على التقديم والتأخير. تنبيهات - الاول: يحتمل قول المتنبي يذكر دار المحبوب: 688 - ظلت بها تنطوى على كبد * نضيجة فوق خلبها يدها أن تكون اليد فيه فاعلة بنضيجة، أو بالظرف، أو بالابتداء، والاول أبلغ، لانه أشد للحرارة، والخلب: زيادة الكبد، أو حجاب القلب، أو ما بين الكبد والقلب، وأضاف اليد إلى الكبد للملابسة بينهما، فإنهما في الشخص. ولا خلاف في تعين الابتداء في نحو في داره زيد لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. فإن قلت في داره قيام زيد لم يجزها الكوفيون ألبتة، أما على الفاعلية فلما ، وأما على الابتدائية فلان الضمير لم يعد على المبتدأ، بل على ما ضيف إليه المبتدأ، والمستحق للتقديم إنما هو المبتدأ، وأجازه البصريون على أن يكون المرفوع مبتدأ لا فاعلا، كقولهم في أكفانه درج الميت وقوله:

ص 445

689 - * بمسعاته هلك الفتى أو نجاته * وإذا كان الاسم في نية التقديم كان ما هو من تمامه كذلك. والارجح تعين الابتدائية في نحو هل أفضل منك زيد لان اسم التفضيل لا يرفع الفاعل الظاهر عند الاكثر على هذا الحد، وتجوز الفاعلية في لغة قليلة. ومن المشكل قوله: فخير نحن عند الناس منكم * [إذا المثوب قال يالا] [366]. لان قوله نحن إن قدر فاعلا لزم إعمال الوصف غير معتمد، ولم يثبت، وعمل أفعل في الظاهر في غير مسألة الكحل وهو ضعيف، وإن قدر مبتدأ لزم الفصل به وهو أجنبي بين أفعل ومن، وخرجه أبو على - وتبعه ابن خروف - على أن الوصف خبر لنحن محذوفة، وقدر نحن المذكورة توكيدا للضمير في أفعل.

ما يجب فيه تعلقهما بمحذوف

وهو ثمانية: أحدها: أن يقعا صفة نحو (أو كصيب من السماء) الثاني: أن يقعا حالا نحو (فخرج على قومه في زينته) وأما قوله سبحانه وتعالى: (فلما رآه مستقرا عنده) فزعم ابن عطية أن (مستقرا) هو المتعلق الذى يقدر في أمثاله قد ظهر، والصواب ما قاله أبو البقاء وغيره من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرك، لا مطلق الوجود والحصول، فهو كون خاص. الثالث: أن يقعا صلة نحو (وله من في السموات والارض ومن عنده لا يستكبرون). الرابع: أن يقعا خبرا، نحو زيد عندك، أو في الدار وربما ظهر في الضرورة كقوله:

ص 446

690 - لك العز إن مولاك عز، وإن يهن * فأنت لدى بحبوبة الهون كان وفى شرح ابن يعيش: متعلق الظرف الواقع خبرا، صرح ابن جنى بجواز إظهاره، وعندي أنه إذا حذف ونقل ضميره إلى الظرف لم يجز إظهاره، لانه قد صار أصلا مرفوضا، فأما إن ذكرته أولا فقلت زيد استقر عندك فلا يمنع مانع منه، اه‍. وهو غريب. الخامس: أن يرفعا الاسم الظاهر نحو (أفى الله شك) ونحو (أو كصيب من السماء فيه ظلمات) ونحو أعندك زيد . والسادس: أن يستعمل محذوفا في مثل أو شبهه، كقولهم لمن ذكر أمرا قد تقادم عهده حينئذ الآن أصله: كان ذلك حينئذ واسمع الآن، وقولهم للمعرس بالرفاء والبنين بإضمار أعرست. والسابع: أن يكون المتعلق محذوفا على شريطة التفسير نحو أيوم الجمعة صمت فيه ونحو بزيد مررت به عند من أجازه مستدلا بقراءة بعضهم (وللظالمين أعد لهم) والاكثرون يوجبون في [مثل] ذلك إسقاط الجار، وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار جاوزت أو نحوه، وبالوجهين قرئ في الآية، والنصب قراءة الجماعة، ويرجحها العطف على الجملة الفعلية، وهل الاولى أن يقدر المحذوف مضارعا، أي ويعذب، لمناسبة يدخل، أو ماضيا، أي وعذب، لمناسبة المفسر ؟ فيه نظر. والرفع بالابتداء، وأما القراءة بالجر فمن توكيد الحرف بإعادته داخلا على ضمير ما دخل عليه المؤكد، مثل إن زيدا إنه فاضل ولا يكون الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور، لان الضمير لا يؤكد الظاهر، لان الظاهر أقوى، ولا يكون المجرور بدلا من المجرور بإعادة الجار، لان العرب لم تبدل مضمرا من مظهر، لا يقولون قام زيد هو وإنما جوز ذلك بعض النحويين بالقياس.

ص 447

والثامن: القسم بغير الباء نحو (والليل إذا يغشى) (وتالله لاكيدن أصنامكم) وقولهم لله لا يؤخر الاجل ولو صرح بالفعل في نحو ذلك لوجبت الباء. هل المتعلق الواجب الحذف فعل أو وصف ؟ لا خلاف في تعيين الفعل في باب (1) القسم والصلة، لان القسم والصلة لا يكونان إلا جملتين. قال ابن يعيش: وإنما لم يجز في الصلة أن يقال إن نحو جاء الذى في الدار بتقدير مستقر على أنه خبر لمحذوف على حد قراءة بعضهم (تماما على الذى أحسن) بالرفع، لقلة ذاك واطراد هذا، اه‍. وكذلك يجب في الصفة في نحو رجل في الدار فله درهم لان الفاء تجوز في نحو رجل يأتيني فله درهم وتمتنع في نحو رجل صالح فله درهم فأما قوله: 691 - كل أمر مباعد أو مدان * فمنوط بحكمة المتعالى فنادر. واختلف في الخبر والصفة والحال، فمن قدر الفعل - وهم الاكثرون - فلانه الاصل في العمل، ومن قدر الوصف فلان الاصل في الخبر والحال والنعت الافراد، ولان الفعل في ذلك لابد من تقديره بالوصف، قالوا: ولان تقليل المقدر أولى، وليس بشئ، لان الحق أنا لم نحذف الضمير، بل نقلناه إلى الظرف، فالمحذوف فعل أو وصف، وكلاهما مفرد. وأما في الاشتغال فيقدر بحسب المفسر، فيقدر الفعل في نحو أيوم الجمعة تعتكف فيه والوصف في نحو أيوم الجمعة أنت معتكف فيه والحق عندي أنه لا يترجح تقديره اسما ولا فعلا، بل بحسب المعنى كما سأبينه.

(هامش)

(1) في نسخة في بابى - إلخ . (*)

ص 448

كيفية تقديره باعتبار المعنى  

أما في القسم فتقديره أقسم، وأما في الاشتغال فتقديره كالمنطوق به نحو يوم الجمعة صمت فيه . وأعلم أنهم ذكروا في باب الاشتغال أنه يجب أن لا يقدر مثل المذكور إذا حصل مانع صناعي كما في زيدا مررت به أو معنوى كما في زيدا ضربت أخاه إذ تقدير المذكور يقتضى في الاول تعدى القاصر بنفسه، وفى الثاني خلاف الواقع، إذ الضرب لم يقع بزيد، فوجب أن يقدر جاوزت في الاول، وأهنت في الثاني، وليس المانعان مع كل متعد بالحرف، ولا مع كل سببي، ألا ترى أنه لا مانع في نحو زيدا شكرت له لان شكر يتعدى بالجار وبنفسه، وكذلك الظرف نحو يوم الجمعة صمت فيه لان العامل لا يتعدى إلى ضمير الظرف بنفسه، مع أنه يتعدى إلى ظاهره بنفسه، وكذلك لا مانع في نحو زيدا أهنت أخاه لان إهانة أخيه إهانة له، بخلاف الضرب. وأما في المثل فيقدر بحسب (1) المعنى، وأما في البواقى نحو زيد في الدار فيقدر كونا مطلقا وهو كائن أو مستقر أو مضارعهما إن أريد الحال أو الاستقبال نحو الصوم اليوم أو في اليوم و الجزلة غدا أو في الغد ويقدر كان أو استقر أو وصفهما إن أريد المضى، هذا هو الصواب، وقد أغفلوه مع قولهم في نحو ضربي زيدا قائما : إن التقدير إذ كان إن أريد المضى أو إذا كان إن أريد المستقبل، ولا فرق، وإذا جهلت المعنى فقدر الوصف فإنه صالح في الازمنة كلها، وإن كانت حقيقته الحال، وقال الزمخشري في قوله تعالى (أفأنت تنقذ من في النار) إنهم جعلوا في النار الآن لتحقق الموعود به، ولا يلزم ما ذكره، لانه لا يمتنع تقدير المستقبل، ولكن ما ذكره أبلغ وأحسن. ولا يجوز تقدير الكون الخاص كقائم وجالس إلا لدليل، ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا، ولا ينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور، وتوهم

(هامش)

(1) انظر الامر السادس في ص 446 فقد ذكر المثل وشبهه ومثالا لكل منهما (*)

ص 449

جماعة امتناع حذف الكون الخاص، يبطله أنا متفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل، وعدم وجود معمول، فكيف يكون وجود المعمول مانعا من الحذف مع أنه إما أن يكون هو الدليل أو مقويا للدليل ؟ واشتراط النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف، لا لجوازه. ومما يتخرج على ذلك قولهم من لى بكذا أي من يتكفل لى به ؟ وقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) أي مستقبلات لعدتهن، كذا فسره جماعة من السلف، وعليه عول الزمخشري، ورده أبو حيان توهما منه أن الخاص لا يحذف، وقال: الصواب أن اللام للتوقيت، وأن الاصل لاستقبال عدتهن، فحذف المضاف، اه‍. وقد بينا فساد تلك الشبهة، ومما يتخرج على التعلق بالكون الخاص قوله تعالى: (الحر بالحر، والعبد بالعبد، والانثى بالانثى) التقدير مقتول أو يقتل، لا كائن، اللهم إلا أن تقدر مع ذلك مضافين، أي قتل الحر كائن بقتل الحر، وفيه تكلف تقدير ثلاثة الكون والمضافان، بل تقدير خمسة، لان كلا من المصدرين لابد له من فاعل، ومما يبعد ذلك أيضا أنك لا تعلم معنى المضاف الذى تقدره مع المبتدأ إلا بعد تمام الكلام، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو (واسأل القرية) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أن النفس بالنفس) الآية، أي أن النفس مقتولة بالنفس، والعين مفقوءة بالعين، والانف مجدوع بالانف، والاذن مصلومة بالاذن، والسن مقلوعة بالسن، هذا هو الاحسن، وكذلك الارجح في قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) أن يقدر يجريان، فإن قدرت الكون قدرت مضافا، أي جريان الشمس والقمر كائن بحسبان، وقال ابن مالك في قوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله): إن الظرف ليس متعلقا بالاستقرار، لاستلزامه إما الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن الظرفية المستفادة من (في) حقيقة بالنسبة

ص 450

إلى غير الله سبحانه وتعالى ومجاز بالنسبة إليه تعالى، وإما حمل قراءة السبعة على لغة مرجوحة، وهى إبدال المستثنى المنقطع كما زعم الزمخشري، فإنه زعم أن الاستثناء منقطع، والمخلص من هذين المحذورين أن يقدر: قل لا يعلم من يذكر في السموات والارض، ومن جوز اجتماع الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة واحتج بقولهم القلم أحد اللسانين ونحوه لم يحتج إلى ذلك، وفى الآية وجه آخر، وهو أن يقدر من مفعولا به، والغيب بدل اشتمال، والله فاعل، والاستثناء مفرغ. تعيين موضع التقدير الاصل أن يقدر مقدما عليهما كسائر العوامل مع معمولاتها، وقد يعرض ما يقتضى ترجيح تقديره مؤخرا، وما يقتضى إيجابه. فالاول نحو في الدار زيد لان المحذوف هو الخبر، وأصله أن يتأخر عن المبتدأ. والثانى نحو إن في الدار زيدا لان إن لا يليها مرفوعها. ويلزم من قدر المتعلق فعلا أن يقدره متأخرا (1) في جميع المسائل، لان الخبر إذا كان فعلا لا يتقدم على المبتدأ. تنبيه - رد جماعة منهم ابن مالك على من قدر الفعل بنحو قوله تعالى: (إذا لهم مكر في آياتنا) وقولك أما في الدار فزيد لان إذا الفجائية لا يليها الفعل، و أما لا يقع بعدها فعل إلا مقرونا بحرف الشرط نحو (فأما إن كان من المقربين)، وهذا على ما بيناه غير وارد، لان الفعل يقدر مؤخرا.

(هامش)

(1) في نسخة أن يقدره مؤخرا . (*)

ص 451

الباب الرابع من الكتاب في ذكر أحكام يكثر دورها

ويقبح بالمعرب جهلها، وعدم معرفتها على وجهها. فمن ذلك:

ما يعرف به المبتدأ من الخبر

يجب الحكم بابتدائية المقدم من الاسمين في ثلاث مسائل: إحداها: أن يكونا معرفتين، تساوت رتبتهما نحو الله ربنا أو اختلفت نحو زيد الفاضل، والفاضل زيد هذا هو المشهور، وقيل: يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبرا مطلقا، وقيل: المشتق خبر وإن تقدم نحو القائم زيد . والتحقيق أن المبتدأ ما كان أعرف كزيد في المثال، أو كان هو المعلوم عند المخاطب كأن يقول: من القائم ؟ فتقول زيد القائم فإن علمهما وجهل النسبة فالمقدم المبتدأ. الثانية: أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما نحو أفضل منك أفضل منى . الثالثة: أن يكونا مختلفين تعريفا وتنكيرا ولاول هو المعرفة كزيد قائم وأما إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوغ الابتداء به فهو خبر اتفاقا نحو خز ثوبك و ذهب خاتمك وإن كان له مسوغ فكذلك عند الجمهور، وأما سيبويه فيجعله المبتدأ نحو كم مالك و خير منك زيد و حسبنا الله ووجهه أن الاصل عدم التقديم والتأخير، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخر الاخص منهما نحو الفاضل أنت ويتجه عندي جواز الوجهين إعمالا للدليلين، ويشهد لابتدائية النكرة قوله تعالى: (فإن حسبك الله) (إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة) وقولهم إن قريبا منك زيد

ص 452

وقولهم بحسبك زيد والباء لا تدخل في الخبر في الايجاب، ولخبريتها قولهم ما جاءت حاجتك بالرفع. والاصل ما حاجتك، فدخل الناسخ بعد تقدير لمعرفة مبتدأ، ولولا هذا التقدير لم يدخل، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله، وأما من نصب فالاصل ما هي حاجتك، بمعنى أي حاجة هي حاجتك، ثم دخل الناسخ على الضمير فاستتر فيه، ونظيره أن تقول زيد هو الفاضل وتقدر هو مبتدأ ثانيا لا فصلا ولا تابعا، فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه كان فتقول زيد كان الفاضل . ويجب الحكم بابتدائية المؤخر في نحو أبو حنيفة أبو يوسف . و 692 - بنونا بنو أبنائنا [وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الاباعد] رعيا للمعنى، ويضعف (1) أن تقدر الاول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة، لان ذلك نادر الوقوع، ومخالف للاصول، اللهم إلا أن يقتضى المقام المبالغة، والله أعلم. ما يعرف به الاسم من الخبر اعلم أن لهما ثلاث حالات: احداها: أن يكونا معرفتين، فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر، فيقال كان زيد أخا عمرو لمن علم زيدا وجهل أخوته لعمرو، و كان أخو عمرو زيدا لمن يعلم أخا لعمرو ويجهل أن اسمه زيد، وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم، فتقول كان زيد القائم لمن كان قد سمع بزيد وسمع برجل قائم، فعرف كلا منهما بقلبه، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر، ويجوز قليلا كان القائم زيدا . وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو كان زيد أخا عمرو

(هامش)

(1) في نسخة ويضعفه - إلخ . (*)

ص 453

وكان أخو عمرو زيدا ويستثنى من مختلفى الرتبة نحو هذا فإنه يتعين للاسمية لمكان التنبيه المتصل به، فيقال كان هذا أخاك، وكان هذا زيدا إلا مع الضمير، فإن الافصح في باب المبتدأ أن تجعله المبتدأ وتدخل التنبيه عليه، فتقول ها أنذا ولا يتأتى ذلك في باب الناسخ، لان الضمير متصل بالعامل، فلا يتأتى دخول التنبيه عليه، على أنه سمع قليلا في باب المبتدأ هذا أنا . واعلم أنهم حكموا لان وأن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير، لانه لا يوصف كما أن الضمير كذلك، فلهذا قرأت السبعة (ما كان حجتهم إلا أن قالوا) (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا) والرفع ضعيف كضعف الاخبار بالضمير عما دونه في التعريف. الحالة الثانية: أن يكونا نكرتين، فإن كان لكل منهما مسوغ للاخبار عنها فأنت مخير فيما تجعله منهما الاسم وما تجعله الخبر، فتقول كان خير من زيد شرا من عمرو أو تعكس، وإن كان المسوغ لاحداهما فقط جعلتها الاسم نحو كان خير من زيد امرأة . الحالة الثالثة: أن يكونا مختلفين، فتجعل المعرفة الاسم والنكرة الخبر، نحو كان زيد قائما ولا يعكس إلا في الضرورة كقوله: 693 - [قفى قبل التفرق يا ضباعا] * ولا يك موقف منك الوداعا وقوله: 694 - [كأن سبيئة من بيت رأس] * يكون مزاجها عسل وماء [ص 695] وأما قراءة ابن عامر (أولم تكن لهم آية أن يعلمه) بتأنيث تكن ورفع آية، فإن قدرت تكن تامة فاللام متعلقة بها وآية فاعلها، و (أن يعلمه) بدل من آية، أو خبر لمحذوف أي هي أن يعلمه، وإن قدرتها ناقصة فاسمها ضمير القصة، و (أن يعلمه) مبتدأ، وآية خبره، والجملة خبر كان، أو آية اسمها،

ص 454

ولهم خبرها، و (أن يعلمه) بدل أو خبر لمحذوف، وأما تجويز الزجاج كون آية اسمها و (أن يعلمه) خبرها فردوه لما ذكرنا، واعتذر له بأن النكرة قد تخصصت بلهم.

ما يعرف به الفاعل من المفعول

وأكثر ما يشتبه ذلك إذا كان أحدهما اسما ناقصا والآخر اسما تاما. وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع، وإن كان منصوبا ضميره المنصوب، وتبدل من الناقص اسما بمعناه في العقل وعدمه، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهى صحيحة قبله، وإلا فهى فاسدة، فلا يجوز أعجب زيد ما كره عمرو إن أوقعت ما على ما لا يعقل، فإنه لا يجوز أعجبت الثوب ويجوز النصب، لانه يجوز أعجبني الثوب فإن أوقعت ما على أنواع من يعقل جاز، لانه يجوز أعجبت النساء وإن كان الاسم الناقص من أو الذى جاز الوجهان أيضا. فروع - تقول أمكن المسافر السفر بنصب المسافر، لانك تقول أمكننى السفر ولا تقول أمكنت السفر وتقول ما دعا زيدا إلى الخروج و ما كره زيد من الخروج بنصب زيد في الاولى مفعولا والفاعل ضمير ما مستترا، وبرفعه في الثانية فاعلا والمفعول ضمير ما محذوفا، لانك تقول ما دعاني إلى الخروج و ما كرهت منه ويمتنع العكس، لانه لا يجوز دعوت الثوب إلى الخروج و كره من الخروج (1) وتقول زيد في رزق عمرو عشرون دينارا برفع العشرين لا غير، فإن قدمت عمرا فقلت عمرو زيد في رزقه عشرون جاز رفع العشرين ونصبه، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير، فيجب توحيده مع المثنى والمجموع، ويجب ذكر الجار والمجرور لاجل الضمير الراجع إلى

(هامش)

(1) الاولى أن يقول وكرهني الثوب من الخروج تطبيقا للقاعدة التى أصلها. (*)

ص 455

المبتدأ، وعلى النصب فالفعل محتمل للضمير، فيبرز في التثنية، والجمع، ولا يجب ذكر الجار والمجرور. ما افترق فيه عطف البيان والبدل وذلك ثمانية أمور: أحدها: أن العطف لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر، لانه في الجوامد نظير النعت في المشتق، وأما إجازة الزمخشري في (أن اعبدوا الله) أن يكون بيانا للهاء من قوله تعالى (إلا ما أمرتنى به) فقد مضى رده، نعم أجاز الكسائي أن ينعت الضمير بنعت مدح أو ذم أو ترحم، فالاول نحو لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ونحو (قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب) وقولهم اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم والثانى نحو مررت به الخبيث والثالث نحو قوله: 695 - [قد أصبحت بقرقرى كوانسا] * فلا تلمه أن ينام البائسا [ص 492] وقال الزمخشري في (جعل الله الكعبة البيت الحرام): إن (البيت الحرام) عطف بيان على جهة المدح كما في الصفة، لا على جهة التوضيح، فعلى هذا لا يمتنع مثل ذلك في عطف البيان على قول الكسائي. وأما البدل فيكون تابعا للمضمر بالاتفاق نحو (ونرثه ما يقول) (ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) وإنما امتنع الزمخشري من تجويز. كون (أن اعبدوا الله) بدلا من الهاء في (به) توهما منه أن ذلك يخل بعائد الموصول، وقد مضى رده. وأجاز النحويون أن يكون البدل مضمرا تابعا لمضمر ك‍ رأيته إياه أو لظاهر ك‍ رأيت زيدا إياه وخالفهم ابن مالك فقال: إن الثاني لم يسمع، وإن الصواب في الاول قول الكوفيين إنه توكيد كما في قمت أنت . الثاني: أن البيان لا يخالف متبوعه، في تعريفه وتنكيره، وأما قول الزمخشري:

ص 456

إن (مقام إبراهيم) عطف على (آيات بينات) فسهو، وكذا قال في (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا): إن (أن تقوموا) عطف على (واحدة) ولا يختلف في جواز ذلك في البدل، نحو (إلى صراط مستقيم صراط الله) ونحو (بالناصية ناصية كاذبة). الثالث: أنه لا يكون جملة، بخلاف البدل نحو (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) ونحو (وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم) وهو أصح الاقول في عرفت زيدا أبو من هو وقال: 696 - لقد أذهلتني أم عمرو بكلمة * أتصبر يوم البين أم لست تصبر ؟ الرابع: أنه لا يكون تابعا لجملة، بخلاف البدل، نحو (اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا) ونحو (أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين) وقوله: * أقول له أرحل لا تقيمن عندنا * [671] الخامس: أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل، بخلاف البدل، نحو قوله تعالى (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب). السادس: أنه لا يكون بلفظ الاول، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها) بنصب كل الثانية، فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو، وكقول الحماسي: 697 - رويد بنى شيبان بعض وعيدكم * تلاقوا غدا خيلى على سفوان

ص 457

تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى * إذا ما غدت في المأزق المتدانى تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم * على ما جنت فيهم يد الحدثان وهذا الفرق إنما هو على ما ذهب إليه ابن الطراوة من أن عطف البيان لا يكون من لفظ الاول، وتبعه على ذلك ابن مالك وابنه، وحجتهم أن الشيء لا يبين نفسه، وفيه نظر من أوجه، أحدها: أنه يقتضى أن البدل ليس مبينا للمبدل منه، وليس كذلك، ولهذا منع سيبويه مررت بى المسكين، وبك المسكين دون به المسكين وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جمله استؤنفت للتبيين، والعطف تبيين بالمفرد المحض. والثانى: أن اللفظ المكرر إذا اتصل به ما لم يتصل بالاول كما قدمنا اتجه كون الثاني بيانا بما فيه من زيادة الفائدة، وعلى ذلك أجازوا الوجهين في نحو قوله: 698 - يا زيد زيد اليعملات الذبل * [تطاول الليل عليك فانزل] [ص 621 و 622] و... 699 - يا تيم تيم عدى [لا أبالكم * لا يلقينكم في سوأة عمر] إذا ضممت المنادى فهما. والثالث: أن البيان يتصور مع كون المكرر مجردا، وذلك في مثل قولك يا زيد زيد إذا قلته وبحضرتك اثنان اسم كل منهما زيد، فإنك لما تذكر الاول يتوهم كل منهما أنه المقصود، فإذا كررته تكرر خطابك لاحدهما وإقبالك عليه فظهر المراد، وعلى هذا يتخرج قول النحويين في قوله رؤبة: * لقائل يا نصر نصر نصرا * [627] إن الثاني والثالث عطفان على اللفظ وعلى المحل، وخرجه هؤلاء على التوكيد اللفظى فيهما أو في الاول فقط، فالثاني إما مصدر دعائي مثل سقيا لك أو مفعول

ص 458

به بتقدير عليك، على أن المراد إغراء نصر بن سيار بحاجب له اسمه نصر على ما نقل أبو عبيدة، وقيل: لو قدر أحدهما توكيدا لضما بغير تنوين كالمؤكد. السابع: أنه ليس في نية إحلاله محل الاول، بخلاف البدل، ولهذا امتنع البدل وتعين البيان في نحو يا زيد الحارث وفى نحو يا سعيد كرز بالرفع أو كرزا بالنصب، بخلاف يا سعيد كرز بالضم فإنه بالعكس، وفى نحو أنا الضارب الرجل زيد وفى نحو زيد أفضل الناس الرجال والنساء، أو النساء والرجال وفى نحو يا أيها الرجل غلام زيد وفى نحو أي الرجلين زيد وعمرو جاءك وفى نحو جاءني كلا أخويك زيد وعمرو . الثامن: أنه ليس في التقدير من جملة أخرى، بخلاف البدل، ولهذا امتنع أيضا البدل وتعين البيان في نحو قولك هند قام عمرو أخوها ونحو مررت برجل قام عمرو أخوه ونحوه زيد ضربت عمرا أخاه . ما افترق فيه اسم الفاعل والصفة المشبهة وذلك أحد عشر أمرا: أحدها: أنه يصاغ من المتعدى والقاصر كضارب وقائم ومستخرج ومستكبر، وهى لا تصاغ إلا من القاصر كحسن وجميل. الثاني: أنه يكون للازمنة الثلاثة، وهى لا تكون إلا للحاضر، أي الماضي المتصل بالزمن الحاضر. الثالث: أنه لا يكون إلا مجاريا للمضارع في حركاته وسكناته كضارب ويضرب ومنطلق وينطلق، ومنه يقوم وقائم، لان الاصل يقوم، بسكون القاف وضم الواو، ثم نقلوا، وأما توافق أعيان الحركات فغير معتبر، بدليل ذاهب ويذهب وقاتل ويقتل، ولهذا قال ابن الخشاب: وهو وزن عروضى لا نصر يفى، وهى تكون

ص 459

مجارية له كمنطلق اللسان ومطمئن النفس وطاهر العرض وغير مجارية وهو الغالب نحو ظريف وجميل، وقول جماعة إنها لا تكون إلا غير مجارية مردود باتفاقهم على أن منها قوله: 700 - من صديق أو أخى ثقة * أو عدو شاحط دارا الرابع: أن منصوبه يجوز أن يتقدم عليه نحو زيد عمرا ضارب ولا يجوز زيد وجهه حسن . الخامس: أن معموله يكون سببيا وأجنبيا نحو زيد ضارب غلامه وعمرا ولا يكون معمولها إلا سببيا تقول زيد حسن وجهه أو الوجه ويمتنع زيد حسن عمرا . السادس: أنه لا يخالف فعله في العمل، وهى تخالفه، فإنها تنصب مع قصور فعلها، تقول زيد حسن وجهه ويمتنع زيد حسن وجهه بالنصب، خلافا لبعضهم، فأما الحديث أن امرأة كانت تهراق الدماء فالدماء تمييز على زيادة أل، قال ابن مالك: أو مفعول على أن الاصل تهريق ثم قلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كقولهم جاراة وناصاة وبقا، وهذا مردود، لان شرط ذلك تحرك الياء كجارية وناصية وبقى. السابع: أنه يجوز حذفه وبقاء معموله، ولهذا أجازوا أنا زيد ضاربه و هذا ضارب زيد وعمرا بخفض زيد ونصب عمرو بإضمار فعل أو وصف منون، وأما العطف على محل المخفوض فممتنع عند من شرط وجود المحرز كما سيأتي، ولا يجوز مررت برجل حسن الوجه والفعل بخفض الوجه ونصب الفعل ولا مررت برجل وجهه حسنه بنصب الوجه وخفض الصفة، لانهما لا تعمل محذوفة، ولان معمولها لا يتقدمها، وما لا يعمل لا يفسر عاملا. الثامن: أنه لا يقبح حذف موصوف اسم الفاعل وإضافته إلى مضاف إلى ضميره. نحو مررت بقاتل أبيه ويقبح مررت بحسن وجهه .

ص 460

التاسع: أنه يفصل مرفوعه ومنصوبه، ك‍ زيد ضارب في الدار أبوه عمرا ويمتنع عند الجمهور زيد حسن في الحرب وجهه رفعت أو نصبت. العاشر: أنه يجوز إتباع معموله بجميع التوابع، ولا يتبع معمولها بصفة، قاله الزجاج ومتأخرو المغاربة، ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال أعور عينه اليمنى . الحادى عشر: أنه يجوز إتباع مجروره على المحل عند من لا يشترط المحرز، ويحتمل أن يكون منه (وجاعل الليل سكنا والشمس) ولا يجوز هو حسن الوجه والبدن بجر الوجه ونصب البدن، خلافا للفراء، أجاز هو قوى الرجل واليد برفع المعطوف، وأجاز البغداديون إتباع المنصوب بمجرور في البابين كقوله: 701 - فظل طهاة اللحم ما بين منضج * صفيف شواء أو قدير معجل [ص 474] التقدير: المطبوخ في القدر، وهو عندهم عطف على صفيف، وخرج على أن الاصل أو طابخ قدير ثم حذف المضاف وأبقى جر المضاف إليه كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) بالخفض، أو أنه عطف على صفيف ولكن خفض على الجوار، أو على توهم أن الصفيف مجرور بالاضافة كما قال: * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا * [135] ما افترق فيه الحال والتمييز، وما اجتمعا فيه اعلم أنهما قد اجتمعا في خمسة، وافترقا في سبعة. فأوجه الاتفاق أنهما اسمان، نكرتان، فضلتان، منصوبتان، رافعتان للابهام.

ص 461

وأما أوجه الافتراق فأحدها: أن الحال يكون جملة ك‍ جاء زيد يضحك وظرفا نحو رأيت الهلال بين السحاب وجارا ومجرورا نحو (فخرج على قومه في زينته) والتمييز لا يكون إلا اسما. والثانى: أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها كقوله تعالى: (ولا تمش في الارض مرحا) (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) وقال: 702 - إنما الميت من يعيش كئيبا * كآسفا باله قليل الرجاء بخلاف التمييز. والثالث: أن الحال مبينة للهيئات، والتمييز مبين للذوات. والرابع: أن الحال يتعدد كقوله: 703 - على إذا ما زرت ليلى بخفية * زيارة بيت الله رجلان حافيا بخلاف التمييز، ولذلك كان خطأ قول بعضهم في: 704 - * تبارك رحمانا رحيما وموثلا * إنهما تمييزان، والصواب أن رحمانا بإضمار أخص أو أمدح، ورحيما حال منه، لا نعت له، لان الحق قول الاعلم وابن مالك: إن الرحمن ليس بصفة بل علم، وبهذا أيضا يبطل كونه تمييزا، وقول قوم إنه حال. وأما قول الزمخشري: إذا قلت الله رحمن أتصرفه أم لا، وقول ابن الحاجب: إنه اختلف في صرفه، فخارج عن كلام العرب من وجهين: لانه لم يستعمل صفة ولا مجردا من أل، وإنما حذفت في البيت للضرورة، وينبنى على علميته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت، وأن الرحيم بعده نعت له، لا نعت لاسم

ص 462

الله سبحانه وتعالى، إذ لا يتقدم البدل على النعت، وأن السؤال الذى سأله الزمخشري وغيره لم قدم الرحمن مع أن عادتهم تقديم غير الابلغ كقولهم: عالم نحرير، وجواد فياض، غير متجه. ومما يوضح لك أنه غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو (الرحمن علم القرآن) (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن). والخامس: أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا، أو وصفا يشبهه نحو (خاشعا أبصارهم يخرجون (1)) وقوله: 705 - [عدس ما لعياد عليك إمارة * نجوت] وهذا تحملين طليق أي وهذا طليق محمولا لك، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح، فأما استدلال ابن مالك على الجواز بقوله: 706 - رددت بمثل السيد نهد مقلص * كميش إذا عطفاه ماء تحلبا وقوله: 707 - إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا * ولم يعن بالاحسان كان مذمما فسهو، لان عطفاه والمرء مرفوعان بمحذوف يفسره المذكور، والناصب للتمييز هو المحذوف، وأما قوله: 708 - [ضيعت حزمى في إبعادى الاملا] * وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا

(هامش)

(1) هذه قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي. (*)

ص 463

وقوله: 709 - أنفسا تطيب بنيل المنى * وداعي المنون ينادى جهارا فضرورتان. السادس: أن حق الحال الاشتقاق، وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان فتقع الحال جامدة نحو هذا مالك ذهبا (وتنحتون الجبال بيوتا) ويقع التمييز مشتقا نحو لله دره فارسا وقولك كرم زيد ضيفا إذا أردت الثناء على ضيف زيد بالكرم، فإن كان زيد هو الضيف احتمل الحال والتمييز، والاحسن عند قصد التمييز إدخال من عليه، واختلف لى المنصوب بعد حبذا فقال الاخفش والفارسي والربعى: حال مطلقا، وأبو عمرو بن العلاء: تمييز مطلقا، وقيل: الجامد تمييز والمشتق حال، وقيل: الجامد تمييز والمشتق إن أريد تقييد المدح به كقوله. 710 - * يا حبذا المال مبذولا بلا سرف * فحال، وإلا فتمييز نحو حبذا راكبا زيد . السابع: أن الحال تكون مؤكدة لعاملها نحو (ولى مدبرا) (فتبسم ضاحكا) (ولا تعثوا في الارض مفسدين) ولا يقع التمييز كذلك، فأما (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) فشهرا: مؤكد لما فهم من (إن عدة الشهور) وأما بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر فمبين، وأما ما اختاره المبرد ومن وافقه من نعم الرجل رجلا زيد فمردود، وأما قوله: 711 - تزود مثل زاد أبيك فينا * فنعم الزاد زاد أبيك زادا

ص 464

فالصحيح أن زادا معمول لتزود: إما مفعول مطلق إن أريد به التزود، أو مفعول به إن أريد به الشيء الذى يتزوده من أفعال البر، وعليهما فمثل نعت له تقدم فصار حالا، وأما قوله: 712 - نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت * رد التحية نطقا أو بإيماء ففتاة: حال مؤكدة.

أقسام الحال  

تنقسم باعتبارات: الاول: انقسامها باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين: منتقلة وهو الغالب، وملازمة، وذلك واجب في ثلاث مسائل: إحداها: الجامدة غير المؤولة بالمشتق، نحو هذا مالك ذهبا و هذه جبتك خزا بخلاف نحو بعته يدا بيد فإنه بمعنى متقابضين، وهو وصف منتقل، وإنما لم يؤول في الاول، لانها مستعملة في معناها الوضعي، بخلافها في الثاني، وكثير يتوهم أن الحال الجامدة لا تكون إلا مؤولة بالمشتق، وليس كذلك. الثانية: المؤكدة نحو (ولى مدبرا) قالوا: ومنه (هو الحق مصدقا) لان الحق لا يكون إلا مصدقا، والصواب أنه يكون مصدقا ومكذبا، وغيرهما، نعم إذا قيل (هو الحق صادقا) فهى مؤكدة. الثالثة: التى دل عاملها على تجدد صاحبها، نحو (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها الحال أطول، ويديها:

ص 465

بدل بعض، قال ابن مالك بدر الدين: ومنه (وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا) وهذا سهو منه، لان الكتاب قديم. وتقع الملازمة في غير ذلك بالسماع، ومنه (قائما بالقسط) إذا أعرب حالا، وقول جماعة إنها مؤكدة وهم، لان معناها غير مستفاد مما قبلها. الثاني: انقسامها - بحسب قصدها لذاتها وللتوطئة بها - إلى قسمين: مقصودة وهو الغالب، وموطئة وهى الجامدة الموصوفة نحو (فتمثل لها بشرا سويا) فإنما ذكر بشرا توطئة لذكر سويا، وتقول جاءني زيد رجلا محسنا . الثالث: انقسامها - بحسب الزمان - إلى ثلاثة: مقارنة، وهو الغالب، نحو (وهذا بعلى شيخا) ومقدرة، وهى المستقبلة كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا، أي مقدرا ذلك، ومنه (ادخلوها خالدين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين) ومحكية، وهى الماضية نحو جاء زيد أمس راكبا . الرابع: انقسامها - بحسب التبيين والتوكيد - إلى قسمين: مبينة، وهو الغالب، وتسمى مؤسسة أيضا، ومؤكدة، وهى التى يستفاد معناها بدونها، وهى ثلاثة: مؤكدة لعاملها نحو (ولى مدبرا) ومؤكدة لصاحبها نحو جاء القوم طرا ونحو (لامن من في الارض كلهم جميعا) ومؤكدة لمضمون الجملة نحو زيد أبوك عطوفا وأهمل النحويون المؤكدة لصاحبها، ومثل ابن مالك وولده بتلك الامثلة للمؤكدة لعاملها، وهو سهو. ومما يشكل قولهم في نحو جاء زيد والشمس طالعة : إن الجملة الاسمية حال، مع أنها لا تنحل إلى مفرد، ولا تبين هيئة فاعل ولا مفعول، ولا هي حال مؤكدة، فقال ابن جنى: تأويلها جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، يعنى فهى

ص 466

كالحال والنعت السببين كمررت بالدار قائما سكانها، وبرجل قائم غلمانه وقال ابن عمرون: هي مؤولة بقولك مبكرا، ونحوه، وقال صدر الافاضل تلميذ الزمخشري: إنما الجملة مفعول معه، وأثبت مجئ المفعول معه جملة، وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى (والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) في قراءة من رفع البحر: هو كقوله: 713 - وقد أغتدى والطير في وكناتها * [بمنجرد قيد الاوابد هيكل] و جئت والجيش مصطف ونحوهما من الاحوال التى حكمها حكم الظرف، فلذلك عريت عن ضمير ذى الحال، ويجوز أن يقدر وبحرها أي وبحر الارض.

إعراب أسماء الشرط والاستفهام ونحوها  

اعلم أنها إن دخل عليها جار أو مضاف فمحلها الجر نحو (عم يتساءلون) ونحو صبيحة أي يوم سفرك و غلام من جاءك وإلا فإن وقعت على زمان نحو (أيان يبعثون) أو مكان نحو (فأين تذهبون) أو حدث نحو (أي منقلب ينقلبون) فهى منصوبة مفعولا فيه ومفعولا مطلقا، وإلا فإن وقع بعدها اسم نكرة نحو من أب لك فهى مبتدأ، أو اسم معرفة نحو من زيد فهى خبر أو مبتدأ على الخلاف السابق، ولا يقع هذان النوعان في أسماء الشرط، وإلا فإن وقع بعدها فعل قاصر فهى مبتدأة نحو من قام ونحو من يقم أقم معه والاصح أن الخبر فعل الشرط لا فعل الجواب، وإن وقع بعدها فعل متعد فإن كان واقعا عليها فهى مفعول به نحو (فأى آيات الله تنكرون) ونحو (أياما تدعوا) ونحو (من يضلل الله فلا هادى له) وإن كان واقعا على ضميرها

ص 467

نحو من رأيته أو متعلقها نحو من رأيت أخاه فهى مبتدأة أو منصوبة بمحذوف مقدر بعدها يفسره المذكور. تنبيه - وإذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره فعل الشرط وحده لانه اسم تام، وفعل الشرط مشتمل على ضميره، فقولك من يقم لو لم يكن فيه معنى الشرط لكان بمنزلة قولك كل من الناس يقوم أو فعل الجواب لان الفائدة به تمت، ولالتزامهم عود ضمير منه إليه على الاصح، ولان نظيره وهو الخبر في قولك الذى يأتيني فله درهم أو مجموعهما لان قولك من يقم أقم معه بمنزلة قولك كل من الناس إن يقم أقم معه ؟ والصحيح الاول، وإنما توقفت الفائدة على الجواب من حيث التعلق فقط، لا من حيث الخبرية.

مسوغات الابتداء بالنكرة  

لم يعول المتقدمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدى إلى مواطن الفائدة، فتتبعوها، فمن مقل مخل، ومن مكثر مورد ما لا يصلح أو معدد لامور متداخلة، والذى يظهر لى أنها منحصرة في عشرة أمور: أحدها: أن تكون موصوفة لفظا أو تقديرا أو معنى، فالاول نحو (وأجل مسمى عنده) (ولعبد مؤمن خير من مشرك) وقولك رجل صالح جاءني ومن ذلك قولهم ضعيف عاذ بقرملة إذ الاصل: رجل ضعيف، فالمبتدأ في الحقيقة هو المحذوف، وهو موصوف، والنحويون يقولون: يبتدأ بالنكرة إذا كانت موصوفة أو خلفا من موصوف، والصواب ما بينت. وليست كل صفة تحصل الفائدة، فلو قلت رجل من الناس جاءني لم يجز، والثانى

ص 468

نحو قولهم: السمن منوان بدرهم أي منوان منه، وقولهم: شر أهر ذا ناب . و.. 714 - قدر أحلك ذا المجاز [وقد أرى * وأبى مالك ذو المجاز بدار] إذ المعنى شر أي شر، وقدر لا يغالب، والثالث نحو رجيل جاءني لانه في معنى رجل صغير وقولهم ما أحسن زيدا لانه في معنى شئ عظيم حسن زيدا، وليس في هذين النوعين صفة مقدرة فيكونان من القسم الثاني. والثانى: أن تكون عاملة: إما رفعا نحو قائم الزيدان عند من أجازه، أو نصبا نحو أمر بمعروف صدقة و أفضل منك جاءني إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر والوصف، أو جرا نحو غلام امرأة جاءني و خمس صلوات كتبهن الله وشرط هذه: أن يكون المضاف إليه نكرة كما مثلنا، أو معرفة والمضاف مما لا يتعرف بالاضافة نحو مثلك لا يبخل و غيرك لا يجود وأما ما عدا ذلك فإن المضاف إليه فيه معرفة لا نكرة. والثالث: العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به نحو (طاعة وقول معروف) أي أمثل من غيرهما، ونحو (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط، منهم ابن مالك، وليس من أمثلة المسألة ما أنشده من قوله: 715 - عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي * فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا ؟ إذ يحتمل أن الواو هنا للحال، وسيأتى أن ذلك مسوغ، وإن سلم العطف فثم صفة مقدرة يقتضيها المقام، أي وشكوى عظيمة، على أنا لا نحتاج إلى شئ من هذا كله، فإن الخبر هنا ظرف مختص، وهذا بمجرده مسوغ كما قدمنا، وكأنه توهم أن

ص 469

التسويغ مشروط بتقدمه على النكرة، وقد أسلفنا أن التقديم إنما كان لدفع توهم الصفة، وإنما لم يجب هنا لحصول الاختصاص بدونه، وهو ما قدمناه من الصفة المقدرة، أو الوقوع بعد واو الحال، فلذلك جاز تأخر الظرف كما في قوله تعالى (وأجل مسمى عنده). فإن قلت: لعل الواو للعطف، ولا صفة مقدرة: فيكون العطف هو المسوغ. قلت: لا يسوغ ذلك، لان المسوغ عطف النكرة، والمعطوف في البيت الجملة لا النكرة. فإن قيل: يحتمل أن الواو عطف اسما وظرفا على مثليهما، فيكون من عطف المفردات. قلنا: يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، إذ الاصطبار معمول للابتداء، والظرف معمول للاستقرار. فإن قيل: قدر لكل من الظرفين استقرارا، واجعل التعاطف بين الاستقرارين لا بين الظرفين. قلنا: الاستقرار الاول خبر، وهو معمول للمبتدأ نفسه عند سيبويه، واختاره ابن مالك، فرجع الامر إلى العطف على معمولي عاملين. والرابع: أن يكون خبرها ظرفا أو مجرورا، قال ابن مالك: أو جملة، نحو (ولدينا مزيد) (ولكل أجل كتاب) و قصدك غلامه رجل وشرط الخبر فيهن الاختصاص، فلو قيل في دار رجل لم يجز، لان الوقت لا يخلو عن أن يكون فيه رجل ما في دار ما، فلا فائدة في الاخبار بذلك، قالوا: والتقديم، فلا يجوز رجل في الدار وأقول: إنما وجب التقديم هنا لدفع توهم الصفة، واشتراطه هنا يوهم أن له مدخلا في التخصيص، وقد ذكروا المسألة فيما يجب فيه تقديم الخبر، وذاك موضعها.

ص 470

والخامس: أن تكون عامة: إما بذاتها كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، أو بغيرها نحو ما رجل في الدار و هل رجل في الدار ؟ و (أإله مع الله) وفى شرح منظومة ابن الحاجب له أن الاستفهام المسوغ للابتداء هو الهمزة المعادلة بأم نحو أرجل في الدار أم امرأة ؟ كما مثل به في الكافية، وليس كما قال. والسادس: أن تكون مرادا بها صاحب الحقيقة من حيث هي، نحو رجل خير من امرأة و تمرة خير من جرادة . والسابع: أن تكون في معنى الفعل، وهذا شامل لنحو عجب لزيد وضبطوه بأن يراد بها التعجب، ولنحو (سلام على آل يس) و (ويل للمطففين) وضبطوه بأن يراد بها الدعاء، ولنحو (قائم الزيدان) عند من جوزها، وعلى هذا ففى نحو ما قائم الزيدان مسوغان كما في قوله تعالى (وعندنا كتاب حفيظ) مسوغان، وأما منع الجمهور لنحو قائم الزيدان فليس لانه لا مسوغ فيه للابتداء، بل إما لفوات شرط العمل وهو الاعتماد، أو لفوات شرط الاكتفاء بالفاعل عن الخبر وهو تقدم النفى أو الاستفهام، وهذا أظهر لوجهين، أحدهما: أنه لا يكفى مطلق الاعتماد: فلا يجوز في نحو زيد قائم أبوه كون قائم مبتدأ وإن وجد الاعتماد على المخبر عنه، والثانى: أن اشتراط الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب، لا لمطلق العمل بدليلين: أحدهما أنه يصح زيد قائم أبوه أمس والثانى: أنهم لم يشترطوا لصحة نحو أقائم الزيدان كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال. والثامن: أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة نحو شجرة سجدت و بقرة تكلمت إذ وقوع ذلك من أفراد هذا الجنس غير معتاد، ففى الاخبار به عنها فائدة، بخلاف نحو رجل مات ونحوه.

ص 471

والتاسع: أن تقع بعد إذا الفجائية نحو خرجت فإذا أسد أو رجل بالباب ، إذ لا توجب العادة أن لا يخلو الحال من أن يفاجئك عند خروجك أسد أو رجل. والعاشر: أن تقع في أول جملة حالية كقوله: 716 - سرينا ونجم قد أضاء، فمذ بدا * محياك أخفى ضوءه كل شارق وعلة الجواز ما ذكرناه في المسألة قبلها، ومن ذلك قوله: 717 - الذئب يطرقها في الدهر واحدة * وكل يوم تراني مدية بيدى وبهذا يعلم أن اشتراط النحويين وقوع النكرة بعد واو الحال ليس بلازم. ونظير هذا الموضع قول ابن عصفور في شرح الجمل: تكسر إن إذا وقعت بعد واو الحال، وإنما الضابط أن تقع في أول جملة حالية، بدليل قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) ومن روى مدية بالنصب فمفعول لحال محذوفة، أي حاملا أو ممسكا، ولا يحسن أن يكون بدلا من الياء، ومثل ابن مالك بقوله تعالى: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) وقول الشاعر: 718 - عرضنا فسلمنا فسلم كارها * علينا، وتبريح من الوجد خانقه ولا دليل فيهما، لان النكرة موصوفة بصفة مذكورة في البيت ومقدرة في الآية، أي: وطائفة من غيركم، بدليل (يغشى طائفة منكم).

ص 472

ومما ذكروا من المسوغات: أن تكون النكرة محصورة نحو إنما في الدار رجل أو للتفصيل نحو الناس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته وقوله: 719 - فأقبلت زحفا على الركبنين * فثوب نسيت وثوب أجر [ص 633] وقولهم شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى أو بعد فاء الجزاء نحو إن مضى عير فعير في الرباط . وفيهن نظر، أما الاولى فلان الابتداء فيها بالنكرة صحيح قبل مجئ إنما، وأما الثانية فلاحتمال رجل الاول للبدلية والثانى عطف عليه، كقوله: 720 - وكنت كذى رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت ويسمى بدل التفصيل، ولاحتمال شهر الاول الخبرية، والتقدير: أشهر الارض الممطورة شهر ذو ثرى، أي ذو تراب ند، وشهر ترى فيه الزرع، وشهر ذو مرعى، ولاحتمال نسيت وأجر للوصفية والخبر محذوف، أي فمنها ثوب نسيته ومنها ثوب أجره، ويحتمل أنهما خبران وثم صفتان مقدرتان، أي فثوب لى نسيته وثوب لى أجره، وإنما نسى ثوبه لشغل قلبه كما قال: 721 - [ومثلك بيضاء العوارض طفلة] * لعوب تنسينى إذا قمت سربالى وإنما جر الآخر ليعفى الاثر عن القافة، ولهذا زحف على ركبتيه، وأما الثالثة فلان المعنى فعير آخر، ثم حذفت الصفة، ورأيت في كلام محمد بن حبيب. - وحبيب ممنوع من الصرف لانه اسم أمه - قال يونس: قال رؤبة: المطر شهر ثرى إلخ، وهذا دليل على أنه خبر، ولابد من تقدير مضاف قبل المبتدأ لتصحيح الاخبار عنه بالزمان.

ص 473

أقسام العطف  

وهى ثلاثة: أحدها: العطف على اللفظ، وهو الاصل نحو ليس زيد بقائم ولا قاعد بالخفض، وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف، فلا يجوز في نحو ما جاءني من امرأة ولا زيد إلا الرفع عطفا على الموضع، لان من الزائدة لا تعمل في المعارف وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل جميعا، نحو ما زيد قائما لكن - أو بل - قاعد لان في العطف على اللفظ إعمال ما في الموجب، وفى العطف على المحل أعتبار الابتداء مع زواله بدخول الناسخ، والصواب الرفع على إضمار مبتدأ. والثانى: العطف على المحل، نحو ليس زيد بقائم ولا قاعدا بالنصب، وله عند المحققين ثلاثة شروط: أحدها: إمان ظهوره في الفصيح، ألا ترى أنه يجوز في ليس زيد بقائم و ما جاءني من امرأة أن تسقط الباء فتنصب، ومن فترفع، فعلى هذا فلا يجوز مررت بزيد وعمرا خلافا لابن جنى، لانه لا يجوز مررت زيدا وأما قوله: تمرون الديار ولم تعوجوا * [كلامكم على إذن حرام] [143] فضرورة، ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائدا كما مثلنا، بدليل قوله: 722 - فإن لم تجد من دون عدنان والدا * ودون معد فلتزعك العواذل (1) وأجاز الفارسى في قوله تعالى: (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) ان يكون (يوم القيامة) عطفا على محل هذه [لان محله النصب].

(هامش)

(1) دون معد: منصوب، وهو معطوف على محل من دون عدنان وظهر النصب في المعطوف لان العامل وهو وجد كما يتعدى إلى ثانى مفعوليه بمن يتعدى إليه بنفسه. (*)

ص 474

الثاني: أن يكون الموضع بحق الاصالة، فلا يجوز هذا ضارب زيدا وأخيه لان الوصف المستوفى لشروط العمل الاصل إعماله لا إضافته لالتحاقه بالفعل، وأجازه البغداديون تمسكا بقوله: [فظل طهاة اللحم ما بين] منضج * صفيف شواء أو قدير معجل [701] وقد مر جوابه. والثالث: وجود المحرز، أي الطالب لذلك المحل، وابتنى على هذا امتناع مسائل. إحداها: إن زيدا وعمرو قائمان وذلك لان الطالب لرفع زيد هو الابتداء والابتداء هو التجرد، والتجرد قد زال بدخول إن. والثانية: إن زيدا قائم وعمرو إذا قدرت عمرا معطوفا على المحل، لا مبتدأ، وأجاز هذه بعض البصريين، لانهم لم يشترطوا المحرز، وإنما منعوا الاولى لمانع آخر، وهو توارد عاملين إن والابتداء على معمول واحد وهو الخبر، وأجازهما الكوفيون، لانهم لا يشترطون المحرز، ولان إن لم تعمل عندهم في الخبر شيئا، بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، ولكن شرط الفراء لصحة الرفع قبل مجئ الخبر خفاء إعراب الاسم، لئلا يتنافر اللفظ، ولم يشترطه الكسائي، كما أنه ليس لشرط بالاتفاق في سائر مواضع العطف على اللفظ، وحجتهما قوله تعالى : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) الآية، وقولهم إنك وزيد ذاهبان وأجيب عن الآية بأمرين: أحدهما: أن خبر إن محذوف أي مأجورون أو آمنون أو فرحون، والصابئون مبتدأ، وما بعده الخبر، ويشهد له قوله:

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب