الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 640

حذف لام التوطئة (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) بخلاف (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين). حذف الجار يكثر ويطرد مع أن وأن نحو (يمنون عليك أن أسلموا) أي بأن، ومثله (بل الله يمن عليكم أن هداكم) (والذى أطمع أن يغفر لى) (ونطمع أن يدخلنا ربنا) (وأن المساجد لله) أي: ولان المساجد لله (أيعدكم أنكم إذا متم) أي بأنكم. وجاء في غيرهما نحو: (قدرناه منازل) أي قدرنا له (ويبغونها عوجا) أي يبغون لها (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) أي يخوفكم بأوليائه. وقد يحذف مع بقاء الجر كقول رؤبة - وقد قيل له كيف أصبحت - خير عافاك الله وقولهم بكم درهم اشتريت ويقال في القسم الله لافعلن . حذف أن الناصبة هو مطرد في موضع معروفة، وشاذ في غيرها نحو خذ اللص قبل يأخذك و مره يحفرها و لابد من تتبعها وقال به سيبوه في قوله: 878 - [فلم أر مثلها خباسة واجد] * ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله وقال المبرد: الاصل أفعلها، ثم حذفت الالف ونقلت حركة الهاء إلى ما قبلها، وهذا أولى من قول سيبويه، لانه أضمر أن في موضع حقها أن لا تدخل فيه صريحا وهو خبر كاد، واعتد بها مع ذلك بإبقاء عملها.

ص 641

وإذا رفع الفعل بعد إضمار أن سهل الامر، ومع ذلك فلا ينقاس، ومنه (قل أفغير الله تأمروني أعبد) (ومن آياته يريكم البرق) و تسمع بالمعيدى خير من أن تراه وهو الاشهر في بيت طرفة: ألا أيها ذا الزاجرى أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى ؟ [616] وقرئ (أعبد) بالنصب كما روى أحضر كذلك، وانتصاب (غير) في الآية على القراءتين لا يكون بأعبد، لان الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول، بل بتأمرونى، و (أن أعبد) بدل اشتمال منه، أي تأمروني بغير الله عبادته. حذف لام الطلب هو مطرد عند بعضهم في نحو قل له يفعل وجعل منه (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) (وقل لعبادي يقولوا) وقيل: هو جواب لشرط محذوف، أو جواب للطلب، والحق أن حذفها مختص بالشعر كقوله: محمد تفد نفسك كل نفس * [إذا ما خفت من أمر تبالا] [371] حذف حرف النداء نحو (أيها الثقلان) (يوسف أعرض عن هذا) (أن أدوا إلى عباد الله) وشذ في اسمى الجنس والاشارة في نحو أصبح ليل وقوله: 879 - [إذا هملت عينى لها قال صاحبي]: * بمثلك هذا لوعة وغرام ولحن بعضهم المتنبي في قوله: 880 - لهذى برزت لنا فهجت رسيسا * [ثم انثنيت وما شفيت رسيسا] وأجيب بأن هذى مفعول مطلق: أي برزت هذه البررة، ورده ابن مالك

ص 642

بأنه لا بشار إلى المصدر إلا منعوتا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب، ويرده بيت أنشده هو، وهو قوله: 881 - يا عمرو إنك قد مللت صحابتي * وصحابتيك إخال ذاك قليل حذف همزة الاستفهام قد ذكر في أول الباب الاول من هذا الكتاب. حذف نون التوكيد يجوز في نحو لافعلن في الضرورة كقوله: 882 - فلا وأبى لنأتيها جميعا * ولو كانت بها عرب وروم ويجب حذف الخفيفة إذا لقيها ساكن نحو اضرب الغلام بفتح الباء، والاصل اضربن، وقوله: لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه [255] وإذا وقف عليها تالية ضمة أو كسرة ويعاد حينئذ ما كان حذف لاجلها، فيقال في اضربن يا قوم : اضربوا، وفى اضربن يا هند : اضربي، قيل: وحذفها في غير ذلك ضرورة كقوله: 883 - اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس وقيل: ربما جاء في النثر، وخرج بعضهم عليه قراءة من قرأ (ألم نشرح) بالفتح،

ص 643

وقيل: إن بعضهم ينصب بلم ويجزم بلن، ولك أن تقول: لعل المحذوف فيهما الشديدة، فيجاب بأن تقليل الحذف والحمل على ما ثبت حذفه أولى. حذف نونى التثنية والجمع يحذفان للاضافة نحو (تبت يدا أبى لهب) و (إنا مرسلو الناقة) ولشبه الاضافة نحو لا غلامي لزيد و لا مكرمي لعمرو إذا لم تقدر اللام مقحمة، ولتقصير الصلة نحو الضاربا زيدا، والضاربو عمرا وللام الساكنة قليلا نحو (لذائقو العذاب) فيمن قرأه بالنصب، وللضرورة نحو قوله: 884 - هما خطتا: إما إسار ومنة، * وإما دم، والقتل بالحر أجدر [ص 699] فيمن رواه برفع إسار ومنة وأما من خفض فبالاضافة، وفصل بين المتضايفين بإما، فلم ينفك البيت عن ضرورة، واختلف في قوله: 885 - [رب حى عرندس ذى طلال] * لا يزالون ضاربين القباب فقيل: الاصل: ضاربين ضاربي القباب، وقيل للقباب، كقوله: * أشارت كليب بالاكف الاصابع * [2] وقيل: ضاربين معرب إعراب مساكين، فنصبه بالفتحة، لا بالياء. حذف التنوين يحذف لزوما لدخول أل نحو الرجل وللاضافة نحو غلامك ولشبهها نحو لا مال لزيد إذا لم تقدر اللام مقحمة، فإن قدرت فهو مضاف، ولمانع الصرف نحو فاطمة وللوقف في غير النصب، وللاتصال بالضمير نحو ضاربك فيمن قال إنه غير مضاف، فأما قوله:

ص 644

[وما أدرى وظني كل ظنى] * أمسلمنى إلى قوم شراحي [563] فضرورة، خلافا لهشام، ثم هو نون وقاية لا تنوين كقوله: وليس الموافينى ليرفد خائبا * [فإن له أضعاف ما كان أملا] [564] إذ لا يجتمع التنوين مع آل، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به وأضيف إلى علم، من ابن وابنة اتفاقا، أو بنت عند قوم من العرب، فأما قوله 886 - بجارية من قيس بن ثعلبه * [كريمة أخوالها والعصبه] فضرورة، ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا كقوله: فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا [793] وإنما آثر ذلك على حذفه للاضافة لارادة تماثل المتعاطفين في التنكير، وقرئ (قل هو الله أحد الله الصمد) (ولا الليل سابق النهار) بترك تنوين أحد وسابق وبنصب النهار. واختلف لم ترك التنوين (1) في نحو قبضت عشرة ليس غير فقيل: لانه مبنى كقبل وبعد، وقيل: لنية الاضافة وإن الضمة إعراب وغير متعينة لانها لسم ليس، لا محتملة لذلك وللخبرية، ويرده ان هذا التركيب مطرد، ولا يحذف تنوين مضاف لغير مذكور باطراد، إلا إن أشبه في اللفظ المضاف نحو قطع الله يد ورجل من قالها فإن الاول مضاف للمذكور، والثانى لمجاورته له مع أنه المضاف إليه في المعنى كأنه مضاف إليه لفظا حذف أل تحذف للاضافة المعنوية، وللنداء نحو يا رحمن إلا من اسم الله تعالى، والجمل المحكية، قيل: والاسم المشبه به نحو يا الخليفة هيبة وسمع سلام عليكم

(هامش)

(1) في نسخة لم ترك تنوين غير في نحو - إلخ . (*)

ص 645

بغير تنوين، فقيل: على إضمار أل، ويحتمل عندي كونه على تقدير المضاف إليه، والاصل سلام الله عليكم، وقال الخليل في ما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل كذا هو على نية أل في خير، ويرده أنه لا تجامع من الجارة للمفضول، وقال الاخفش: اللام زائدة، وليس هذا بقياس، والتركيب قياسي، وقال ابن مالك، خير بدل، وإبدال المشتق ضعيف، وأولى عندي أن يخرج على قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبنى * [فمضيت ثمت قلت لا يعنينى] [142] حذف لام الجواب وذلك ثلاثة: حذف لام جواب لو نحو (لو نشاء جعلناه أجاجا) وحذف لام لقد، يحسن مع طول الكلام نحو (قد أفلح من زكاها) وحذف لام لافعلن يختص بالضرورة كقول عامر بن الطفيل: 887 - وقتيل مرة أثأرن، فإنه * فرغ، وإن أخاكم لم يثأر حذف جملة القسم كثير جدا، وهو لازم مع غير الباء من حروف القسم، وحيث قيل لافعلن أو لقد فعل أو لئن فعل ولم يتقدم جملة قسم فثم جملة قسم مقدرة، نحو (لاعذبنه عذابا شديدا) الآية (ولقد صدقكم الله وعده) (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) واختلف في نحو لزيد قائم ونحو إن زيدا قائم، أو لقائم هل يجب كونه جوابا لقسم أولا ؟ حذف جواب القسم يجب إذا تقدم عليه أو اكتنفه ما يغنى عن الجواب، فالاول نحو زيد قائم والله ومنه إن جاءني زيد والله أكرمته والثانى نحو زيد والله قائم فإن قلت زيد والله إنه قائم، أو لقائم احتمل كون المتأخر عنه خبرا عن المتقدم عليه، واحتمل كونه جوابا وجملة القسم وجوابه الخبر.

ص 646

ويجوز في غير ذلك، نحو (والنازعات غرقا) الآيات، أي لتبعثن، بدليل ما بعده، وهذا المقدر هو العامل في (يوم ترجف) أو عامله اذكر، وقيل: الجواب (إن في ذلك لعبرة) وهو بعيد لبعده، ومثله (ق والقرآن المجيد) أي لنهلكن، بدليل (كم أهلكنا) أو إنك لمنذر، بدليل (بل عجبوا أن جاءهم منذر) وقيل: الجواب مذكور، فقال الاخفش (قد علمنا) وحذفت اللام للطول مثل (قد أفلح من زكاها) وقال ابن كيسان (ما يلفظ من قول) الآية، الكوفيون (بل عجبوا) والمعنى لقد عجبوا، بعضهم (إن في ذلك لذكرى) ومثله (ص والقرآن ذى الذكر) أي إنه لمعجز، أو (إنك لمن المرسلين) أو ما الامر كما يزعمون، وقيل: مذكور، فقال الكوفيون والزجاج (إن ذلك لحق) وفيه بعد، الاخفش (إن كل إلا كذب الرسل) الفراء وثعلب (ص) لان معناها صدق الله، ويرده أن الجواب لا يتقدم، وقيل: (كم أهلكنا) وحذفت اللام للطول. حذف جملة الشرط هو مطرد بعد الطلب نحو (فاتبعوني يحببكم الله) أي فإن تتبعوني يحببكم الله (فاتبعني أهدك) (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل). وجاء بدونه نحو (إن أرضى واسعة فإياى فاعبدون) أي فإن لم يتأت إخلاص العبادة لى في هذه البلدة فإياى فاعبدون في غيرها (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولى) أي إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولى (أو تقولوا لو أنا أنزل) علينا الكتاب لكنا أهدى منهم، فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) أي إن صدقتم فيما كنتم تعدون به من أنفسكم فقد جاءكم بينة وإن كذبتم فلا أحد أكذب منكم فمن أظلم، وإنما جعلت هذه الآية من حذف جملة الشرط فقط - وهى من حذفها وحذف جملة الجواب - لانه قد ذكر في اللفظ جملة قائمة مقام الجواب، وذلك يسمى جوابا تجوزا كما سيأتي،

ص 647

وجعل منه الزمخشري وتبعه ابن مالك بدر الدين (فلم تقتلوهم) أي إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم، ويرده أن الجواب المنفى بلم لا تدخل عليه الفاء. وجعل منه أبو البقاء (فذلك الذى يدع اليتيم) أي إن أردت معرفته فذلك، وهو حسن وحذف جملة الشرط بدون الاداة كثير كقوله: 888 - فطلقها فلست لها بكف ء * وإلا بعل مفرقك الحسام أي وإلا تطلقها. حذف جملة جواب الشرط وذلك واجب إن تقدم عليه أو اكتنفه ما يدل على الجواب: فالاول نحو هو ظالم إن فعل والثانى نحو هو إن فعل ظالم (وإنا إن شاء الله لمهتدون) ومنه والله إن جاءني زيد لاكرمنه وقول ابن معطى: * اللفظ إن يفد هو الكلام * إما من ذلك ففيه ضرورة، وهو حذف الجواب مع كون الشرط مضارعا، وإما الجواب الجملة الاسمية وجملتا الشرط والجواب خبر ففيه ضرورة أيضا، وهى حذف الفاء كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] ووهم ابن الخباز إذ قطع بهذا الوجه، ويجوز حذف الجواب في غير ذلك نحو (فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الارض) الآية، أي فافعل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية، أي لما آمنوا به، بدليل (وهم يكفرون بالرحمن) والنحويون يقدرون: لكان هذا القرآن، وما قدرته أظهر (لو تعلمون علم اليقين) أي لارتدعتم وما ألهاكم التكاثر (ولو افتدى به) أي ما تقبل منه (ولو كنتم في بروج مشيدة) أي لادرككم (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) أي أعرضوا، بدليل ما بعده (أئن

ص 648

ذكرتم) أي تطيرتم (ولو جئنا بمثله مددا) أي لنفد (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤسهم) أي لرأيت أمرا فظيعا (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) أي لهلكتم (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به) قال الزمخشري: تقديره ألستم ظالمين، بدليل (إن الله لا يهدى القوم الظالمين) ويرده أن جملة الاستفهام لا تكون جوابا إلا بالفاء مؤخرة عن الهمزة نحو إن جئتك أفما تحسن إلى ومقدمة على غيرها نحو فهل تحسن إلى . تنبيه - التحقيق أن من حذف الجواب مثل (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) لان الجواب مسبب عن الشرط، وأجل الله آت سواء أوجد الرجاء أم لم يوجد، وإنما الاصل فليبادر بالعمل فإن أجل الله لآت، ومثله (وإن تجهر بالقول) أي فاعلم أنه غنى عن جهرك (فإنه يعلم السر) (وإن يكذبوك) أي فتصبر (فقد كذبت رسل من قبلك) (إن يمسسكم قرح) أي فاصبروا (فقد مس القوم قرح مثله) (ومن يتبع خطوات الشيطان) أي يفعل الفواحش والمنكرات (فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) أي يغلب (فإن حزب الله هم الغالبون) (وإن عزموا الطلاق) أي فلا تؤذوهم بقول ولا فعل، فإن الله يسمع ذلك ويعلمه (فإن تولوا) أي فلا لوم على (فقد أبلغتكم). حذف الكلام بجملته. يقع ذلك باطراد في مواضع: أحدها: بعد حرف الجواب، يقال: أقام زيد ؟ فتقول: نعم، وألم يقم زيد ؟ فتقول: نعم، إن صدقت النفى، وبلى، إن أبطلته، ومن ذلك قوله: 889 - قالوا: أخفت ؟ فقلت: إن، وخيفتى * ما إن تزال منوطة برجائي

ص 649

فإن إن هنا بمعنى نعم، وأما قوله: ويقلن: شيب قد علا * ك وقد كبرت فقلت: إنه [49] فلا يلزم كونه من ذلك، خلافا لاكثرهم، لجواز أن لا تكون الهاء للسكت، بل اسما لان على أنها المؤكدة والخبر محذوف، أي إنه كذلك. الثاني: بعد نعم وبئس إذا حذف المخصوص، وقيل: إن الكلام جملتان نحو (إنا وجدناه صابرا نعم العبد). والثالث: بعد حروف النداء في مثل (ياليت قومي يعلمون) إذا قيل: إنه على حذف المنادى: أي يا هؤلاء. الرابع: بعد إن الشرطية كقوله: 890 - قالت بنات العم يا سلمى وإن * كان فقيرا معدما ؟ قالت: وإن أي: وإن كان كذلك رضيته. الخامس: في قولهم افعل هذا إما لا أي إن كنت لا تفعل غيره فافعله. حذف أكثر من جملة في غير ما ذكر، أنشد أبو الحسن: 891 - إن يكن طبك الدلال فلو في * سالف الدهر والسنين الخوالى أي إن كان عادتك الدلال فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه منك، وقالوا في قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها، كذلك يحيى الله الموتى): إن التقدير فضربوه فحيى فقلنا: كذلك يحيى الله، وفى قوله تعالى: (أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) الآية: إن التقدير: فأرسلون إلى يوسف لاستعبره الرؤيا فأرسلوه فأتاه وقال له يا يوسف، وفى قوله تعالى (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم) إن التقدير فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. تنبيه - الحذف الذى يلزم النحوي النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة، وذلك

ص 650

بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس، أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس، أو معطوفا بدون معطوف عليه، أو معمولا بدون عامل، نحو (ليقولن الله) ونحو (قالوا خيرا) ونحو خير عافاك الله وأما قولهم في نحو (سرابيل تقيكم الحر) إن التقدير: والبرد، ونحو (وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل) إن التقدير ولم تعبدنى، ففضول في فن النحو، وإنما ذلك للمفسر، وكذا قولهم، يحذف الفاعل لعظمته وحقارة المفعول أو بالعكس أو للجهل به أو للخوف عليه أو منه أو نحو ذلك، فإنه تطفل منهم على صناعة البيان، ولم أذكر بعض ذلك في كتابي جريا على عادتهم، وأنشد متمثلا: 892 - وهل أنا إلا من غزية: إن غوت * غويت، وإن ترشد غزية أرشد بل لانى وضعت الكتاب لافادة متعاطى التفسير والعربية جميعا، وأما قولهم في راكب الناقة طليحان إنه على حذف عاطف ومعطوف، أي والناقة، فلازم لهم، ليطابق الخبر المخبر عنه، وقيل: هو على حذف مضاف، أي أحد طليحين، وهذا لا يتأنى في نحو غلام زيد ضربتهما .

الباب السادس من الكتاب في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين، والصواب خلافها

وهى كثيرة، والذى يحضرني الآن منها عشرون موضعا

أحدها: قولهم في لو إنها حرف امتناع لامتناع وقد بينا الصواب في ذلك في فصل لو، وبسطنا القول فيه بما لم نسبق إليه. والثانى: قولهم في إذا غير الفجائية إنها ظرف لما يستقبل من الزمان وفيها معنى الشرط غالبا وذلك معيب من جهات: إحداها: أنهم يذكرونه في كل موضع، وإنما ذلك تفسير للاداة من حيث

ص 651

هي، وعلى المعرب أن يبين في كل موضع: هل هي متضمنة لمعنى الشرط أم لا ؟ وأحسن مما قالوه أن يقال، إذا أريد تفسيرها من حيث هي: ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه صالح لغير ذلك. والثانية: أن العبارة التى تلقى للمتدربين يطلب فيها الايجار لتخف على الالسنة: إذ الحاجة داعية إلى تكرارها، وكان أخصر من قولهم لما يستقبل من الزمان أن يقولوا: مستقبل. والثالثة: أن المراد أنها ظرف موضوع للمستقبل، والعبارة موهمة أنها محل للمستقبل، كما تقول: اليوم ظرف للسفر، فإن الزمان قد يجعل ظرفا للزمان مجازا كما تقول: كتبته في يوم الخميس في عام كذا، فإن الثاني حال من الاول، فهو ظرف له على الاتساع، ولا يكون بدلا منه، إذ لا يبدل الاكثر من الاقل على الاصح، ولو قالوا ظرف مستقبل لسلموا من الاسهاب والايهام المذكورين والرابعة: أن قولهم غالبا راجع إلى قولهم فيه معنى الشرط كذا يفسرونه، وذلك يقتضى أن كونه ظرفا وكونه للزمان وكونه للمستقبل لا يتخلفن، وقد بينا في بحث إذا أن الامر بخلاف ذلك. الثالث: قولهم النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة وإنما ذلك في النعت الحقيقي، فأما السببي فإنما يتبع في اثنين من خمسة: واحد من أوجه الاعراب، وواحد من التعريف والتنكير، وأما الافراد والتذكير وأضدادهما فهو فيها كالفعل تقول: مررت برجلين قائم أبواهما، وبرجال قائم آباؤهم، وبرجل قائمة أمه وبامرأة قائم أبوها، وإنما يقول: قائمين أبواهما، وقائمين آباؤهم، من يقول أكلوني البراغيث، وفى التنزيل (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) غير أن الصفة الرافعة للجمع يجوز فيها في الفصيح أن تفرد، وأن تكسر، وهو أرجح على الاصح كقوله:

ص 652

893 - بكرت عليه بكرة فوجدته * قعودا عليه بالصريم عواذله وصح الاستشهاد بالبيت لان هذا الحكم ثابت أيضا للخبر والحال. والرابع: قولهم في نحو (فكلا منها رغدا) إن رغدا نعت مصدر محذوف ومثله (واذكر ربك كثيرا) وقول ابن دريد: واشتعل المبيض في مسوده * مثل اشتعال النار في جزل الغضا [677] أي أكلا رغدا، وذكرا كثيرا، واشتعالا مثل اشتعال النار. قيل: ومذهب سيبويه والمحققين خلاف ذلك، وأن المنصوب حال من ضمير مصدر الفعل، والاصل فكلاه، واشتعله، أي فكلا الاكل واشتعل الاشتعال ودليل ذلك قولهم سير عليه طويلا ولا يقولون طويل، ولو كان نعتا للمصدر لجاز، وبدليل أنه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصة بجنسه، تقول رأيت كاتبا ولا تقول: رأيت طويلا، لان الكتابة خاصة بجنس الانسان دون الطول وعندي فيما احتجوا به نظر، أما الاول فلجواز أن المانع من الرفع كراهية اجتماع مجازين: حذف الموصوف، وتصيير الصفة مفعولا على السعة، ولهذا يقولون دخلت الدار بحذف في توسعا، ومنعوا دخلت الامر لان تعلق الدخول بالمعاني مجاز، وإسقاط الخافض مجاز، وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك في صفة الاحيان، فيقولون: سير عليه زمن طويل، فإذا حذفوا الزمان قالوا: طويلا، بالنصب لما ذكرنا، وأما الثاني فلان التحقيق أن حذف الموصوف إنما يتوقف على وجدان الدليل، لا على الاختصاص، بدليل (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات) أي دروعا سابغات، ومما يقدح في قولهم مجئ نحو قولهم اشتمل الصماء أي الشملة الصماء، والحالية متعذرة لتعريفه. والخامس: قولهم الفاء جواب الشرط والصواب أن يقال: رابطة لجواب الشرط، وإنما جواب الشرط الجملة.

ص 653

والسادس: قولهم العطف على عاملين والصواب على معمولي عاملين. والسابع: قولهم بل حرف إضراب والصواب حرف استدراك وإضراب، فإنها بعد النفى والنهى بمنزلة لكن سواء. والثامن : قولهم في نحو ائتنى أكرمك : إن الفعل مجزوم في جواب الامر، والصحيح أنه جواب لشرط مقدر، وقد يكون إنما أرادوا تقريب المسافة على المتعلمين. والتاسع: قولهم في المضارع في مثل يقوم زيد : فعل مضارع مرفوع لخلوه من ناصب وجازم، والصواب أن يقال: مرفوع لحلوله محل الاسم، وهو قول البصريين، وكأن حاملهم على ما فعلوا إرادة التقريب، وإلا فما بالهم يبحثون على تصحيح قول البصريين في ذلك، ثم إذا أعربوا أو عربوا قالوا خلاف ذلك ؟. والعاشر: قولهم امتنع نحو سكران من الصرف للصفة والزيادة، ونحو عثمان للعلمية والزيادة وإنما هذا قول الكوفيين، فأما البصريون فمذهبهم أن المانع الزيادة المشبهة لالفى التأنيث، ولهذا قال الجرجاني: وينبغى أن تعدموا مع الصرف ثمانية لا تسعة، وإنما شرطت العلمية أو الصفة لان الشبه لا يتقوم إلا بأحدهما، ويلزم الكوفيين أن يمنعوا صرف نحو عفريت - علما - فإن أجابوا بأن المعتبر هو زيادتان بأعيانهما، سألناهم عن علة الاختصاص، فلا يجدون مصرفا عن التعليل بمشابهة ألفى التأنيث، فيرجعون إلى ما اعتبره البصريون. والحادي عشر: قولهم في نحو قوله تعالى (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) إن الواو نائبة عن أو ولا يعرف ذلك في اللغة، وإنما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين، وأما الآية فقال أبو طاهر حمزة بن الحسين الاصفهانى في كتابه المسمى الرسالة المعربة عن شرف الاعراب القول فيها

ص 654

بأن الواو بمعنى أو عجز عن درك الحق، فاعلموا أن الاعداد التى تجمع قسمان: قسم يؤتى به ليضم بعضه إلى بعض وهو الاعداد الاصول، نحو (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة) ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض، وإنما يراد به الانفراد، لا الاجتماع، وهو الاعداد المعدولة كهذه الآية وآية سورة فاطر، وقال: أي منهم جماعة ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة، فكل جنس مفرد بعدد، وقال الشاعر: 894 - ولكنما أهلى بواد أنيسه * ذئاب تبغى الناس مثنى وموحدا ولم يقولوا ثلاث وخماس ويريدون ثمانية كما قال تعالى (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وللجهل بمواقع هذه الالفاظ استعملها المتنبي في غير موضع التقسيم، فقال: أحاد أم سداس في أحاد * لييلتنا المنوطة بالتنادي [60] وقال الزمخشري: فإن قلت الذى أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت: الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراده من العدد الذى أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: لم جاء العطف بالواو دون أو ؟ قلت: كما جاء بها في المثال المذكور، ولو جئت فيه بأولا علمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسمة على تثنية وبعضها على تثليث وبعضها على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذى دلت عليه الواو، وتحريره أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون

ص 655

من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاؤوا مختلفين في تلك الاعداد وإن شاؤا متفقين فيها، محظورا عليهم ما وراء ذلك. وأبلغ من هذه المقالة في الفساد قول من أثبت واو الثمانية، وجعل منها (سبعة وثامنهم كلبهم) وقد مضى في باب الواو أن ذلك لا حقيقة له، واختلف فيها هنا فقيل: عاطفة خبر هو جملة على خبر مفرد، والاصل هم سبعة وثامنهم كلبهم، وقيل: للاستئناف، والوقف على سبعة، وإن في الكلام تقريرا لكونهم سبعة، وكأنه لما قيل سبعة قيل: نعم وثامنهم كلبهم، واتصل الكلامان، ونظيره (إن الملوك إذا دخلوا قرية) الآية، فإن (وكذلك يفعلون) ليس من كلامها، ويؤيده أنه قد جاء في المقالتين الاوليين (رجما بالغيب) ولم يجئ مثله في هذه المقالة، فدل على مخالفتها لهما فتكون صدقا، ولا يرد ذلك بقوله تعالى (ما يعلمهم إلا قليل) لانه يمكن أن يكون المراد ما يعلم عدتهم أو قصتهم قبل أن نتلوها عليك إلا قليل من أهل الكتاب الذين عرفوه من الكتب، وكلام الزمخشري يقتضى أن القليل هم الذين قالوا سبعة، فيندفع الاشكال أيضا، ولكنه خلاف الظاهر، وقيل: هي واو الحال، أو الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الاسم بالصفة كمررت برجل ومعه سيف، فأما الواو الاولى فلا حقيقة لها، وأما واو الحال فأين عامل الحال إن قدرت هم ثلاثة أو هؤلاء ثلاثة، فإن قيل على التقدير الثاني: هو من باب (وهذا بعلى شيخا) قلنا: العامل المعنوي لا يحذف. الثاني عشر: قولهم المؤنث المجازى يجوز معه التذكير والتأنيث وهذا يتداوله الفقهاء في محاوراتهم، والصواب تقييده بالمسند إلى المؤنث المجازى، وبكون المسند فعلا أو شبهه، وبكون المؤنث ظاهرا، وذلك نحو طلع الشمس، ويطلع الشمس، وأطالع الشمس ولا يجوز: هذا الشمس، ولا هو الشمس، ولا الشمس

ص 656

هذا، أو هو، ولا يجوز في غير ضرورة الشمس طلع خلافا لابن كيسان، واحتج بقوله: 895 - [فلا مزنة ودقت ودقها] * ولا أرض أبقل إبقالها [ص 670] قال: وليس بضرورة لتمكنه من أن يكون أبقلت ابقالها بالنقل، ورد بأنا لا نسلم أن هذا الشاعر ممن لغته تخفيف الهمزة بنقل أو غيره. الثالث عشر: قولهم ينوب بعض حروف الجر عن بعض وهذا أيضا مما يتداولونه ويستدلون به، وتصحيحه بإدخال قد على قولهم ينوب، وحينئذ فيتعذر استدلالهم به، إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه: لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة، ولو صح قولهم لجاز أن يقال: مررت في زيد، ودخلت من عمرو، وكتبت إلى القلم، على أن البصريين ومن تابعهم يرون في الاماكن التى ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف، لان التجوز في الفعل أسهل منه في الحرف.

التحقيق في إعادة النكرة نكرة أو معرفة، وكذلك المعرفة

الرابع عشر: قولهم إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الاولى، وإذا أعيدت معرفة أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثاني عين الاول وحملوا على ذلك ما ورى لن يغلب عسر يسرين قال الزجاج: ذكر العسر مع الالف واللام ثم ثنى ذكره، فصار المعنى إن مع اليسر يسرين، اه‍. ويشهد للصورتين الاوليين أنك تقول: اشتريت فرسا ثم بعت فرسا، فيكون الثاني غير الاول، ولو قلت. ثم بعت الفرس، لكان الثاني عين الاول، وللرابع قول الحماسي: 896 - صفحنا عن بنى ذهل * وقلنا: القوم إخوان عسى الايام أن يرجعن قوما كالذى كانوا ويشكل على ذلك أمور ثلاثة.

ص 657

أحدها: أن الظاهر في آية (ألم نشرح) أن الجملة الثانية تكرار للجملة الاولى كما تقول إن لزيد دارا إن لزيد دارا وعلى هذا فالثانية عين الاولى والثانى: أن ابن مسعود قال: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين، مع أن الآية في قراءته وفى مصحفه مرة واحدة، فدل على ما ادعيناه من التأكيد، وعلى أنه لم يستفد تكرر اليسر من تكرره، بل هو من غير ذلك كأن يكون فهمه مما في التنكير من التفخيم فتأوله بيسر الدارين والثالث: أن في التنزيل آيات ترد هذه الاحكام الاربعة، فيشكل على الاول قوله تعالى (الله الذى خلقكم من ضعف) الآية، (وهو الذى في السماء إله، وفى الارض إله) والله إله واحد سبحانه وتعالى، وعلى الثاني قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) فالصلح الاول خاص، وهو الصلح بين الزوجين، والثانى عام، ولهذا يستدل بها على استحباب كل صلح جائز، ومثله (زدناهم عذابا فوق العذاب) والشئ لا يكون فوق نفسه، وعلى الثالث قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) فإن الملك الاول عام، والثانى خاص (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) فإن الاول العمل والثانى الثواب (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) فإن الاولى القاتلة والثانية المقتولة، وكذلك بقية الآية. وعلى الرابع (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) وقوله: 897 - [بلاد بها كنا وكنا من أهلها] * إذ الناس ناس والزمان زمان (1) فإن الثاني لو ساوى الاول في مفهومه لم يكن في الاخبار به عنه فائدة، وإنما هذا من باب قوله:

(هامش)

(1) المحفوظ: * إذ الناس ناس والبلاد بلاد * ورأيته بالقافية التى رواها المؤلف في رسالة للبديع الهمذانى أثرها صاحب اليتيمة 4 / 271 وذكر البديع أنه لرجل من عاد، وفيه وكنا نحبها . (*)

ص 658

* أنا أبو النجم وشعرى شعرى * [536] أي وشعرى لم يتغير عن حالته. فإذا ادعى أن القاعدة فيهن إنما هي مستمرة مع عدم القرينة، فأما إن وجدت قرينة فالتعويل عليها، سهل الامر. وفى الكشاف فإن قلت: ما معنى لن يغلب عسر يسرين ؟ قلت: هذا حمل على الظاهر، وبناء على قوة الرجاء، وأن وعد الله لا يحمل إلا على أبلغ ما يحتمله اللفظ، والقول فيه أن الجملة الثانية يحتمل أن تكون تكريرا للاولى كتكرير (ويل يومئذ للمكذبين) لتقرير معناها في النفوس (1) وكتكرير المفرد في نحو جاء زيد زيد، وأن تكون الاولى عدة بأن العسر مردوف باليسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع باليسر لا محالة، فهما يسران على تقدير الاستئناف وإنما كان العسر واحد لان اللام إن كانت فيه للعهد في العسر الذى كانوا فيه فهو هو، لان حكمه حكم زيد في قولك إن مع زيد مالا إن مع زيد مالا وإن كانت للجنس الذى يعلمه كل أحد فهو هو أيضا، وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا فقد تناول بعضا آخر، ويكون الاول ما تيسر لهم من الفتوح في زمنه عليه الصلاة والسلام، والثانى ما تيسر في أيام الخلفاء، ويحتمل أن المراد بهما يسر الدنيا ويسر الآخرة مثل (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) وهما الظفر والثواب اه ملخصا. وقال بعضهم: الحق أن في تعريف الاول ما يوجب الاتحاد، وفى التنكير يقع الاحتمال، والقرينة تعين، وبيانها هنا أنه عليه الصلاة والسلام كان هو وأصحابه في عسر الدنيا، فوسع الله عليهم بالفتوح والغنائم، ثم وعد عليه الصلاة والسلام بأن الآخرة خير له من الاولى، فالتقدير: إن مع العسر في الدنيا يسرا في الدنيا وإن مع

(هامش)

(1) في نسخة في النفس . (*)

ص 659

العسر في الدنيا يسرا في الآخرة، للقطع بأنه لا عسر عليه في الآخرة، فتحققنا اتحاد العسر، وتيقنا أن له يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة. الخامس عشر: قولهم يجب أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها وهذا مشهور في كتبهم وعلى ألسنتهم، وليس بلازم عند سيبويه، ويشهد لذلك أمور: أحدها: قولك أعجبني وجه زيد متبسما، وصوته قارئا فإن صاحب الحال معمول للمضاف أو لجار مقدر، والحال منصوبة بالفعل. والثانى قوله: لمية موحشا طلل * [يلوح كأنه خلل] [125] فإن صاحب الحال عند سيبويه النكرة، وهو عنده مرفوع بالابتداء، وليس فاعلا كما يقول الاخفش والكوفيون، والناصب للحال الاستقرار الذى تعلق به الظرف. والثالث: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) فإن (أمة) حال من معمول إن وهو (أمتكم) وناصب الحال حرف التنبيه أو اسم الاشارة، ومثله (وإن هذا صراطي مستقيما) وقال: ها بينا ذا صريح النصح فاصغ له * [وطع فطاعة مهد نصحه رشد] [801] العامل حرف التنبيه، ولك أن تقول: لا نسلم أن صاحب الحال طلل، بل ضميره المستتر في الظرف، لان الحال حينئذ حال من المعرفة، وأما جواب ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ فمخالف لاطلاقهم ولقول أبى الفتح في: [ألا يا نخلة من ذات عرق] * عليك ورحمة الله السلام [579]

ص 660

إن الاولى حمله على العطف على ضمير الظرف، لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وقد اعترض عليه بأنه تخلص عن ضرورة بأخرى، وهى العطف مع عدم الفصل، ولم يعترض بعدم الضمير، وجوابه أن عدم الفصل أسهل، لوروده في النثر ك‍ مررت برجل سواء والعدم حتى قيل: إنه قياس، وأما جواب ابن مالك بأن الحمل على طلل أولى لانه ظاهر، فإنما يصح لو ساوى الظاهر الضمير في التعريف، وأما البواقى فاتحاد العامل فيها موجود تقديرا، إذ المعنى أشير إلى أمتكم وإلى صراطي، وتنبه لصريح النصح بينا، وأما مسألتا المضاف إليه فصلاحية المضاف فيهما للسقوط جعل المضاف إليه كأنه معمول الفعل، وعلى هذا فالشرط في المسألة اتحاد العامل تحقيقا أو تقديرا. السادس عشر: قولهم يغلب المؤنث على المذكر في مسألتين: إحداهما ضبعان في تثنية ضبع للمؤنث، وضبعان للمذكر، إذ لم يقولوا ضبعانان، والثانية: التأريخ، فإنهم أرخوا بالليالى دون الايام ذكر ذلك الجرجاني وجماعة، وهو سهو، فإن حقيقة التغليب: أن يجتمع شيئان فيجرى حكم أحدهما على الآخر، ولا يجتمع الليل والنهار، ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما على الآخر، وإنما أرخت العرب بالليالى لسبقها، إذ كانت أشهرهم قمرية، والقمر إنما يطلع ليلا، وإنما المسألة الصحيحة قولك: كتبته لثلاث بين يوم وليلة، وضابطها: أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث، وكلاهما مما لا يعقل، وفصلا من العدد بكلمة بين، قال: 898 * - فطافت ثلاثا بين يوم وليلة * السابع عشر: قولهم في نحو (خلق الله السموات) إن السموات مفعول به، والصواب أنه مفعول مطلق: لان المفعول المطلق ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد، نحو

ص 661

قولك ضربت ضربا والمفعول به ما لا يقع عليه ذلك إلا مقيدا بقولك به كضربت زيدا، وأنت لو قلت السموات مفعول كما تقول الضرب مفعول كان صحيحا، ولو قلت السموات مفعول به كما تقول زيد مفعول به لم يصح. وقد يعارض هذا بأن يصاغ لنحو السموات في المثال اسم مفعول تام، فيقال: فالسموات مخلوقة، وذلك مختص بالمفعول به. إيضاح آخر: المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذى عمل فيه، ثم أوقع الفاعل به فعلا، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده، والذى غر أكثر النحويين في هذه المسألة أنهم يمثلون المفعول المطلق بأفعال العباد، وهم إنما يجرى على أيديهم إنشاء الافعال لا الذوات (1)، فتوهموا أن المفعول المطلق لا يكون إلا حدثا، ولو مثلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختص بذلك، لان الله تعالى موجد للافعال والذوات (2) جميعا، لا موجد لهما في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى، وممن قال بهذا الذى ذكرته الجرجاني وابن الحاجب في أماليه. وكذا البحث في أنشأت كتابا و عمل فلان خيرا و (آمنوا وعملوا الصالحات). وزعم ابن الحاجب في شرح المفصل وغيره أن المفعول المطلق يكون جملة، وجعل من ذلك نحو قال زيد عمرو منطلق وقد مضى رده، وزعم أيضا في أنبأت زيدا عمرا فاضلا أن الاول مفعول به، والثانى والثالث مفعول مطلق، لانهما نفس النبأ، قال: بخلاف الثاني والثالث في أعلمت زيدا عمرا فاضلا فإنهما متعلقا العلم، لا نفسه، وهذا خطأ، بل هما أيضا منبأ بهما، لا نفس النبأ، وهذا الذى قاله لم يقله أحد، ولا يقتضيه النظر الصحيح. الثامن عشر: قولهم في كاد: إثباتها نفى، ونفيها إثبات، فإذا قيل كاد

(هامش)

(1) في نسخة لا الذات .
(2) في نسخة للذوات والافعال جميعا . (*)

ص 662

يفعل فمعناه أنه لم يفعل، وإذا قيل لم يكد يفعل فمعناه أنه فعله، دليل الاول (وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك) وقوله: 899 - كادت النفس أن تفيض عليه * [إذ غدا حشو ريطة وبرود] ودليل الثاني (وما كادوا يفعلون) وقد اشتهر ذلك بينهم حتى جعله المعرى لغزا فقال: أنحوى هذا العصر ما هي لفظة * جرت في لساني جرهم وثمود إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت * وإن أثبتت قامت مقام جحود والصواب أن حكمها حكم سائر الافعال في أن نفيها نفى وإثباتها إثبات، وبيانه: أن معناها المقاربة، ولا شك أن معنى كاد يفعل قارب الفعل، وأن معنى ما كاد يفعل ما قارب الفعل، فخبرها منفى دائما، أما إذا كانت منفية فواضح، لانه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلا حصول ذلك الفعل، ودليله (إذا أخرج يده لم يكد يراها) ولهذا كان أبلغ من أن يقال لم يرها لان من لم يرقد يقارب الرؤية، وأما إذا كانت المقاربة مثبتة فلان الاخبار بقرب الشيء يقتضى عرفا عدم حصوله، وإلا لكان الاخبار حينئذ بحصوله، لا بمقاربة حصوله، إذ لا يحسن في العرف أن يقال لمن صلى: قارب الصلاة، وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة، ولا فرق فيما ذكرنا بين كاد ويكاد، فإن أورد على ذلك (وما كادوا يفعلون) مع أنهم قد فعلوا، إذ المراد بالفعل الذبح، وقد قال تعالى (فذبحوها) فالجواب أنه إخبار عن حالهم في أول الامر، فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها، بدليل ما يتلى علينا

ص 663

من تعنتهم وتكرر سؤالهم، ولما كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك توهم من توهم أن هذا الفعل بعينه هو الدال على حصول ذلك الفعل بعينه، وليس كذلك، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم في الآية من قوله تعالى: (فذبحوها). التاسع عشر: قولهم في السين وسوف: حرف تنفيس، والاحسن حرف استقبال، لانه أوضح، ومعنى التنفيس التوسيع، فإن هذا الحرف ينقل الفعل عن الزمن الضيق - وهو الحال - إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال. وههنا تنبيهان - أحدهما: أن الزمخشري قال في (أولئك سيرحمهم الله): إن السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهى مؤكدة للوعد، واعترضه بعض الفضلاء بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل، لا من السين، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله لا محالة لا إشعار للسين به، وأجيب بأن السين موضوعة للدلالة على الوقوع مع التأخر، فإن كان (1) المقام ليس مقام تأخر لكونه بشارة تمحضت لافادة الوقوع، وبتحقق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب. الثاني: قال بعضهم في (ستجدون آخرين): السين للاستمرار، لا للاستقبال مثل (سيقول السفهاء) فإنها نزلت بعد قولهم: (ما ولاهم عن قبلتهم ) الآية، ولكن دخلت السين إشعارا بالاستمرار، اه‍. والحق أنها للاستقبال، وأن (يقول) بمعنى يستمر على القول، وذلك مستقبل، فهذا في المضارع نظيرا (يا أيها الذين آمنوا آمنوا) في الامر، هذا إن سلم أن قولهم سابق على النزول، وهو خلاف المفهوم من كلام الزمخشري، فإنه سأل: ما الحكمة في الاعلام بذلك قبل وقوعه ؟.

(هامش)

(1) في نسخة فإذا كان - إلخ . (*)

ص 664

تمام العشرين: قولهم في نحو جلست أمام زيد : إن زيدا مخفوض بالظرف، والصواب أن يقال: مخفوض بالاضافة، فإنه لا مدخل في الخفض لخصوصية كون المضاف ظرفا. خاتمة - ينبغى للمعرب أن يتخير من العبارات أوجزها وأجمعها للمعنى المراد، فيقول في نحو ضرب: فعل ماض لم يسم فاعله، ولا يقول: مبنى لما لم يسم فاعله، لطول ذلك وخفائه، وأن يقول في المرفوع به: نائب عن الفاعل، ولا يقول مفعول ما لم يسم فاعله، لذلك ولصدق هذه العبارة على المنصوب (1) من نحو أعطى زيد دينارا ألا ترى أنه مفعول لاعطى، وأعطى لم يسم فاعله ؟ وأما النائب عن الفاعل فلا يصدق إلا على المرفوع، وأن يقول في قد: حرف لتقليل زمن الماضي وحدث الآنى ولتحقيق حدثهما، وفى أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، وفى لم: حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا، ويزيد في لما الجازمة متصلا نفيه متوقعا ثبوته، وفى الواو: حرف عطف لمجرد الجمع، أو لمطلق الجمع، ولا يقول: للجمع المطلق، وفى حتى: حرف عطف للجمع والغاية، وفى ثم: حرف عطف للترتيب والمهلة، وفى الفاء: حرف عطف للترتيب والتعقيب، وإذا اختصرت فيهن فقل: عاطف ومعطوف، وناصب ومنصوب، وجازم ومجزوم، كما تقول: جار ومجرور.

الباب السابع من الكتاب في كيفية الاعراب

والمخاطب: بمعظم هذا الباب المبتدئون

اعلم أن اللفظ المعبر عنه إن كان حرفا واحدا عبر عنه باسمه الخاص به أو المشترك

(هامش)

(1) في نسخة ولصدق هذه العبارة بالمنصوب - إلخ . (*)

ص 665

فيقال في المتصل بالفعل من نحو ضربت : التاء فاعل، أو الضمير فاعل، ولا يقال ت فاعل، كما بلغني عن بعض المعلمين، إذ لا يكون اسم [ظاهر] هكذا فأما الكاف الاسمية فإنها ملازمة للاضافة، فاعتمدت على المضاف إليه، ولهذا إذا تكلمت على إعرابها جئت باسمها فقلت في [نحو] قوله: 900 - * وما هداك إلى أرض كعالمها * الكاف فاعل، ولا تقول ك فاعل، لزوال ما تعتمد عليه، ويجوز في نحو م الله و ق نفسك و ش الثوب و ل هذا الامر أن تنطق بلفظها فتقول: م مبتدأ، وذلك على القول بأنها بعض أيمن، وتقول: ق فعل أمر، لان الحذف فيهن عارض، فاعتبر فيهن الاصل، وتقول: الباء حرف جر، والواو حرف عطف، ولا تنطق بلفظهما. وإن كان اللفظ على حرفين نطق به، فقيل: قد حرف تحقيق، وهل حرف استفهام، ونا فاعل أو مفعول، والاحسن أن تعبر عنه بقولك: الضمير، لئلا تنطق بالمتصل مستقلا، ولا يجوز أن تنطق باسم شئ من ذلك كراهية الاطالة، وعلى هذا فقولهم لا أقيس من قولهم: الالف واللام، وقد استعمل التعبير بهما الخليل وسيبويه. وإن كان أكثر من ذلك نطق به أيضا، فقيل: سوف حرف استقبال، وضرب فعل ماض، وضرب هذا اسم، ولهذا أخبر عنها بقولك فعل ماض، وإنما فتحت على الحكاية، يدلك على ما ذكرنا أن الفعل ما دل على حدث وزمان، وضرب هنا لا تدل على ذلك، وأن الفعل لا يخلو عن الفاعل في حالة التركيب، وهذا لا يصح أن يكون له فاعل، ومما يوضح لك ذلك أنك تقول في زيد من ضرب زيد زيد مرفوع بضرب، أو فاعل بضرب، فتدخل الجار عليه، وقال لى

ص 666

بعضهم: لا دليل في ذلك، لان المعنى بكلمة ضرب، فقلت له: وكيف وقع ضرب مضافا إليه مع أنه في ذلك ليس باسم في زعمك ؟ فإن قلت: فإذا كان اسما فكيف أخبرت عنه بأنه فعل ؟ قلت: هو نظير الاخبار في قولك زيد قائم ألا ترى أنك أخبرت عن زيد باعتبار مسماه، لا باعتبار لفظه ؟ وكذلك أخبرت عن ضرب باعتبار مسماة، وهو ضرب الدال (1) على الحدث والزمان، فهذا في أنه لفظ مسماه لفظ كأسماء السور وأسماء حروف المعجم، ومن هنا قلت: حرف التعريف أل، فقطعت الهمزة، وذلك لانك لما نقلت اللفظ من الحرفية إلى الاسمية أجريت عليه قياس همزات الاسماء، كما أنك إذا سميت باضرب قطعت همزته، وأما قول ابن مالك: إن الاسناد اللفظى يكون في الاسماء والافعال والحروف، وإن الذى يختص به الاسم هو الاسناد المعنوي، فلا تحقيق فيه. وقال لى بعضهم: كيف تتوهم أن ابن مالك اشتبه عليه الامر في الاسم والفعل والحرف ؟ فقلت: كيف توهم ابن مالك أن النحويين كافة غلطوا في قولهم: إن الفعل يخبر به، ولا يخبر عنه، وإن الحرف لا يخبر به ولا عنه، وممن قلد ابن مالك في هذا الوهم أبو حيان.

ولابد للمتكلم على الاسم أن يذكر ما يقتضى وجه إعرابه

كقولك: مبتدأ، خبر، فاعل، مضاف إليه، وأما قول كثير من المعربين مضاف أو موصول أو اسم إشارة فليس بشئ، لان هذه الاشياء لا تستحق إعرابا مخصوصا، فالاقتصار في الكلام عليها على هذا القدر لا يعلم به موقعها من الاعراب، وإن كان المبحوث فيه مفعولا عين نوعه، فقيل: مفعول مطلق، أو مفعول به، أو لاجله، أو معه، أو فيه، وجرى اصطلاحهم على أنه إذا قيل مفعول وأطلق لم يرد إلا المفعول به، لما كان أكثر المفاعيل دورا في الكلام خففوا اسمه، وإنما كان حق ذلك

(هامش)

(1) في نسخة وهو ضرب الذى يدل على الحدث والزمان . (*)

ص 667

أن لا يصدق إلا على المفعول المطلق، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول إلا مقيدا بقيد الاطلاق، وإن عين المفعول فيه - فقيل: ظرف زمان أو مكان - فحسن ولابد من بيان متعلقه كما في الجار والمجرور الذى له متعلق، وإن كان المفعول به متعددا عينت كل واحد فقلت: مفعول أول، أو ثان، أو ثالث. وينبغى أن تعين للمبتدئ نوع الفعل، فتقول: فعل ماض، أو فعل مضارع، أو فعل أمر، وتقول في نحو تلظى: فعل مضارع أصله تتلظى، وتقول في الماضي: مبنى على الفتح، وفى الامر: مبنى على ما يجزم به مضارعه، وفى نحو (يتربصن) مبنى على السكون لاتصاله بنون الاناث، وفى نحو (لينبذن): مبنى على الفتح لمباشرته لنون التوكيد، وتقول في المضارع المعرب: مرفوع لحلوله محل الاسم، وتقول: منصوب بكذا، أو بإضمار أن، ومجزوم بكذا، ويبين علامة الرفع والنصب والجزم، وإن كان الفعل ناقصا نص عليه فقال مثلا: كان فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وإن كان المعرب حالا في غير محله عين ذلك: فقيل في قائم مثلا من نحو قائم زيد : خبر مقدم، ليعلم أنه فارق موضعه الاصلى، وليتطلب مبتدأه، وفى نحو (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة): الذين مفعول مقدم، ليتطلب فاعله، وإن كان الخبر مثلا غير مقصود لذاته قيل: خبر موطئ، ليعلم أن المقصود ما بعده كقوله تعالى (بل أنتم قوم تجهلون) وقوله: كفى بجسمى نحولا أننى رجل * لولا مخاطبتي إياك لم ترنى [159] ولهذا أعيد الضمير بعد قوم ورجل إلى ما قبلهما، لا إليهما، ومثله الحال الموطئة في نحو (إنا أنزلناه قرآنا عربيا). وإن كان المبحوث فيه حرفا بين نوعه ومعناه وعمله إن كان عاملا، فقال مثلا

ص 668

إن حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر، لن: حرف نفى ونصب واستقبال، أن: حرف مصدري ينصب الفعل المضارع، لم: حرف نفى يجزم المضارع ويقلبه ماضيا، ثم بعد الكلام على المفردات يتكلم عن الجمل (1)، ألها محل من الاعراب أم لا ؟ فصل

وأول ما يحترز منه المبتدئ في صناعة الاعراب:

ثلاثة أمور: أحدها: أن يلتبس عليه الاصلى بالزائد، ومثاله أنه إذا سمع أن أل من علامات الاسم، وأن أحرف نأيت من علامات المضارع، وأن تاء الخطاب من علامات الماضي، وأن الواو والفاء من أحرف العطف، وأن الباء واللام من أحرف الجر، وأن فعل ما لم يسم فاعله مضموم الاول، سبق وهمه إلى أن ألفيت وألهبت اسمان، وأن أكرمت وتعلمت مضارعان، وأن وعظ وفسخ عاطفان ومعطوفان، وأن نحو بيت وبين ولهو ولعب كل منهما جار ومجرور، وأن نحو أدحرج مبنى لما لم يسم فاعله، وقد سمعت من يعرب (ألهاكم التكاثر) مبتدأ وخبرا، فظنهما مثل قولك المنطلق زيد . ونظير هذا الوهم قراءة كثير من العوام (نار حامية ألهاكم التكاثر) بحذف الالف كما تحذف أول السورة في الوصل فيقال (لخبير القارعة) وذكر [لى] عن رجل كبير من الفقهاء ممن يقرأ علم العربية أنه استشكل قول الشريف المرتضى: 901 - أتبيت ريان الجفون من الكرى * وأبيت منك بليلة الملسوع وقال: كيف ضم التاء من تبيت وهى للمخاطب لا للمتكلم ؟ وفتحها من أبيت وهو للمتكلم لا للمخاطب فبينت للحاكي أن الفعلين مضارعان، وأن التاء فيهما لام الكلمة، وأن الخطاب في الاول مستفاد من تاء المضارعة، والتكلم في الثاني

(هامش)

(1) في نسخة يتكلم على الجمل . (*)

ص 669

مستفاد من الهمزة، والاول مرفوع لحلوله محل الاسم، والثانى منصوب بأن مضمرة بعد واو المصاحبة على حد قول الحطيئة: 902 - ألم أك جاركم ويكون بينى * وبينكم المودة والاخاء ؟ وحكى العسكري في كتاب التصحيف أنه قيل لبعضهم: ما فعل أبوك بحماره ؟ فقال: باعه، فقيل له: لم قلت باعه ؟ قال: فلم قلت أنت بحماره ؟ فقال: أنا جررته بالباء، فقال: فلم تجر باؤك وبائى لا تجر ؟ ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التاريخي في كتاب أخبار النحويين أن رجلا قال لسماك بالبصرة: بكم هذه السمكة ؟ فقال: بدرهمان، فضحك الرجل، فقال السماك: أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان. وقلت يوما: ترد الجملة الاسمية الحالية بغير واو في فصيح الكلام، خلافا للزمخشري، كقوله تعالى: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) فقال بعض من حضر: هذه الواو في أولها. وقلت يوما: الفقهاء يلحنون في قولهم البايع بغير همز، فنال قائل: فقد قال الله تعالى (فبايعهن). وقال الطبري في قوله تعالى (أثم إذ ما وقع): إن ثم بمعنى هنالك. وقال جماعة من المعربين في قوله تعالى (وكذلك نجى المؤمنين) في قراءة ابن عامر وأبى بكر بنون واحدة: إن الفعل ماض، ولو كان كذلك لكان آخره مفتوحا، والمؤمنين مرفوعا. فإن قيل: سكنت الياء للتخفيف كقوله: 903 - * هو الخليفة فارضوا ما رضى لكم * وأقيم ضمير المصدر مقام الفاعل.

الصفحة السابقة الصفحة التالية

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب