الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 475

723 - خليلي هل طب، فإنى وأنتما * وإن لم تبوحا بالهوى دنفان ؟ [ص 622] ويضعفه أنه حذف من الاول لدلالة الثاني عليه، وإنما الكثير العكس، والثانى: أن الخبر المذكور لان، وخبر (الصابئون) محذوف، أي كذلك، ويشهد له قوله: 724 - فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإنى وقيار بها لغريب [ص 622] إذ لا تدخل اللام في خبر المبتدأ حتى يقدم، نحو لقائم زيد ويضعفه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وعن المثال بأمرين: أحدهما أنه عطف على توهم عدم ذكر إن، والثانى أنه تابع لمبتدأ محذوف، أي إنك أنت وزيد ذاهبان، وعليهما خرج قولهم إنهم أجمعون ذاهبون . المسألة الثالثة: هذا ضارب زيد وعمرا بالنصب. المسألة الرابعة: أعجبني ضرب زيد وعمرو بالرفع أو وعمرا بالنصب، منعهما الحذاق: لان الاسم المشبه للفعل لا يعمل في اللفظ حتى يكون بأل أو منونا أو مضافا، وأجازهما قوم تمسكا بظاهر قوله تعالى (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) وقول الشاعر: 725 - [هويت ثناء مستطابا مجددا] * فلا تخل من تمهيد مجد وسوددا وأجيب بأن ذلك على إضمار عامل يدل عليه المذكور، أي وجعل الشمس، ومهدت سوددا، أو يكون سوددا مفعولا معه، ويشهد للتقدير في الآية أن الوصف فيها بمعنى الماضي، والماضي المجرد من أل لا يعمل النصب، ويوضح لك مضيه قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) الآية، وجوز

ص 476

الزمخشري كون (الشمس) معطوفا على محل الليل، وزعم مع ذلك أن الجعل مراد منه فعل مستمر في الازمنة لا في الزمن الماضي بخصوصيته مع نصه في (مالك يوم الدين) على أنه إذا حمل على الزمن المستمر كان بمنزلته إذا حمل على الماضي في أن إضافته محضة، وأما قوله: 726 - قد كنت داينت بها حسانا * مخافة الافلاس والليانا فيجوز أن يكون الليانا مفعولا معه، وأن يكون معطوفا على مخافة على حذف مضاف، أي ومخافة الليان، ولو لم يقدر المضاف لم يصح، لان الليان فعل لغير المتكلم، إذ المراد أنه داين حسان خشية من إفلاس غيره ومطله، ولابد في المفعول له من موافقته لعامله في الفاعل. ومن الغريب قول أبى حيان: إن من شرط العطف على الموضع أن يكون للمعطوف عليه لفظ وموضع: فجعل صورة المسألة شرطا لها، ثم إنه أسقط الشرط الاول الذى ذكرناه، ولابد منه. والثالث: العطف على التوهم نحو ليس زيدا قائما ولا قاعدا بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر، وشرط جوازه صحة دخول ذلك العامل المتوهم، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك، ولهذا حسن قول زهير: بدالى أنى لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [125] وقول الآخر: 727 - ما الحازم الشهم مقداما ولا بطل * إن لم يكن للهوى بالحق غلابا ولم يحسن قول الآخر:

ص 477

728 - وما كنت ذا نيرب فيهم * ولا منمش فيهم منمل لقلة دخول الباء على خبر كان، بخلاف خبرى ليس وما، والنيرب: النميمة، والمنمل: الكثير النميمة، والمنمش: المفسد ذات البين. وكما وقع هذا العطف في المجرور وقع في أخيه المجزوم، ووقع أيضا في المرفوع اسما، وفى المنصوب اسما وفعلا، وفى المركبات. فأما المجزوم فقال به الخليل وسيبويه في قراءة غير أبى عمرو (لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن) فإن معنى لولا أخرتني فأصدق ومعنى إن أخرتني أصدق واحد، وقال السيرافى والفارسي: هو عطف على محل فأصدق كقول الجميع في قراءة الاخوين (من يظلل الله فلا هادى له ويذرهم) بالجزم، ويرده أنهما يسلمان أن الجزم في نحو ائتنى أكرمك بإضمار الشرط، فليست الفاء هنا وما بعدها في موضع جزم، لان ما بعد الفاء منصوب بأن مضمرة، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم مما تقدم، فكيف تكون الفاء مع ذلك في موضع الجزم ؟ وليس بين المفردين المتعاطفين شرط مقدر، ويأتى القولان في قول الهذلى: فأبلوني بليتكم لعلى * أصالحكم وأستدرج نويا [670] أي نواى، وكذلك اختلف في نحو قام القوم غير زيد وعمرا بالنصب، والصواب أنه على التوهم، وأنه مذهب سيبويه، لقوله لان غير زيد في موضع إلا زيدا ومعناه، فشبهوه بقولهم: 729 - [معاوى إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا وقد استنبط من ضعف فهمه من إنشاد هذا البيت هنا أنه يراه عطفا على المحل ولو أراد ذلك لم يقل إنهم شبهوه به.

ص 478

رجع القول إلى المجزوم - وقال به الفارسى في قراءة قنبل: (إنه من يتقى ويصبر فإن الله) بإثبات الياء في (يتقى) وجزم (يصبر) فزعم أن من موصلة، فلهذا ثبتت ياء يتقى، وأنها ضمنت معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاء في الخبر، وإنما جزم (يصبر) على توهم معنى من، وقيل: بل وصل (يصبر) بنية الوقف كقراءة نافع (ومحياى ومماتي) بسكون ياء (محياى) وصلا، وقيل: بل سكن لتوالى الحركات في كلمتين كما في (يأمركم) و (يشعركم) وقيل: من شرطية، وهذه الياء إشباع، ولام الفعل حذفت للجازم، أو هذه الياء لام الفعل، وأكتفى بحذف الحركة المقدرة. وأما المرفوع فقال سيبويه: واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعين ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان وذلك على أن معناه معنى الابتداء، فيرى أنه قال هم، كما قال: * بدا لى أنى لست مدرك ما مضى * البيت اه‍ [135] ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم، وذلك ظاهر من كلامه، ويوضحه إنشاده البيت، وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم، وامتنع أن نثبت شيئا نادرا لامكان أن يقال في كل نادر: إن قائله غلط. وأما المنصوب اسما فقال الزمخشري في قوله تعالى (ومن وراء إسحاق يعقوب) فيمن فتح الباء. كأنه قيل: ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، على طريقة قوله: 730 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا ببين غرابها [ص 553] اه‍، وقيل: على إضمار وهبنا، أي ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب، بدليل

ص 479

(فبشرناها) لان البشارة من الله تعالى بالشئ في معنى الهبة، وقيل: هو مجرور عطفا على بإسحاق، أو منصوب عطفا على محله، ويرد الاول أنه لا يجوز الفصل بين العاطف والمعطوف على المجرور كمررت بزيد واليوم عمرو، وقال بعضهم في قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد) إنه عطف على معنى (إنا زينا السماء الدنيا) وهو إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء كما قال تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما) ويحتمل أن يكون مفعولا لاجله، أو مفعولا مطلقا، وعليهما فالعامل محذوف: أي وحفظا من كل شيطان زيناها بالكواكب، أو وحفظناها حفظا. وأما المنصوب فعلا فكقراءة بعضهم (ودوا لو تدهن فيدهنوا) حملا على معنى ودوا أن تدهن، وقيل في قراءة حفص (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع) بالنصب: إنه عطف على معنى لعلى أبلغ، وهو لعلى أن أبلغ، فإن خبر لعل يقترن بأن كثيرا، نحو الحديث فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ويحتمل أنه عطف على الاسباب على حد: * للبس عباءة وتقر عينى * [424] ومع هذين الاحتمالين فيندفع قول الكوفى: إن هذه القراءة حجة على جواز النصب في جواب الترجي حملا له على التمنى. وأما في المركبات فقد قيل في قوله تعالى: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم) إنه على تقدير ليبشركم وليذيقكم، ويحتمل أن التقدير: وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلها، وقيل في قوله تعالى (أو كالذى مر على قرية) إنه على معنى أرأيت كالذى حاج أو كالذى مر، ويجوز أن يكون على اضمار فعل، أي أو رأيت مثل الذى، فحذف لدلالة (ألم تر إلى الذى حاج) عليه، لان كليهما تعجب، وهذا التأويل هنا وفيما تقدم أولى، لان اضمار الفعل لدلالة

ص 480

المعنى عليه أسهل من العطف على المعنى، وقيل: الكاف زائدة، أي ألم تر إلى الذى حاج أو الذى مر، وقيل: الكاف [اسم] بمعنى مثل معطوف على الذى، أي ألم تنظر إلى الذى حاج أو إلى مثل الذى مر. تنبيه - من العطف على المعنى على قول البصريين نحو لالزمنك أو تقضيني حقى إذ النصب عندهم بإضمار أن، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم، أن ليكونن لزوم منى أو قضاء منك لحقي، ومنه (تقاتلونهم أو يسلموا) في قراءة أبى بحذف النون، وأما قراءة الجمهور بالنون فبالعطف على لفظ تقاتلونهم، أو على القطع بتقدير أو هم يسلمون، ومثله ما تأتينا فتحدثنا بالنصب، أي ما يكون منك إتيان فحديث، ومعنى هذا نفى الاتيان فينتفى الحديث، أي ما تأتينا فكيف تحدثنا، أو نفى الحديث فقط حتى كأنه قيل: ما تأتينا محدثا، أي بل غير محدث، وعلى المعنى الاول جاء قوله سبحانه وتعالى (لا يقضى عليهم فيموتوا) أي فكيف يموتون، ويمتنع أن يكون على الثاني: إذ يمتنع أن يقضى عليهم ولا يموتون، ويجوز رفعه فيكون إما عطفا على تأتينا، فيكون كل منهما داخلا عليه حرف النفى، أو على القطع فيكون موجبا، وذلك واضح في نحو ما تأتينا فتجهل أمرنا و لم تقرأ فتنسى لان المراد إثبات جهله ونسيانه، ولانه لو عطف لجزم تنسى وفى قوله: 731 - غير أنا لم يأتنا بيقين * فنرجى ونكثر التأميلا إذ المعنى أنه لم يأت باليقين فنحن نرجو خلاف ما أتى به لانتفاء اليقين عما أتى به، ولو جزمه أو نصبه لفسد معناه، لانه يصير منفيا على حدته كالاول إذا جزم، ومنفيا على الجمع إذا نصب، وإنما المراد إثباته، وأما إجازتهم ذلك في المثال السابق فمشكلة، لان الحديث لا يمكن مع عدم الاتيان، وقد يوجه قولهم بأن يكون معناه ما تأتينا في المستقبل فأنت تحدثنا الآن، عوضا عن ذلك، وللاستئناف وجه آخر، وهو أن

ص 481

يكون على معنى السببية وانتفاء الثاني لانتفاء الاول، وهو أحد وجهى النصب، وهو قليل، وعليه قوله: 732 - فلقد تركت صبية مرحومة * لم تدر ما جزع عليك فتجزع أي لو عرفت الجزع لجزعت، ولكنها لم تعرفه فلم تجزع، وقرأ عيسى بن عمر (فيموتون) عطفا على (يقضى)، وأجاز ابن خروف فيه الاستئناف على معنى السببية كما قدمنا في البيت، وقرأ السبعة (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) وقد كان النصب ممكنا مثله في (فيموتوا) ولكن عدل عنه لتناسب الفواصل، والمشهور في توجيهه أنه لم يقصد إلى معنى السببية، بل إلى مجرد العطف على الفعل وإدخاله معه في سلك النفى، لان المراد بلا يؤذن لهم نفى الاذن في الاعتذار، وقد نهوا عنه في قوله تعالى (لا تعتذروا اليوم) فلا يتأتى العذر (1) منهم بعد ذلك، وزعم ابن مالك بدر الدين أنه مستأنف بتقدير: فهم يعتذرون، وهو مشكل على مذهب الجماعة، لاقتضائه ثبوت الاعتذار مع انتفاء الاذن كما في قولك ما تؤذينا فنحبك بالرفع، ولصحة الاستئناف يحمل ثبوت الاعتذار مع مجئ (لا تعتذروا اليوم) على اختلاف المواقف، كما جاء (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) (وقفوهم إنهم مسئولون)، وإليه ذهب ابن الحاجب، فيكون بمنزلة ما تأتينا فتجهل أمورنا ويرده أن الفاء غير العاطفة للسببية، ولا يتسبب الاعتذار في وقت عن نفى الاذن فيه في وقت آخر، وقد صح الاستئناف بوجه آخر يكون الاعتذار معه منفيا، وهو ما قدمناه ونقلناه عن ابن خروف من أن المستأنف قد يكون على معنى السببية، وقد صرح به هنا الاعلم، وأنه في المعنى مثل (لا يقصى عليهم فيموتوا) ورده ابن عصفور بأن الاذن

(هامش)

(1) في نسخة فلا يأتي العذر - إلخ . (*)

ص 482

في الاعتذار قد يحصل ولا يحصل اعتذار، بخلاف القضاء عليهم، فإنه يتسبب عنه الموت جزما، ورد عليه ابن الضائع بأن النصب على معنى السببية في ما تأتينا فتحدثنا جائز بإجماع، مع أنه قد يحصل الاتيان ولا يحصل التحديث، والذى أقول: إن مجئ الرفع بهذا المعنى قليل جدا، فلا يحسن حمل التنزيل عليه. تنبيه - لا تأكل سمكا وتشرب لبنا إن جزمت فالعطف على اللفظ والنهى عن كل منهما، وإن نصبت فالعطف عند البصريين على المعنى والنهى عند الجميع عن الجمع، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن، وإن رفعت فالمشهور أنه نهى عن الاول وإباحة للثاني، وأن المعنى: ولك شرب اللبن، وتوجيهه أنه مستأنف، فلم يتوجه إليه حرف النهى، وقال بدر الدين ابن مالك: إن معناه كمعنى وجه النصب، ولكنه على تقدير لا تأكل (1) السمك وأنت تشرب اللبن، اه‍. وكأنه قدر الواو للحال، وفيه بعد، لدخولها في اللفظ على المضارع المثبت، ثم هو مخالف لقولهم، إذ جعلوا لكل من أوجه الاعراب معنى. عطف الخبر على الانشاء، وبالعكس منعه البيانيون، وابن مالك في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل، وابن عصفور في شرح الايضاح، ونقله عن الاكثرين، وأجازه الصفار - بالفاء - تلميذ ابن عصفور، وجماعة، مستدلين بقوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) في سورة البقرة، (وبشر المؤمنين) في سورة الصف، قال أبو حيان، وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو العاقلان على أن يكون العاقلان خبرا لمحذوف، ويؤيده قوله:

(هامش)

(1) في نسخة ولكنه على طريق لا تأكل السمك - إلخ . (*)

ص 483

وإن شفائى عبرة مهراقة * وهل عند رسم دارس من معول ؟ [570] وقوله: 733 - تناغى غزالا عند باب ابن عامر * وكحل أماقيك الحسان بإثمد واستدل الصفار بهذا البيت، وقوله: وقائلة خولان فانكح فتاتهم * [وأكرومة الحيين خلو كما هيا] [271] فإن تقديره عند سيبويه: هذه خولان. وأقول: أما آية البقرة فقال الزمخشري: ليس المعتمد بالعطف الامر حتى يطلب له مشاكل، بل المراد عطف جملة ثواب المؤمنين على جملة عذاب الكافرين، كقولك زيد يعاقب بالقيد وبشر فلانا بالاطلاق وجوز عطفه على (اتقوا) وأنم من كلامه في الجواب الاول أن يقال: المعتمد بالعطف جملة الثواب كما ذكر، ويزاد عليه فيقال: والكلام منظور فيه إلى المعنى الحاصل منه، وكأنه قيل: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات فبشرهم بذلك، وأما الجواب الثاني ففيه نظر، لانه لا يصح أن يكون جوابا للشرط، إذ ليس الامر بالتبشير مشروطا بعجز الكافرين عن الاتيان بمثل القرآن، ويجاب بأنه قد علم أنهم غير المؤمنين، فكأنه قيل: فإن لم يفعلوا فبشر غيرهم بالجنات، ومعنى هذا فبشر هؤلاء المعاندين بأنه لاحظ لهم من الجنة. وقال في آية الصف: إن العطف على (تؤمنون) لانه بمعنى آمنوا، ولا يقدح في ذلك أن المخاطب بتؤمنون المؤمنون، وببشر النبي عليه الصلاة والسلام،

ص 484

ولا أن يقال في (تؤمنون): إنه تفسير للتجارة لا طلب، وإن (يغفر لكم) جواب الاستفهام تنزيلا لسبب السبب منزله السبب كما مر في بحث الجمل المفسرة، لان تخالف الفاعلين لا يقدح، تقول قوموا واقعد يا زيد ولان (تؤمنون) لا يتعين للتفسير، سلمنا، ولكن يحتمل أنه تفسير مع كونه أمرا، وذلك بأن يكون معنى الكلام السابق اتجروا تجارة تنجيكم من عذاب أليم كما كان (فهل أنتم منتهون) في معنى أنتهوا، أو بأن يكون تفسيرا في المعنى دون الصناعة، لان الامر قد يساق لافادة المعنى الذى يتحصل من المفسرة، يقول: هل أدلك على سبب نجاتك ؟ آمن بالله، كما تقول: هو أن تؤمن بالله، وحينئذ فيمتنع العطف، لعدم دخول التبشير في معنى التفسير. وقال السكاكى: الامران معطوفان على قل مقدرة قبل (يأيها)، وحذف القول كثير، وقيل: معطوفان على أمر محذوف تقديره في الاولى فأنذر، وفى الثانية فأبشر، كما قال الزمخشري في (واهجرني مليا): إن التقدير فاحذرنى واهجرني، لدلالة (لارجمنك) على التهديد. وأما * وهل عند رسم دارس من معول * [570] فهل فيه نافية، مثلها (فهل يهلك إلا القوم الظالمون): وأما * هذه خولان * [271] فمعناه تنبه لخولان، أو الفاء لمجرد السببية مثلها في جواب الشرط، وإذ قد استدلا بذلك فهلا استدلا بقوله تعالى (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) ونحوه في النزيل كثير. وأما * وكحل أماقيك * [733] فيتوقف على النظر فيما قبله من الابيات، وقد يكون معطوفا على أمر مقدر يدل عليه المعنى، أي فافعل كذا وكحل، كما قيل في (واهجرني مليا).

ص 485

وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه، وإنما قال: وأعلم أنه لا يجوز من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أو نصبت، لانك لا تثنى إلا على من أثبته وعلمته، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وقال الصفار: لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أن زوال النعت يصححها، فتصرف أبو حيان في كلام الصفار فوهم فيه، ولا حجة فيما ذكر الصفار، إذ قد يكون للشئ مانعان ويقتصر على ذكر أحدهما، لانه الذى اقتضاه المقام. والله أعلم. عطف الاسمية على الفعلية، وبالعكس فيه ثلاثة أقوال: أحدها: الجواز مطلقا، وهو المفهوم من قول النحويين في باب الاشتغال في مثل قام زيد وعمرا أكرمته إن نصب عمرا أرجح، لان تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما. والثانى: المنع مطلقا، حكى عن ابن جنى أنه قال في قوله: 734 - عاضها الله غلاما بعد ما * شابت الاصداغ والضرس نقد إن الضرس فاعل بمحذوف يفسره المذكور، وليس بمبتدأ، ويلزمه إيجاب النصب في مسألة الاشتغال السابقة، إلا إن قال: أقدر الواو للاستئناف. والثالث: لابي على، أنه يجوز في الواو فقط، نقله عنه أبو الفتح في سر الصناعة، وبنى عليه منع كون الفاء في خرجت فإذا الاسد حاضر عاطفة. وأضعف الثلاثة القول الثاني، وقد لهج به الرازي في تفسيره، وذكر في كتابه في مناقب الشافعي رضى الله عنه أن مجلسا جمعه وجماعة من الحنفية.

ص 486

وأنهم زعموا أن قول الشافعي يحل أكل متروك التسمية مردود بقوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) فقال: فقلت لهم: لا دليل فيها، بل هي حجة للشافعي، وذلك لان الواو ليست للعطف، لتخالف الجملتين بالاسمية والفعلية، ولا للاستئناف، لان أصل الواو أن تربط ما بعدها بما قبلها، فبقى أن تكون للحال، فتكون جملة الحال مقيدة للنهى، والمعنى لا تأكلوا منه في حالة كونه فسقا، ومفهومه جواز الاكل إذا لم يكن فسقا، والفسق قد فسره الله تعالى بقوله (أو فسقا أهل لغير الله به) فالمعنى لا تأكلوا منه إذا سمى عليه غير الله، ومفهومه كلوا منه إذا لم يسم عليه غير الله، اه‍ ملخصا موضحا. ولو أبطل العطف لتخالف الجملتين بالانشاء والخبر لكان صوابا. العطف على معمولي عاملين وقولهم على عاملين فيه تجوز، أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد، نحو إن زيدا ذاهب وعمرا جالس وعلى معمولات عامل نحو أعلم زيد عمرا بكرا جالسا، وأبو بكر خالدا سعيدا منطلقا وعلى منع العطف على معمولي أكثر من عاملين نحو إن زيدا ضارب أبوه لعمرو، وأخاك غلامه بكر وأما معمولا عاملين، فإن لم يكن أحدهما جارا فقال ابن مالك: هو ممتنع إجماعا نحو كان آكلا طعامك عمرو وتمرك بكر وليس كذلك، بل نقل الفارسى الجواز مطلقا عن جماعة، وقيل: إن منهم الاخفش، وإن كان أحدهما جارا فإن كان الجار مؤخرا نحو زيد في الدار والحجرة عمرو، أو وعمرو الحجرة فنقل المهدوى أنه ممتنع إجماعا، وليس كذلك، بل هو جائز عند من ذكرنا، وإن كان الجار مقدما نحو في الدار زيد والحجرة عمرو فالمشهور عن سيبويه المنع، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام، وعن الاخفش الاجازة، وبه قال الكسائي والفراء والزجاج، وفصل قوم - منهم الاعلم - فقالوا: إن ولى المخفوض العاطف كالمثال جاز، لانه

ص 487

كذا سمع، ولان فيه تعادل المتعاطفات، وإلا امتنع نحو في الدار زيد وعمرو الحجرة . وقد جاءت مواضع يدل ظاهرها على خلاف قول سيبويه، كقوله تعالى (إن في السموات والارض لآيات للمؤمنين، وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) آيات الاولى منصوبة إجماعا، لانها اسم إن، والثانية والثالثة قرأهما الاخوان بالنصب، والباقون بالرفع، وقد استدل بالقراءتين في (آيات) الثالثة على المسألة، أما الرفع فعلى نيابة الواو مناب الابتداء وفى، وأما النصب فعلى نيابتها مناب إن وفى. وأجيب بثلاثة أوجه: أحدها: أن في مقدرة، فالعمل لها، ويؤيده أن في حرف عبد الله التصريح بفى، وعلى هذا الواو نائبة مناب عامل واحد، وهو الابتداء أو إن. والثانى: أن انتصاب (آيات) على التوكيد للاولى، ورفعها على تقدير مبتدأ، أي هي آيات، وعليهما فليست في مقدرة. والثالث: يخص قراءة النصب، وهو أنه على إضمار إن وفى، ذكره الشاطى وغيره، وإضمار إن بعيد. ومما يشكل على مذهب سيبويه قوله: هون عليك، فإن الامور * بكف الاله مقاديرها [232] فليس بآتيك منهيها * ولا قاصر عنك مأمورها لان قاصر عطف على مجرور الباء، فإن كان مأمورها عطفا على مرفوع

ص 488

ليس لزم العطف على معمولي عاملين، وإن كان فاعلا بقاصر لزم عدم الارتباط بالمخبر عنه، إذ التقدير حينئذ فليس منهيا بقاصر عنك مأمورها. وقد أجيب عن الثاني بأنه لما كان الضمير في مأمورها عائدا على الامور كان كالعائد على المنهيات، لدخولها في الامور. وأعلم أن الزمخشري ممن منع العطف المذكور، ولهذا اتجه له أن يسأل في قوله تعالى (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) الآيات، فقال: فإن قلت: نصب إذا معضل، لانك إن جعلت الواوات عاطفة وقعت في العطف على عاملين، يعنى أن إذا عطف على إذا المنصوبة بأقسم، والمخفوضات عطف على الشمس المخفوضة بواو القسم، قال: وإن جعلتهن للقسم وقعت فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه، يعنى أنهما استكرها ذلك لئلا يحتاج كل قسم إلى جواب يخصه، ثم أجاب بأن فعل القسم لما كان لا يذكر مع واو القسم بخلاف الباء صارت كأنها هي الناصبة الخافضة فكان العطف على معمولي عامل. قال ابن الحاجب: وهذه قوة منه، واستنباط لمعنى دقيق، ثم اعترض عليه بقوله تعالى (فلا أقسم بالخنس الجوارى الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس) فإن الجار هنا الباء، وقد صرح معه بفعل القسم، فلا تنزل الباء منزلة الناصبة الخافضة، اه‍. وبعد، فالحق جواز العطف على معمولي عاملين في نحو في الدار زيد والحجرة عمرو ولا إشكال حينئذ في الآية. وأخذ ابن الخباز جواب الزمخشري فجعله قولا مستقلا فقال في كتاب النهاية: وقيل إذا كان أحد العاملين محذوفا فهو كالمعدوم، ولهذا جاز العطف في نحو (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) وما أظنه وقف في ذلك على كلام غير الزمخشري فينبغي له أن يقيد الحذف بالوجوب.

ص 489

المواضع التى يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة وهى سبعة: أحدها: أن يكون الضمير مرفوعا بنعم أو بئس، ولا يفسر إلا بالتمييز، نحو نعم رجلا زيد، وبئس رجلا عمرو ويلتحق بهما فعل الذى يراد به المدح والذم نحو (ساء مثلا القوم) و (كبرت كلمة تخرج) و ظرف رجلا زيد وعن الفراء والكسائي أن المخصوص هو الفاعل، ولا ضمير في الفعل، ويرده نعم رجلا كان زيد ولا يدخل الناسخ على الفاعل، وأنه قد يحذف نحو (بئس للظالمين بدلا). الثاني: أن يكون مرفوعا بأول المتنازعين المعمل ثانيهما نحو قوله: 735 - جفوني ولم أجف الاخلاء، إننى * لغير جميل من خليلي مهمل والكوفيون يمنعون من ذلك، فقال الكسائي: يحذف الفاعل، وقال الفراء: يضمر ويؤخر عن المفسر، فإن استوى العاملان في طلب الرفع وكان العطف بالواو نحو قام وقعد أخواك فهو عنده فاعل بهما. الثالث: أن يكون مخبرا عنه فيفسره خبره نحو (إن هي إلا حياتنا الدنيا) قال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه، وأصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة لان الخبر يدل عليها ويبينها، قال: ومنه: 726 - * هي النفس تحمل ما حملت * و هي العرب تقول ما شاءت قال ابن مالك: وهذا من جيد كلامه، ولكن في تمثيله بهى النفس وهى العرب ضعف، لامكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين، وفى كلام ابن مالك أيضا ضعف، لامكان وجه ثالث

ص 490

في المثالين لم يذكره، وهو كون هي ضمير القصة، فإن أراد الزمخشري أن المثالين يمكن حملهما على ذلك لا أنه متعين فيهما فالضعف في كلام ابن مالك وحده. الرابع: ضمير الشأن والقصة نحو (قل هو الله أحد) ونحو (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) والكوفي يسميه ضمير المجهول. وهذا الضمير مخالف للقياس من خمسة أوجه: أحدها: عوده على ما بعده لزوما، إذ لا يجوز للجملة المفسرة له أن تتقدم هي ولا شئ منها عليه، وقد غلط يوسف ابن السيرافى، إذ قال في قوله: 737 - أسكران كان ابن المراغة إذ هجا * تميما بجو الشام أم متساكر فيمن رفع سكران وابن المراغة: إن كان شانية، وابن المراغة سكران: مبتدأ وخبر، والجملة خبر كان. والصواب أن كان زائدة، والاشهر في إنشاده نصب سكران ورفع ابن المراغة، فارتفاع متساكر على أنه خبر لهو محذوفا، ويروى بالعكس، فاسم كان مستتر فيها. والثانى: أن مفسره لا يكون إلا جملة، ولا يشاركه في هذا ضمير، وأجاز الكوفيون والاخفش تفسيره بمفرد له مرفوع نحو كان قائما زيد، وظننته قائما عمرو وهذا إن سمع خرج على أن المرفوع مبتدأ، واسم كان وضمير ظننته راجعان إليه، لانه في نية التقديم، ويجوز كون المرفوع بعد كان اسما لها، وأجاز الكوفيون إنه قام و إنه ضرب على حذف المرفوع والتفسير بالفعل مبنيا للفاعل أو للمفعول، وفيه فسادان: التفسير بالمفرد، وحذف مرفوع الفعل. والثالث: أنه لا يتبع بتابع، فلا يؤكد، ولا يعطف عليه، ولا يبدل منه. والرابع: أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه.

ص 491

والخامس: أنه ملازم للافراد، فلا يثنى ولا يجمع، وإن فسر بحديثين أو أحاديث. وإذا تقرر هذا علم أنه لا ينبغى الحمل عليه إذا أمكن غيره، ومن ثم ضعف قول الزمخشري في (إنه يراكم هو وقبيله) إن اسم إن ضمير الشأن، والاولى كونه ضمير الشيطان، ويؤيده أنه قرئ (وقبيله) بالنصب، وضمير الشأن لا يعطف عليه، وقول كثير من النحويين إن اسم أن المفتوحة المخففة ضمير شأن، والاولى أن يعاد على غيره إذا أمكن، ويؤيده قول سيبويه في (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) إن تقديره أنك، وفى كتبت إليه أن لا يفعل إنه يجزم على النهى، وينصب على معنى لئلا، ويرفع على أنك. الخامس (1): أن يجر برب مفسرا بتمييز، وحكمه حكم ضمير نعم وبئس في وجوب كون مفسره تمييزا وكونه هو مفردا، وقال: 738 - ربه فتية دعوت إلى ما * يورث المجد دائبا فأجابوا ولكنه يلزم أيضا التذكير، فيقال ربه امرأة لا ربها، ويقال نعمت امرأة هند وأجاز الكوفيون مطابقته للتمييز في التأنيث والتثنية والجمع، وليس بمسموع. وعندي أن الزمخشري يفسر الضمير بالتمييز في غير بابى نعم ورب، وذلك أنه قال في تفسير (فسواهن سبع سموات) الضمير في (فسواهن) ضمير منهم، وسبع سموات تفسيره، كقولهم ربه رجلا وقيل: راجع إلى السماء، والسماء في معنى الجنس، وقيل: جمع سماءة، والوجه العربي هو الاول، اه‍. وتؤول على أن مراده أن سبع سموات بدل، وظاهر تشبيهه بربه رجلا يأباه. السادس: أن يكون مبدلا منه الظاهر المفسر له، ك‍ ضربته زيدا قال

(هامش)

(1) الخامس من المواضع التى يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة. (*)

ص 492

ابن عصفور: أجازه الاخفش ومنعه سيبويه، وقال ابن كيسان: هو جائز بإجماع، نقله عنه ابن مالك، ومما خرجوا على ذلك قولهم اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم وقال الكسائي: هو نعت، والجماعة يأبون نعت الضمير، وقوله: قد أصبحت بقرقرى كوانسا * فلا تلمه أن ينام البائسا [695] وقال سيبويه: هو بإضمار أذم، وقولهم قاما أخواك، وقاموا إخوتك، وقمن نسوتك وقيل: على التقديم والتأخير، وقيل: الالف والواو والنون أحرف كالتاء في قامت هند وهو المختار. والسابع: أن يكون متصلا بفاعل مقدم، ومفسره مفعول مؤخر ك‍ - ضرب غلامه زيدا أجازه الاخفش وأبو الفتح وأبو عبد الله الطوال من الكوفيين، ومن شواهده قول حسان: 739 - ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا * من الناس أبقى مجده الدهر مطعما وقوله: 740 - كسا حلمه ذا الحلم أثواب سودد * ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد والجمهور يوجبون في ذلك في النثر تقديم المفعول، نحو (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) ويمتنع بالاجماع نحو صاحبها في الدار لاتصال الضمير بغير الفاعل، ونحو ضرب غلامها عبد هند لتفسيره بغير المفعول، والواجب فيهما تقديم الخبر والمفعول ولا خلاف في جواز نحو ضرب غلامه زيد وقال الزمخشري في (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) الآية في قراءة أبى عمرو (فلا يحسبنهم)

ص 493

بالغيبة وضم آخر الفعل: إن الفعل مسند للذين يفرحون واقعا على ضميرهم محذوفا، والاصل لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، أي لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين، و (فلا يحسبنهم) توكيد، وكذا قال في قراءة هشام (ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) بالغيبة: إن التقدير ولا يحسبنهم، والذين فاعل، ورده أبو حيان باستلزامه عود الضمير على المؤخر، وهذا غريب جدا، فإن هذا المؤخر مقدم في الرتبة، ووقع له نظير هذا في قول القائل: مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها، فقال: تقديم الحال هنا على عاملها وهو ذاهبة ممتنع، لان فيه تقديم الضمير على مفسره، ولا شك أنه لو قدم لكان كقولك غلامه ضرب زيد ووقع لابن مالك سهو في هذا المثال من وجه غير هذا، وهو أنه منع من التقديم لكون العامل صفة، ولا خلاف في جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف، ومن الغريب أن أبا حيان صاحب هذه المقالة وقع له أنه منع عود الضمير إلى ما تقدم لفظا، وأجاز عوده إلى ما تأخر لفظا ورتبة، أما الاول فإنه منع في قوله تعالى: (وما عملت من سوء تود) كون ما شرطية، لان (تود) حينئذ يكون دليل الجواب، لا جوابا، لكونه مرفوعا، فيكون في نية التقديم، فيكون حينئذ الضمير في (بينه) عائدا على ما تأخر لفظا ورتبة، وهذا عجيب، لان الضمير الآن عائد على متقدم لفظا، ولو قدم (تود) لغير التركيب، ويلزمه أن يمنع ضرب زيدا غلامه لان زيدا في نية التأخير، وقد استشعر ورود ذلك، وفرق بينهما بما لا معول عليه، وأما الثاني فإنه قال في قوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) إن فاعل بدا عائد على السجن المفهوم من ليسجننه

شرح حال الضمير المسمى فصلا وعمادا  

والكلام فيه في أربع مسائل: الاولى: في شروطه، وهى ستة، وذلك أنه يشترط فيما قبله أمران:

ص 494

أحدهما: كونه مبتدأ في الحال أو في الاصل، نحو (أولئك هم المفلحون) (وإنا لنحن الصافون) الآية (كنت أنت الرقيب عليهم) (تجدوه عند الله هو خيرا) (إن ترنى أنا أقل منك مالا وولدا) وأجاز الاخفش وقوعه بين الحال وصاحبها كجاء زيد هو ضاحكا، وجعل منه (هؤلاء بناتى هن أطهر لكم) فيمن نصب (أطهر)، ولحن أبو عمرو من قرأ بذلك، وقد خرجت على أن (هؤلاء بناتى) جملة، و (هن) إما توكيد لضمير مستتر في الخبر، أو مبتدأ ولكم الخبر، وعليهما فأطهر حال، وفيهما نظر، أما الاول فلان بناتى جامد غير مؤول بالمشتق، فلا يتحمل ضميرا عند البصريين، وأما الثاني فلان الحال لا يتقدم على عاملها الظرفى عند أكثرهم. والثانى: كونه معرفة كما مثلنا، وأجاز الفراء وهشام ومن تابعهما من الكوفيين كونه نكرة نحو ما ظننت أحدا هو القائم و كان رجل هو القائم وحملوا عليه (أن تكون أمة هي أربى من أمة) فقدروا (أربى) منصوبا. ويشترط فيما بعده أمران: كونه خبرا لمبتدأ في الحال أو في الاصل، وكونه معرفة أو كالمعرفة في أنه لا يقبل أل كما تقدم في خيرا وأقل، وشرط الذى كالمعرفة: أن يكون اسما كما مثلنا، وخالف في ذلك الجرجاني فألحق المضارع بالاسم لتشابههما وجعل منه (إنه هو يبدئ ويعيد) وهو عند غيره توكيد، أو مبتدأ، وتبع الجرجاني أبو البقاء، فأجاز الفصل في (ومكر أولئك هو يبور) وابن الخباز فقال في شرح الايضاح: لا فرق بين كون امتناع أل لعارض كأفعل من والمضاف كمثلك وغلام زيد، أو لذاته كالفعل المضارع، اه‍، وهو قول السهيلي، قال في قوله تعالى (وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيى، وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى): وإنما أتى بضمير الفصل في الاولين دون الثالث، لان بعض

ص 495

الجهال قد يثبت هذه الافعال لغير الله كقول نمروذ: أنا أحيى وأميت، وأما الثالث فلم يدعه أحد من الناس، اه‍. وقد يستدل لقوله الجرجاني بقوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدى) فعطف (يهدى) على (الحق) الواقع خبرا بعد الفصل، اه‍. ويشترط له في نفسه أمران: أحدهما: أن يكون بصيغة المرفوع، فيمتنع زيد إياه الفاضل، وأنت إياك العالم وأما إنك إياك الفاضل فجائز على البدل عند البصريين، وعلى التوكيد عند الكوفيين. والثانى: أن يطابق ما قبله، فلا يجوز كنت هو الفاضل فأما قول جرير بن الخطفى. 741 - وكائن بالاباطح من صديق * يرانى لو أصبت هو المصابا وكان قياسه يرانى أنا مثل (إن ترنى أنا أقل) فقيل: ليس هو فصلا وإنما هو توكيد للفاعل، وقيل: بل هو فصل، فقيل: لما كان صديقه بمنزلة نفسه حتى كان إذا أصيب كأن صديقه هو قد أصيب فجعل ضمير الصديق بمنزلة ضميره، لانه نفسه في المعنى، وقيل: هو على تقدير مضاف إلى الياء، أي يرى مصابي، والمصاب حينئذ مصدر كقولهم جبر الله مصابك أي مصيبتك، أي يرى مصابي هو المصاب العظيم، ومثله في حذف الصفة (الآن جئت بالحق) أي الواضح، وإلا لكفروا بمفهوم الظرف (فلا نقم لهم يوم القيامة وزنا) أي نافعا، لان أعمالهم توزن، بدليل (ومن خفت موازينه) الآية، وأجازوا سير بزيد سير

ص 496

بتقدير الصفة، أي واحد، وإلا لم يفد، وزعم ابن الحاجب أن الانشاد لو أصيب بإسناد الفعل إلى ضمير الصديق، وإن هو توكيد له، أو لضمير يرى، قال: إذ لا يقول عاقل يرانى مصلتا إذا أصابتني مصيبة، اه‍. وعلى ما قدمناه من تقدير الصفة لا يتجه الاعتراض، ويروى يراه أي يرى نفسه، و تراه بالخطاب: ولا إشكال حينئذ ولا تقدير، والمصاب حينئذ مفعول لا مصدر، ولم يطلع على هاتين الروايتين بعضهم فقال: ولو أنه قال يراه لكان حسنا، أي يرى الصديق نفسه مصابا إذا أصبت. المسألة الثانية: في فائدته، وهى ثلاثة أمور: أحدها لفظي، وهو الاعلام من أول الامر بأن ما بعده خبر لا تابع، ولهذا سمى فصلا، لانه فصل بين الخبر والتابع، وعمادا، لانه يعتمد عليه معنى الكلام، وأكثر النحويين يقتصر على ذكر هذه الفائدة، وذكر التابع أولى من ذكر أكثرهم الصفة، لوقوع الفصل في نحو (كنت أنت الرقيب عليهم) والضمائر لا توصف. والثانى معنوى، وهو التوكيد، ذكره جماعة، وبنوا عليه أنه لا يجامع التوكيد فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل وعلى ذلك سماه بعض الكوفيين دعامة، لانه يدعم به الكلام، أي يقوى ويؤكد. والثالث معنوى أيضا، هو الاختصاص، وكثير من البيانيين يقتصر عليه، وذكر الزمخشري الثلاثة في تفسير (وأولئك هم المفلحون) فقال: فائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة، والتوكيد، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره. المسألة الثالثة: في محله. زعم البصريون أنه لا محل له، ثم قال أكثرهم: إنه حرف، فلا إشكال،

ص 497

وقال الخليل: اسم، ونظيره على هذا القول أسماء الافعال فيمن يراها غير معمولة لشئ، وأل الموصولة (1)، وقال الكوفيون: له محل، ثم قال الكسائي: محله بحسب ما بعده، وقال الفراء: بحسب ما قبله، فمحله بين المبتدأ والخبر رفع، وبين معمولي ظن نصب، وبين معمولي كان رفع عند الفراء، ونصب عند الكسائي. وبين معمولي إن بالعكس. المسأله الرابعة: فيما يحتمل من الاوجه. يحتمل في نحو (كنت أنت الرقيب عليهم) ونحو (إن كنا نحن الغالبين) الفصلية والتوكيد، دون الابتداء لانتصاب ما بعده، وفى نحو (وإنا لنحن الصافون) ونحو زيد هو العالم، وإن عمرا هو الفاضل الفصلية والابتداء، دون التوكيد لدخول اللام في الاولى ولكون ما قبله ظاهرا في الثانية، والثالثة. ولا يؤكد الظاهر بالمضمر لانه ضعيف والظاهر قوى، ووهم أبو البقاء، فأجاز في (إن شانئك هو الابتر) التوكيد، وقد يريد أنه توكيد لضمير مستتر في (شانئك) لا لنفس شانئك، ويحتمل الثلاثة في نحو أنت أنت الفاضل ونحو (إنك أنت علام الغيوب) ومن أجاز إبدال الضمير من الظاهر أجاز في نحو إن زيدا هو الفاضل البدلية، ووهم أبو البقاء، فأجاز في (تجدوه عند الله هو خيرا) كونه بدلا من الضمير المنصوب. ومن مسائل الكتاب قد جربتك فسكنت أنت أنت الضميران مبتدأ وخبر، والجمله خبر كان، ولو قدرت الاول فصلا أو توكيدا لقلت أنت إياك . والضمير في قوله تعالى: (أن تكون أمة هي أربى من أمة) مبتدأ: لان ظهور ما قبله يمنع التوكيد، وتنكيره يمنع الفصل.

(هامش)

(1) غير أن إعراب أل الموصولة ظهر فيما بعدها بسبب كونها على صورة الحرف. (*)

ص 498

وفى الحديث كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه إن قدر في يكون ضمير لكل فأبواه مبتدأ، وقوله هما إما مبتدأ ثان وخبره للذان والجملة خبر أبواه، وإما فصل، وإما بدل من أبواه إذا أجزنا (1) إبدال الضمير من الظاهر، واللذان خبر أبواه، وإن قدر يكون خاليا من الضمير فأبواه اسم يكون، و هما مبتدأ أو فصل أو بدل، وعلى الاول فاللذان بالالف، وعلى الاخيرين هو بالياء. روابط الجملة بما هي خبر عنه وهى عشرة: أحدها الضمير، وهو الاصل، ولهذا يربط به مذكورا كزيد ضربته، ومحذوفا مرفوعا نحو (إن هذان لساحران) إن قدر لهما ساحران (2)، ومنصوبا كقراءة ابن عامر في سورة الحديد (وكل وعد الله الحسنى) ولم يقرأ بذلك في سورة النساء، بل قرأ بنصب (كل) كالجماعة، لان قبله جملة فعلية وهى (فضل الله المجاهدين) فساوى بين الجملتين في الفعلية، بل بين الجمل، لان بعده (وفضل الله المجاهدين) وهذا مما أغفلوه، أعنى الترجيح باعتبار ما يعطف على الجملة، فإنهم ذكروا رجحان النصب على الرفع في باب الاشتغال في نحو قام زيد وعمرا أكرمته للتناسب، ولم يذكروا مثل ذلك في نحو زيد ضربته وأكرمت عمرا ولا فرق بينهما، وقول أبى النجم: [قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا] كله لم أصنع [332] ولو نصب كل على التوكيد لم يصح، لان ذنبا نكرة، أو على المفعولية كان فاسدا معنى، لما بيناه في فصل كل، وضعيفا صناعة، لان حق كل متصلة بالضمير أن لا تستعمل إلا توكيدا أو مبتدأ نحو (إن الامر كله لله) قرئ بالنصب والرفع

(هامش)

(1) في نسخة إذا جوزنا
(2) في نسخة إذا قدر لهما ساحران . (*)

ص 499

وقراءة (1) جماعة (أفحكم الجاهلية يبغون) بالرفع، ومجرورا نحو السمن منوان بدرهم أي منه، وقول امرأة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب إذا لم نقل إن أل نائبة عن الضمير، وقوله تعالى (ولمن صبر وغفر إن ذلك عزم الامور) أي إن ذلك منه، ولابد من هذا التقدير، سواء أقدرنا اللام للابتداء ومن موصولة أو شرطية أم قدرنا اللام موطئة ومن شرطية، أما على الاول فلان الجملة خبر، وأما على الثاني فلانه لابد في جواب اسم الشرط المرتفع بالابتداء من أن يشتمل على ضمير، سواء قلنا إنه الخبر أو إن الخبر فعل الشرط وهو الصحيح، وأما الثالث فلانها جواب القسم في اللفظ، وجواب الشرط في المعنى، وقول أبى البقاء والحوفى إن الجملة جواب الشرط مردود، لانها اسمية، وقولهما إنها على إضمار الفاء مردود، لاختصاص ذلك بالشعر، ويجب على قولهما أن تكون اللام للابتداء، لا للتوطئة. تنبيه - قد يوجد الضمير في اللفظ ولا يحصل الربط، وذلك في ثلاث مسائل: أحدها: أن يكون معطوفا بغير الواو، نحو زيد قام عمرو فهو أو ثم هو . والثانية: أن يعاد العامل، نحو زيد قام عمرو وقام هو . والثالثة: أن يكون بدلا نحو حسن الجارية الجارية أعجبتني هو فهو: بدل اشتمال من الضمير المستتر العائد على الجارية، وهو في التقدير كأنه من جملة أخرى، وقياس قول من جعل العامل في البدل نفس العامل في المبدل منه أن تصح المسألة، ونحو ذلك مسألة الاشتغال، فيجوز النصب والرفع في نحو زيد ضربت عمرا وأباه ويمتنع الرفع والنصب مع الفاء وثم ومع التصريح بالعامل، وإذا أبدلت أخاه ونحوه من عمرو لم يجوزا، على ما مر من الاختلاف في عامل البدل،

(هامش)

(1) في نسخة وقرأ جماعة وهذا من أمثلة حذف الضمير الرابط المنصوب. (*)

ص 500  

فإن قدرته بيانا جاز باتفاق [أو بدلا لم يجز (1)] ويجوز بالاتفاق زيد ضربت رجلا يحبه رفعت زيدا أو نصبته، لان الصفة والموصوف كالشئ الواحد. الثاني: الاشارة، نحو (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة) (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) ويحتمله (ولباس التقوى ذلك خير) وخص ابن الحاج المسألة بكون المبتدأ موصولا أو موصوفا والاشارة إشارة البعيد، فيمتنع نحو زيد قام هذا لمانعين، و زيد قام ذلك لمانع، والحجة عليه في الآية الثالثة، ولا حجة عليه في الرابعة، لاحتمال كون (ذلك) فيها بدلا أو بيانا، وجوز الفارسى كونه صفة، وتبعه جماعة منهم أبو البقاء، ورده الحوفى بأن الصفة لا تكون أعرف من الموصوف. الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه، وأكثر وقوع ذلك في مقام التهويل والتفخيم، نحو (الحاقة ما الحاقة) (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) وقال: 742 - لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغنى والفقيرا والرابع: إعادته بمعناه، نحو زيد جاءني أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية له، أجازه أبو الحسن مستدلا بنحو قوله تعالى: (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) وأجيب بمنع كون الذين مبتدأ، بل [هو] مجرور بالعطف على (الذين يتقون) ولئن سلم فالرابط العموم، لان المصلحين أعم من المذكورين، أو ضمير محذوف، أي منهم، وقال الحوفى: الخبر محذوف، أي مأجورون، والجملة دليله. والخامس: عموم يشمل المبتدأ نحو زيد نعم الرجل وقوله:

(هامش)

(1) سقطت هذه الجملة من النسخة التى شرح عليها الدسوقي، وفى ذكرها نوع تكرار. (*)

ص 501

743 - [ألا ليت شعرى هل إلى أم جحدر * سبيل ؟] فأما الصبر عنها فلا صبرا كذا قالوا، ويلزمهم أن يجيزوا زيد مات الناس، وعمرو كل الناس يموتون، وخالد لا رجل في الدار أما المثال فقيل: الرابط إعادة المبتدأ بمعناه بناء على قول أبى الحسن في صحة تلك المسألة، وعلى القول بأن أل في فاعلي نعم وبئس للعهد لا للجنس، وأما البيت فالرابط فيه إعادة المبتدأ بلفظه، وليس العموم فيه مرادا، إذ المراد أنه لا صبر له عنها، لانه لا صبر له عن شئ. والسادس: أن يعطف بفاء السببية جملة ذات ضمير على جملة خالية منه أو بالعكس، نحو (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة) وقوله: 744 - وإنسان عينى يحسر الماء تارة * فيبدو، وتارات يحم فيغرق كذا قالوا، والبيت محتمل لان يكون أصله يحسر الماء عنه، أي ينكشف عنه، وفى المسألة تحقيق تقدم في موضعه. والسابع: العطف بالواو، أجازه هشام وحده نحو زيد قامت هند وأكرمها ونحو زيد قام وقعدت هند بناء على أن الواو للجمع، فالجملتان كالجملة كمسألة الفاء، وإنما الواو للجمع في المفردات لا في الجمل، بدليل جواز هذان قائم وقاعد دون هذان يقوم وقعد . والثامن: شرط يشتمل على ضمير مدلول على جوابه بالخبر، نحو زيد يقوم عمر وإن قام . التاسع: أل النائبة عن الضمير، وهو قول الكوفيين وطائفة من البصريين،

