ص 581
ويهدى من يشاء)، والتقدير الثاني باطل: ويجب عليه كون من موصولة، وقد يتوهم أن مثل
هذا قول صاحب اللوامح - وهو أبو الفضل الرازي - فإنه قال في قوله تعالى: (أمن خلق
السموات والارض) لابد من إضمار جملة معادلة، والتقدير كمن لا يخلق - اه. وإنما هذا
مبنى على تسمية جماعة منهم الزمخشري في مفصلة الظرف من نحو زيد في الدار جملة
ظرفية، لكونه عندهم خلفا عن جملة مقدرة، ولا يعتذر بمثل هذا عن ابن مالك، فإن الظرف
لا يكون جوابا، وإن قلنا إنه جملة. النوع السابع: اشتراط الجملة الفعلية في بعض
المواضع، والاسمية في بعض ومن الاول جملة الشرط غير لولا وجملة جواب لو ولولا
ولوما، والجملتان بعد لما، والجمل التالية أحرف التحضيض، وجملة أخبار أفعال
المقاربة، وخبر أن المفتوحة بعد لو عند الزمخشري ومتابعيه نحو (ولو أنهم آمنوا).
ومن الثاني الجملة بعد إذا الفجائية، و ليتما على الصحيح فيهما. ومن الوهم
في الاول أن يقول من لا يذهب إلى قول الاخفش والكوفيين في نحو (وإن امرأة خافت)
(وإن أحد من المشركين استجارك) و (إذا السماء انشقت): إن المرفوع مبتدأ، وذلك خطأ،
لانه خلاف قول من اعتمد عليهم، وإنما قاله سهوا، واما إذا قال ذلك الاخفش أو الكوفى
فلا يعد ذلك الاعراب خطأ، لان هذا مذهب ذهبوا إليه ولم يقولوه سهوا عن قاعدة، نعم
الصواب خلاف قولهم في أصل المسألة، وأجازوا أن يكون المرفوع محمولا على إضمار فعل
كما يقول الجمهور، وأجاز الكوفيون وجها ثالثا، وهو أن يكون فاعلا بالفعل المذكور
على التقديم والتأخير، مستدلين على جواز ذلك بنحو قول الزباء:
ص 582
817 - ما للجمال مشيها وئيدا * [أجندلا يحملن أم حديدا] فيمن رفع مشيها وذلك
عند الجماعة مبتدأ حذف خبره وبقى معمول الخبر، أي مشيها يكون وئيدا أو يوجد وئيدا،
ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جره بدل اشتمال من
الجمال، لانه عائد على ما الاستفهامية، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب
اقتران البدل بهمزة الاستفهام، فكذلك حكم ضمير الاستفهام، ولانه لا ضمير فيه راجع
إلى المبدل منه. ومن ذلك قول بعضهم في بيت الكتاب: [صددت فأطولت الصدود] وقلما *
وصال على طول الصدود يدوم [509] إن وصال مبتدأ، والصواب أنه فاعل بيدوم محذوفا
مفسرا بالمذكور، وقول آخر في نحو آتيك يوم زيدا تلقاه : إنه يجوز في زيد الرفع
بالابتداء، وذلك خطأ عند سيبويه، لان الزمن المبهم المستقبل يحمل على إذا في أنه لا
يضاف إلى الجملة الاسمية، وأما قوله تعالى (يوم هم بارزون) فقد مضى أن الزمن هنا
محمول على إذ، لا على إذا، وأنه لتحققه نزل منزلة الماضي، وأما جواب ابن عصفور عن
سيبويه بأنه إنما يوجب ذلك في الظروف، واليوم هنا بدل من المفعول به وهو (يوم
التلاق) في قوله تعالى (لتنذر يوم التلاق) فمردود، وإنما ذلك في اسم الزمان ظرفا
كان أو غيره، ثم هذا الجواب لا يتأتى له في قوله: وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة *
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب [659] ومن الوهم أيضا قول بعضهم في قوله تعالى: (فمن
كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) بعد ما جزم بأن (من) شرطية: إنه يجوز كون الجملة
الاسمية
ص 583
معطوفة على (كان) وما بعدها، ويرده أن جملة الشرط لا تكون اسمية، فكذا المعطوف
عليها، على أنه لو قدر من موصولة لم يصح قوله أيضا، لان الفاء لا تدخل في الخبر إذا
كانت الصلة جملة اسمية، لعدم شبهه حينئذ باسم الشرط، وقول ابن طاهر في قوله: 818 -
فإن لا مال أعطيه فإنى * صديق من غدو أو رواح وقول آخرين في قول الشاعر: ونبئت ليلى
أرسلت بشفاعة * إلى، فهلا نفس ليلى شفيعها [109] إن ما بعد إن لا وهلا جملة اسمية
نابت عن الجملة الفعلية، والصواب أن التقدير في الاولى فإن أكن، وفى الثانية فهلا
كان، أي الامر والشأن، والجملة الاسمية فيهما خبر. ومن ذلك قول جماعة منهم الزمخشري
في (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير): إن الجملة الاسمية جواب لو،
والاولى أن يقدر الجواب محذوفا، أي لكان خيرا لهم، أو أن يقدر لو بمنزلة ليت في
إفادة التمنى، فلا تحتاج إلى جواب. ومن ذلك قول جماعة منهم ابن مالك في قوله تعالى:
(فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد): إن الجملة جواب لما، والظاهر أن الجواب جملة
فعلية محذوفة، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، ويؤيد هذا أن جواب لما
لا يقترن بالفاء. ومن الوهم في الثاني تجويز كثير من النحويين الاشتغال في نحو
خرجت
ص 584
فإذا زيد يضربه عمرو ومن العجب أن ابن الحاجب أجاز ذلك في كافيته مع قوله فيها في
بحث الظروف: وقد تكون للمفاجأة فيلزم المبتدأ بعدها، وأجاز ابن أبى الربيع في
ليتما زيدا أضربه أن يكون انتصاب زيدا على الاشتغال كالنصب في إنما زيدا
أضربه والصواب أن انتصابه بليت، لانه لم يسمع نحو ليتما قام زيد كما سمع
إنما قام زيد . تنبيه - اعترض الرازي على الزمخشري في قوله تعالى: (والذين كفروا
بآيات الله أولئك هم الخاسرون): إن الجملة معطوفة على (وينجى الله الذين اتقوا) بأن
الاسمية لا تعطف على الفعلية، وقد مر أن تخالف الجملتين في الاسمية والفعلية لا
يمنع التعاطف، وقال بعض المتأخرين في تجويز أبى البقاء في قوله تعالى: (منهم من كلم
الله): إنه يجوز كون الجملة الاسمية بدلا من (فضلنا بعضهم على بعض): هذا مردود، لان
الاسمية لا تبدل من الفعلية، اه. ولم يقم دليل على امتناع ذلك. النوع الثامن:
اشتراطهم في بعض الجمل الخبرية، وفى بعضها الانشائية. فالاول كثير كالصلة، والصفة،
والحال، والجملة الواقعة خبرا لكان، أو خبرا لان أو لضمير الشأن، قيل: أو خبرا
للمبتدأ، أو جوابا للقسم غير الاستعطافي. ومن الثاني جواب القسم الاستعطافي كقوله:
819 - بريك هل ضممت إليك ليلى * [قبيل الصبح أو قبلت فاها ؟] وقوله: 820 - بعيشك يا
سلمى ارحمى ذا صبابة * [أبى غير ما يرضيك في السر والجهر] وما ورد على خلاف ما ذكر
مؤول، فمن الاول قوله:
ص 585
وإنى لراج نظرة قبل التى * لعلى - وإن شطت نواها - أزورها [622] وتخريجه على إضمار
القول، أي قبل التى أقول لعلى، أو على أن الصلة أزورها وخبر لعل محذوف، والجملة
معترضة، أي لعلى أفعل ذلك، وقوله: * جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط * [405] وقوله: 821
- * فإنما أنت أخ لا نعدمه * وتخريجهما على إضمار القول، أي أخ مقول فيه لا جعلنا
الله نعدمه، وبمذق مقول عند رؤيته ذلك، وقول أبى الدرداء رضى الله عنه وجدت الناس
أخبر تقله أي صادفت الناس مقولا فيهم ذلك، وقوله: 822 - وكوني بالمكارم ذكريني *
ودلى دل ماجدة صناع والجملة في هذا مؤولة بالجملة الخبرية، أي وكوني تذكرينني، مثل
قوله تعالى: (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) أي فيمد، وقوله: 823 - إن
الذين قتلتم أمس سيدهم * لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما وقوله: 824 - إنى إذا ما
القوم كانوا أنجيه * واضطرب القوم اضطراب الارشيه * هناك أوصيني ولا توصى بيه *
وينبغى أن يستثنى من منع ذلك في خبرى إن وضمير الشأن خبر أن المفتوحة إذا
ص 586
خففت: فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية كقوله تعالى: (والخامسة أن غضب الله عليها) في
قراءة من قرأ أن بالتخفيف وغضب بالفعل والله فاعل، وقولهم أما أن جزاك الله خيرا
فيمن فتح الهمزة، وإذا لم نلتزم قول الجمهور في وجوب كون اسم [أن] هذه ضمير شأن
فلا استثناء بالنسبة إلى ضمير الشأن، إذ يمكن أن يقدر والخامسة أنها، وأما أنك،
وأما (نودى أن بورك من في النار) فيجوز كون أن تفسيرية. ومن الوهم في هذا الباب قول
بعضهم في قوله تعالى: (وانظر إلى العظام كيف ننشزها): إن جملة الاستفهام حال من
العظام، والصواب أن كيف وحدها حال من مفعول ننشز، وأن الجملة بدل من العظام، ولا
يلزم من جواز كون الحال المفردة استفهاما جواز ذلك في الجملة، لان الحال كالخبر وقد
جاز بالاتفاق نحو كيف زيد واختلف في نحو زيد كيف هو وقول آخرين إن جملة
الاستفهام حال في نحو عرفت زيدا أبو من هو وقد مر. واعلم أن النظر البصري يعلق
فعله كالنظر القلبى، قال تعالى: (فلينظر أيها أزكى طعاما)، وقال سبحانه وتعالى:
(انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض). ومن ذلك قول الامين المحلى فيما رأيت بخطه: إن
الجملة التى بعد الواو من قوله: اطلب ولا تضجر من مطلب * [فآفة الطالب أن يضجرا]
[637] حالية، وإن لا ناهية، والصواب أن الواو للعطف، ثم الاصح أن الفتحة إعراب
مثلها في لا تأكل السمك وتشرب للبن لا بناء لاجل نون توكيد خفيفة محذوفة. النون
التاسع: اشتراطهم لبعض الاسماء أن يوصف، ولبعضها أن لا يوصف فمن الاول مجرور رب إذا
كان ظاهرا، وأى في النداء، والجماء في قولهم جاؤا الجماء
ص 587
الغفير وما وطئ به من خبر أو صفة أو حال، نحو زيد رجل صالح، ومررت يزيد الرجل
الصالح ومنه (بل أنتم قوم تفتنون) (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن) إلى قوله
تعالى (قرآنا عربيا) وقول الشاعر: 825 - أأكرم من ليلى على فتبتغي * به الجاه أم
كنت امرأ لا أطيعها ؟ ومن ثم أبطل أبو على كون الظرف من قول الاعشى: 826 - رب رفد
هرقته ذلك اليو * م وأسرى من معشر أقيال متعلقا بأسرى، لئلا يخلو ما عطف على مجرور
رب من صفة، قال: وأما قوله فيا رب يوم قد لهوت وليلة * بآنسة كأنها خط تمثال [206]
فعلى أن صفة الثاني محذوفة مدلول عليها بصفة الاول، ولا يتأتى ذلك هنا، وقد يجوز
ذلك هنا، لان الاراقة إتلاف، فقد تجعل دليلا عليه. ومن الثاني فاعلا نعم وبئس
والاسماء المتوغلة في شبه الحرف إلا من وما النكرتين فإنهما يوصفان نحو مررت بمن
معجب لك، وبما معجب لك وألحق بهما الاخفش أيا نحو مررت بأى معجب لك وهو قوى
في القياس، لانها معربة، ومن ذلك الضمير، وجوز الكسائي نعته إن كان لغائب والنعت
لغير التوضيح، نحو (قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب) ونحو (لا إله إلا هو الرحمن
الرحيم) فقدر (علام) نعتا للضمير المستتر في (يقذف بالحق) و (الرحمن الرحيم) نعتين
لهو، وأجاز غير الفارسى وابن السراج نعت فاعلي نعم وبئس تمسكا بقوله: 827 - نعم
الفتى المرى أنت إذا هم * حضروا لدى الحجرات نار الموقد وحمله الفارسى وابن السراج
على البدل، وقال ابن مالك: يمتنع نعته إذا قصد بالنعت التخصيص مع إقامة الفاعل مقام
الجنس، لان تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد، فأما إذا تؤول بالجامع لاكمل الخصال فلا
مانع من نعته حينئذ، لامكان أن
ص 588
ينوى في النعت ما نوى في المنعوت، وعلى هذا يحمل البيت، اه. وقال الزمخشري وأبو
البقاء في (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن): إن الجملة بعدكم صفة لها، والصواب
أنها صفة لقرن، وجمع الضمير حملا على معناه، كما جمع وصف جميع في نحو (وإن كل لما
جميع لدينا محضرون). النوع العاشر: تخصيصهم جواز وصف بعض الاسماء بمكان دون آخر،
كالعامل من وصف ومصدر، فإنه لا يوصف قبل العمل ويوصف بعده، وكالموصول فإنه لا يوصف
قبل تمام صلته ويوصف بعد تمامها، وتعميمهم الجواز في البعض، وذلك هو الغالب. ومن
الوهم في الاول قول بعضهم في قول الحطيئة: 828 - أزمعت يأسا مبينا من نوالكم * ولن
ترى طاردا للحر كالياس إن من متعلقة بيأسا، والصواب أن تعلها بيئست محذوفا، لان
المصدر لا يوصف قبل أن يأتي معموله. وقال أبو البقاء في (ولا آمين البيت الحرام
يبتغون فضلا): لا يكون يبتغون نعتا لآمين: لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في
الاختيار، بل هو حال من آمين، اه. وهذا قول ضعيف، والصحيح جواز الوصف بعد العمل
النوع الحادى عشر: إجازتهم في بعض أخبار النواسخ أن يتصل بالناسخ نحو كان قائما
زيد ومنع ذلك في البعض نحو إن زيدا قائم . ومن الوهم في هذا قول المبرد في
قولهم إن من أفضلهم كان زيدا إنه لا يجب أن يحمل على زيادة كان كما قال سيبويه،
بل يجوز أن تقدر كان ناقصة واسمها ضمير زيد، لانه متقدم رتبة، إذ هو اسم إن، ومن
أفضلهم: خبر كان، وكان ومعمولاها خبر إن، فلزمه تقديم خبر إن على اسمها مع أنه ليس
ظرفا ولا مجرورا، وهذا لا يجيزه أحد.
ص 589
النوع الثاني عشر: إيجابهم لبعض معمولات الفعل وشبهه أن يتقدم كالاستفهام والشرط
وكم الخبرية نحو (فأى آيات الله تنكرون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
(أيما الاجلين قضيت) ولهذا قدر ضمير الشأن في قوله: إن من يدخل الكنبسة يوما * يلق
فيها جآذرا وظباء [48] ولبعضها أن يتأخر: إما لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه، أو لضعف
الفعل كمفعول التعجب نحو ما أحسن زيدا أو لعارض معنوى أو لفظي وذلك كالمفعول في
نحو ضرب موسى عيسى فإن تقديمه يوهم أنه مبتدأ وأن الفعل مسند إلى ضميره،
وكالمفعول الذى هو أي الموصولة نحو سأكرم أيهم جاءني كأنهم قصدوا الفرق بينها
وبين أي الشرطية والاستفهامية، والمفعول الذى هو أن وصلتها نحو عرفت أنك فاضل
كرهوا الابتداء بأن المفتوحة لئلا يلتبس بأن التى بمعنى لعل، وإذا كان المبتدأ الذى
أصله التقديم يجب تأخره إذا كان أن وصلتها نحو (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) فأن يجب
تأخر المفعول الذى أصله التأخير نحو (ولا تخافون أنكم أشركتم) أحق وأولى، وكمعمول
عامل اقترن بلام الابتداء أو القسم، أو حرف الاستثناء، أو ما النافية، أولا في جواب
القسم. ومن الوهم الاول قول ابن عصفور في (أو لم يهد لهم كم أهلكنا): إن كم فاعل
يهد، فإن قلت: خرجه على لغة حكاها الاخفش، وهى أن بعض العرب لا يلتزم صدرية كم
الخبرية، قلت: قد اعترف برداءتها، فتخريج التنزيل عليها بعد ذلك رداءة، والصواب أن
الفاعل مستتر راجع إلى الله سبحانه وتعالى، أي أو لم يبين الله لهم، أو إلى الهدى،
والاول قول أبى البقاء، والثانى قول الزجاج، وقال الزمخشري: الفاعل الجملة، وقد مر
أن الفاعل لا يكون جملة، وكم مفعول أهلكنا، والجملة مفعول يهد، وهو معلق عنها، وكم
الخبرية تعلق خلافا لاكثرهم ومن الوهم في الثاني قول بعضهم في بيت الكتاب:
ص 590
[صددت فأطولت الصدود] وقلما * وصال على طول الصدود يدوم [509] إن وصال فاعل
بيدوم، وفى بيت الكتاب أيضا: 829 - [فإنك لا تبالي بعد حول * أظبى كان أمك أم حمار
إن ظبى اسم كان، والصواب أن وصال فاعل يدوم محذوفا مدلولا عليه بالمذكور،
وأن ظبى اسم لكان محذوفة مفسرة بكان المذكورة، أو مبتدأ، والاول أولى، لان همزة
الاستفهام بالجمل الفعلية أولى منها بالاسمية، وعليهما فاسم كان ضمير راجع إليه،
وقول سيبويه إنه أخبر عن النكرة بالمعرفة واضح على الاول، لان ظبيا المذكور اسم
كان، وخبره أمك وأما على الثاني فخبر ظبى إنما هو الجملة، والجمل نكرات، ولكن
يكون محل الاستشهاد قوله كان أمك على أن ضمير 7 النكرة عنده نكرة لا على أن
الاسم مقدم. وقول بعضهم في قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤلا): إن (عنه) مرفوع المحل بمسؤلا، والصواب أن اسم كان ضمير المكلف وإن لم يجر
له ذكر، وأن المرفوع بمسؤلا مستتر فيه راجع إليه أيضا، وأن (عنه) في موضع نصب وقول
بعضهم في قوله: * آليت حب العراق الدهر أطعمه * [139] إنه من باب الاشتغال، لا على
إسقاط على كما قال سيبويه، وذلك مردود: لان أطعمه بتقدير لا أطعمه. وقول الفراء
في (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) فيمن خفف إن: إنه أيضا من باب الاشتغال مع
قوله إن اللام بمعنى إلا، وإن نافية ولا يجوز بالاجماع أن يعمل ما بعد إلا فيما
قبلها، على أن هنا مانعا آخر وهو لام القسم، وأما قوله تعالى (ويقول الانسان أئذا
ما مت لسوف أخرج حيا) فإن إذا ظرف لاخرج، وإنما جاز تقديم الظرف على لام القسم
لتوسعهم في الظرف، ومنه قوله:
ص 591
رضيعى لبان ثدى أم تحالفا * بأسحم داج عوض لا نتفرق [244] أي لا نتفرق أبدا، ولا
النافية لها الصدر في جواب القسم، وقيل: العامل محذوف، أي أئذا ما مت أبعث لسوف
أخرج. النوع الثالث عشر: منعهم من حذف بعض الكلمات، وإيجابهم حذف بعضها، فمن الاول
الفاعل، ونائبه، والجار الباقي عمله، إلا في مواضع نحو قولهم الله لافعلن و
بكم درهم اشتريت أي والله، وبكم من درهم. ومن الثاني أحد معمولي لات . ومن
الوهم في الاول قول ابن مالك في أفعال الاستثناء نحو قاموا ليس زيدا، ولا يكون
زيدا، وما خلا زيدا : إن مرفوعهن محذوف، وهو كلمة بعض مضافة إلى ضمير من تقدم،
والصواب أنه مضمر عائد إما على البعض المفهوم من الجمع السابق كما عاد الضمير من
قوله تعالى (فإن كن نساء) على البنات المفهومة من الاولاد (في يوصيكم الله في
أولادكم) وإما على اسم الفاعل المفهوم من الفعل، أي لا يكون هو - أي القائم - زيدا،
كما جاء لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن
وإما على المصدر المفهوم من الفعل، وذلك في غير ليس ولا يكون، تقول قاموا خلا
زيدا أي جانب هو - أي قيامهم - زيدا. ومن ذلك قول كثير من المعربين والمفسرين في
فواتح السور: إنه يجوز كونها في موضع جر بإسقاط حرف القسم. وهذا مردود بأن ذلك مختص
عند البصريين باسم الله سبحانه وتعالى، وبأنه لا أجوبة للقسم في سورة البقرة وآل
عمران ويونس وهود ونحوهن، ولا يصح أن يقال: قدر (ذلك الكتاب) في البقرة، و (الله لا
إله إلا هو) في آل عمران جوابا، وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها في قوله: 830
- ورب السموات العلي وبروجها * والارض وما فيها المقدر كائن
ص 592
وقول ابن مسعود والله الذى لا إله غيره هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة
لان ذلك - على قلته - مخصوص باستطالة القسم. ومن الوهم في الثاني قول ابن عصفور في
قوله: 831 - حنت نوار ولات هنا حنت * [وبدا الذى كانت نوار أجنت] إن هنا اسم لات،
وحنت خبرها بتقدير مضاف، أي وقت حنت، فاقتضى إعرابه الجمع بين معموليها، وإخراج هنا
عن الظرفية، وإعمال لات في معرفة ظاهرة وفى غير الزمان وهو الجملة النائبة عن
المضاف، وحذف المضاف إلى الجملة، والاولى قول الفارسى إن لات مهملة، وهنا خبر
مقدم، وحنت مبتدأ مؤخر بتقدير أن مثل تسمع بالمعيدى خير من أن تراه . النوع
الرابع عشر: تجويزهم في الشعر ما لا يجوز في النثر، وذلك كثير، وقد أفرد بالتصنيف،
وعكسه، وهو غريب جدا، وذلك بدلا الغلط والنسيان زعم بعض القدماء أنه لا يجوز في
الشعر، لانه يقع غالبا عن ترو وفكر. النوع الخامس عشر: اشتراطهم وجود الرابط في بعض
المواضع، وفقده في بعض، فالاول قد مضى مشروحا. والثانى الجملة المضاف إليها نحو
يوم قام زيد فأما قوله: 832 - وتخن ليلة لا يستطيع * نباحا بها الكلب إلا هريرا
وقوله: 833 - مضت سنة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان فنادر، وهذا الحكم خفى
على أكثر النحويين، والصواب في مثل قولك أعجبني يوم ولدت فيه تنوين اليوم، وجعل
الجملة بعده صفة له، وكذلك أجمع وما يتصرف منه في باب التوكيد، يجب تجريده من
ضمير المؤكد، وأما قولهم جاء
ص 593
القوم بأجمعهم فهو بضم الميم لا بفتحها، وهو جمع لقولك جمع، على حد قولهم فلس
وأفلس، والمعنى جاءوا بجماعتهم، ولو كان توكيدا لكانت الباء فيه زائدة مثلها في
قوله: 834 - هذا وجدكم الصغار بعينه * [لا أم لى إن كان ذاك ولا أب] فكان يصح
إسقاطها. النوع السادس عشر: اشتراطهم لبناء بعض الاسماء أن تقطع عن الاضافة كقبل
وبعد وغير، ولبناء بعضها أن تكون مضافة، وذلك أي الموصولة، فإنها لا تبنى إلا إذا
أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا نحو (أيهم أشد). ومن الوهم في ذلك قول ابن
الطراوة (هم أشد) مبتدأ وخبر، وأى مبنية مقطوعة عن الاضافة، وهذا مخالف لرسم المصحف
ولاجماع النحويين.
الجهة السابعة: أن يحمل كلاما على شيء، ويشهد استعمال آخر
في نظير ذلك الموضع بخلافه 
وله أمثلة: أحدها: قول الزمخشري في (مخرج الميت من
الحى) إنه عطف على (فالق الحب والنوى) ولم يجعله معطوفا على (يخرج الحى من الميت)،
لان عطف الاسم على الاسم أولى، ولكن مجئ قوله تعالى (يخرج الحى من الميت ويخرج
الميت من الحى) بالفعل فيهما يدل على خلاف ذلك. الثاني: قول مكى وغيره في قوله
تعالى (ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا): إن جملة (يضل) صفة لمثلا أو
مستأنفة، والصواب الثاني، لقوله تعالى في سورة المدثر (ماذا أراد الله بهذا مثلا
كذلك يضل الله من يشاء). الثالث: قول بعضهم في (ذلك الكتاب لا ريب): إن الوقف هنا
على (ريب) ويبتدئ (فيه هدى) ويدل على خلاف ذلك قوله تعالى في سورة السجدة (ألم
تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).
ص 594
الرابع: قول بعضهم في (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور): إن الرابط الاشارة،
وإن الصابر والغافر جعلا من عزم الامور مبالغة، والصواب أن الاشارة للصبر والغفران،
بدليل (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور) ولم يقل إنكم. الخامس: قولهم في
(أين شركائي الذين كنتم تزعمون): إن التقدير تزعمونهم شركاء، والاولى أن يقدر
تزعمون أنهم شركاء، بدليل (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) ولان
الغالب على زعم أن لا يقع على المفعولين صريحا، بل على أن وصلتها، ولم يقع في
التنزيل إلا كذلك. ومثله في هذا الحكم تعلم كقوله: 835 - تعلم رسول الله أنك
مدركى * [وأن وعيدا منك كالاخذ باليد] ومن القليل فيهما قوله: 836 - زعمتني شيخا
ولست بشيخ * [إنما الشيخ من يدب دبيبا] وقوله: 837 - تعلم شفاء النفس قهر عدوها *
[فبالغ بلطف في التحيل والمكر] وعكسهما في ذلك هب بمعنى ظن، فالغالب تعديه إلى صريح
المفعولين كقوله: 838 - فقلت: أجرني أبا خالد، * وإلا فهبني امرأ هالكا ووقوعه على
أن وصلتها نادر، حتى زعم الحريري أن قول الخواص هب أن زيدا قائم لحن، وذهل عن
قول القائل هب أن أبانا كان حمارا ونحوه. السادس: قولهم في (سواء عليهم
أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) إن (لا يؤمنون) مستأنف، أو خبر لان، وما بينهما
اعتراض، والاولى الاول، بدليل (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).
السابع: قولهم في نحو (وما ربك بظلام) (وما الله بغافل): إن المجرور في
ص 595
موضع نصب أو رفع على الحجازية والتميمية، والصواب الاول، لان الخبر بعد ما لم
يجئ في التنزيل مجردا من الباء إلا وهو منصوب نحو (ما هن أمهاتهم) (ما هذا بشرا).
الثامن: قول بعضهم في (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله): إن اسم الله سبحانه
وتعالى مبتدأ أو فاعل، أي الله خلقهم أو خلقهم الله. والصواب الحمل على الثاني،
بدليل (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم). التاسع:
قول أبى البقاء في (أفمن أسس بنيانه على تقوى) إن الظرف حال أي على قصد تقوى، أو
مفعول أسس، وهذا الوجه هو المعتمد عليه عندي، لتعينه في (لمسجد أسس على التقوى).
تنبيه - وقد يحتمل الموضع أكثر من وجه، ويوجد ما يرجح كلا منها، فينظر في أولاها
كقوله تعالى (فاجعل بيننا وبينك موعدا) فإن الموعد محتمل للمصدر، ويشهد له (لا
نخلفه نحن ولا أنت) وللزمان ويشهد له (قال موعدكم يوم الزينة) وللمكان ويشهد له
(مكانا سوى) وإذا أعرب (مكانا) بدلا منه لا ظرفا لتخلفه تعين ذلك.
الجهة
الثامنة: أن يحمل المعرب على شيء، وفى ذلك الموضع ما يدفعه 
وهذا أصعب من الذى قبله،
وله أمثلة: أحدها: قول بعضهم في (إن هذان لساحران): إنها إن واسمها، أي إن القصة،
وذان: مبتدأ، وهذا يدفعه رسم إن منفصلة، وهذان متصلة. والثانى: قول الاخفش وتبعه
أبو البقاء في (ولا الذين يموتون وهم كفار): إن اللام للابتداء، والذين: مبتدأ،
والجملة بعده خبره، ويدفعه أن الرسم (ولا) وذلك يقتضى أنه مجرور بالعطف على (الذين
يعملون السيئات) لا مرفوع بالابتداء، والذى
ص 596
حملهما على الخروج عن ذلك الظاهر أن من الواضح أن الميت على الكفر لا توبة له لفوات
زمن التكليف ويمكن أن يدعى لهما أن الالف [في لا] زائدة كالالف في (لا أذبحنه)
فإنها زائدة في الرسم، وكذا في (لا أوضعوا) والجواب أن هذه الجملة لم تذكر ليفاد
معناها بمجرده، بل ليسوى بينها وبين ما قبلها، أي أنه لا فرق في عدم الانتفاع
بالتوبة بين من أخرها إلى حضور الموت وبين من مات على الكفر، كما نفى الاثم عن
المتأخر في (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) مع أن حكمه
معلوم، لانه آخذ بالعزيمة، بخلاف المتعجل فإنه آخذ بالرخصة، على معنى يستوى في عدم
الاثم من يتعجل ومن لم يتعجل، وحمل الرسم على خلاف الاصل مع إمكانه غير سديد.
والثالث: قول ابن الطراوة في (أيهم أشد) هم أشد: مبتدأ وخبر، وأى مضافة لمحذوف،
ويدفعه رسم أيهم متصلة، وأن أيا إذا لم تضف أعربت باتفاق. والرابع: قول بعضهم في
(وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون): إن هم الاولى ضمير رفع مؤكد للواو، والثانية كذلك
أو مبتدأ وما بعده خبره، والصواب أن هم مفعول فيهما، لرسم الواو بغير ألف بعدها،
ولان الحديث في الفعل لا في الفاعل، إذ المعنى إذا أخذوا من الناس أستوفوا، وإذا
أعطوهم أخسروا، وإذا جعلت الضمير للمطففين صار معناه إذا أخذوا استوفوا وإذا تولوا
الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر، لان الحديث في الفعل لا في
المباشر. الخامس: قول مكى وغيره في قوله تعالى (ذلك هو الفضل الكبير، جنات عدن
يدخلونها) إن جنات بدل من الفضل، والاولى أنه مبتدأ، لقراءة بعضهم بالنصب على حد
زيدا ضربته . السادس: قول كثير من النحويين في قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان إلا من اتبعك): إنه دليل على جواز استثناء الاكثر من الاقل، والصواب
ص 597
أن المراد بالعباد المخلصون لا عموم المملوكين، وأن الاستثناء منقطع، بدليل سقوطه
في آية سبحان (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وكفى بربك وكيلا) ونظيره المثال الآتى.
السابع: قول الزمخشري في (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك): إن من نصب قدر الاستثناء
من (فأسر بأهلك) ومن رفع قدره من (ولا يلتفت منكم أحد) ويرد باستلزامه تناقض
القراءتين، فإن المرأة تكون مسرى بها على قراءة الرفع، وغير مسرى بها على قراءة
النصب، وفيه نظر، لان إخراجها من جملة النهى لا يدل على أنها مسرى بها، بل على أنها
معهم، وقد روى أنها تبعتهم، وأنها التفتت فرأت العذاب فصاحت فأصابها حجر فقتلها،
وبعد فقول الزمخشري في الآية خلاف الظاهر، وقد سبقه غيره إليه، والذى حملهم على ذلك
أن النصب قراءة الاكثرين، فإذ قدر الاستثناء من (أحد) كانت قراءتهم على الوجه
المرجوح، وقد التزم بعضهم جواز مجئ قراءة الاكثر على ذلك، مستدلا بقوله تعالى (إنا
كل شئ خلقناه بقدر) فإن النصب فيها عند سيبويه على حد قولهم زيدا ضربته ولم ير
خوف إلباس المفسر بالصفة مرجحا كما رآه بعض المتأخرين وذلك لانه يرى في نحو خفت
بالكسر و طلت بالضم، أنه محتمل لفعلى الفاعل والمفعول، ولا خلاف أن نحو تضار
محتمل لهما، وأن نحو مختار محتمل لوصفهما، وكذلك نحو مشترى في النسب،
وقال الزجاج في (فما زالت تلك دعواهم): إن النحويين يجيزون كون الاول اسما والثانى
خبرا والعكس، وممن ذكر الجواز فيهما الزمخشري، قال ابن الحاج: وكذا نحو ضرب موسى
عيسى كل من الاسمين محتمل للفاعلية والمفعولية، والذى التزم فاعلية الاول إنما هو
بعض المتأخرين، والالباس واقع في العربية، بدليل أسماء الاجناس والمشتركات. اه.
ص 598
والذى أجزم به أن قراءة الاكثرين لا تكون مرجوحة، وأن الاستثناء في الآية من جملة
الامر على القراءتين، بدليل سقوط (ولا يلتفت منكم أحد) في قراءة ابن مسعود، وأن
الاستثناء منقطع بدليل سقوطه في آية الحجر، ولان المراد بالاهل المؤمنون وإن لم
يكونوا من أهل بيته، لا أهل بيته وإن لم يكونوا مؤمنين، ويؤيده ما جاء في ابن نوح
عليه السلام (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) ووجه الرفع أنه على
الابتداء، وما بعده الخبر، والمستثنى الجملة ونظيره (لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى
وكفر، فيعذبه الله) واختار أبو شامة ما اخترته من أن الاستثناء منقطع، ولكنه قال:
وجاء النصب على اللغة الحجازية والرفع على التميمية، وهذا يدل على أنه جعل
الاستثناء من جملة النهى وما قدمته أولى، لضعف اللغة التميمية، ولما قدمت من سقوط
جملة النهى في قراءة ابن مسعود حكاها أبو عبيدة وغيره.
الجهة التاسعة: أن لا يتأمل
عند وجود المشتبهات 
ولذلك أمثلة: أحدها: نحو زيد أحصى ذهنا، وعمرو أحصى مالا
فإن الاول على أن أحصى اسم تفضيل، والمنصوب تمييز مثل أحسن وجها والثانى على أن
أحصى فعل ماض، والمنصوب مفعول مثل (أحصى كل شيء عددا). ومن الوهم قول بعضهم في (أحصى
لما لبثوا أمدا): إنه من الاول، فإن الامد ليس محصيا بل محصى، وشرط التمييز المنصوب
بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى ك زيد أكثر مالا بخلاف مال زيد أكثر مال .
الثاني: نحو زيد كاتب شاعر فإن الثاني خبر أو صفة للخبر، ونحو زيد رجل صالح
فإن الثاني صفة لا غير، لان الاول لا يكون خبرا على انفراده لعدم الفائدة ومثلهما
زيد عالم يفعل الخير وزيد رجل يفعل الخير وزعم الفارسى أن الخبر
ص 599
لا يتعدد مختلفا بالافراد والجملة، فيتعين عنده كون الجملة الفعلية صفة فيهما،
والمشهور فيهما الجواز، كما أن ذلك جائز في الصفات، وعليه قول بعضهم في (فإذا هم
فريقان يختصمون): إن يختصمون خبر ثان أو صفة، ويحتمل الحالية أيضا، أي فإذا هم
مفترقون مختصمين، وأوجب الفارسى في (كونوا قردة خاسئين) كون خاسئين خبرا ثانيا، لان
جمع المذكر السالم لا يكون صفة لما لا يعقل. الثالث: رأيت زيدا فقيها، ورأيت
الهلال طالعا فإن رأى في الاول علمية، وفقيها مفعول ثان، وفى الثاني بصرية،
وطالعا حال، وتقول، تركت زيدا عالما فإن فسرت تركت بصيرت فعالما مفعول ثان، أو
بخلفت فحال، وإذا حمل قوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) على الاول فالظرف
ولا يبصرون مفعول ثان، وتكرر كما يتكرر الخبر، أو الظرف مفعول ثان والجملة بعده
حال، أو بالعكس، وإن حمل على الثاني فحالان. الرابع: (اغترف غرفة بيده) إن فتحت
الغين فمفعول مطلق، أو ضممتها فمفعول به، ومثلهما حسوت حسوة، وحسوة .
الجهة
العاشرة: أن يخرج على خلاف الاصل، أو على خلاف الظاهر لغير مقتض 
كقول مكى في (لا
تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذى) الآية إن الكاف نعت لمصدر محذوف، أي إبطالا
كالذى، ويلزمه أن يقدر إبطالا كإبطال إنفاق الذى ينفق، والوجه أن يكون (كالذى) حالا
من الواو، أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذى ينفق، فهذا الوجه لا حذف فيه. وقول بعض
العصريين في قول ابن الحاجب الكلمة لفظ أصله الكلمة هي لفظ، ومثله قول ابن
عصفور في شرح الجمل: إنه يجوز في زيد هو الفاصل أن
ص 600
يحذف، مع قوله وقول غيره: إنه لا يجوز حذف العائد في نحو جاء الذى هو في الدار
لانه لا دليل حينئذ على المحذوف، ورده على من قال في بيت الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد
الله نعمتهم * إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر [120] إن بشر مبتدأ، ومثلهم: نعت لمكان
محذوف خبره، أي وإذ ما بشر مكانا مثل مكانهم، بأن مثلا لا يختص بالمكان، فلا دليل
حينئذ، وكقول الزمخشري في قوله: لا نسب اليوم ولا خلة * [اتسع الخرق على الراقع]
[375] إن النصب بإضمار فعل، أي ولا أرى، وإنما النصب مثله في لا حول ولا قوة
وقول الخليل في قوله: ألا رجلا جزاه الله خيرا * [يدل على محصلة تبيت] [103] إن
التقدير ألا ترونى رجلا مع إمكان أن يكون من باب الاشتغال، وهو أولى من تقدير
فعل غير مذكور، وقد يجاب عن هذا بثلاثة أمور: أحدها: أن رجلا نكرة، وشرط المنصوب
على الاشتغال أن يكون قابلا للرفع بالابتداء، ويجاب بأن النكرة هنا موصوفة بقوله: *
يدل على محصلة تبيت * الثاني: أن نصبه على الاشتغال يستلزم الفصل بالجملة المفسرة
بين الموصوف والصفة، ويجاب بأن ذلك جائز كقوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد).
الثالث: أن طلب رجل هذه صفته أهم من الدعاء له، فكان الحمل عليه أولى. وأما قول
سيبويه في قوله: اليت حب العراق الدهر أطعمه * [والحب يأكله في القرية السوس] [139]
ص 601
إن أصله آليت على حب العراق، مع إمكان جعله على الاشتغال وهو قياسي، بخلاف حذف
الجار، فجوابه أن أطعمه بتقدير لا أطعمه، ولا النافية في جواب القسم لها الصدر،
لحلولها محل أدوات الصدور، كلام الابتداء وما النافية، وماله الصدر لا يعمل ما بعده
فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملا. وإنما قال في (قل اللهم فاطر السموات
والارض): إنه على تقدير يا ، ولم يجعله صفة على المحل، لان عنده أن اسم الله
سبحانه وتعالى لما اتصل به الميم المعوضة عن حرف النداء أشبه الاصوات، فلم يجز
نعته. وإنما قال في قوله: 839 - اعتاد قلبك من سلمى عوائده * وهاج أحزانك المكنونة
الطلل ربع قواء أذاع المعصرات به * وكل حيران سار ماؤه خضل إن التقدير: هو ربع، ولم
يجعله على البدل من الطلل، لان الربع أكثر منه، فكيف يبدل الاكثر من الاقل ؟ ولئلا
يصير الشعر معيبا لتعلق أحد البيتين بالآخر، إذ البدل تابع للمبدل منه، ويسمى ذلك
علماء القوافى تضمينا، ولان أسماء الديار قد كثر فيها أن تحمل على عامل مضمر، يقال:
دارمية، وديار الاحباب، رفعا بإضمار هي، ونصبا بإضمار اذكر، فهذا موضع ألف فيه
الحذف. وإنما قال الاخفش في ما أحسن زيدا إن الخبر محذوف بناء على أن ما
معرفة موصولة أو نكرة موصوفة، وما بعدها صلة أو صفة، مع أنه إذا قدر ما نكرة
تامة والجملة بعدها خبرا - كما قال سيبويه - لم يحتج إلى تقدير
ص 602
خبر، لانه رأى أن ما التامة غير ثابتة أو غير فاشية، وحذف الخبر فاش، فترجح
عنده الحمل عليه. وإنما أجاز كثير من النحويين في نحو قولك نعم الرجل زيد كون
زيد خبرا لمحذوف مع إمكان تقديره مبتدأ والجملة قبله خبرا، لان نعم وبئس موضوعان
للمدح والذم العامين، فناسب مقامهما الاطناب بتكثير الجمل، ولهذا يجيزون في نحو
(هدى للمتقين الذين يؤمنون) أن يكون (الذين) نصبا بتقدير أمدح، أو رفعا بتقديرهم،
مع إمكان كونه صفة تابعة، على أن التحقيق الجزم بأن المخصوص مبتدأ وما قبله خبر،
وهو اختيار ابن خروف وابن الباذش، وهو ظاهر قول سيبويه: وأما (1) قولهم نعم الرجل
عبد الله فهو بمنزلة ذهب أخوه عبد الله، مع قوله: وإذا قال عبد الله نعم
الرجل فهو بمنزلة عبد الله ذهب أخوه فسوى بين تأخير المخصوص وتقديمه، والذى
غر أكثر النحويين أنه قال: كأنه قال نعم الرجل فقيل له: من هو: فقال: عبد الله،
ويرد عليهم أنه قال أيضا: وإذا قال عبد الله فكأنه قيل له: ما شأنه: فقال: نعم
الرجل، فقال مثل ذلك مع تقدم المخصوص، وإنما أراد أن تعلق المخصوص بالكلام تعلق
لازم، فلا تحصل الفائدة إلا بالمجموع قدمت أو أخرت، وجوز ابن عصفور في المخصوص
المؤخر أن يكون مبتدأ حذف خبره، ويرده أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إن سد شئ مسده،
وذلك وارد على الاخفش في ما أحسن زيدا . وأما قول الزمخشري في قول الله عزوجل:
(قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر): إنه يجوز أن يكون
تقديره: هو في آذانهم وقر، فحذف المبتدأ، أو في آذانهم منه وقر، والجملة خبر للذين،
مع