لم يناسب فعل النهى الذى جعل دليلا عليه، وإن قدر منفيا - أي فلا تدن فسد المعنى،
بخلاف لا تدن من الاسد تسلم فإن الشرط المقدر منفى، وذلك صحيح في المعنى
والصناعة، ولك أن تجيب عن الجمهور بأن الخبر إذا كان مجهولا وجب أن يجعل نفس المخبر
عنه عند الجميع في باب لولا، وعند تميم في باب لا، فيقال لولا قيام زيد و لا
قيام أي موجود، ولا يقال لولا زيد ولا لا رجل ويراد قائم، لئلا يلزم
المحذور المذكور، وأما لولا قومك حديثو عهد فلعله مما يروى بالمعنى، وعن
الكسائي في إجازته الجزم بأنه يقدر الشرط مثبتا مدلولا عليه بالمعنى لا باللفظ،
ترجيحا للقرينة المعنوية على القرينة اللفظية، وهذا وجه حسن إذا كان المعنى مفهوما.
تنبيهان أحدهما: أن دليل الحذف نوعان، أحدهما: غير صناعي، وينقسم إلى حالى ومقالى
كما تقدم، والثانى: صناعي، وهذا يختص بمعرفته النحويون، لانه إنما عرف من جهة
الصناعة، وذلك كقولهم في قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) إن التقدير: لانا أقسم،
وذلك لان فعل الحال لا يقسم عليه في قول البصريين، وفى قمت وأصك عينه إن
التقدير: وأنا أصك، لان واو الحال لا تدخل على المضارع المثبت الخالى من قد، وفى
إنها لابل أم شاء إن التقدير: أم هي شاء، لان أم المنقطعة لا تعطف إلا الجمل، وفى
قوله: 840 - إن من لام في بنى بنت حسا * ن ألمه وأعصه في الخطوب إن التقدير: إنه أي
الشأن، لان [اسم] الشرط لا يعمل فيه ما قبله، ومثله قول المتنبي: وما كنت ممن يدخل
العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق [483] وفى (ولكن رسول الله) إن التقدير: ولكن
كان رسول الله، لان ما بعد
ص 606
لكن ليس معطوفا بها لدخول الواو عليها، ولا بالواو لانه مثبت وما قبلها منفى، ولا
يعطف بالواو مفرد على مفرد إلا وهو شريكه في النفى والاثبات، فإذا قدر ما بعد الواو
جملة صح تخالفهما كما تقول ما قام زيد وقام عمرو وزعم سيبويه في قوله: 841 -
ولست بحلال التلاع مخافة * ولكن متى يسترفد القوم أرفد (1) أن التقدير: ولكن أنا،
ووجهوه بأن لكن تشبه الفعل فلا تدخل عليه وبيان كونها داخلة عليه أن متى منصوبة
بفعل الشرط، فالفعل مقدم في الرتبة عليه. ورده الفارسى بأن المشبه بالفعل هو لكن
المشددة لا المخففة، ولهذا لم تعمل المخففة لعدم اختصاصها بالاسماء، وقيل: إنما
يحتاج إلى التقدير إذا دخلت عليها الواو، لانها حينئذ تخلص لمعناها، وتخرج عن
العطف. التنبيه الثاني - شرط الدليل اللفظى أن يكون طبق المحذوف، فلا يجوز زيد
ضارب وعمرو أي ضارب، وتريد بضارب المحذوف معنى يخالف المذكور: بأن يقدر أحدهما
بمعنى السفر من قوله تعالى (وإذا ضربتم في الارض) والآخر بمعنى الايلام المعروف،
ومن ثم أجمعوا على جواز زيد قائم وعمرو، وإن زيدا قائم وعمرو وعلى منع ليت
زيدا قائم وعمرو وكذا في لعل وكأن، لان الخبر المذكور متمنى أو مترجى أو مشبه به،
والخبر المحذوف ليس كذلك، لانه خبر المبتدأ. فإن قلت: فكيف تصنع بقوله تعالى (إن
الله وملائكته يصلون على النبي) في قراءة من رفع. وذلك محمول عند البصريين على
الحذف من الاول لدلالة الثاني، أي إن الله يصلى وملائكته يصلون. وليس عطفا على
الموضع ويصلون خبرا عنهما،
(هامش)
(1) وقع في جميع النسخ المطبوعة ولست بحلال التلال - إلخ . (*)
ص 607
لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار، والمحذوفة
بمعنى الرحمة، وقال الفراء في قوله تعالى (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى
قادرين) إن التقدير: بلى ليحسبنا قادرين، والحسبان المذكور بمعنى الظن، والمحذوف
بمعنى العلم، إذ التردد في الادعاء كفر، فلا يكون مأمورا به، وقال بعض العلماء في
بيت الكتاب: 842 - لن تراها - ولو تأملت - لا * ولها في مفارق الرأس طيبا إن ترى
المقدرة الناصبة لطيبا قلبية لا بصرية، لئلا يقتضى كون الموصوفة مكشوفة الرأس،
وإنما تمدح النساء بالخفر والتصون، لا بالتبذل، مع أن رأى المذكورة بصرية ؟ ؟. قلت:
الصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد، وهو العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله
سبحانه وتعالى الرحمة وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض، وأما
قول الجماعة فبعيد من جهات، إحداها: اقتضاؤه الاشتراك والاصل عدمه لما فيه من
الالباس، حتى إن قوما نفوه، ثم المثبتون له يقولون: متى عارضه غيره مما يخالف الاصل
كالمجاز قدم عليه، الثانية: أنا لا نعرف في العربية فعلا واحدا يختلف معناه باختلاف
المسند إليه إذا كان الاسناد حقيقيا، والثالثة: أن الرحمة فعلها متعد والصلاة فعلها
قاصر، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدى، والرابعة: أنه لو قيل مكان صلى عليه دعا
عليه انعكس المعنى، وحق المترادفين صحة حلول كل منهما محل الآخر. وأما آية القيامة
فالصواب فيها قول سيبويه إن (قادرين) حال، أي بلى نجمعها قادرين، لان فعل الجمع
أقرب من فعل الحسبان، ولان بلى إيجاب للمنفى وهو في الآية فعل الجمع، ولو سلم قول
الفراء فلا يسلم أن الحسبان في الآية ظن، بل اعتقاد وجزم، وذلك لافراط كفرهم.
ص 608
وأما قول المعرب في البيت فمردود، وأحوال الناس في اللباس والاحتشام مختلفة، فحال
أهل المدر يخالف حال أهل الوبر، وحال أهل الوبر مختلف، وبهذا أجاب الزمخشري عن
إرسال شعيب عليه الصلاة والسلام ابنتيه لسقى الماشية، وقال: العادات في مثل ذلك
متباينة، وأحوال العرب خلاف أحوال العجم. الشرط الثاني: أن لا يكون ما يحذف كالجزء،
فلا يحذف الفاعل ولا نائبه ولا مشبهه، وقد مضى الرد على ابن مالك في مرفوع أفعال
الاستثناء، وقال الكسائي وهشام والسهيلى في نحو ضربني وضربت زيدا : إن الفاعل
محذوف لا مضمر، وقال ابن عطية في (بئس مثل القوم الذين كذبوا): إن التقدير بئس
المثل مثل القوم، فإن أراد أن الفاعل لفظ المثل محذوفا فمردود، وإن أراد تفسير
المعنى وأن في بئس ضمير المثل مستترا فأين تفسيره، وهذا لازم للزمخشري فإنه قال في
تقديره: بئس مثلا ! وقد نص سيبويه على أن تمييز فاعل نعم وبئس لا يحذف، والصواب أن
(مثل القوم) فاعل، وحذف المخصوص، أي مثل هؤلاء، أو مضاف: أي مثل الذين كذبوا، ولا
خلاف في جواز حذف الفاعل مع فعله نحو (قالوا خيرا) و يا عبد الله و زيدا
ضربته . الثالث: أن لا يكون مؤكدا، وهذا الشرط أول من ذكره الاخفش، منع في نحو
الذى رأيت زيد أن يؤكد العائد المحذوف بقولك نفسه ، لان المؤكد مريد للطول،
والحاذف مريد للاختصار، وتبعه الفارسى، فرد في كتاب الاغفال قول الزجاج في (إن هذان
لساحران) إن التقدير: إن هذان لهما ساحران، فقال: الحذف والتوكيد باللام متنافيان،
وتبع أبا على أبو الفتح، فقال في الخصائص: لا يجوز الذى ضربت نفسه زيد كما لا
يجوز إدغام نحو اقعنسس، لما فيهما جميعا من نقض الغرض [وهو الالحاق باحر نجم]
وتبعهم ابن مالك فقال: لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكد ك ضربت ضربا لان
المقصود به تقوية عامله وتقرير معناه، والحذف مناف لذلك، وهؤلاء كلهم مخالفون
ص 609
للخليل وسيبويه أيضا، فإن سيبويه سأل الخليل عن نحو مررت بزيد وأتانى أخوه
أنفسهما كيف ينطق بالتوكيد ؟ فأجابه بأنه يرفع بتقدير: هما صاحباى أنفسهما، وينصب
بتقدير: أعنيهما أنفسهما، ووافقهما على ذلك جماعة، واستدلوا بقول العرب: إن محلا
وإن مرتجلا * [وإن في السفر إذ مضوا مهلا] [121] و إن مالا وإن ولدا فحذفوا
الخبر مع أنه مؤكد بإن، وفيه نظر، فإن المؤكد نسبة الخبر إلى الاسم، لا نفس الخبر،
وقال الصفار: إنما فر الاخفش من حذف العائد في نحو الذى رأيته نفسه زيد لان
المقتضى للحذف الطول، ولهذا لا يحذف في نحو الذى هو قائم زيد فإذا فروا من
الطول فكيف يؤكدون ؟ وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافى بينهما، لان المحذوف
لدليل كالثابت، ولبدر الدين بن مالك مع والده في المسألة بحث أجاد فيه. الرابع: أن
لا يؤدى حذفه إلى اختصار المختصر، فلا يحذف اسم الفعل دون معموله، لانه اختصار
للفعل، وأما قول سيبويه في زيدا فاقتله وفى شأنك والحج وقوله: 843 - يا
أيها المائح، دلوى دونكا * [إنى رأيت الناس يحمدونكا] [ص 618] إن التقدير: عليك
زيدا، وعليك الحج، ودونك دلوى، فقالوا: إنما أراد تفسير المعنى لا الاعراب، وإنما
التقدير خذ دلوى، والزم زيدا، والزم الحج، ويجوز في دلوى أن يكون مبتدأ ودونك خبره.
الخامس: أن لا يكون عاملا ضعيفا، فلا يحذف الجار والجازم والناصب للفعل، إلا في
مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل، ولا يجوز القياس عليها.
السادس: أن لا يكون عوضا عن شئ، فلا تحذف ما في أما أنت
ص 610
منطلقا انطلقت ولا كلمة لا من قولهم افعل هذا إما لا ولا التاء من عدة وإقامة
واستقامة، فأما قوله تعالى (وإقام الصلاة) فمما يجب الوقوف عنده، ومن هنا لم يحذف
خبر كان لانه عوض أو كالعوض من مصدرها، ومن ثم لا يجتمعان، ومن هنا قال ابن مالك:
إن العرب لم تقدر أحرف النداء عوضا من أدعو وأنادي، لاجازتهم حذفها. السابع
والثامن: أن لا يؤدى حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، ولا إلى إعمال العامل
الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوى، وللامر الاول منع البصريون حذف المفعول الثاني
من نحو ضربني وضربته زيد لئلا يتسلط على زيد ثم يقطع عنه برفعه بالفعل الاول،
ولاجتماع الامرين امتنع عند البصريين أيضا حذف المفعول في نحو زيد ضربته لان في
حذفه تسليط ضرب على العمل في زيد مع قطعه عنه، وإعمال الابتداء مع التمكن من إعمال
الفعل، ثم حملوا على ذلك زيد ما ضربته، أو هل ضربته فمنعوا الحذف وإن لم يؤد
إلى ذلك، وكذلك منعوا رفع رأسها في أكلت السمكة حتى رأسها إلا أن يذكر الخبر،
فتقول: مأكول، ولاجتماعهما مع الالباس منع الجميع تقديم الخبر في نحو زيد قام
ولانتفاء الامرين جاز عند البصريين وهشام تقديم معمول الخبر على المبتدأ في نحو
زيد ضرب عمرا وإن لم يجز تقديم الخبر، فأجاروا زيدا أجله أحرز وقال البصريون
في قوله: 844 - [قنافذ هداجون حول بيوتهم] * بما كان إياهم عطية عودا إن عطية
مبتدأ، وإياهم مفعول عود، والجملة خبر كان، واسمها ضمير الشأن، وقد تخفي هذه النكتة
على ابن عصفور فقال: هربوا من محذور - وهو أن يفصلوا بين كان واسمها بمعمول خبرها -
فوقعوا في محذور آخر، وهو تقديم معمول الخبر حيث لا يتقدم خبر المبتدأ، وقد بينا أن
امتناع تقديم الخبر في ذلك لمعنى مفقود في
ص 611
تقديم معموله، وهذا بخلاف علة امتناع تقديم المفعول على ما النافية في نحو ما
ضربت زيدا فإنه لنفس العلة المقتضية لامتناع تقديم الفعل عليها، وهو وقوع ما
النافية [فيه] حشوا. تنبيه - ربما خولف مقتضى هذين الشرطين أو أحدهما في ضرورة أو
قليل من الكلام. فالاول كقوله: 845 - وخالد يحمد ساداتنا * [بالحق، لا يحمد
بالباطل] وقوله: [قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا] كله لم أصنع [332] وقيل: هو
في صيغ العموم أسهل، ومنه قراءة ابن عامر (وكل وعد الله الحسنى). والثانى كقوله:
846 - بعكاظ يعشى الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه فإن فيه تهيئة لمحوا للعمل في
شعاعه مع قطعه عن ذلك بإعمال يعشى فيه، وليس فيه إعمال ضعيف دون قوى، وذكر
ابن مالك في قوله: عممتهم بالندى حتى غواتهم * فكنت مالك ذى غى وذى رشد [198] إنه
يروى غواتهم بالاوجه الثلاثة، فإن ثبتت رواية الرفع فهو من الوارد في النوع
الاول في الشذوذ، إذ لا ضرورة تمنع من الجر والنصب، وقد رويا. بيان أنه قد يظن أن
الشيء من باب الحذف، وليس منه جرت عادة النحويين أن يقولوا: يحذف المفعول اختصارا
واقتصارا، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل، وبالاقتصار الحذف لغير دليل، ويمثلونه
بنحو
ص 612
(كلوا واشربوا) أي أوقعوا هذين الفعلين، وقول العرب فيما يتعدى إلى اثنين من يسمع
يخل أي تكن منه خيلة. والتحقيق أن يقال: إنه تارة يتعلق الغرض بالاعلام بمجرد
وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه أو من أوقع عليه، فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون
عام، فيقال: حصل حريق أو نهب. وتارة يتعلق بالاعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل،
فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول، ولا ينوى، إذ المنوي كالثابت، ولا يسمى محذوفا،
لان الفعل ينزل لهذا القصد منزلة مالا مفعول له، ومنه (ربى الذى يحيى ويميت) (هل
يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (وإذا رأيت ثم)
إذ المعنى ربى الذى يفعل الاحياء والاماتة، وهل يستوى من يتصف بالعلم ومن ينتفى عنه
العلم، وأوقعوا الاكل والشرب، وذروا الاسراف، وإذا حصلت منك رؤية هنالك، ومنه على
الاصح (ولما ورد ماء مدين) الآية، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام إنما رحمهما إذ
كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقى، لا لكون مذودهما غنما ومسقيهم إبلا، وكذلك
المقصود من قولهما (نسقى) السقى، لا المسقى، ومن لم يتأمل قدر: يسقون إبلهم،
وتذودان غنمهما ولا نسقى غنمنا. وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله،
فيذكران نحو (لا تأكلوا الربا) (ولا تقربوا الزنا) وقولك ما أحسن زيدا وهذا
النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل: محذوف، نحو (ما ودعك ربك وما قلى) وقد يكون في اللفظ
ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره، نحو (أهذا الذى بعث الله رسولا) (وكل وعد
الله الحسنى) و: [حميت حمى تهامة بعد نجد] * وما شئ حميت بمستباح [745]
ص 613
بيان مكان المقدر

القياس أن يقدر الشيء في مكانه الاصلى، لئلا يخالف الاصل من وجهين:
الحذف، ووضع الشيء في غير محله. فيجب أن يقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما
عليه، وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه، وقالوا: لانه يفيد الاختصاص حينئذ، وليس
كما توهموا، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الاصل، أو عند اقتضاء أمر معنوى لذلك. فالاول
نحو أيهم رأيته إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله، ونحو (وأما ثمود فهديناهم)
فيمن نصب، إذ لا يلى أما فعل، وكنا قدمنا في نحو في الدار زيد أن متعلق
الظرف يقدر مؤخرا عن زيد، لانه في الحقيقة الخبر، وأصل الخبر أن يتأخر عن المبتدأ،
ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدما لمعارضة أصل آخر، وهو أنه عامل في الظرف، وأصل
العامل أن يتقدم على المعمول، اللهم إلا أن يقدر المتعلق فعلا فيجب التأخير، لان
الخبر الفعلى لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا، وإذا قلت إن خلفك زيدا وجب
تأخير المتعلق، فعلا كان أو اسما، لان مرفوع إن لا يسبق منصوبها وإذا قلت كان
خلفك زيد جاز الوجهان، ولو قدرته فعلا، لان خبر كان يتقدم مع كونه فعلا على
الصحيح، إذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية. والثانى نحو متعلق باء البسملة
الشريفة، فإن الزمخشري قدره مؤخرا عنها، لان قريشا كانت تقول: باسم اللات والعزى
نفعل كذا، فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبودا لهم تفخيما لشأنه بالتقديم،
فوجب على الموحد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى فإنه الحقيق بذلك، ثم اعترض ب
(أقرأ باسم ربك) وأجاب بأنها أول سورة أنزلت، فكان تقديم الامر بالقراءة فيها أهم،
وأجاب عنه السكاكى بتقديرها متعلقة باقرأ الثاني. واعترضه بعض العصريين باستلزامه
الفصل بين المؤكد وتأكيده بمعمول المؤكد. وهذا سهو منه، إذ لا توكيد هنا، بل أمر
أولا بإيجاد القراءة، وثانيا بقراءة مقيدة، ونظيره (الذى خلق، خلق الانسان)
ص 614
ومثل هذا لا يسميه أحد توكيدا. ثم هذا الاشكال لازم له على قوله إن الباء متعلقة
باقرأ الاول لان تقييد الثاني إذا منع من كونه توكيدا فكذا تقييد الاول، ثم لو سلم
ففصل الموصوف من صفته بمعمول الصفة جائز باتفاق، ك - مررت برجل عمرا ضارب فكذا
في التوكيد، وقد جاء الفصل بين المؤكد والمؤكد في (ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن
كلهن) مع أنهما مفردان، والجمل أحمل للفصل، وقال الراجز: 847 - [يا ليتنى كنت صبيا
مرضعا * تحملني الذلفاء حولا أكتعا إذا بكيت قبلتني أربعا] * إذا ظللت الدهر أبكى
أجمعا تنبيه - ذكروا أنه إذا اعترض شرط على آخر نحو إن أكلت إن شربت فأنت طالق
فإن الجواب المذكور للسابق منهما، وجواب الثاني محذوف مدلول عليه بالشرط الاول
وجوابه، كما قالوا في الجواب المتأخر عن الشرط والقسم (1)، ولهذا قال محققو الفقهاء
في المثال المذكور: إنها لا تطلق حتى تقدم المؤخر وتؤخر المقدم، وذلك لان التقدير
حينئذ إن شربت فإن أكلت فأنت طالق، وهذا كله حسن، ولكنهم جعلوا منه قوله تعالى:
(ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) وفيه نظر، إذ لم
يتوال شرطان وبعدها بواب كما في المثال، وكما في قول الشاعر: 848 - إن تستغيثوا بنا
إن تذعروا تجدوا * منا معاقل عز زانها كرم وقول ابن دريد: 849 - فإن عثرت بعدها إن
وألت * نفسي من هاتا فقولا لالعا
(هامش)
(1) في نسخة عن القسم والشرط والخطب في ذلك سهل. (*)
ص 615
إذ الآية الكريمة لم يذكر فيها جواب، وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى
للشرط الاول، فينبغي أن يقدر إلى جانبه، ويكون الاصل: إن أردت أن أنصح لكم فلا
ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، وأما أن يقدر الجواب بعدهما ثم يقدر بعد
ذلك مقدما إلى جانب الشرط الاول فلا وجه له، والله أعلم.
بيان مقدار المقدر

ينبغى
تقليله ما أمكن، لتقل مخالفة الاصل. ولذلك كان تقدير الاخفش في ضربي زيدا قائما
ضربه قائما، أولى من تقدير باقى البصريين: حاصل إذا كان - أو إذ كان - قائما، لانه
قدر اثنين وقدروا خمسة، ولان التقدير من اللفظ أولى. وكان تقديره في أنت منى
فرسخان بعدك منى فرسخان، أولى من تقدير الفارسى: أنت منى ذو مسافة فرسخين، لانه
قدر مضافا لا يحتاج معه إلى تقدير شئ آخر يتعلق به الظرف، والفارسي قدر شيئين يحتاج
معهما إلى تقدير ثالث. وضعف قول بعضهم في (وأشربوا في قلوبهم العجل) إن التقدير: حب
عبادة العجل، والاولى تقدير الحب فقط. وضعف قول الفارسى ومن وافقه في (واللاء يئسن)
الآية: إن الاصل: واللاء لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، والاولى أن يكون الاصل: واللاء
لم يحضن كذلك. وكذلك ينبغى أن يقدر في نحو زيد صنع بعمرو جميلا وبخالد سوأ
ص 616
وبكر أي كذلك، ولا يقدر عين المذكور، تقليلا للمحذوف، ولان الاصل في الخبر
الافراد، ولانه لو صرح بالخبر لم يحسن إعادة ذلك المتقدم لثقل التكرار. ولك أن لا
تقدر في الآية شيئا البتة، وذلك بأن تجعل الموصول معطوفا على الموصول، فيكون الخبر
المذكور لهما معا، وكذا تصنع في نحو زيد في الدار وعمرو ، ولا يتأتى ذلك في
المثال السابق، لان إفراد فاعل الفعل يأباه، نعم لك أن تسلم فيه من الحذف، بأن تقدر
العطف على ضمير الفعل لحصول الفصل بينهما. فإن قلت: لو صح ما ذكرته في الآية
والمثال السابق لصح زيد قائمان وعمرو بتقدير: زيد وعمرو قائمان. قلت: إن سلم
منعه فلقبح اللفظ، وهو منتف فيما نحن بصدده، ولكن يشهد للجواز قوله: 850 - ولست
مقرا للرجال ظلامة * أبى ذاك عمى الاكرمان وخاليا وقد جوزوا في أنت أعلم وزيد
كون زيد مبتدأ حذف خبره، وكونه عطفا على أنت، فيكون خبرا عنهما. بيان كيفية التقدير
إذا استدعى الكلام تقدير أسماء متضايقة، أو موصوفة (1) وصفة مضافة، أو جار ومجرور
مضمر عائد على ما يحتاج إلى الرابط، فلا تقدر أن ذلك حذف دفعة واحدة، بل على
التدريج.
(هامش)
(1) في نسخة أو موصوف وصفة مضافة وكلمة موصوفة معطوفة بأو على كلمة
متضايفة . (*)
ص 617
فالاول نحو (كالذى يغشى عليه) أي كدوران عين الذى. والثانى كقوله: 851 - إذا قامتا
تضوع المسك منهما * نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل أي تضوعا مثل تضوع نسيم الصبا
والثالث كقوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) أي لا تجزى فيه، ثم
حذفت في فصار لا تجزيه، ثم حذف الضمير منصوبا لا مخفوضا، هذا قول الاخفش، وعن
سيبويه أنهما حذفا دفعة [واحدة] ونقل ابن الشجرى القول الاول عن الكسائي، واختاره،
قال: والثانى قول نحوى آخر، وقال أكثر أهل العربية منهم سيبويه والاخفش: يجوز
الامران، اه. وهو نقل غريب. ينبغى أن يكون المحذوف من لفظ المذكور مهما أمكن فيقدر
في ضربي زيدا قائما ضربه قائما، فإنه من لفظ المبتدأ وأقل تقديرا، دون إذ
كان، أو إذا كان ويقدر أضرب دون أهن في زيدا أضربه . فإن منع من تقدير
المذكور معنى أو صناعة قدر مالا مانع له، فالاول نحو زيدا اضرب أخاه يقدر فيه
أهن دون اضرب، فإن قلت زيدا أهن أخاه قدرت أهن. والثانى نحو زيدا امرر به
تقدر فيه جاوز دون أمور، لانه لا يتعدى بنفسه، نعم إن كان العامل مما يتعدى تارة
بنفسه وتارة بالجار نحو نصح في قولك زيدا نصحت له جاز أن يقدر نصحت زيدا، بل هو
أولى من تقدير غير الملفوظ به.
ص 618
ومما لا يقدر فيه مثل المذكور لمانع صناعي قوله: يا أيها المائح دلوى دونكا * [إنى
رأيت الناس يحمدونكا] [843] إذا قدر دلوى منصوبا فالمقدر خذ، لا دونك، وقد مضى،
وقوله: 852 - [أكر وأحمى للحقيقة منهم] * وأضرب منا بالسيوف القوانسا الناصب فيه
للقوانس فعل محذوف، لا اسم تفضيل محذوف، لانا فررنا بالتقدير من إعمال اسم التفضيل
المذكور في المفعول، فكيف يعمل فيه المقدر ؟ وقولك هذا معطى زيد أمس درهما
التقدير أعطاه، ولا يقدر اسم فاعل، لانك إنما فررت بالتقدير من إعمال اسم الفاعل
الماضي المجرد من أل، وقال بعضهم في قوله تعالى (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات
والذى فطرنا): إن لواو للقسم، فعلى هذا دليل الجواب المحذوف جملة النفى السابقة،
ويجب أن يقدر: والذى فطرنا لا نؤثرك، لان القسم لا يجاب بلن إلا في الضرورة كقول
أبى طالب: والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا [464] وقال
الفارسى ومتابعوه في (واللائى لم يحضن) التقدير: فعدتهن ثلاثة أشهر، وهذا لا يحسن
وإن كان ممكنا، لانه لو صرح به اقتضت الفصاحة أن يقال: كذلك، ولا تعاد الجملة
الثانية. إذا دار الامر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرا فأيهما أولى ؟ قال
الواسطي: الاولى كون المحذوف المبتدأ، لان الخبر محط الفائدة
ص 619
وقال العبدى: الاولى كونه الخبر، لان التجوز في أواخر الجملة أسهل، نقل القولين ابن
إياز. ومثال المسألة (فصبر جميل) أي: شأني صبر جميل، أو صبر جميل أمثل من غيره،
ومثله (طاعة معروفة) أي الذى يطلب منكم طاعة معلومة لا يرتاب فيها، لا إيمان
باللسان لا يواطئه القلب، أو طاعتكم معروفة، أي عرف أنها بالقول دون الفعل، أو طاعة
معروفة أمثل بكم من هذه الايمان الكاذبة. ولو عرض ما يوجب التعيين عمل به، كما في
نعم الرجل زيد على القول بأنهما جملتان، إذ لا يحذف الخبر وجوبا إلا إذا سد شئ
مسده، ومثله حبذا زيد إذا حمل على الحذف، وجزم كثير من النحويين في نحو عمرك
لافعلن و أيمن الله لافعلن بأن المحذوف الخبر، وجوز ابن عصفور كونه المبتدأ،
ولذلك لم يعده فيما يجب فيه حذف الخبر، لعدم تعينه عنده لذلك، قال: والتقدير إما
قسمي أيمن الله، أو أيمن الله قسم لى، اه. ولو تقدر أيمن الله قسمي، لم يمتنع، إذ
المعرفة المتأخرة عن معرفة يجب كونها الخبر على الصحيح. إذا دار الامر بين كون
المحذوف فعلا والباقى فاعلا وكونه مبتدأ والباقى خبرا، فالثاني أولى لان المبتدأ
عين الخبر، فالمحذوف عين الثابت، فيكون الحذف كلا حذف، فأما الفعل فإنه غير الفاعل.
اللهم إلا أن يعتضد الاول برواية أخرى في ذلك الموضع، أو بموضع آخر يشبهه، أو بموضع
آت على طريقته.
ص 620
فالاول كقراءة شعبة (يسبح له فيها) بفتح الباء، وكقراءة ابن كثير (وكذلك يوحى إليك
وإلى الذين من قبلك، الله العزيز الحكيم) بفتح الحاء، وكقراءة بعضهم (وكذلك زين
لكثير من المشركين قتل أولادهم، شركاؤهم) ببناء زين للمفعول، ورفع القتل والشركاء،
وكقوله: 853 - ليبك يزيد، ضارع لخصومه * [ومختبط مما تطيح الطوائح] (1) فيمن رواه
مبنيا للمفعول، فإن التقدير: يسبحه رجال، ويوحيه الله، وزينه شركاؤهم، ويبكيه ضارع،
ولا تقدر هذه المرفوعات مبتدآت حذفت أخبارها، لان هذه الاسماء قد ثبتت فاعليتها في
رواية من بنى الفعل فيهن للفاعل والثانى كقوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن
الله) فلا يقدر ليقولن الله خلقهم، بل خلقهم الله، لمجئ ذلك في شبه هذا الموضع،
وهو: (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم) وفى مواضع
آتية على طريقته نحو (قالت: من أنبأك هذا ؟ قال: نبأنى العليم الخبير) (قال: من
يحيى العظام وهى رميم ؟ قل: يحييها الذى أنشأها). إذا دار الامر بين كون المحذوف
أولا، أو ثانيا فكونه ثانيا أولى وفيه مسائل: إحداها: نون الوقاية في نحو
(أتحاجوني) و (تأمروني) فيمن قرأ بنون واحدة
(هامش)
(1) من العلماء من قال في هذا البيت: إن يزيد منادى بحرف نداء محذوف أي ليبك
ضارع يا يزيد. (*)
ص 621
وهو قول أبى العباس وأبى سعيد وأبى على وأبى الفتح وأكثر المتأخرين، وقال سيبويه
واختاره ابن مالك: إن المحذوف الاولى. الثانية: نون الوقاية مع نون الاناث في نحو
قوله: 854 - [تراه كالثغام يعل مسكا] * يسوء الفاليات إذا فلينى هذا هو الصحيح، وفى
البسيط أنه مجمع عليه، لان نون الفاعل لا يليق بها الحذف، ولكن في التسهيل أن
المحذوف الاولى، وأنه مذهب سيبويه. الثالثة: تاء الماضي مع تاء المضارع في نحو
(نارا تلظى) وقال أبو البقاء في قوله تعالى (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين)
يضعف كون (تولوا) فعلا مضارعا، لان أحرف المضارعة لا تحذف، اه. وهذا فاسد ؟ لان
المحذوف الثانية، وهو قول الجمهور، والمخالف في ذلك هشام الكوفى، ثم إن التنزيل
مشتمل على مواضع كثيرة من ذلك لاشك فيها نحو (نارا تلظى) (ولقد كنتم تمنون الموت).
الرابعة: نحو مقول ومبيع، المحذوف منهما واو مفعول، والباقى عين الكلمة، خلافا
للاخفش. الخامسة: نحو إقامة واستقامة، المحذوف منهما ألف الافعال والاستفعال
والباقى عين الكلمة، خلافا للاخفش أيضا. السادسة: نحو: يا زيد زيد اليعملات الذبل *
[تطاول الليل عليك فانزل] [698] بفتحهما، و: 855 - [يا من رأى عارضا أسر به] * بين
ذراعي وجبهة الاسد وهذا هو الصحيح، خلافا للمبرد. السابعة: نحو زيد وعمرو قائم
ومذهب سيبويه أن الحذف فيه من الاول لسلامته من الفصل، ولان فيه إعطاء الخبر
للمجاور، مع أن مذهبه في نحو
ص 622

* يا زيد زيد اليعملات * [698] أن الحذف من الثاني، قال ابن الحاجب: إنما اعترض
بالمضاف الثاني بين المتضايفين ليبقى المضاف إليه المذكور في اللفظ عوضا مما ذهب،
وأما هنا فلو كان قائم خبرا عن الاول لوقع في موضعه، إذ لا ضرورة تدعو إلى تأخيره،
إذ كان الخبر يحذف بلا عوض نحو زيد قائم وعمرو من غير قبح في ذلك، اه. وقيل
أيضا: كل من المبتدأين عامل في الخبر، فالاولى إعمال الثاني لقربه، ويلزم من هذا
التعليل أن يقال بذلك في مسألة الاضافة تنبيه - الخلاف إنما هو عند التردد، وإلا
فلا تردد في أن الحذف من الاول في قوله 856 - نحن بما عندنا، وأنت بما * عندك راض،
والرأى مختلف وقوله: خليلي هل طب ؟ فانى وأنتما * وإن لم تبوحا بالهوى دنفان [723]
ومن الثاني في قوله تعالى (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لا يأتون بمثله) إذ لو كان الجواب للثاني لجزم، فقلنا بذلك في نحو إن أكلت إن
شربت فأنت طالق وفى (فأما إن كان من المقربين فروح) ونحو (ولولا رجال مؤمنون) ثم
قال تعالى (لو تزيلوا لعذبنا) وانبنى على ذلك المثال أنها لا تطلق حتى تؤخر المقدم
وتقدم المؤخر، إذ التقدير: إن أكلت فأنت طالق إن شربت، وجواب الثاني في هذا الكلام
من حيث المعنى هو الشرط الاول وجوابه، كما أن الجواب من حيث المعنى في أنت ظالم إن
فعلت ما تقدم على اسم الشرط، بل قال جماعة: إنه الجواب في الصناعة أيضا. ومن ذلك
قوله: [فمن يك أمسى بالمدينة رحله] * فإنى وقيار بها لغريب [724]
ص 623
وقد تكلف بعضهم في البيت الاول، فزعم أن نحن للمعظم نفسه، وأن راض خبر عنه،
ولا يحفظ مثل نحن قائم بل يجب في الخبر المطابقة نحو (وإنا لنحن الصافون، وإنا
لنحن المسبحون) وأما (قال رب ارجعون) فأفرد ثم جمع لان غير المبتدأ والخبر لا يجب
لهما من التطابق ما يجب لهما. ذكر أماكن من الحذف يتمرن بها المعرب حذف الاسم
المضاف - (وجاء ربك) (فأتى الله بنيانهم) أي أمره، لاستحالة الحقيقي، فأما (ذهب
الله بنورهم) فالباء للتعدية، أي أذهب الله نورهم. ومن ذلك ما نسب فيه حكم شرعى إلى
ذات، لان الطلب لا يتعلق إلا بالافعال نحو (حرمت عليكم أمهاتكم) أي استمتاعهن (حرمت
عليكم الميتة) أي أكلها (حرمنا عليهم طيبات) أي تناولها، لا أكلها، ليتناول شرب
ألبان الابل (حرمت ظهورها) أي منافعها، ليتناول الركوب والتحميل، ومثله (وأحلت لكم
الانعام). ومن ذلك ما علق فيه الطلب بما قد وقع نحو (أوفوا بالعقود) (وأوفوا بعهد
الله) فإنهما قولان قد وقعا فلا يتصور فيهما نقض ولا وفاء، وإنما المراد الوفاء
بمقتضاهما، ومنه (فذلكن الذى لمتننى فيه) إذ الذوات لا يتعلق بها لوم، والتقدير في
حبه، بدليل (قد شغفها حبا) أو في مراودته، بدليل (تراود فتاها) وهو أولى لانه فعلها
بخلاف الحب (واسأل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها) أي أهل القرية
وأهل العير (وإلى مدين أخاهم شعيبا) أي وإلى أهل مدين بدليل (أخاهم) وقد ظهر في
(وما كنت ثاويا في أهل مدين) وأما (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا) فقدر
النحويون الاهل بعد من وأهلكنا وجاء، وخالفهم الزمخشري في الاولين، لان القرية
تهلك، ووافقهم في (فجاء) لاجل (أوهم قائلون) (إذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات)
أي ضعف عذاب الحياة
ص 624
وضعف عذاب الممات (لمن كان يرجو الله) أي رحمته (يخافون ربهم) أي. عذابه، بدليل
(ويرجون رحمته ويخافون عذابه) (يضاهئون قول الذين كفروا) أي يضاهى قولهم قول الذين
كفروا، وقال الاعشى: 857 - ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * [وبت كما بات السليم
مسهدا) فحذف المضاف إلى ليلة والمضاف إليه ليلة وأقام صفته مقامه، أي اغتماض ليلة
رجل أرمد، وعكسه نيابة المصدر عن الزمان جئتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها، فناب
المصدر عن الزمان، وليس من ذلك جئتك مقدم الحاج خلافا للزمخشري، بل المقدم اسم
لزمن القدوم. تنبيه - إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزءين
ومع ثانيهما فتقديره مع الثاني أولى، نحو (الحج أشهر) ونحو (ولكن البر من آمن)
فيكون التقدير: الحج حج أشهر، والبر بر من آمن، أولى من أن يقدر: أشهر الحج أشهر،
وذا البر من آمن، لانك في الاول قدرت عند الحاجة إلى التقدير، ولان الحذف من آخر
الجملة أولى. حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم مضافا إليها المنادى نحو (رب
اغفر لى) وفى الغايات نحو (لله الامر من قبل ومن بعد) أي من قبل الغلب ومن بعده،
وفى أي وكل وبعض وغير بعد ليس، وربما جاء في غيرهن، نحو (فلا خوف عليهم) فيمن ضم
ولم ينون، أي فلا خوف شئ عليهم، وسمع سلام عليكم فيحتمل ذلك، أي سلام الله، أو
إضمار أل. حذف اسمين مضافين (فإنها من تقوى القلوب) أي فإن تعظيمها من أفعال ذوى
تقوى القلوب (قبضة من أثر الرسول) أي من أثر حافر فرس الرسول (كالذى يغشى عليه) أي
كدوران عين الذى، وقال رؤبة (1): 858 - [فأدرك إرقال العرادة ظلعها] * وقد جعلتني
من حزيمة إصبعا
(هامش)
(1) البيت ليس لرؤبة، وإنما هو للكلحبة اليربوعي. (*)
ص 625
أي ذا مسافة إصبع حذف ثلاث متضايفات (فكان قاب قوسين) أي فكان مقدار مسافة قربه مثل
قاب قوسين، فحذف ثلاثة من اسم كان، وواحد من خبرها، كذا قدره الزمخشري. تنبيه -
للقاب معنيان: القدر، وما بين مقبض القوس وطرفيها، وعلى تفسير الذى في الآية
بالثاني فقيل: هي على القلب، والتقدير قابى قوس، ولو أريد هذا لاغنى عنه ذكر القوس.
حذف الموصول الاسمى ذهب الكوفيون والاخفش إلى إجازته، وتبعهم ابن مالك، وشرط في بعض
كتبه كونه معطوفا على موصول آخر، ومن حجتهم (آمنوا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم)
وقول حسان: 859 - أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ؟ وقول آخر: 860 -
ما الذى دأبه احتياط وحزم * وهواه أطاع يستويان أي والذى أنزل، ومن يمدحه، والذى
أطاع هواه. حذف الصلة يجوز قليلا لدلالة صلة أخرى، كقوله: 861 - وعند الذى واللات
عدنك إحنة * عليك، فلا يغررك كيد العوائد أي الذى عادك، أو دلالة غيرها كقوله: نحن
الاولى فاجمع جمو * عك ثم وجههم إلينا [127] أي نحن الاولى عرفوا بالشجاعة، وقال:
862 - يعد اللتيا واللتيا والتى * إذا علتها أنفس تردت فقيل: يقدر مع اللتيا فيهما
نظير الجملة الشرطية المذكورة، وقيل: يقدر اللتيا دقت
ص 626
واللتيا دقت، لان التصغير يقتضى ذلك، وصلة الثالثة الجملة الشرطية، وقيل: يقدر مع
اللتيا فيهما: عظمت، لا دقت، وإنه تصغير تعظيم كقوله: [وكل أناس سوف تدخل بينهم] *
دويهية تصفر منها الانامل [63] حذف الموصوف قوله تعالى (وعندهم قاصرات الطرف) أي
حور قاصرات (والنا له الحديد، أن اعمل سابغات) أي دروعا سابغات (فليضحكوا قليلا
وليبكوا كثيرا) أي ضحكا قليلا وبكاء كثيرا، كذا قيل، وفيه بحث سيأتي (وذلك دين
القيمة) أي دين الملة القيمة (ولدار الآخرة خير) أي ولدار الساعة الآخرة، قاله
المبرد، وقال ابن الشجرى: الحياة الآخرة، بدليل (وما الحياة الدنيا إلا متاع
الغرور) ومنه (حب الحصيد) أي حب النبت الحصيد، وقال سحيم: أنا ابن جلا وطلاع
الثنايا * [متى أضع العمامة تعرفوني] [263] قيل: تقديره أنا ابن رجل جلا الامور،
وقيل: جلا علم محكى على أنه منقول من نحو قولك زيد جلا فيكون جملة، لا من قولك
جلا زيد، ونظيره قوله: 863 - نبئت أخوالى بنى يزيد * ظلما علينا لهم فديد فيزيد:
منقول من نحو قولك المال يزيد لا من قولك يزيد المال، وإلا لاعرب غير منصرف،
فكان يفتح، لانه مضاف إليه. واختلف في المقدر مع الجملة في نحو منا ظعن ومنا أقام
فأصحابنا يقدرون موصوفا: أي فريق، والكوفيون يقدرون موصولا، أي الذى أو من، وما
قدرناه أقيس، لان اتصال الموصول بصلته أشد من اتصال الموصوف بصفته لتلازمهما، ومثله
ما منهما مات حتى لقيته نقدره بأحد، ويقدرونه بمن (وإن من أهل الكتاب إلا
ليؤمنن به) أي إلا إنسان، أو إلا من، وحكى الفراء عن بعض
ص 627
قدمائهم أن الجملة القسمية لا تكون صلة، ورده بقوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن).
حذف الصفة (يأخذ كل سفينة غصبا) أي صالحة، بدليل أنه قرئ كذلك، وأن تعييبها لا
يخرجها عن كونها سفينة، فلا فائدة فيه حينئذ (تدمر كل شئ) أي سلطت عليه بدليل (ما
تذر من شئ أتت عليه) الآية (قالوا الآن جئت بالحق) أي الواضح، وإلا لكان مفهومه
كفرا (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) وقال: 864 - [وقد كنت في الحرب
ذاتدرإ * فلم أعط شيئا ولم أمنع وقال: 865 - [وليس لعيشنا هذا مهاه] * وليست دارنا
هاتا بدار أي من أختها السابقة، وبدار طائلة، ولم أعط شيئا طائلا، دفعا للتناقض
فيهن (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ) أي نافع (إن نظن إلا ظنا) أي ضعيفا. حذف
المعطوف ويجب أن يتبعه العاطف نحو (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) أي
ومن أنفق من بعده، دليل التقدير أن الاستواء إنما يكون بين شيئين ودليل المقدر
(أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) (لا نفرق بين أحد من رسله)
(والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم) أي بين أحد وأحد منهم، وقيل:
أحد فيهما ليس بمعنى واحد مثله في (قل هو الله أحد) بل هو الموضوع للعموم، وهمزته
أصلية لا مبدلة من الواو، فلا تقدير، ورد بأنه يقتضى حينئذ أن المعرض بهم وهم
الكافرون فرقوا بين كل الرسل، وإنما فرقوا بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين غيره
في النبوة، وفى لزوم هذا نظر، والذى يظهر لى وجه التقدير، وأن المقدر بين أحد
ص 628
وبين الله، بدليل (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) ونحو (سرابيل تقيكم الحر) أي
والبرد، وقد يكون اكتفى عن هذا بقوله سبحانه وتعالى في أول السورة (لكم فيها دف ء)
(وله ما سكن) أي وما تحرك، وإذا فسر سكن باستقر لم يحتج إلى هذا (فإن أحصرتم فما
استيسر من الهدى) أي فإن أحصرتم فحللتم (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية) أي فحلق ففدية (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا) أي إيمانها وكسبها، والآية من اللف والنشر وبهذا التقدير تندفع شبهة المعتزلة
كالزمخشري وغيره، إذ قالوا: سوى الله تعالى بين عدم الايمان وبين الايمان الذى لم
يقترن بالعمل الصالح في عدم الانتفاع به، وهذا التأويل ذكره ابن عطية وابن الحاجب.
ومن القليل حذف أم ومعطوفها كقوله: [دعاني إليها القلب إنى لامره * مطيع] فما
أدرى أرشد طلابها [5] أي أم غى، وقد مر البحث فيه. حذف المعطوف عليه (أن أضرب بعصاك
الحجر فانفجرت) أي فضرب فانفجرت، وزعم ابن عصفور أن الفاء في (فانفجرت) هي فاء
فضرب، وأن فاء (فانفجرت) حذفت، ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه، وليس بشئ، لان
لفظ الفاءين واحد، فكيف يحصل الدليل ؟ وجوز الزمخشري ومن تبعه أن تكون فاء الجواب،
أي: فإن ضربت فقد انفجرت، ويرده أن ذلك يقتضى تقدم الانفجار على الضرب مثل (إن يسرق
فقد سرق أخ له من قبل) إلا إن قيل: المراد فقد حكمنا بترتب الانفجار على ضربك، وقيل
في (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة): إن أم متصلة، والتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت
بالمكاره أم حسبتم.
ص 629
حذف المبدل منه قيل في (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب) وفى (كما أرسلنا فيكم
رسولا منكم): إن الكذب بدل من مفعول تصف المحذوف، أي لما تصفه، وكذلك في (رسولا)
بناء على أن ما في (كما) موصول اسمى، ويرده أن فيه إطلاق ما على الواحد من أولى
العلم، والظاهر أن ما كافة، وأظهر منه أنها مصدرية، لابقاء الكاف حينئذ على عمل
الجر، وقيل في (الكذب) إنه مفعول إما لتقولوا والجملتان بعده بدل منه، أي لا تقولوا
الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل أو الحرمة، وإما لمحذوف، أي فتقولون
الكذب، وإما لتصف على أن ما مصدرية والجملتان محكيتا القول، أي لا تحللوا وتحرموا
لمجرد قول تنطق بن ألسنتكم، وقرئ بالجر بدلا من (ما) على أنها اسم، وبالرفع وضم
الكاف والذال جمعا لكذوب صفة للفاعل، وقد مر أنه قيل في لا إله إلا الله : إن
اسم الله تعالى بدل من ضمير الخبر المحذوف. حذف المؤكد وبقاء توكيده قد مر أن
سيبويه والخليل أجازاه، أن أبا الحسن ومن تبعه منعوه (2). حذف المبتدأ يكثر ذلك في
جواب الاستفهام نحو (وما أدراك ما الحطمة ؟ نار الله) أي هي نار الله (وما أدراك ما
هيه ؟ نار حاميه) (ما أصحاب اليمين ؟ في سدر مخضود) الآيتين (هل أنبئكم بشر من ذلكم
؟ النار). وبعد فاء الجواب نحو (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها) أي فعمله
لنفسه وإساءته عليها (وإن تخالطوهم فإخوانكم) أي فهم إخوانكم (فإن لم يصبها وابل
فطل) (وإن مسه الشر فيؤوس قنوط) (فإن لم
(هامش)
(1) انظر الشرط الثالث من شروط الحذف في (ص 608). (*)
ص 630

يكونا رجلين فرجل وامرأتان) أي فالشاهد، وقرأ ابن مسعود (إن تعذبهم فعبادك). وبعد
القول نحو (وقالوا أساطير الاولين) (إلا قالوا ساحر أو مجنون) ( سيقولون ثلاثة)
الآيات (بل قالوا أضغاث أحلام). وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو (التائبون
العابدون) ونحو (صم بكم عمى). ووقع في غير ذلك أيضا نحو (لا يغرنك تقلب الذين كفروا
في البلاد متاع قليل) (ولا تقولوا ثلاثة) (لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ) أي
هذا بلاغ، وقد صرح به في (هذا بلاغ للناس) (سورة أنزلناها) أي هذه سورة، ومثله قول
العلماء باب كذا وسيبويه يصرح به. حذف الخبر (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)
أي حل لكم (أكلها دائم، وظلها) أي دائم، وأما (أأنتم أعلم أم الله) فلا حاجة إلى
دعوى الحذف كما قيل، لصحة كون أعلم خيرا عنهما، وأما أنت أعلم ومالك فمشكل لانه
إن عطف على أنت لزم كون أعلم خبرا عنهما، أو على أعلم لزم كونه شريكه في الخبرية،
أو على ضمير أعلم لزم أيضا نسبة العلم إليه والعطف على الضمير المرفوع المتصل من
غير توكيد ولا فصل، وإعمال أفعل في الظاهر، وإن قدر مبتدأ حذف خبره لزم كون المحذوف
أعلم، والوجه فيه أن الاصل بمالك، ثم أنيبت الواو مناب الباء قصدا للتشاكل اللفظى،
لا للاشتراك المعنوي، كما قصد بالعطف في نحو (وأرجلكم) فيمن خفض على القول بأن
الخفض للجوار، ونظيره بعت الشاء شاة ودرهما والاصل
ص 631
شاة بدرهم، وقالوا الناس مجزيون بأعمالهم، إن خير فخير أي إن كان في عملهم خير،
فحذفت كان وخبرها، وقال: 866 - لهفى عليك للهفة من خائف * يبغى جوارك حين ليس مجير
أي ليس له، وقالوا من تأتى أصاب أو كاد، ومن استعجل أخطأ أو كاد وقالوا إن
مالا وإن ولدا وقال الاعشى: إن محلا وإن مرتحلا * [وإن في السفر إذ مضوا مهلا]
[121] أي إن لنا حلولا في الدنيا وإلا لنا ارتحالا عنها، وقد مر البحث في (إن الذين
كفروا ويصدون عن سبيل الله) (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم) مستوفى، وقال تعالى
(قالوا لا ضير) أي علينا (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) أي لهم، وقال الحماسي: من صد
عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح [393] وقد كثر حذف خبر لا هذه حتى قيل: إنه
لا يذكر، وقال آخر: 867 - إذا قيل سيروا إن ليلى لعلها * جرى دون ليلى مائل القرن
أعضب (1) أي لعلها قريبة. ما يحتمل النوعين يكثر بعد الفاء نحو (فتحرير رقبة) (فعدة
من أيام أخر) (فما استيسر من الهدى) (فنظرة إلى ميسرة) أي فالواجب كذا، أو فعليه
كذا، أو فعليكم كذا. ويأتى في غيره نحو (فصبر جميل) أي أمرى، أو أمثل، ومثله (طاعة
وقول معروف) أي أمرنا أو أمثل، ويدل للاول قوله: 868 - فقالت: على اسم الله، أمرك
طاعة * [وإن كنت قد كلفت ما لم أعود]
(هامش)
(1) خبر إن هو كلمة لعلها مع خبرها المحذوف، وقوله جرى هو جواب إذا. (*)
ص 632
وقد مر تجويز ابن عصفور الوجهين في لعمرك لافعلن، وأيمن الله لافعلن وغيره جزم
بأن ذلك من حذف الخبر، وفى نعم الرجل زيد وغيره جزم بأنه إذا جعل على الحذف كان
من حذف المبتدأ. حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب، أو معهما يطرد حذفه
مفسرا نحو (وإن أحد من المشركين استجارك) (إذا السماء انشقت) (قل لو أنتم تملكون)
والاصل: لو تملكون تملكون، فلما حذف الفعل انفصل الضمير، قاله الزمخشري وأبو البقاء
وأهل البيان، وعن البصريين أنه لا يجوز لو زيد قام إلا في الشعر أو الندور نحو
لو ذات سوار لطمتنى وقيل: الاصل لو كنتم، فحذفت كان دون اسمها، وقيل: لو كنتم
أنتم، فحذفا مثل التمس ولو خاتما من حديد وبقى التوكيد. ويكثر في جواب
الاستفهام نحو (ليقولن الله) أي ليقولن خلقهن الله (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم
قالوا خيرا). وأكثر من ذلك كله حذف القول، نحو (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب
سلام عليكم) حتى قال أبو على: حذف القول من حديث البحر قل ولا حرج. ويأتى حذف الفعل
في غير ذلك نحو (انتهوا خيرا لكم) أي وأتوا خيرا، وقال الكسائي: يكن الانتهاء خيرا،
وقال الفراء: الكلام جملة واحدة، وخيرا: نعت لمصدر محذوف، أي انتهاءا خيرا (والذين
تبوءوا الدار والايمان من قبلهم) أي واعتقدوا الايمان من قبل هجرتهم. وقال: 869 -
علفتها تبنا وماءا باردا * [حتى شتت همالة عيناها] فقيل: التقدير وسقيتها، وقيل: لا
حذف، بل ضمن علفتها معنى أنلتها وأعطيتها وألزموا صحة نحو علفتها ماءا باردا
وتبنا فالتزموه محتجين بقول طرفة: 870 - أعمرو بن هند ما ترى رأى صرمة] * لها سبب
ترعى به الماء والشجر
ص 633
وقالوا الحمد لله أهل الحمد بإضمار أمدح، وفى التنزيل (وامرأته حمالة الحطب)
بإضمار أذم، ونظائره كثيرة، وقالوا أما أنت منطلقا انطلقت أي لان كنت منطلقا
انطلقت، وقالوا لا أكلمه ما أن حراء مكانه، وما أن في السماء نجما أي ما ثبت،
ويروى نجم بالرفع، فأن: فعل ماض بمعنى عرض، وأصله عن. حذف المفعول يكثر بعد
لو شئت نحو (فلو شاء الله لهداكم أجمعين) أي فلو شاء هدايتكم، وبعد نفى العلم
ونحوه، نحو (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) أي أنهم سفهاء (ونحن أقرب إليه
منكم ولكن لا تبصرون) وعائدا على الموصول نحو (أهذا الذى بعث الله رسولا) وحذف عائد
الموصوف دون ذلك كقوله: [حميت حمى تهامة بعد نجد] * وما شئ حميت بمستباح [145]
وعائد المخبر عنه دونهما كقوله: * على ذنبا كله لم أصنع * [332] وقوله: * فثوب لبست
وثوب أجر (1) * [719] وجاء في غير ذلك، نحو (فمن لم يجد فصيام شهرين) (فمن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا) أي فمن لم يجد الرقبة، فمن لم يستطع الصوم. ومن غريبه حذف
المقول وبقاء القول نحو (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) أي هو سحر، بدليل (أسحر
هذا) ويكثر حذفه في الفواصل نحو (وما قلى) (ولا تخشى) ويجوز حذف مفعولي أعطى نحو
(فأما من أعطى) وثانيهما فقط نحو
(هامش)
(1) رواه المؤلف فيما مضى (ص 472) فثوب نسيت وشرحه وذكر له نظيرا في المعنى.
(*)
ص 634
(ولسوف يعطيك ربك)، وأولهما فقط، خلافا للسهيلي، نحو (حتى يعطوا الجزية). حذف الحال
أكثر ما يرد ذلك إذا كان قولا أغنى عنه المقول نحو (والملائكة يدخلون عليهم من كل
باب سلام عليكم) أي قائلين ذلك، ومثله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ربنا تقبل منا) ويحتمل أن الواو للحال وأن القول المحذوف خبر، أي وإسماعيل يقول،
كما أن القول حذف خبرا للموصول في (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا
ليقربونا) ويحتمل أن الخبر هنا (إن الله يحكم بينهم) فالقول المحذوف نصب [على
الحال] أو رفع خبرا أول، أو لا موضع له، لانه بدل من الصلة، هذا كله إن كان (الذين)
للكفار، والعائد الواو، فإن كان للمعبودين عيسى والملائكة والاصنام والعائد محذوف -
أي اتخذوهم - فالخبر (إن الله يحكم بينهم) وجملة القول حال أو بدل. حذف التمييز نحو
كم صمت أي كم يوما، وقال تعالى (عليها تسعة عشر) (إن يكن منكم عشرون صابرون)
وهو شاذ في باب نعم نحو من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت أي فبالرخصة أخذ ونعمت
رخصة. حذف الاستثناء. وذلك بعد إلا وغير المسبوقين بليس، يقال: قبضت عشرة ليس إلا،
أو ليس غير، وقد تقدم، وأجاز بعضهم ذلك بعد لم يكن، وليس بمسموع.
ص 635
حذف حرف العطف بابه الشعر كقول الحطيئة: 871 - إن امرأ رهطه بالشام منزله * برمل
يبرين جارا شد ما اغتربا أي ومنزله برمل يبرين، كذا قالوا، ولك أن تقول: الجملة
الثانية صفة ثانية، لا معطوفة، وحكى أبو زيد أكلت خبزا لحما تمرا فقيل: على حذف
الواو، وقيل: على بدل الاضراب، وحكى أبو الحسن أعطه درهما درهمين ثلاثة وخرج
على إضمار أو، ويحتمل البدل المذكور، وقد خرج على ذلك آيات، إحداها (وجوه يومئذ
ناعمة) أي ووجوه، عطف على (وجوه يومئذ خاشعة)، والثانية (أن الدين عند الله
الاسلام) فيمن فتح الهمزة، أي وأن الدين، عطف على (أنه لا إله إلا هو) ويبعده أن
فيه فصلا بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب، وبين المنصوبين بالمرفوع، وقيل: بدل
من أن الاولى وصلتها، أو من القسط، أو معمول للحكيم على أن أصله الحاكم ثم حول
للمبالغة، والثالثة (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد) أي وقلت: وقيل:
بل هو الجواب، و (تولوا) جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما حالهم إذ ذاك ؟ وقيل:
(تولوا) حال على إضمار قد، وأجاز الزمخشري أن يكون (قلت) استئنافا، أي إذا ما أتوك
لتحملهم تولوا، ثم قدر أنه قيل: لم تولوا باكين ؟ فقيل: (قلت لا أجد ما أحملكم
عليه) ثم وسط بين الشرط والجزاء. حذف فاء الجواب هو مختص بالضرورة، كقوله:
ص 636
* من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] وقد مر أن أبا الحسن خرج عليه (إن ترك خيرا
الوصية للوالدين). حذف واو الحال تقدم في قوله: نصف النهار الماء غامره * [ورفيقه
بالغيب لا يدرى] [748] أي انتصف النهار والحال أن الماء غامر هذا الغائص. حذف قد
زعم البصريون أن الفعل الماضي الواقع حالا لابد معه من قد ظاهرة نحو (وما لكم
أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم) أو مضمرة نحو (أنؤمن لك واتبعك
الارذلون) (أو جاؤكم حصرت صدورهم) وخالفهم الكوفيون، واشترطوا ذلك في الماضي الواقع
خبرا لكان كقوله عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه أليس قد صليت معنا ، وقول
الشاعر: 872 - وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة * عشية لاقينا جذاما وحميرا وخالفهم
البصريون. وأجاز بعضهم إن زيدا لقام على إضمار قد، وقال الجميع : حق الماضي
المثبت المجاب به القسم أن يقرن باللام وقد نحو (تالله لقد آثرك الله علينا) وقيل
في (قتل أصحاب الاخدود) إنه جواب للقسم على إضمار اللام وقد جميعا للطول، وقال:
حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا، فما إن من حديث ولا صال [288]
ص 637
فأضمر قد وأما (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) فزعم قوم
أنه من ذلك، وهو سهو، لان ظلوا مستقبل، لانه مرتب على الشرط وساد مسد جوابه، فلا
سبيل فيه إلى قد، إذ المعنى ليظلن، ولكن النون لا تدخل على الماضي. حذف لا التبرئة
حكى الاخفش لا رجل وامرأة بالفتح، وأصله ولا امرأة، فحذفت لا وبقى البناء
للتركيب بحاله. حذف لا النافية وغيرها يطرد ذلك في جواب القسم إذا كان المنفى
مضارعا نحو (تالله تفتؤ تذكر يوسف) وقوله: 873 - فقلت: يمين الله أبرح قاعدا * [ولو
قطعوا رأسي لديك وأوصالي] ويقل من الماضي كقوله: 874 - فإن شئت آليت بين المقا * م
والركن والحجر الاسود نسيتك ما دام عقلي معى * أمد به أمد السرمد ويسهله تقدم لا
على القسم كقوله: 875 - فلا والله نادى الحى قومي * [طوال الدهر ما دعى الهديل]
وسمع بدون القسم كقوله: 876 - وقولى إذا ما أطلقوا عن بعيرهم: * يلاقونه حتى يؤوب
المنخل
ص 638
وقد قيل به في (يبين الله لكم أن تضلوا) أي لئلا، وقيل: المحذوف مضاف، أي كراهة أن
تضلوا. حذف ما النافية ذكر ابن معطى ذلك في جواب القسم، فقال في ألفيته: وإن أتى
الجواب منفيا بلا * أو ما كقولي والسما ما فعلا فإنه يجوز حذف الحرف * إن أمن
الالباس حال الحذف قال ابن الخباز: وما رأيت في كتب النحو إلا حذف لا، وقال لى
شيخنا: لا يجوز حذف ما، لان التصرف في لا أكثر من التصرف في ما، انتهى. وأنشد ابن
مالك: 877 - فوالله ما نلتم وما نيل منكم * بمعتدل وفق ولا متقارب وقال: أصله ما ما
نلتم، ثم في بعض كتبه قدر المحذوف ما النافية، وفى بعضها قدره ما الموصولة. حذف
ما المصدرية قاله أبو الفتح في قوله: بآية يقدمون الخيل شئنا * [كأن على سنابكها
مداما [661] والصواب أن آية مضافة إلى الجملة كما مر، وعكسه قول سيبويه في قوله:
[ألا من مبلغ عنى تميما] * بآية ما تحبون الطعاما [663] إن ما زائدة، والصواب أنها
مصدرية.
ص 639
حذف كى المصدرية أجازه السيرافي نحو جئت لتكرمني وإنما يقدر الجمهور هنا أن
بعينها ، لانها أم الباب، فهى أولى بالتجوز حذف أداة الاستثناء لا أعلم أن أحدا
أجازه، إلا أن السهيلي قال في قوله تعالى (ولا تقولن لشئ) الآية: لا يتعلق
الاستثناء بفاعل إذ لم ينه عن أن يصل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك، ولا بالنهي، لانك
إذا قلت أنت منهى عن أن تقوم إلا أن يشاء الله فلست بمنهى، فقد سلطته على أن يقوم
ويقول: شاء الله ذلك، وتأويل ذلك أن الاصل إلا قائلا إلا أن يشاء الله، وحذف القول
كثير، اه فتضمن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا، والصواب أن الاستثناء
مفرغ، وأن المستثنى مصدر أو حال، أي إلا قولا مصحوبا بأن يشاء الله، أو إلا متلبسا
بأن يشاء الله، وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلا مع حرف الاستثناء، فطوى
ذكره لذلك، وعليهما فالباء محذوفة من أن، وقال بعضهم: يجوز أن يكون (أن يشاء الله)
كلمة تأبيد، أي لا تقولنه أبدا، كما قيل في (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء
الله ربنا)، لان عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله سبحانه. وجوز الزمخشري أن يكون
المعنى ولا تقولن ذلك إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه، ولما قاله مبعد،
وهو أن ذلك معلوم في كل أمر ونهى، ومبطل، وهو أنه يقتضى النهى عن قول إنى فاعل ذلك
غدا مطلقا، وبهذا يرد أيضا قول من زعم أن الاستثناء منقطع، وقول من زعم أن (إلا أن
يشاء الله) كناية عن التأبيد.