ص 502

ومنه (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) الاصل مأواه، وقال المانعون: التقدير هي المأوى له. والعاشر: كون الجملة نفس المبتدأ في المعنى، نحو هجيرى أبى بكر لا إله إلا الله ومن هذا أخبار ضمير الشأن والقصة، نحو (قل هو الله أحد) ونحو (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا). تنبيه - الرابط في قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن) إما النون على أن الاصل وأزواج الذين، وإما كلمة هم مخفوضة محذوفة هي وما أضيف إليه على التدريج، وتقديرهما إما قبل يتربصن، أي أزواجهم يتربصن، وهو قول الاخفش، وإما بعده، أي يتربصن بعدهم، وهو قول الفراء، وقال الكسائي - وتبعه ابن مالك - الاصل يتربص أزواجهم، ثم جئ بالضمير مكان الازواج لتقدم ذكرهن فامتنع ذكر الضمير، لان النون لا تضاف لكونها ضميرا، وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير. الاشياء التى تحتاج إلى الرابط (1) وهى أحد عشر: أحدها: الجملة المخبر بها، وقد مضت، ومن ثم كان مردودا قول ابن الطراوة في لولا زيد لاكرمتك : إن لاكرمتك هو الخبر، وقول ابن عطية في (فالحق والحق أقول لاملان) إن لاملان خبر الحق الاول فيمن قرأه بالرفع، وقوله إن التقدير أن أملا مردود، لان أن تصير الجملة مفردا وجواب القسم لا يكون مفردا، بل الخبر فيهما محذوف، أي لولا زيد موجود، والحق قسمي، كما في لعمرك لافعلن .

(هامش)

(1) في نسخة تحتاج إلى رابط . (*)

ص 503

والثانى: الجملة الموصوف بها، ولا يربطها إلا الضمير: إما مذكورا نحو (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) أو مقدرا إما مرفوعا كقوله: إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [31] أي هو عار، أو منصوبا كقوله: 745 - [حميت حمى تهامة بعد نجد] * وما شئ حميت بمستباح [ص 612 و 633] أي حميته، أو مجرورا نحو (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا، ولا يقبل منها شفاعة، ولا يؤخذ منها عدل، ولا هم ينصرون) فإنه على تقدير فيه أربع مرات، وقراءة الاعمش (فسبحان الله حينا تمسون وحينا تصبحون) على تقدير فيه مرتين، وهل حذف الجار والمجرور معا أو حذف الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل كما قال: 746 - ويوما شهدناه سليما وعامرا * [قليلا سوى الطعن النهال نوافله] أي شهدنا فيه، ثم حذف منصوبا ؟ قولان: الاول عن سيبويه، والثانى عن أبى الحسن، وفى أمالى ابن الشجرى قال الكسائي: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا الهاء، أي أن الجار حذف أولا، ثم حذف الضمير، وقال آخر: لا يكون المحذوف إلا فيه، وقال أكثر النحويين منهم سيبويه والاخفش: يجوز الامران، والاقيس عندي الاول، اه‍. وهو مخالف لما نقل غيره، وزعم أبو حيان أن الاولى أن لا يقدر في الآية الاولى ضمير، بل يقدر أن الاصل يوما يوم لا تجزى، بإبدال يوم الثاني من الاول، ثم حذف المضاف، ولا يعلم أن مضافا إلى جملة حذف، ثم إن ادعى أن الجملة باقية

ص 504

على محلها من الجر فشاذ، أو أنها أنيبت عن المضاف، تكون الجملة مفعولا في مثل هذا الموضع. الثالث: الجملة الموصول بها الاسماء، ولا يربطها غالبا إلا الضمير: إما مذكورا نحو (الذين يؤمنون) ونحو (وما عملته أيديهم) (وفيها ما تشتهيه الانفس) ونحو (يأكل مما تأكلون منه) وإما مقدرا نحو (أيهم أشد) ونحو (وما عملت أيديهم) (وفيها ما تشهى الانفس) ونحو (ويشرب مما تشربون) والحذف من الصلة أقوى منه من الصفة، ومن الصفة أقوى منه من الخبر. وقد يربطها ظاهر يخلف الضمير كقوله: فيا رب ليلى أنت في كل موطن (1) * وأنت الذى في رحمة الله أطمع [343] وهو قليل، قالوا: وتقديره وأنت الذى في رحمته، وقد كان يمكنهم أن يقدروا في رحمتك، كقوله: 747 - وأنت الذى أخلفتني ما وعدتني * [وأشمت بى من كان فيك يلوم] وكأنهم كرهوا بناء قليل على قليل، إذ الغالب أنت الذى فعل وقولهم فعلت قليل. ولكنه مع هذا مقيس، وأما أنت الذى قام زيد فقليل غير مقيس، وعلى هذا فقول الزمخشري في قوله تعالى: (الحمد لله الذى خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) إنه يجوز كون العطف بثم على الجملة الفعلية ضعيف، لانه يلزمه أن يكون من هذا القليل، فيكون الاصل كفروا به، لان المعطوف على الصلة صلة، فلابد من رابط، وإما إذا قدر العطف على الحمد لله وما بعده فلا إشكال.

(هامش)

(1) وفى رواية * فبا ؟ أنت الله في كل موطن * (*)

ص 505

الرابع: الواقعة حالا، ورابطها إما الواو والضمير نحو (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) أو الواو فقط نحو (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) ونحو جاء زيد والشمس طالعة أو الضمير فقط نحو (ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) وزعم أبو الفتح في الصورة الثانية أنه لابد من تقدير الضمير، أي طالعة وقت مجيئه، وزعم الزمخشري في الثالثة أنها شاذة نادرة، وليس كذلك، لورودها في مواضع من التنزيل نحو (أهبطوا بعضكم لبعض عدو) (فنبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (والله يحكم لا معقب لحكمه) (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) وقد يخلو منهما لفظا فيقدر الضمير نحو مررت بالبر قفيز بدرهم أو الواو كقوله يصف غائصا لطلب اللؤلؤ انتصف النهار وهو غائص وصاحبه لا يدرى ما حاله: 748 - نصف النهار الماء غامره * ورفيقه بالغيب لا يدرى [ص 636] الخامس: المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه نحو زيدا ضربته، أو ضربت أخاه، أو عمرا وأخاه، أو عمرا أخاه إذا قدرت الاخ بيانا، فإن قدرته بدلا لم يصح نصب الاسم على الاشتغال، ولا رفعه على الابتداء، وكذا لو عطفت بغير الواو، وقوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) الذين: مبتدأ، وتعسا: مصدر لفعل محذوف هو الخبر، ولا يكون الذين منصوبا بمحذوف يفسره تعسا كما تقول زيدا ضربا إياه وكذا لا يجوز زيدا جدعا له ولا عمرا سقيا له خلافا لجماعة منهم أبو حيان، لان اللام متعلقة بمحذوف، لا بالمصدر لانه لا يتعدى بالحرف، وليست لام التقوية لانها لازمة، ولام التقوية غير لازمة، وقوله تعالى (سل بنى إسرائيل كم آتيناهم من آية) إن قدرت (من) زائدة فكم مبتدأ أو مفعول لآتينا مقدرا بعده، وإن قدرتها بيانا لكم

ص 506

كما هي بيان لما في (ما ننسخ من آية) لم يجز واحد من الوجهين، لعدم الراجع حينئذ إلى كم، وإنما هي مفعول ثان مقدم، مثل أعشرين درهما أعطيتك وجوز الزمخشري في كم الخبرية والاستفهامية، ولم يذكر النحويون أن كم الخبرية تعلق العامل عن العمل، وجوز بعضهم زيادة من كما قدمنا، وإنما تزاد بعد الاستفهام بهل خاصة، وقد يكون تجويزه ذلك على قول من لا يشترط كون الكلام غير موجب مطلقا، أو على قول من يشترطه في غير باب التمييز، ويرى أنها في رطل من زيت، وخاتم من حديد زائدة، لا مبينة للجنس. السادس والسابع: بدلا البعض والاشتمال، ولا يربطهما إلا الضمير: ملفوظا نحو (ثم عموا وصموا كثير منهم) (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه) أو مقدرا نحو (من استطاع) أي منهم، ونحو (قتل أصحاب الاخدود النار) أي فيه، وقيل: إن أل خلف عن الضمير، أي ناره، وقال الاعشى: 749 - لقد كان في حول ثواء ثويته * تقضى لبانات ويسأم سائم أي ثويته فيه، فالهاء من ثويته مفعول مطلق، وهى ضمير الثواء، لان الجملة صفته، والهاء رابط الصفة، والضمير المقدر رابط للبدل - وهو ثواء - بالمبدل منه وهو حول، وزعم ابن سيده أنه يجوز كون الهاء من ثويته للحول على الاتساع في ضمير الظرف بحذف كلمه في، وليس بشى، لخلو الصفة حينئذ من ضمير الموصوف، ولا شتراط الرابط في بدل البعض وجب في نحو قولك مررت بثلاثة زيد وعمرو القطع بتقدير منهم، لانه لو اتبع لكان بدل بعض من غير ضمير. تنبيه - إنما لم يحتج بدل الكل إلى رابط لانه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة التى هي نفس المبتدأ لا تحتاج إلى رابط لذلك

ص 507

الثامن: معمول الصفة المشبهة، ولا يربطه أيضا إلا الضمير: إما ملفوظا به نحو زيد حسن وجهه أو وجها منه أو مقدرا نحو زيد حسن وجها أي منه، واختلف في نحو زيد حسن الوجه بالرفع، فقيل: التقدير منه، وقيل: أل خلف عن الضمير، وقال تعالى (وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الابواب) جنات بدل أو بيان، والثانى يمنعه البصريون، لانه لا يجوز عندهم أن يقع عطف البيان في النكرات، وقول الزمخشري إنه معرفة لان عدنا علم على الاقامة بدليل (جنات عدن التى وعد الرحمن عباده) لو صح تعينت البدلية بالاتفاق، إذ لاتبين المعرفة النكرة، ولكن قوله ممنوع، وإنما عدن مصدر عدن، فهو نكرة، والتى في الآية بدل لا نعت، و (مفتحة) حال من جنات لاختصاصها بالاضافة، أو صفة لها، لا صفة لحسن، لانه مذكر، ولان البدل لا يتقدم على النعت، و (الابواب) مفعول ما لم يسم فاعله أو بدل من ضمير مستتر، والاول أولى، لضعف مثل مررت بامرأة حسنة الوجه وعليهما فلابد من تقدير أن الاصل الابواب منها أو أبوابها، ونابت أل عن الضمير، وهذا البدل بدل بعض لا اشتمال خلافا للزمخشري. التاسع: جواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء، ولا يربطه أيضا إلا الضمير: إما مذكورا نحو (فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه) أو مقدرا أو منوبا عنه نحو (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي منه، أو الاصل في حجه، وأما قوله تعالى (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وقول الشاعر: 750 - فمن تكن الحضارة أعجبته * فأى رجال بادية ترانا

ص 508

فقال الزمخشري في الآية الاولى: إن الرابط عموم المتقين، والظاهر أنه لا عموم فيها، وأن المتقين مساوون لمن تقدم ذكره، وإنما الجواب في الآيتين والبيت محذوف وتقديره في الآية الاولى: يحبه الله، وفى الثانية: يغلب، وفى البيت: فلسنا على صفته. العاشر: العاملان في باب التنازع، فلابد من أرتباطهما إما بعاطف كما في قام وقعد أخواك أو عمل أولهما في ثانيهما نحو (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) أو كون ثانيهما جوابا للاول، إما جوابية الشرط نحو (تعالوا يستغفر لكم رسول الله) ونحو (آتونى أفرغ عليه قطرا) أو جوابية السؤال نحو (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) أو نحو ذلك من أوجه الارتباط، ولا يجوز قام قعد زيد ولذلك بطل قول الكوفيين إن من التنازع قول أمرئ القيس: * كفانى - ولم أطلب - قليل من المال * [414] وإنه حجة على رجحان اختيار إعمال الاول، لان الشاعر فصيح وقد ارتكبه مع لزوم حذف مفعول الثاني وترك إعمال الثاني مع تمكنه منه وسلامته من الحذف والصواب أنه ليس من التنازع في شئ، لاختلاف مطلوبي العاملين، فإن كفانى طالب للقليل، وأطلب طالب للملك محذوفا للدليل، وليس طالبا للقليل، لئلا يلزم فساد المعنى، وذلك لان التنازع يوجب تقدير قوله ولم أطلب معطوفا على كفانى، وحينئذ يلزم كونه مثبتا، لانه حينئذ داخل في حيز الامتناع المفهوم من لو، وإذا امتنع النفى جاء الاثبات، فيكون قد أثبت طلبه للقليل بعدما نفاه بقوله: * ولو أن ما أسعى لادنى معيشة *

ص 509

وإنما لم يجز أن يقدر مستأنفا لانه لا ارتباط حينئذ بينه وبين كفانى، فلا تنازع بينهما. فإن قلت: لم لا يجوز التنازع على تقدير الواو للحال، فإنك إذا قلت لو دعوته لاجابني غير متوان أفادت لو انتفاء الدعاء والاجابة دون انتفاء عدم التوانى حتى يلزم إثبات التوانى ؟ قلت: أجاز ذلك قوم منهم ابن الحاجب في شرح المفصل ووجه به قول الفارسى والكوفيين إن البيت من التنازع وإعمال الاول، وفيه نظر، لان المعنى حينئذ لو ثبت أنى أسعى لادنى معيشة لكفاني القليل في حالة أنى غير طالب له، فيكون انتفاء كفاية القليل المقيدة بعدم طلبه موقوفا على طلبه له، فيتوقف عدم الشيء على وجوده. ولهذه القاعدة أيضا بطل قول بعضهم في (فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) إن فاعل تبين ضمير راجع إلى المصدر المفهوم من أن وصلتها بناء على أن تبين وأعلم قد تنازعاه كما في ضربني وضربت زيدا ، إذ لا ارتباط بين تبين وأعلم، على أنه لو صح لم يحسن حمل التنزيل عليه، لضعف الاضمار قبل الذكر في باب التنازع، حتى إن الكوفيين لا يجيزونه البتة، وضعف حذف مفعول العامل الثاني إذا أهمل ك‍ ضربني وضربت زيد حتى إن البصريين لا يجيزونه إلا في الضرورة. والصواب أن مفعول أطلب الملك محذوفا كما قدمنا، وأن فاعل تبين ضمير مستتر: إما للمصدر، أي فلما تبين له تبين كما قالوا في (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) أو لشئ دل عليه الكلام، أي فلما تبين له الامر أو ما أشكل عليه، ونظيره إذا كان غدا فأتني أي إذا كان هو، أي ما نحن عليه من سلامة

ص 510‎

الحادى عشر: ألفاظ التوكيد الاول، وإنما يربطها الضمير الملفوظ به نحو‎ ‎جاء زيد‎ نفسه، والزيدان كلاهما، والقوم كلهم‎ ‎ومن ثم كان مردودا قول الهروي في الذخائر‎ تقول‎ ‎جاء القوم جميعا‎ ‎على الحال، و‎ ‎جميع‎ ‎على التوكيد، وقول بعض من عاصرناه‎ في قوله تعالى: (هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا): إن جميعا توكيد لما، ولو كان‎ كذا لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل، فلا يحمل عليه التنزيل، والصواب أنه حال، وقول الفراء والزمخشري في قراءة بعضهم (إنا كلا فيها): إن كلا توكيد، والصواب أنها‎ بدل، وإبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيدا للاحاطة، نحو‎ ‎قمتم‎ ثلاثتكم‎ ‎وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير، ويجوز لكل أن تلى العوامل إذا لم تتصل‎ بالضمير، نحو‎ ‎جاءني كل القوم‎ ‎فيجوز مجيئها بدلا، بخلاف‎ ‎جاءني كلهم‎ ‎فلا يجوز‎ إلا في الضرورة، فهذا أحسن ما قيل في هذه القراءة، وخرجها ابن مالك على أن كلا حال، وفيه ضعفان: تنكير كل بقطعها عن الاضافة لفظا ومعنى، وهو نادر، كقول بعضهم‎ ‎مررت‎ بهم كلا‎ ‎أي جميعا، وتقديم الحال على عاملها الظرفى. واحترزت بذكر الاول عن أجمع‎ وأخواته، فإنها إنما تؤكد بعد كل، نحو (فسجد الملائكة كلهم أجمعون).

الامور التى‎ يكتسبها الاسم بالاضافة  

وهى عشرة: أحدها: التعريف، نحو‎ ‎غلام زيد‎ (1). ‎الثاني‎: التخصيص، نحو‎ ‎علام امرأة‎ (2) ‎والمراد بالتخصيص الذى لم يبلغ‎

(‎هامش‎)

(1) ‎أي فيما إذا كان المضاف إليه معرفة كزيد‎.
(2) ‎أي متى كان المضاف إليه نكرة كامرأة‎. (*)

ص 511‎

درجة التعريف، فإن‎ ‎غلام رجل‎ ‎أخص من غلام، ولكنه لم يتميز بعينه كما يتميز‎ غلام زيد‎ . ‎الثالث: التخفيف، ك‍‎ ‎ضارب زيد، وضاربا عمرو، وضاربو بكر‎ ‎إذا أردت‎ الحال أو الاستقبال، فإن الاصل فيهن أن يعملن النصب، ولكن الخفض أخف (1) منه، إذ لا‎ تنوين معه ولا نون، ويدل على أن هذه الاضافة لا تفيد التعريف قولك‎ ‎الضاربا زيد، والضاربو زيد‎ ‎ولا يجتمع على الاسم تعريفان، وقوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) ولا‎ توصف النكرة بالمعرفة، وقوله تعالى: (ثانى عطفه) وقول أبى كبير: 751 - فأتت به حوش‎ الفؤاد مبطنا * [سهدا إذا ما نام ليل الهوجل] ولا تنتصب المعرفة على الحال، وقول‎ جرير: 752 - يا رب غابطنا لو كان يطلبكم * [لاقى مباعدة منكم وحرمانا] ولا تدخل رب‎ على المعارف، وفى التحفة أن ابن مالك رد على ابن الحاجب في قوله‎ ‎ولا تفيد إلا‎ تخفيفا‎ ‎فقال: بل تفيد أيضا التخصص، فإن‎ ‎ضارب زيد‎ ‎أخص من‎ ‎ضارب‎ ‎وهذا سهو، فإن‎ ‎ضارب زيد‎ ‎أصله‎ ‎ضارب زيدا‎ ‎بالنصب، وليس أصله ضاربا فقط، فالتخصيص حاصل‎ بالمعمول قبل أن تأتى الاضافة. فإن لم يكن الوصف بمعنى الحال والاستقبال، فإضافته‎ محضة تفيد التعريف والتخصيص، لانها ليست في تقدير الانفصال. وعلى هذا صح وصف اسم‎ الله تعالى بمالك يوم الدين، قال الزمخشري: أريد باسم الفاعل هنا: إما الماضي، كقولك‎ ‎هو مالك عبيده أمس‎

(‎هامش‎)

(1) ‎في نسخة‎ ‎أحب منه‎ ‎وليست بشئ‎. (*)

ص 512‎

أي مالك الامور يوم الدين على حد (ونادى أصحاب الجنة) ولهذا قرأ أبو حنيفة (ملك يوم‎ الدين) وإما الزمان المستمر كقولك‎ ‎هو مالك العبيد‎ ‎فإنه بمنزلة قولك مولى‎ العبيد، اه‍ ملخصا. وهو حسن، إلا أنه نقض هذا المعنى الثاني عندما تكلم على قوله‎ تعالى: (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر) فقال: قرئ بجر الشمس والقمر عطفا على‎ الليل، وبنصبهما بإضمار جعل أو عطفا على محل الليل، لان اسم الفاعل هنا ليس في معنى‎ المضى فتكون إضافته حقيقية، بل هو دال على جعل مستمر في الازمنة المختلفة، ومثله‎ (‎فالق الحب والنوى) و (فالق الاصباح) كما تقول‎ ‎زيد قادر عالم‎ ‎ولا تقصد زمانا‎ دون زمان، اه‍. وحاصله أن إضافة الوصف إنما تكون حقيقية إذا كان بمعنى الماضي، وأنه‎ إذا كان لافادة حدث مستمر في الازمنة كانت إضافته غير حقيقية، وكان عاملا، وليس‎ الامر كذلك. الرابع: إزالة القبح أو التجوز، ك‍‎ - ‎مررت بالرجل الحسن الوجه‎ ‎فإن‎ الوجه إن رفع قبح الكلام، لخلو الصفة لفظا عن ضمير الموصوف، وإن نصب حصل التجوز‎ بإجرائك الوصف القاصر مجرى المتعدى. الخامس: تذكير المؤنث كقوله: 753 - إنارة العقل‎ مكسوف بطوع هوى * وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا ويحتمل أن يكون منه (إن رحمة لله‎ قريب من المحسنين) ويبعده (لعل الساعة قريب) فذكر الوصف حيث لا إضافة، ولكن ذكر‎ الفراء أنهم التزموا التذكير في‎ ‎قريب‎ ‎إذا لم يرد قرب النسب، قصدا للفرق، وأما‎ قول الجوهرى‎ ‎إن التذكير لكون التأنيث مجازيا‎ ‎فوهم، لوجوب التأنيث

ص 513‎

في نحو‎ ‎الشمس طالعة، والموعظة نافعة‎ ‎وإنما يفترق حكم المجازى والحقيقي‎ الظاهرين، لا المضمرين. السادس: تأنيث المذكر، كقولهم‎ ‎قطعت بعض أصابعه‎ ‎وقرئ‎ (‎تلتقطه بعض السيارة) ويحتمل أن يكون منه (فله عشر أمثالها) (وكنتم على شفا حفرة من‎ النار فأنقذكم منها) أي من الشفا، ويحتمل أن الضمير للنار، وفيه بعد، لانهم ما‎ كانوا في النار حتى ينفذوا منها، وأن الاصل فله عشر حسنات أمثالها، فالمعدود في‎ الحقيقة الموصوف، وهو مؤنث، وقال: 754 - طول الليالى أسرعت في نقضى * نقضن كلى‎ ونقضن بعضى وقال: 755 - وما حب الديار شغفن قلبى * [ولكن حب من سكن الديارا] وأنشد‎ سيبويه: 756 - وتشرق بالقول الذى قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم وإلى هذا‎ البيت يشير ابن حزم الظاهرى في قوله: 757 - تجنب صديقا مثل ما، واحذر الذى * يكون‎ كعمرو بين عرب وأعجم فإن صديق السوء يزرى، وشاهدي * (كما شرقت صدر القناة من الدم‎) ومراده بما الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة، وبعمرو الكناية عن الرجل‎ المريد أخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخط‎.

ص 514‎

وشرط هذه المسألة والتى قبلها صلاحية المضاف للاستغناء عنه، فلا يجوز‎ ‎أمة زيد جاء‎ ولا‎ ‎غلام هند ذهبت‎ ‎ومن ثم رد ابن مالك في التوضيح قول أبى الفتح في توجيهه‎ قراءة أبى العالية (لا تنفع نفسا إيمانها) بتأنيث الفعل: إنه من باب‎ ‎قطعت بعض‎ أصابعه‎ ‎لان المضاف لو سقط هنا لقيل نفسا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه‎ الضمير المستتر المرفوع الذى ناب عن الايمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدى فعل‎ المضمر المتصل إلى ظاهره نحو قولك‎ ‎زيد ظلم‎ ‎تريد أنه ظلم نفسه، وذلك لا يجوز‎. السابع: الظرفية، نحو (تؤتى أكلها كل حين) وقوله: * أنا أبو المنهال بعض الاحيان‎ * [679] ‎وقال المتنبي: أي يوم سررتني بوصال * لم تسؤني ثلاثة بصدود [118] وأى في‎ البيت استفهامية يراد بها النفى، لا شرطية، لانه لو قيل مكان ذلك‎ ‎إن سررتني‎ انعكس المعنى، لا يقال: يدل على أنها شرطية أن الجملة المنفية إن استؤنفت ولم تربط‎ بالاولى فسد المعنى لانا نقول: الربط حاصل بتقديرها صفة لوصال، والرابط محذوف، أي‎ لم ترعنى بعده، ثم حذفا دفعة أو على التدريج، أو حالا من تاء المخاطب، والرابط‎ فاعلها، وهى حال مقدرة، أو معطوفة بفاء محذوفة فلا موضع لها، أي ما سررتني غير مقدر‎ أنك تروعني، ومن روى ثلاثة بالرفع فالحالية ممتنعة، لعدم الرابط. الثامن: المصدرية، نحو (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) فأى: مفعول مطلق ناصبه ينقلبون، ويعلم‎: معلقة عن العمل بالاستفهام، وقال‎:

ص 515‎

ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأى غريم للتقاضى غريما [657] أي الاولى واجبة النصب‎ بما بعدها كما في الآية، إلا أنها [هنا] مفعول به، كقولك‎ ‎تداينت مالا‎ ‎لا مفعول‎ مطلق، لانها لم تضف لمصدر، والثانية واجبة الرفع بالابتداء مثلها في (لنعلم أي‎ الحزبين أحصى) (ولتعلمن أينا أشد عذابا). التاسع: وجوب التصدير، ولهذا وجب تقديم‎ المبتدأ في نحو‎ ‎غلام من عندك‎ ‎والخبر في نحو‎ ‎صبيحه أي يوم سفرك‎ ‎والمفعول في‎ نحو‎ ‎غلام أيهم أكرمت‎ ‎ومن ومجرورها في نحو‎ ‎من غلام أيهم أنت أفضل‎ ‎ووجب الرفع‎ في نحو‎ ‎علمت أبو من زيد‎ ‎وإلى هذا يشير قول بعض الفضلاء: 758 - عليك بأرباب‎ الصدور، فمن غدا * مضافا لارباب الصدور تصدرا وإياك أن ترضى صحابة ناقص * فتنحط‎ قدرا من علاك وتحقرا فرفع أبو من ثم خفض مزمل * يبين قولى مغريا ومحذرا والاشارة‎ بقوله‎ ‎ثم خفض مزمل‎ ‎إلى قول امرئ القيس: 759 - كأن أبانا في عرانين وبله * كبير‎ أناس في بجاد مزمل [ص 683] وذلك أن‎ ‎مزملا‎ ‎صفة لكبير، فكان حقه الرفع، ولكنه خفض‎ لمجاورته المخفوض (1‎).

(‎هامش‎)

(1) ‎في نسخة‎ ‎لمجاورته للمخفوض‎ ‎وكلتاهما صحيحة‎. (*)

ص 516‎

والعاشر: الاعراب، نحو‎ ‎هذه خمسة عشر زيد‎ ‎فيمن أعربه، والاكثر البناء. والحادي‎ عشر: البناء، وذلك في ثلاثة أبواب: أحدهما: أن يكون المضاف مبهما كغير ومثل ودون، وقد استدل على ذلك بأمور: منها قوله تعالى: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) (ومنا دون‎ ذلك قاله الاخفش، وخولف، وأجيب عن الاول بأن نائب الفاعل ضمير المصدر، أي وحيل هو، أي الحول، كما في قوله: 760 - وقالت: متى يبخل عليك ويعتلل * يسؤك، وإن يكشف غرامك‎ تدرب أي ويعتلل هو، أي الاعتلال، ولابد عندي من تقدير‎ ‎عليك‎ ‎مدلولا عليها‎ بالمذكورة، وتكون حالا من المضمر، ليتقيد بها فتفيد ما لم يفده الفعل، وعن الثاني‎ بأنه [على] حذف الموصوف، أي ومنا قوم دون ذلك كقولهم‎ ‎منا ظعن ومنا أقام‎ ‎أي منا‎ فريق ظعن ومنا [فريق] أقام، ومنها قوله تعالى: (لقد تقطع بينكم) فيمن فتح بينا، قاله الاخفش، ويؤيده قراءة الرفع، وقيل: بين ظرف، والفاعل ضمير مستتر راجع إلى مصدر‎ الفعل، أي لقد وقع التقطع، أو إلى الوصل، لان (وما نرى معكم شفعاءكم) يدل على‎ التهاجر، وهو يستلزم عدم التواصل، أو إلى (ما كنتم تزعمون) على أن الفعلين تنازعاه، ويؤيد التأويل قوله: 761 - أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان‎ بفتح‎ ‎بين‎ ‎مع إضافته لمعرب، ومنها قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون‎) فيمن فتح مثلا، وقراءة بعض السلف (أن يصيبكم مثل ما أصاب) بالفتح، ويقول الفرزدق‎:

(‎هامش‎)

(1) ‎في نسخة‎ ‎تذرب‎ ‎بذال معجمة وفسرها الامير بقوله‎ ‎أي يحتد لسانك وينطق‎ . (*)

ص 517‎

* ‎إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر * [120] وزعم ابن مالك أن ذلك لا يكون في‎ ‎مثل‎ لمخالفتها للمبهمات، فإنها تثنى وتجمع كقوله تعالى: (إلا أمم أمثالكم) وقول الشاعر‎: * ‎والشر بالشر عند الله مثلان * [81] وزعم أن‎ ‎حقا‎ ‎اسم فاعل من حق يحق، وأصله‎ حاق فقصر، كما قيل بر وسر ونم، ففيه ضمير مستتر، ومثل: حال منه، وأن فاعل يصيبكم‎ ضميره تعالى لتقدمه في (وما توفيقي إلا بالله) ومثل: مصدر، وأما بيت الفرزدق ففيه‎ أجوبة مشهورة، ومنها قوله: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو‎ قال [260] فغير: فاعل ليمنع وقد جاء مفتوحا، ولا يأتي فيه بحث ابن مالك، لان قولهم‎ غيران وأغيار) ليس بعربي. ولو كان المضاف غير مبهم لم يبن، وأما قول الجرجاني‎ وموافقيه إن‎ ‎غلامي‎ ‎ونحوه مبنى فمردود، ويلزمهم بناء‎ ‎غلامك، وغلامه‎ ‎ولا قائل‎ بذلك. الباب الثاني: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه‎ ‎إذ‎ ‎نحو (ومن خزى‎ يومئذ) و (من عذاب يومئذ) يقرآن بجر يوم وفتحه. الثالث: أن يكون زمانا مبهما‎ والمضاف إليه فعل مبنى، بناء أصليا كان بناء كقوله: 762 - على حين عاتبت المشيب على‎ الصبا * وقلت: ألما أصح والشيب وازع ؟ أو بناء عارضا كقوله‎.

ص 518‎

‎763 - ‎لاجتذبن منهن قلبى تحلما * على حين يستصبين كل حليم رويا بالفتح، وهو أرجح من‎ الاعراب عند ابن مالك، ومرجوح عند ابن عصفور. فإن كان المضاف إليه فعلا معربا أو‎ جملة اسمية، فقال البصريون: يجب الاعراب، والصحيح جواز البناء، ومنه قراءة نافع‎ (‎هذا يوم ينفع الصادقين) بفتح يوم، وقراءة غير أبى عمرو وابن كثير (يوم لا تملك‎ نفس) بالفتح، وقال: 764 - إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني * نسيم الصبا من حيث يطلع‎ الفجر وقال آخر: 765 - ألم تعلمي - يا عمرك الله - أننى * كريم على حين الكرام قليل‎ وأنى لا أخزى إذا قيل: مملق * سخى، وأخزى أن يقال: بخيل رويا بالفتح. ويحكى أن ابن‎ الاخضر سئل بحضرة ابن الابرش عن وجه النصب في قول النابغة: 766 - أتانى - أبيت‎ اللعن - أنك لمتنى * وتلك التى تستك منها المسامع مقالة أن قد قلت: سوف أناله، ‎* وذلك من تلقاء مثلك رائع‎

ص 519‎

فقال: 767 - [إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم] * ولا تصحب الاردى فتردى مع الردى فقيل‎ له: الجواب، فقال ابن الابرش: قد أجاب، يريد أنه لما أضيف إلى المبنى اكتسب منه‎ البناء، فهو مفتوح لا منصوب، ومحله الرفع بدلا من‎ ‎أنك لمتنى‎ ‎وقد روى بالرفع، وهذا الجواب عندي غير جيد، لعدم إبهام المضاف، ولو صح لصح البناء في نحو‎ ‎غلامك، وفرسه‎ ‎ونحو هذا مما لا قائل به، وقد مضى أن ابن مالك منع البناء في‎ ‎مثل‎ ‎مع‎ إبهامها لكونها تثنى وتجمع، فما ظنك بهذا ؟ وإنما هو منصوب على إسقاط الباء، أو‎ بإضمار أعنى أو على المصدرية، وفى البيت إشكال لو سأل السائل عنه لكان أولى، وهو‎ إضافة‎ ‎مقالة‎ ‎إلى‎ ‎أن قد قلت‎ ‎فإنه في التقدير: مقالة قولك، ولا يضاف الشيء إلى‎ نفسه، وجوابه أن الاصل مقالة فحذف التنوين للضرورة لا للاضافة، وأن وصلتها بدل من‎ مقالة، أو من‎ ‎أنك لمتنى‎ ‎أو خبر لمحذوف، وقد يكون الشاعر إنما قاله‎ ‎مقالة ان‎ بإثبات التنوين ونقل حركة الهمزة، فأنشده الناس بتحقيقها، فاضطروا إلى حذف التنوين، ويروى‎ ‎ملامة‎ ‎وهو مصدر للمتنى المذكورة، أو لاخرى محذوفة.

الأمور التى لا يكون‎ الفعل معها إلا قاصرا  

وهى عشرون: أحدها: كونه على فعل بالضم كظرف وشرف، لانه وقف‎ على أفعال السجايا وما أشبهها مما يقوم بفاعله ولا يتجاوزه، ولهذا يتحول المتعدى‎ قاصرا إذا حول وزنه إلى فعل لغرض المبالغة والتعجب، نحو ضرب الرجل وفهم‎

ص 520‎

بمعنى ما أضربه وأفهمه، وسمع‎ ‎رحبتكم الطاعة‎ ‎و‎ ‎أن بشرا طلع اليمن‎ ‎ولا ثالث‎ لهما، ووجههما أنهما ضمنا معنى وسع وبلغ، والثانى والثالث: كونه على فعل بالفتح أو‎ فعل بالكسر ووصفهما على فعيل، نحو ذل وقوى. والرابع: كونه على أفعل بمعنى صار ذا‎ كذا نحو‎ ‎أغد البعير، وأحصد الزرع‎ ‎إذا صارا (1) ذوى غدة وحصاد. والخامس: كونه‎ على افعلل كاقشعر واشمأز. السادس: كونه على افوعل كا كوهد الفرخ إذا ارتعد. السابع‎: كونه على افعنلل بأصالة اللامين كاحر نجم بمعنى اجتمع. الثامن: كونه على افعنلل‎ بزيادة أحد اللامين كاقعنسس الجمل إذا أبى أن ينقاد. التاسع: كونه على افعنلى كاحر‎ نبى الديك إذا انتفش، وشذ قوله: 768 - قد جعل النعاس يفر ؟ ؟ ينى * أطرده عنى‎ ويسرندينى ولا ثالث لهما، ويغرندينى - بالغين المعجمة - يعلونى ويغلبنى، وبمعناه‎ يسرندينى العاشر: كونه على استفعل وهو دال على التحول كاستحجر الطين، وقولهم‎ ‎إن‎ البغاث بأرضنا يستنسر‎ . ‎الحادى عشر: كونه على وزن انفعل نحو انطلق وانكسر. الثاني‎ عشر: كونه مطاوعا لمتعد إلى واحد نحو كسرته فانكسر وأزعجته فانزعج‎.

(‎هامش‎)

(1) ‎في نسخة‎ ‎أي صارا - إلخ‎ . (*)

ص 521‎

فإن قلت: قد مضى عد انفعل. قلت: نعم لكن تلك علامة لفظية وهذه معنوية، وأيضا‎ فالمطاوع لا يلزم وزن انفعل، تقول: ضاعفت الحسنات فتضاعفت، وعلمته فتعلم، وثلمته‎ فتثلم، وأصله أن المطاوع ينقص عن المطاوع درجة كألبسته الثوب فلبسه، وأقمته فأقام، وزعم ابن برى أن الفعل ومطاوعه قد يتفقان في التعدي لاثنين نحو استخبرته الخبر‎ فأخبرني الخبر، واستفهمته الحديث فأفهمنى الحديث، واستعطيته درهما فأعطاني درهما، وفى التعدي لواحد نحو استفتيته فأفتانى، واستنصحته فنصحني، والصواب ما قدمته لك، وهو قول النحويين، وما ذكره ليس من باب المطاوعة، بل من باب الطلب والاجابة (1‎)، وإنما حقيقة المطاوعة أن يدل أحد الفعلين على تأثير ويدل الآخر على قبول فاعله لذلك‎ التأثير. الثالث عشر: أن يكون رباعيا مزيدا فيه نحو تدحرج واحر نجم واقشعر واطمأن‎. الرابع عشر: أن يضمن معنى فعل قاصر، نحو قوله تعالى (ولا تعد عيناك عنهم) (فليحذر‎ الذين يخالفون عن أمره) (أذاعوا به) (وأصلح لى في ذريتي) (لا يسمعون إلى الملا‎ الاعلى) وقولهم‎ ‎سمع الله لمن حمده‎ ‎وقوله: 769 - [وإن تعتذر بالمحل من ذى ضروعها‎ * ‎إلى الضيف] يجرح في عراقيبها نصلى فإنها ضمنت معنى ولا تنب ويخرجون، وتحدثوا، وبارك، ولا يصغون، واستجاب، ويعث أو يفسد. والستة الباقية أن يدل على سجية كلؤم‎ وجبن وشجع، أو على عرض‎

(‎هامش‎)

(1) ‎في نسخة‎ ‎والاباحة‎ (*)

ص 522‎

كفرح وبطر وأشر وحزن وكسل، أو على نظافة كطهر ووضؤ، أو دنس كنجس ورجس وأجنب، أو على‎ لون كاحمر واخضر وأدم واحمار واسواد، أو حلية كدعج وكحل وشنب وسمن وهزل. تنبيه: في‎ فصيح ثعلب في باب المشدد: فلان يتعهد ضيعته، قال ابن درستويه: ولا يجوز عنده‎ يتعاهد، لانه لا يكون عند أصحابه إلا من اثنين، ولا يكون متعديا، ويرده قوله‎: * تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا * [423] وأجاز الخليل يتعاهد، وهو قليل، وسأل الحكم بن‎ قنبر أبا زيد عنها فمنعها، وسأل يونس فأجازها، فجمع بينهما، وكان عنده ستة من فصحاء‎ العرب، فسئلوا عنها فامتنعوا من يتعاهد، فقال يونس: يا أبا زيد كم من علم استفدناه‎ كنت أنت سببه، ونقل ابن عصفور عن ابن السيد أنه قال في قول أبى ذؤيب: بينا تعانقه‎ الكماة وروغه * يوما اتيح له جرى سلفع [602] إن من رواه بجر التعانق مخطئ، لان‎ تفاعل لا يتعدى، ثم رد عليه بأنه إن كان قبل دخول التاء متعديا إلى اثنين فإنه يبقى‎ بعد دخولها متعديا إلى واحد، نحو عاطيته الدراهم وتعاطينا الدراهم، وإن كان متعديا‎ إلى واحد فإنه يصير قاصرا، نحو تضارب زيد وعمرو، إلا قليلا نحو جاوزت زيدا‎ وتجاوزته، وعانقته وتعانقته، اه‍ وإنما ذكر ابن السيد أن تعانق لا يتعدى، ولم يذكر‎ أن تفاعل لا يكون متعديا، وأيضا فلم يخص الرد برواية الجر، ولا معنى لذلك‎.

ص 523‎

الأمور التى يتعدى بها الفعل القاصر  

وهى سبعة: أحدها: همزة أفعل نحو (أذهبتم‎ طيباتكم) (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) (والله أنبتكم من الارض نباتا، ثم‎ يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) وقد ينقل المتعدى إلى واحد بالهمزة إلى التعدي إلى‎ اثنين نحو‎ ‎ألبست زيدا ثوبا، وأعطيته دينارا‎ ‎ولم ينقل متعد إلى اثنين بالهمزة‎ إلى التعدي إلى ثلاثة إلا في‎ ‎رأى، وعلم‎ ‎وقاسه الاخفش في أخواتهما الثلاثة‎ القلبية نحو ظن وحسب وزعم، وقيل: النقل بالهمزة كله سماعي، وقيل: قياسي في القاصر‎ والمتعدي إلى واحد، والحق أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره، وهو ظاهر مذهب‎ سيبويه. الثاني: ألف المفاعلة، تقول في جلس زيد ومشى وسار‎ ‎جالست زيدا، ومااشيته، وسايرته‎ . ‎الثالث: صوغه على فعلت بالفتح افعل بالضم لافادة الغلبة، تقول‎ ‎كرمت‎ زيدا‎ ‎بالفتح - أي غلبته الكرم. الرابع: صوغه على استفعل للطلب أو النسبة إلى الشئ‎ ك‍‎ ‎استخرجت المال، واستحسنت زيدا، واستقبحت الظلم‎ ‎وقد ينقل ذو المفعول الواحد‎ إلى اثنين، نحو‎ ‎استكتبته الكتاب، واستغفرت الله الذنب‎ ، وإنما جاز‎ ‎استغفرت‎ الله من الذنب‎ ‎لتضمنه معنى استتبت، ولو استعمل على أصله لم يجز فيه ذلك، وهذا قول‎ ابن الطراوة وابن عصفور، وأما قول أكثرهم إن استغفر من باب اختار فمردود. الخامس‎ : تضعيف العين، تقول في فرح زيد‎ ‎فرحته‎ ‎ومنه (قد أفلح‎

ص 524‎

من زكاها) (هو الذى يسيركم) وزعم أبو على أن التضعيف في هذا للمبالغة لا للتعدية، لقولهم‎ ‎سرت زيدا‎ ‎وقوله: 770 - [فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها] * فأول راض سنة من‎ يسيرها وفيه نظر، لان‎ ‎سرته‎ ‎قليل، وسيرته كثير، بل قيل: إنه لا يجوز‎ ‎سرته‎ وإنه في البيت على إسقاط الباء توسعا، وقد اجتمعت التعدية بالباء والتضعيف في قوله‎ تعالى (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل‎ هدى للناس وأنزل الفرقان) وزعم الزمخشري أن بين التعديتين فرقا، فقال: لما نزل‎ القرآن منجما والكتابان جملة واحدة جئ بنزل في الاول وأنزل في الثاني، وإنما قال هو‎ في خطبة الكشاف‎ ‎الحمد لله الذى أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما، ونزله بحسب‎ المصالح منجما‎ ‎لانه أراد بالاول أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو‎ الانزال المذكور في (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وفى قوله تعالى (شهر رمضان الذى‎ أنزل فيه القرآن) وأما قول القفال: إن المعنى الذى أنزل في وجوب صومه أو الذى أنزل‎ في شأنه فتكلف لا داعى إليه، وبالثانى تنزيله من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى‎ الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة. ويشكل على الزمخشري قوله تعالى (وقال‎ الذين كفروا لولا نزل عليه القرن جملة واحدة) فقرن نزل بجملة واحدة، وقوله تعالى‎ (‎وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها) وذلك إشارة إلى قوله‎ تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) الآية، وهى آية واحدة. والنقل بالتضعيف‎ سماعي في القاصر كما مثلنا، وفى المتعدى لواحد نحو‎ ‎علمته الحساب، وفهمته المسالة‎ ولم يسمع في المتعدى لاثنين، وزعم الحريري أنه يجوز في علم المتعدية لاثنين أن‎ ينقل بالتضعيف إلى ثلاثة، ولا يشهد له سماع ولا قياس،

ص 525‎

وظاهر قول سيبويه أنه سماعي مطلقا، وقيل: قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد‎. السادس: التضمين، فلذلك عدى رحب وطلع إلى مفعول لما تضمنا معنى وسع وبلغ، وقالوا‎: فرقت زيدا، و (سفه نفسه) لتضمنهما معنى خاف وامتهن أو أهلك. ويختص التضمين عن غيره‎ من المعديات بأنه قد ينقل الفعل [إلى] أكثر من درجة، ولذلك عدى ألوت بقصر الهمزة‎ بمعنى قصرت إلى مفعولين بعد ما كان قاصرا، وذلك في قولهم‎ ‎لا آلوك نصحا، ولا آلوك‎ جهدا‎ ‎لما ضمن معنى لا أمنعك، ومنه قوله تعالى (لا يا لونكم خبالا) وعدى أخبر وخبر‎ وحدت وأنبأ ونبأ إلى ثلاثة لما ضمنت معنى أعلم وأرى بعد ما كانت متعدية إلى واحد‎ بنفسها وإلى آخر بالجار، نحو (أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم) (نبؤنى‎ بعلم). السابع: إسقاط الجار توسعا نحو (ولكن لا تواعدوهن سرا) أي على سر، أي نكاح‎ (‎أعجلتم أمر ربكم) أي عن أمره (واقعدوا لهم كل مرصد) أي عليه، وقول الزجاج إنه ظرف‎ رده الفارسى بأنه مختص بالمكان الذى يرصد فيه، فليس مبهما، وقوله: * كما عسل الطريق‎ الثعلب * [3] أي في الطريق، وقول ابن الطراوة إنه ظرف مردود أيضا بأنه غير مبهم، وقوله إنه اسم لكل ما يقبل الاستطراق فهو مبهم لصلاحيته لكل موضع منازع فيه، بل هو‎ اسم لما هو مستطرق. ولا يحذف الجار قياسا إلا مع أن وأن، وأهمل النحويون هنا ذكر كى‎ مع تجويزهم في نحو‎ ‎جثت كى تكرمني‎ ‎أن تكون كى مصدرية واللام‎

ص 526‎

مقدرة والمعنى لكى تكرمني، وأجازوا أيضا كونها تعليلية وأن مضمرة بعدها، ولا يحذف‎ مع كى إلا لام العلة، لانها لا يدخل عليها جار غيرها، بخلاف أختيها، قال الله تعالى‎ (‎وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات) (شهد الله أنه لا إله هو) أي بأن‎ لهم، وبأنه (وترغبون أن تنكحوهن) أي في أن، أو عن، على خلاف في ذلك بين المفسرين، ومما يحتملهما قوله: 771 - ويرغب أن يبنى المعالى خالد * ويرغب أن يرضى صنيع‎ الالائم أنشده ابن السيد، فإن قدر‎ ‎في‎ ‎أولا و‎ ‎عن‎ ‎ثانيا فمدح، وإن عكس فذم، ولا يجوز أن يقدر فيهما معا في أو عن، للتناقض. ومحل أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار‎ نصب عند الخليل وأكثر النحويين حملا على الغالب فيما ظهر فيه الاعراب مما حذف منه، وجوز سيبويه أن يكون المحل جرا، فقال بعد ما حكى قول الخليل: ولو قال إنسان إنه جر‎ لكان قولا قويا، وله نظائر نحو قولهم‎ ‎لاه أبوك‎ ‎وأما نقل جماعة منهم ابن مالك أن‎ الخليل يرى أن الموضع جر وأن سيبويه يرى أنه نصب فسهو. ومما يشهد لمدعى الجر قوله‎ تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (وأن هذه امتكم أمة واحدة وأنا‎ ربكم فاعبدون) أصلهما لا تدعوا مع الله أحدا لان المساجد لله، وفاعبدون لان هذه‎. ولا يجوز تقديم منصوب الفعل عليه إذا كان أن وصلتها، لا تقول‎ ‎أنك فاضل عرفت‎ وقوله: 772 - وما زرت ليلى أن تكون حبيبة * إلى، ولا دين بها أنا طالبه

ص 527‎

رووه بخفض‎ ‎دين‎ ‎عطفا على محل‎ ‎أن تكون‎ ، إذ أصله لان تكون، وقد يجاب بأنه عطف‎ على توهم دخول اللام، وقد يعترض بأن الحمل على العطف على المحل أظهر من الحمل على‎ العطف على التوهم، ويجاب بأن القواعد لا تثبت بالمحتملات، وهنا معد ثامن ذكره‎ الكوفيون، وهو تحويل حركة العين، يقال: كسى زيد، بوزن فرح، فيكون قاصرا، قال: 773‎ - وأن يعرين إن كسى الجوارى * فتنبو العين عن كرم عجاف (1) فإذا فتحت السين صار بمعنى‎ ستر وغطى، وتعدى إلى واحد، كقوله: 774 - وأركب في الروع خيفانة * كسا وجهها سعف‎ منتشر أو بمعنى أعطى كسوه وهو الغالب، فيتعدى إلى اثنين، نحو كسوت زيدا جبة، قالوا‎: وكذلك شترت عينه بكسر التاء قاصر بمعنى انقلب جفنها، وشتر الله عينه بفتحها متعد‎ [‎بمعنى] قلبها، وهذا عندنا من باب المطاوعة، يقال: شتره فشتر كما يقال ثرمه فثرم‎ وثلمه فثلم، ومنه كسوته الثوب فكسيه، ومنه البيت، ولكن حذف فيه المفعول‎.

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب