الصفحة السابقة

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 670

قلنا: الاسكان ضرورة، وإقامة غير المفعول به مقامه مع وجوده ممتنعة، بل إقامة ضمير المصدر ممتنعة، ولو كان وحده، لانه مبهم. ومما يشتبه نحو (تولوا) بعد الجازم والناصب، والقرائن تبين، فهو في نحو (فإن تولوا فقل حسبى الله) ماض، وفى نحو (وإن تولوا فإنى أخاف عليكم) (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم) مضارع، وقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) الاول أمر، والثانى مضارع، لان النهى لا يدخل على الامر، و (تلظى) في (فأنذرتكم نارا تلظى) مضارع، وإلا لقيل: تلظت، وكذا تمنى من قوله: تمنى ابنتاى أن يعيش أبو هما * [وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر] ؟ [806] ووهم ابن مالك فجعله ماضيا من باب. [فلا مزنة ودقت ودقها] * ولا أرض أبقل إبقالها [895] وهذا حمل على الضرورة من غير ضرورة. ومما يلتبس على المبتدئ أن يقول في نحو مررت بقاض إن الكسرة علامة الجر، حتى إن بعضهم يستشكل قوله تعالى (لا ينكحها إلا زان أو مشرك) وقد سألني بعضهم عن ذلك فقال: كيف عطف المرفوع على المجرور ؟ فقلت: فهلا استشكلت ورود الفاعل مجرورا، وبينت له أن الاصل زانى بياء مضمومة، ثم حذفت الضمة للاستثقال، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة هي والتنوين، فيقال فيه: فاعل، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة، ويقال في نحو مررت بقاض : جار ومجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة، وفى نحو (والفجر وليال عشر) والفجر جار ومجرور، وليال عاطف

ص 671

ومعطوف، وعلامة جره فتحه مقدرة على الياء المحذوفة، وإنما قدرت الفتحة مع خفتها لنيابتها عن الكسرة، ونائب الثقيل ثقيل، ولهذا حذفت الواو في يهب كما حذفت في يعد، ولم تحذف في يوجل، لان فتحته ليست نائبة عن الكسرة، لان ماضيه وجل بالكسر فقياس مضارعه الفتح، وماضيهما فعل بالفتح فقياس مضارعهما الكسر، وقد جاء يعد على ذلك، وأما يهب فإن الفتحة فيه عارضة لحرف الحلق. ومن هنا أيضا قال أبو الحسن في يا غلاما: يا غلام، بحذف الالف وإن كانت أخف الحروف، لان أصلها الياء. ومن ذلك أن يبادر في نحو المصطفين والاعلين إلى الحكم بأنه مثنى، والصوب أن ينظر أولا في نونه، فإن وجدها مفتوحة كما في قوله تعالى (وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار) حكم بأنه جمع، وفى الآية دليل ثان، وهو وصفه بالجمع، وثالث وهو دخول من التبعيضية عليه بعد (وإنهم) ومحال أن يكون الجمع من الاثنين، وقال الاحنف [بن قيس]: 904 - تحلم عن الادنين واستبق ودهم * ولن تستطيع الحلم حتى تحلما ومن ذلك أن يعرب الياء والكاف والهاء في نحو غلامي أكرمنى، وغلامك أكرمك، وغلامه أكرمه إعرابا واحدا، أو بعكس الصواب، فليعلم أنهن إذا اتصلن بالفعل كن مفعولات، وإن اتصلن بالاسم كن مضافا إليهن، ويستثنى من الاول، نحو أرأيتك زيدا ما صنع، وأبصرك زيدا فإن الكاف فيهما حرف خطاب، ومن الثاني نوعان: نوع لا محل فيه لهذه الالفاظ، وذلك نحو قولهم ذلك، وتلك، وإياى، وإياك، وإياه فإنهن أحرف تكلم وخطاب وغيبة، ونوع هي فيه في محل نصب، وذلك نحو الضاربك،

ص 672

والضاربه على قول سيبويه، لانه لا يضاف الوصف الذى بأل إلى عار منها، ونحو قولهم لا عهد لى بألام قفا منه ولا أو ضعه بفتح العين، فالهاء في موضع نصب كالهاء في الضاربه إلا أن ذلك مفعول، وهذا مشبه بالمفعول، لان اسم التفضيل لا ينصب المفعول إجماعا، وليست مضافا إليها وإلا لخفض أوضع بالكسرة، وعلى ذلك فإن قلت مررت برجل أبيض الوجه لا أحمره فإن فتحت الراء فالهاء منصوبة المحل، وإن كسرتها فهى مجرورته ومن ذلك قوله: 905 - [فإن يكن النكاح أحل شئ] * فإن نكاحها مطر حرام فيمن رواه بجر مطر، فالضمير منصوب على المفعولية، وهو فاصل بين المتضايفين تنبيه - إذا قلت رويدك زيد فإن قدرت رويدا اسم فعل فالكاف حرف خطاب، وإن قدرته مصدرا فهو اسم مضاف إليه، ومحله الرفع، لانه فاعل. والثانى: أن يجرى لسانه على عبارة (1) اعتادها فيستعملها في غير محلها، كأن يقول في كنت، وكانوا في الناقصة: فعل وفاعل، لما ألف من قول ذلك في نحو فعلت وفعلوا، وأما تسمية الاقدمين الاسم فاعلا والخبر مفعولا فهو اصطلاح غير مألوف، وهو مجاز، كتسميتهم الصورة الجميلة دمية، والمبتدئ إنما يقوله على سبيل الغلط، فلذلك يعاب عليه. والثالث: أن يعرب شيئا طالبا لشئ، ويهمل النظر في ذلك المطلوب، كأن يعرب فعلا ولا يتطلب فاعله، أو مبتدأ ولا يتعرض لخبره، بل ربما مر به ربه فأع بما لا يستحقه ونسى ما تقدم له. فإن قلت: فهل من ذلك قول الزمخشري في قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم

(هامش)

(1) في نسخة إلى عبارة . (*)

ص 673

أنفسهم) الآية: قد أهمتهم: صفة لطائفة، ويظنون: صفة أخرى، أو حال بمعنى قد أهمتهم أنفسهم ظانين، أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها، ويقولون: بدل من يظنون، فكأنه نسى المبتدأ، فلم يجعل شيئا من هذه الجملة خبرا له. قلت: لعله رأى أن خبره محذوف، أي ومعكم طائفة صفتهم كيت وكيت، والظاهر أن الجملة الاولى خبر، وأن الذى سوغ الابتداء بالنكرة صفة مقدرة، أي وطائفة من غيركم، مثل السمن منوان بدرهم أي منه، أو اعتماده على واو الحال كما جاء في الحديث دخل عليه الصلاة والسلام وبرمة على النار وسألت كثيرا من الطلبة عن إعراب أحق ما سأل العبد مولاه فيقولون: مولاه مفعول، فيبقى لهم المبتدأ بلا خبر، والصواب أنه الخبر، والمفعول العائد المحذوف: أي سأله، وعلى هذا فيقال: أحق ما سأل العبد ربه، بالرفع، وعكسه إن مصابك المولى قبيح يذهب الوهم فيه إلى أن المولى خبر، بناء على أن المصاب اسم مفعول، وإنما هو مفعول، والمصاب مصدر بمعنى الاصابة، بدليل مجئ الخبر بعده، ومن هنا أخطأ من قال في مجلس الواثق بالله في قوله: أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم [782] إنه برفع رجل، وقد مضت الحكاية.

تنبيه - قد يكون للشئ إعراب إذا كان وحده

فإذا اتصل به شيء آخر تغير إعرابه، فينبغي التحرز في ذلك. من ذلك ما أنت، وما شأنك فإنهما مبتدأ وخبر، إذا لم تأت بعدهما بنحو قولك وزيدا فإن جئت به فأنت مرفوع بفعل محذوف، والاصل: ما تصنع، أو ما تكون، فلما حذف الفعل برز الضمير وانفصل، وارتفاعه بالفاعلية، أو على أنه اسم لكان، وشأنك بتقدير ما يكون، وما فيهما في موضع نصب خبرا

ص 674

ليكون، أو مفعولا لتصنع. ومثل ذلك كيف أنت وزيدا إلا أنك إذا قدرت تصنع كان كيف حالا، إذ لا تقع مفعولا به. وكذلك يختلف إعراب الشيء باعتبار المحل الذى يحل فيه، وسألت طالبا: ما حقيقة كان إذا ذكرت في قولك ما أحسن زيدا ؟ فقال: زائدة، بناء منه على أن المثال المسئول عنه ما كان أحسن زيدا وليس في السؤال تعيين ذلك، والصواب الاستفصال، فإنها في هذا الموضع زائدة كما ذكر، وليس لها اسم ولا خبر، لانها [قد] جرت مجرى الحروف، كما أن قل في قلما يقوم زيد لما استعملت استعمال ما النافية لم تحتج لفاعل، هذا قول الفارسى والمحققين، وعند أبى سعيد [هي] تامة وفاعلها ضمير الكون، وعند بعضهم هي ناقصة، واسمها ضمير ما، والجملة بعدها خبرها. وإن ذكرت بعد فعل التعجب وجب الاتيان قبلها بما المصدرية وقيل ما أحسن ما كان زيد وكان تامة، وأجاز بعضهم أنها ناقصة على تقدير ما اسما موصولا، وأن ينصب زيد على أنه الخبر، أي ما أحسن الذى كان زيدا، ورد بأن ما أحسن زيدا مغن عنه.

الباب الثامن من الكتاب في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية

وهى إحدى عشرة قاعدة:

القاعدة الاولى قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه:

في معناه، أو في لفظه، أو فيهما. فأما الاول فله صور كثيرة: إحداها: دخول الباء في خبر أن في قوله تعالى (أو لم يروا أن الله الذى

ص 675

خلق السموات والارض ولم يعى بخلقهن بقادر) لانه في معنى أو ليس الله بقادر، والذى سهل ذلك التقدير تباعد ما بينهما، ولهذا لم تدخل في (أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والارض قادر على أن يخلق مثلهم). ومثله إدخال الباء في (كفى بالله شهيدا) لما دخله من معنى اكتف بالله شهيدا، بخلاف قوله: قليل منك يكفيني، ولكن * [قليلك لا يقال له قليل] [152] وفى قوله: [هن الحرائر لا ربات أخمرة] * سود المحاجر لا يقرأن بالسور [32] لما دخله من معنى لا يتقربن بقراءة السور، ولهذا قال السهيلي: لا يجوز أن تقول وصل إلى كتابك فقرأت به على حد قوله: * لا يقرأن بالسور * لانه عار عن معنى التقرب. والثانية: جواز حذف خبر المبتدأ في نحو إن زيدا قائم وعمرو اكتفاء بخبر إن، لما كان إن زيدا قائم في معنى زيد قائم، ولهذا لم يجز ليت زيدا قائم وعمرو . والثالثة: جواز أنا زيدا غير ضارب لما كان في معنى أنا زيدا لا أضرب، ولولا ذلك لم يجز، إذ لا يتقدم المضاف إليه على المضاف. فكذا لا يتقدم معموله، لا تقول أنا زيدا أول ضارب، أو مثل ضارب ودليل المسألة قوله تعالى (وهو في الخصام غير مبين) وقول الشاعر: 906 - فتى هو حقا غبر ملغ توله * ولا تتخذ يوما سواه خليلا (1)

(هامش)

(1) حقا مفعول به لملغ، أي غير ملغ حقا. (*)

ص 676

وقوله: 907 - إن امرأ خصني يوما مودته * على التنائى لعندى غير مكفور ويحتمل أن يكون منه (فذلك يومئذ يوم عسير، على الكافرين غير يسير) ويحتمل تعلق (على) بعسير، أو بمحذوف هو نعت له، أو حال من ضميره. ولو قلت جاءني غير ضارب زيدا لم يجز التقديم، لان النافي هنا لا يحل مكان غيره. والرابعة: جواز غير قائم الزيدان لما كان في معنى ما قائم الزيدان، ولو لا ذلك لم يجز، لان المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو ذا مرفوع يغنى عن الخبر، ودليل المسألة قوله: 908 - غير لاه عداك فاطرح اللهو، * ولا تغترر بعارض سلم وهو أحسن ما قيل في بيت أبى نواس: غير مأسوف على زمن * ينقضى بالهم والحزن [262] والخامسة: إعطاؤهم ضارب زيد الآن أو غدا حكم ضارب زيدا في التنكير، لانه في معناه، ولهذا وصفوا به النكرة، ونصبوه على الحال، وخفضوه برب، وأدخلوا عليه أل، وأجاز بعضهم تقديم حال مجروره عليه نحو هذا ملتوتا شارب السويق كما يتقدم عليه حال منصوبه، ولا يجوز شئ من ذلك إذا أريد المضى، لانه حينئذ ليس في معنى الناصب. والسادسة: وقع الاستثناء المفرغ في الايجاب في نحو (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) لما كان المعنى وإنها لا تسهل إلا على الخاشعين، ولا يريد الله إلا أن يتم نوره.

ص 677

السابعة: العطف بولا بعد الايجاب في نحو: 909 - [فما سودتني عامر عن وراثة] * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب لما كان معناه قال الله لى: لا تسم بأم ولا أب. الثامنة: زيادة لا في قوله تعالى (ما منعك ألا تسجد) قال ابن السيد: المانع من الشيء آمر للممنوع أن لا يفعل، فكأنه قيل: ما الذى قال لك لا تسجد، والاقرب عندي أن يقدر في الاول لم يرد الله لى، وفى الثاني ما الذى أمرك، يوضحه في هذا أن الناهية لا تصاحب الناصبة، بخلاف النافية. التاسعة: تعدى رضى بعلى في قوله: إذا رضيت على بنو قشير * [لعمر الله أعجبني رضاها] [223] لما كان رضى عنه بمعنى أقبل عليه بوجه وده، وقال الكسائي: إنما جاز هذا حملا على نقيضه وهو سخط. العاشرة: رفع المستثنى على إبداله من الموجب في قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل) لما كان معناه فلم يكونوا منه، بدليل (فمن شرب منه فليس منى) وقيل: إلا وما بعدها صفة، فقيل: إن الضمير يوصف في هذا الباب، وقيل: مرادهم بالصفة عطف البيان، وهذا لا يخلص من الاعتراض إن كان لازما، لان عطف البيان كالنعت فلا يتبع الضمير، وقيل: قليل مبتدأ حذف خبره، أي لم يشربوا. الحادية عشرة: تذكير الاشارة في قوله تعالى (فذانك برهانان) مع أن المشار إليه اليد والعصا وهما مؤنثان، ولكن المبتدأ عين الخبر في المعنى والبرهان مذكر، ومثله (ثم لم نكن فتنتهم إلا أن قالوا) فيمن نصب الفتنة وأنث الفعل. الثانية عشرة: قولهم علمت زيد من هو برفع زيد جوازا، لانه نفس من في المعنى.

ص 678

الثالثة عشرة: قولهم إن أحدا لا يقول ذلك فأوقع أحدا في الاثبات لانه نفس الضمير المستتر في يقول، والضمير في سياق النفى فكان أحد كذلك، وقال في ليلة لا ترى بها أحدا * يحكى علينا إلا كواكبها [224] فرفع كواكبها بدلا من ضمير يحكى، لانه راجع إلى أحدا ، وهو واقع في سياق غير الايجاب، فكان الضمير كذلك. وهذا الباب واسع، ولقد حكى أبو عمرو بن العلاء أنه سمع شخصا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، فقال له: كيف قلت أتته كتابي ؟ فقال: أليس الكتاب في معنى الصحيفة ؟. وقال أبو عبيدة لرؤبة بن العجاج لما أنشد: 910 - فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق إن أردت الخطوط فقل: كأنها، أو السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت ذلك ويلك. وقالوا مررت برجل أبى عشرة نفسه، وبقوم عرب كلهم، وبقاع عرفج كله برفع التوكيد فيهن، فرفعوا الفاعل بالاسماء الجامدة، وأكدوه لما لحظوا فيها المعنى، إذ كان العرب بمعنى الفصحاء، والعرفح بمعنى الخشن، والاب بمعنى الولد. تنبيهان - الاول: أنه وقع في كلامهم أبلغ مما ذكرنا من تنزيلهم لفظا موجودا منزلة لفظ آخر لكونه بمعناه، وهو تنزيلهم اللفظ [المعدوم] الصالح للوجود بمنزلة الموجود كما في قوله: بدالى أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [135] وقد مضى ذلك.

ص 679

والثانى: أنه ليس بلازم أن يعطى الشيء حكم ما هو في معناه، ألا ترى أن المصدر قد لا يعطى حكم أن أو أن وصلتهما، وبالعكس، دليل الاول أنهم لم يعطوه حكمهما في جواز حذف الجار، ولا في سدهما مسد جزءى الاسناد، ثم إنهم شركوا بين أن وأن في هذه المسألة في باب ظن، وخصوا أن الخفيفة وصلتها بسدها مسدهما في باب عسى، وخصوا الشديدة بذلك في باب لو، ودليل الثاني أنهما لا يعطيان حكمه في النيابة عن ظرف الزمان، تقول: عجبت من قيامك، وعجبت أن تقوم، وأنك قائم، ولا يجوز: عجبت قيامك، وشذ قوله: 911 - فإياك إياك المراء فإنه * إلى الشر دعاء وللشر جالب فأجرى المصدر مجرى أن يفعل في حذف الجار، وتقول حسبت أنه قائم، أو أن قام ولا تقول حسبت قيامك حتى تذكر الخبر، وتقول عسى أن تقوم ويمتنع: عسى أنك قائم، ومثلها في ذلك لعل، وتقول: لو أنك تقوم، ولا تقول لو أن تقوم، وتقول: جئتك صلاة العصر، ولا يجوز جئتك أن تصلى العصر خلافا لابن جنى والزمخشري. والثانى - وهو ما أعطى حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه - له صور كثيرة أيضا: أحدها: زيادة إن بعد ما المصدرية الظرفية، وبعد ما التى بمعنى الذى، لانهما بلفظ ما النافية كقوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [27] وقوله: يرجى المرء ما إن لا يراه * وتعرض دون أدناه الخطوب [26] فهذان محمولان على نحو قوله: 912 - ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * كاليوم هانئ أينق جرب

ص 680

الثانية: دخول لام الابتداء على ما النافية: حملا لها في اللفظ على ما الموصولة الواقعة مبتدأ، كقوله: 913 - لما أغفلت شكرك فاصطنعني * فكيف ومن عطائك جل مالى ؟ فهذا محمول في اللفظ على نحو قولك لما تصنعه حسن . الثالثة: توكيد المضارع بالنون بعد لا النافية حملا لها في اللفظ على لا الناهية نحو (أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) ونحو (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فهذا محمول في اللفظ على نحو (ولا تحسبن الله غافلا) ومن أولها على النهى لم يحتج إلى هذا. الرابعة: حذف الفاعل في نحو قوله تعالى (أسمع بهم وأبصر) لما كان أحسن بزيد مشبها في اللفظ لقولك امرر بزيد . الخامسة: دخول لام الابتداء بعد إن التى بمعنى نعم، لشبهها في اللفظ بإن المؤكدة، قاله بعضهم في قراءة من قرأ (إن هذان لساحران) وقد مضى البحث فيها. السادسة: قولهم اللهم اغفر لنا أيتها العصابة بضم أية ورفع صفتها كما يقال يا أيتها العصابة وإنما [كان] حقهما وجوب النصب كقولهم نحن العرب أقرى الناس للضيف ولكنها لما كانت في اللفظ بمنزلة المستعملة في النداء أعطيت حكمها وإن انتفى موجب البناء، وأما نحن العرب في المثال فإنه لا يكون منادى، لكونه بأل، فأعطى الحكم الذى يستحقه في نفسه، وأما نحو نحن معاشر الانبياء لا نورث فواجب النصب، سواء اعتبر حاله أو حال ما يشبهه وهو المنادى. السابعة: بناء باب حذام في لغة الحجاز على الكسر، تشبيها لها بدراك ونزال، وذلك مشهور في المعارف، وربما جاء في غيرها، وعليه وجه قوله: 914 - يا ليت حظى من جداك الصافى * والفضل أن تتركني كفاف

ص 681

فالاصل كفافا، فهو حال، أو ترك كفاف، فمصدر، ومنه عند أبى حاتم قوله: 915 - جاءت لتصرعني، فقلت لها: اقصرى * إنى امرؤ صرعى عليك حرام وليس كذلك، إذ ليس لفعله فاعل أو فاعلة، فالاولى قول الفارسى إن أصله حرامى كقوله: [أطربا وأنت قنسرى] * والدهر بالانسان دوارى [12] ثم خفف، ولو أقوى (1) لكان أولى، وأما قوله: طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن ليس حين يقاء [413] فعلة بنائه قطعه عن الاضافة، ولكن علة كسره وكونه لم يسلك به في الضم مسلك قبل وبعد شبهه بنزال. الثامنة: بناء حاشا في (وقلن حاش لله) لشبهها في اللفظ بحاشا الحرفية، والدليل على اسميتها قراءة بعضهم (حاشا) بالتنوين على إعرابها كما تقول تنزيها لله وإنما قلنا إنها ليست حرفا لدخولها على الحرف، ولا فعلا إذ ليس بعدها اسم منصوب بها، وزعم بعضهم أنها فعل حذف مفعوله، أي جانب يوسف المعصية لاجل الله وهذا التأويل لا يتأتى في كل موضع، يقال لك: أتفعل كذا ؟ أو أفعلت كذا ؟ فنقول حاشا لله فإنما هذه بمعنى تبرأت لله براءة من هذا الفعل، ومن نونها أعربها على إلغاء هذا الشبه، كما أن بنى تميم أعربوا باب حذام لذلك. التاسعة: قول بعض الصحابة رضى الله تعالى عنهم قصرنا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط وآمنه فأوقع قط بعد ما المصدرية كما تقع بعد ما النافية. العاشرة: إعطاء الحرف حكم مقاربه في المخرج حتى أدغم فيه، نحو (خلق كل شئ) و (لك قصورا) وحتى اجتمعا رويبن كقوله:

(هامش)

(1) أقوى: أي خالف بين حركات الروى، فرفع حرام لكونه خبر المبتدأ. (*)

ص 682

916 - بنى إن البر شيء هين * المنطق الطيب والطعيم وقول أبى جهل: ما تنقم الحرب العوان منى * بازل عامين حديث سنى * لمثل هذا ولدتني أمي * [58] وقول آخر: 917 - إذا ركبت فاجعلوني وسطا * إنى كبير لا أطيق العندا (1) ويسمى ذلك إكفاء. والثالث - وهو ما أعطى حكم الشيء لمشابهته له لفظا ومعنى - نحو اسم التفضيل وأفعل في التعجب، فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بأفعل في التعجب وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة، وأجازوا تصغير أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا، قال: 918 - ياما أميلح غزلانا شدن لنا * [من هؤ ليائكن الضال والسمر] ولم يسمع ذلك إلا في أحسن وأملح، ذكره الجوهري، ولكن النحويين مع هذا قاسوه، ولم يحك ابن مالك اقتياسه إلا عن ابن كيسان، وليس كذلك، قال أبو بكر بن الانباري: ولا يقال إلا لمن صغر سنه.

القاعدة الثانية أن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره

كقول بعضهم هذا جحر ضب خرب بالجر، والاكثر الرفع، وقال:

(هامش)

(1) العند: جمع عاند - بوزن راكع وركع - وهو الذى يحيد عن الطريق. (*)

ص 683

[كأن أبانا في عرانين وبله] * كبير أناس في بجاد مزمل [759] وقيل به في (وحور عين) فيمن جرهما، فإن العطف على (ولدان مخلدون) لا على (أكواب وأباريق) إذ ليس المعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور، وقيل: العطف على (جنات) وكأنه قيل: المقربون في جنات وفاكهة ولحم طير وحور، وقيل: على (أكواب) باعتبار المعنى، إذ معنى (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب) ينعمون بأكواب، وقيل في (وأرجلكم) بالخفض: إنه عطف على (أيديكم) لا على (رءوسكم)، إذ الارجل مغسولة لا ممسوحة، ولكنه خفض لمجاورة (رءوسكم) والذى عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلا كما مثلنا، وفى التوكيد نادرا كقوله: 919 - يا صاح بلغ ذوى الزوجات كلهم * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب قال الفراء: أنشدنيه أبو الجراح بخفض كلهم، فقلت له: هلا قلت كلهم - يعنى بالنصب - فقال: هو خير من الذى (1) قلته أنا، ثم استنشدته إياه، فأنشدنيه بالخفض، ولا يكون في النسق، لان العاطف يمنع من التجاور، وقال الزمخشري: لما كانت الارجل من بين الاعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها كانت مظنة الاسراف المذموم شرعا، فعطف (2) على الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل (إلى الكعبين) فجئ بالغاية إماطة لظن من يظن أنها ممسوحة، لان المسح لم تضرب له غاية في الشريعة، انتهى. تنبيه - أنكر السيرافى وابن جنى الخفض على الجوار، وتأولا قولهم خرب بالجر على أنه صفة لضب

(هامش)

(1) في نسخة مما قلته أنا . (2) في نسخة فعطفت . (*)

ص 684

ثم قال السيرافى: الاصل خرب الجحر منه، بتنوين خرب ورفع الجحر، ثم حذف الضمير للعلم به، وحول الاسناد إلى ضمير الضب، وخفض الجحر كما تقول مررت برجل حسن الوجه بالاضافة، والاصل حسن الوجه منه ثم أتى بضمير الجحر مكانه لتقدم ذكره فاستتر. وقال ابن جنى: الاصل خرب جحره، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر. ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له، وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس، وقول السيرافى إن هذا مثل مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين مردود، لان ذلك إنما يجوز في الوصف الثاني دون الاول على ما سيأتي. ومن ذلك قولهم هنأني ومرأنى والاصل أمرأنى، وقولهم هو رجس نجس بكسر النون وسكون الجيم، والاصل نجس بفتحة فكسرة، كذا قالوا، وإنما يتم هذا أن لو كانوا لا يقولون هذا نجس بفتحة فكسرة، وحينئذ فيكون محل الاستشهاد إنما هو الالتزام للتناسب، وأما إذا لم يلتزم فهذا جائز بدون تقدم رجس، إذ يقال فعل بكسرة فسكون في كل فعل بفتحة فكسرة، نحو: كتف ولبن ونبق، وقولهم أخذه ما قدم وما حدث بضم دال حدث، وقراءة جماعة (سلاسلا وأغلالا) بصرف سلاسل، وفى الحديث ارجعن مأزورات غير مأجورات والاصل موزورات بالواو لانه من الوزر، وقراءة أبى حبة (يؤقنون) بالهمزة، وقوله: 920 - أحب المؤقدين إلى مؤسى * وجعدة، إذ أضاءهما الوقود

ص 685

بهمز المؤقدين ومؤسى على إعطاء الواو المجاورة للضمة حكم الواو المضمومة، فهمزت كما قيل في وجوه: أجوه: وفى وقتت: أقتت، ومن ذلك قولهم في صوم: صيم، حملا على قولهم في عصو عصى، وكان أبو على ينشد في مثل ذلك: 921 - * قد يؤخذ الجار بجرم الجار *

القاعدة الثالثة قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه

ويسمى ذلك تضمينا. وفائدته: أن تؤدى كلمة مؤدى كلمتين، قال الزمخشري: ألا ترى كيف رجع معنى (ولا تعد عيناك عنهم) إلى قولك: ولا تقتحم عيناك مجاوزين إلى غيرهم (ولا تأكلوا أمولهم إلى أموالكم) أي ولا تضموها إليها آكلين، اه‍. ومن مثل ذلك أيضا قوله تعالى (الرفث إلى نسائكم) ضمن الرفث معنى الافضاء، فعدى بإلى مثل (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) وإنما أصل الرفث أن يتعدى بالباء، يقال: أرفث فلان بامرأته، وقوله تعالى (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) أي فلن تحرموه، أي فلن تحرموا ثوابه، ولهذا عدى إلى اثنين لا إلى واحد، وقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح) أي لا تنووا، ولهذا عدى بنفسه لا بعلى، وقوله تعالى (لا يسمعون إلى الملا الاعلى) أي لا يصغون. وقولهم سمع الله لمن حمده أي استجاب، فعدى يسمع في الاول بإلى وفى الثاني باللام، وإنما أصله أن يتعدى بنفسه مثل (يوم يسمعون الصيحة) وقوله تعالى (والله يعلم المفسد من المصلح) أي يميز، ولهذا عدى بمن لا بنفسه، وقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) أي يمتنعون من وطئ نسائهم بالحلف، فلهذا عدى بمن، ولما خفى التضمين على بعضهم في الآية، ورأى أنه لا يقال حلف من كذا بل حلف عليه - قال: من متعلقة بمعنى للذين، كما تقول لى منك مبرة، قال وأما قول الفقهاء آلى من امرأته فغلط أوقعهم فيه عدم فهم المتعلق في الآية، وقال أبو كبير الهذلى:

ص 686

922 - حملت به في ليلة مزءودة * كرها، وعقد نطاقها لم يحلل وقال قبله: 923 - ممن حملن به وهن عواقد * حبك النطاق فشب غير مهبل مزءودة أي مذعورة، ويروى بالجر صفة لليلة مثل (والليل إذا يسر) وبالنصب حالا من المرأة، وليس بقوى، مع أنه الحقيقة، لان ذكر الليلة حينئذ لا كبير فائدة فيه. والشاهد فيهما أنه ضمن حمل معنى علق، ولولا ذلك لعدى بنفسه مثل (حملته أمه كرها)، وقال الفرزدق: 924 - كيف تراني قالبا مجنى * قد قتل الله زيادا عنى أي صرفه عنى بالقتل. وهو كثير، قال أبو الفتح في كتاب التمام: أحسب لو جمع ما جاء منه لجاء عنه كتاب يكون مئين أوراقا.

القاعدة الرابعة أنهم يعلبون على الشيء ما لغيره

لتناسب بينهما، أو اختلاط. فلهذا قالوا الابوين في الاب والام، ومنه (ولابويه لكل واحد منهما السدس) وفى الاب والخالة، ومنه (ورفع أبويه على العرش) و المشرقين، والمغربين ومثله الخافقان في المشرق والمغرب، وإنما الخافق المغرب، ثم إنما سمى خافقا مجازا، وإنما هو مخفوق فيه، و القمرين في الشمس والقمر، قال المتنبي:

ص 687

925 - واستقبلت قمر السماء بوجهها * فأرتنى القمرين في وقت معا أي الشمس وهو وجهها وقمر السماء. وقال التبريزي: يجوز أنه أراد قمرا وقمرا، لانه لا يجتمع قمران في ليلة كما أنه لا تجتمع الشمس والقمر، اه‍. وما ذكرناه أمدح، و القمران في العرف الشمس والقمر، وقيل: إن منه قول الفرزدق: 926 - أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع وقيل: إنما أراد محمدا والخليل عليهما الصلاة والسلام، لان نسبه راجع إليهما بوجه، وإن المراد بالنجوم الصحابة، وقالوا العمرين في أبى بكر وعمر، وقيل: المراد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، فلا تغليب، ويرد بأنه قيل لعثمان رضى الله عنه: نسألك سيرة العمرين، قال: نعم، قال قتادة: أعتق العمران فمن بينهما من الخلفاء أمهات الاولاد، وهذا المراد به عمر وعمر، وقالوا العجاجين في رؤبة والعجاج، و المروتين في الصفا والمروة. ولاجل الاختلاط أطلقت من على ما لا يعقل في نحو (فمنهم من يمشى على بطنه، ومنهم من يمشى على رجلين، ومنهم من يمشى على أربع) فإن الاختلاط حاصل في العموم السابق في قوله تعالى (كل دابة من ماء) وفى (من يمشى على رجلين) اختلاط آخر في عبارة التفصيل، فإنه يعم الانسان والطائر، واسم المخاطبين على الغائبين في قوله تعالى (اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) لان لعل متعلقة بخلقكم لا باعبدوا، والمذكرين على المؤنث حتى عدت منهم في (وكانت من القانتين) والملائكة على أبليس حتى استثنى منهم في (فسجدوا إلا إبليس) قال الزمخشري: والاستثناء متصل، لانه واحد

ص 688

من بين أظهر الالوف من الملائكة، فغلبوا عليه في (فسجدوا) ثم استثنى منهم استثناء أحدهم، ثم قال: ويجوز أن يكون منقطعا. ومن التغليب (أو لتعودن في ملتنا) بعد (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا) فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن في ملتهم قط، بخلاف الذين آمنوا معه ومثله (جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه) فإن الخطاب فيه شامل للعقلاء والانعام، فغلب المخاطبون والعاقلون على الغائبين والانعام، ومعنى (يذرؤكم فيه) يبثكم ويكثركم في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس وللانعام أزواجا حتى حصل بينهم التوالد، فجعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير، فلذا جئ بفى دون الباء، ونظيره (ولكم في القصاص حياة) وزعم جماعة أن منه (يا أيها الذين آمنوا) ونحو (بل أنتم قوم تجهلون) وإنما هذا من مراعاة المعنى، الاول من مراعاة اللفظ.

القاعدة الخامسة أنهم يعبرون بالفعل عن أمور

أحدها: وقوعه، وهو الاصل. والثانى: مشارفته، نحو (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) أي فشارفن انقضاء العدة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم) أي والذين يشارفون الموت وترك الازواج يوصون وصية (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية) أي لو شارفوا أن يتركوا، وقد مضت في فصل لو ونظائرها، ومما لم يتقدم ذكره قوله: 927 - إلى ملك كاد الجبال لفقده * تزول، وزال الراسيات من الصخر

ص 689

الثالث: إرادته، وأكثر ما يكون ذلك بعد أداة الشرط نحو (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن) (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (وإذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان) (إذا ناجيتم الرسول فقدموا - الآية) (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وفى الصحيح إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل . ومنه في غيره (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) أي فأردنا الاخراج (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) لان ثم للترتيب، ولا يمكن هنا مع الحمل على الظاهر، فإذا حمل خلقنا وصورنا على إرادة الخلق والتصوير لم يشكل. وقيل: هما على حذف مضافين، أي خلقنا أباكم ثم صورنا أباكم. ومثله (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا) أي أردنا إهلاكها (ثم دنى فتدلى) أي أراد الدنو من محمد عليه الصلاة والسلام، فتدلى فتعلق في الهواء، وهذا أولى من قول من ادعى لقلب في هاتين الآيتين وأن التقدير: وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها، ثم تدلى فدنى، وقال: 928 - فارقنا قبل أن نفارقه * لما قضى من جماعنا وطرا أي أراد فراقنا وفى كلامهم عكس هذا، وهو التعبير بإرادة الفعل عن إيجاده، نحو ( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) بدليل أنه قوبل بقوله سبحانه وتعالى (ولم يفرقوا بين أحد منهم) والرابع: القدرة عليه، نحو (وعدا علينا إنا كنا فاعلين) أي قادرين على الاعادة، وأصل ذلك أن الفعل يتسبب عن الارادة والقدرة، وهم يقيمون سبب

ص 690

مقام المسبب وبالعكس، فالاول نحو (ونبلو أخباركم) أي ونعلم أخباركم، لان الابتلاء الاختبار، وبالاختبار يحصل العلم، وقوله تعالى (هل يستطيع ربك) الآية في قراءة غير الكسائي يستطيع بالغبة ؟ وربك بالرفع، معناه هل يفعل ربك، فعبر عن الفعل بالاستطاعة لانها شرطه، أي هل ينزل علينا ربك مائدة إن دعوته. ومثله (فظن أن لن نقدر عليه) أي لن نؤاخذه، فعبر عن المؤاخذة بشرطها، وهو القدرة عليها. وأما قراءة الكسائي (1) فتقديرها هل تستطيع سؤال ربك، فحذف المضاف، أو هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة أي استجابته، ومن الثاني (فاتقوا النار) أي [فاتقوا] العناد الموجب للنار.

القاعدة السادسة أنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما يعبرون عن الشيء الحاضر قصدا لاحضاره في الذهن

حتى كأنه مشاهد حالة الاخبار، نحو (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) لان لام الابتداء للحال، ونحو (هذا من شيعته وهذا من عدوه) إذ ليس المراد تقريب الرجلين من النبي صلى الله عليه وسلم، كما نقول: هذا كتابك فخذه، وإنما الاشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت، ومثله (والله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا) قصد بقوله سبحانه وتعالى (فتثير) إحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب، تبدو أولا قطعا ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى تصير ركاما. ومنه (ثم قال له كن فيكون) أي فكان (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق) (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض) إلى قوله تعالى: (ونرى فرعون وهامان) ومنه عند الجمهور (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) أي يبسط ذراعيه، بدليل (ونقلبهم)

(هامش)

(1) قرأ الكسائي (هل تستطيع ربك) بتاء المضارعة وبنصب ربك. (*)

ص 691

ولم يقل وقلبناهم، وبهذا التقرير يندفع قول الكسائي وهشام: إن اسم الفاعل الذى بمعنى الماضي يعمل، ومثله (والله مخرج ما كنتم تكتمون) إلا أن هذا على حكاية حال كانت مستقبلة وقت التدارؤ، وفى الآية الاولى حكيت الحال الماضية، ومثلها قوله: 929 - جارية في رمضان الماضي * تقطع الحديث بالايماض ولولا حكاية الحال في قول حسان: يغشون حتى لا تهر كلابهم * [لا يسألون عن السواد المقبل] [197] لم يصح الرفع، لانه لا يرفع إلا وهو للحال، ومنه قوله تعالى: (حتى يقول الرسول) بالرفع.

القاعدة السابعة أن اللفظ قد يكون على تقدير، وذلك المقدر على تقدير آخر

نحو قوله تعالى: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) فإن يفترى مؤول بالافتراء، والافتراء مؤول بمفترى، وقال: 930 - لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى * ولكنما الفتيان كل فتى ندى وقالوا عسى زيد أن يقوم فقيل: هو على ذلك، وقيل: على حذف مضاف، أي عسى أمر زيد، أو عسى زيد صاحب القيام، وقيل: أن زائدة، ويرده عدم صلاحيتها للسقوط في الاكثر، وأنها قد عملت، والزائد لا يعمل، خلافا لابي الحسن، وأما قول أبى الفتح في بيت الحماسة:

ص 692

931 - حتى يكون عزيزا في نفوسهم * أو أن يبين جميعا وهو مختار يجوز كون أن زائدة: فلان النصب هنا يكون بالعطف لا بأن، وقيل في (ثم يعودون لما قالوا) إن (ما قالوا) بمعنى القول، والقول بتأويل المقول، أي يعودون للمقول فيهن لفظ الظهار وهن الزوجات، وقال أبو البقاء في (حتى تنفقوا مما تحبون): يجوز عند أبى على كون ما مصدرية، والمصدر في تأويل اسم المفعول، اه‍. وهذا يقتضى أن غير أبى على لا يجيز ذلك. وقال السيرافى: إذا قيل: قاموا ما خلا زيدا، وما عدا زيدا فما مصدرية، وهى وصلتها حال، وفيه معنى الاستثناء، قال ابن مالك: فوقعت الحال معرفة لتأولها بالنكرة، اه‍. والتأويل خالين عن زيد، ومتجاوزين زيدا، وأما قول ابن خروف والشلوبين إن ما وصلتها نصب على الاستثناء فغلط لان معنى الاستثناء قائم بما بعدهما لا بهما، والمنصوب على معنى لا يليق ذلك المعنى بغيره.

القاعدة الثامنة كثيرا ما يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الاوائل

فمن ذلك كل شاة وسخلتها بدرهم و 932 - * أي فتى هيجاء أنت وجارها * و رب رجل وأخيه (وإن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت) ولا يجوز: كل سخلتها، ولا أي جارها، ولا رب أخيه، ولا يجوز إن يقم زيد قام عمرو في الاصح، إلا في الشعر كقوله: 933 - ان يسمعوا سبة طاروا بها فرحا * عنى، وما يسمعوا من صالح دفنوا

ص 693

إذ لا تضاف كل وأى إلى معرفة مفردة، كما أن اسم التفضيل كذلك، ولا تجر رب إلا النكرات، ولا يكون في النثر فعل الشرط مضارعا والجواب ماضيا، وقال الشاعر: 934 - إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا * أو تنزلون فإنا معشر نزل فقال يونس: أراد أو أنتم تنزلون، فعطف الجملة الاسمية على جملة الشرط، وجعل سيبويه ذلك من العطف على التوهم، قال: فكأنه قال: أتركبون فذلك عادتنا أو تنزلون فنحن معرفون بذلك، ويقولون: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين ويمتنع قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني وربط الاول بالمعنى.

القاعدة التاسعة أنهم يتسعون في الظرف والمجرور ما لا يتسعون في غيرهما

فلذلك فصلوا بهما الفعل الناقص من معموله نحو كان في الدار - أو عندك - زيد جالسا وفعل التعجب من المتعجب منه نحو ما أحسن في الهيجاء لقاء زيد، وما أثبت عند الحرب زيدا وبين الحرف الناسخ ومنسوخه نحو قوله: 935 - فلا تلحني فيها فإن بحبها * أخاك مصاب القلب جم بلا مله وبين الاستفهام والقول الجارى مجرى الظن كقوله 936 - أبعد بعد تقول الدار جامعة * [شملى بهم أم تقول البعد محتوما] وبين المضاف وحرف الجر ومجرورهما، وبين إذن ولن ومنصوبهما نحو هذا غلام والله زيد، واشتريته بوالله درهم وقوله: 937 - إذن والله نرميهم بحرب * [تشيب الطفل من قبل المشيب]

ص 694

وقوله: لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا * أدع القتال وأشهد الهيجاء [461] وقدموهما خبرين على الاسم في باب إن نحو (إن في ذلك لعبرة) ومعمولين للخبر في باب ما نحو ما في الدار زيد جالسا وقوله: 938 - [بأهبة حزم لذ وإن كنت آمنا] * فما كل حين من تؤاتي مؤاتيا فإن كان المعمول غيرهما بطل عملها كقوله: 939 - [وقالوا: تعرفها المنازل من منى] * وما كل من وافى منى أنا عارف ومعمولين لصلة أل نحو (وكانوا فيه من الزاهدين) في قول، وعلى الفعل المنفى بما في نحو قوله: * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [137] وقيل: وعلى إن معمولا لخبرها في نحو أما بعد فإنى أفعل كذا وكذا، وقوله: أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [44] وعلى العامل المعنوي في نحو قولهم أكل يوم لك ثوب . وأقول: أما مسألة أما فاعلم أنه إذا تلاها ظرف، ولم يل الفاء ما يمتنع تقدم معموله عليه نحو أما في الدار - أو عندك - فزيد جالس جاز كونه معمولا لاما أو لما بعد الفاء، فإن تلا الفاء ما لا يتقدم معموله عليه نحو أما زيدا - أو اليوم - فإنى صارب فالعامل فيه عند المازنى أما فتصح مسألة الظرف فقط، لان الحروف لا تنصب المفعول به، وعند المبرد تجوز مسألة الظرف من وجهين، ومسألة المفعول به

ص 695

من جهة إعمال ما بعد الفاء، واحتج بأن أما وضعت على أن ما بعد فاء جوابها يتقدم بعضه فاصلا بينها وبين أما، وجوزه بعضهم في الظرف دون المفعول به، وأما قوله * أما أنت ذا نفر * [44] فليس المعنى على تعلقه بما بعد الفاء، بل هو متعلق تعلق المفعول لاجله بفعل محذوف، والتقدير: ألهذا فخرت على ؟ وأما المسألة الاخيرة فمن أجاز زيد جالسا في الدار لم يكن ذلك مختصا عنده بالظرف.

القاعدة العاشرة من فنون كلامهم القلب

وأكثر وقوعه في الشعر، كقول حسان رضى الله تعالى عنه: كأن سبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء [694] فيمن نصب المزاج، فجعل المعرفة الخبر والنكرة الاسم، وتأوله الفارسى على أن انتصاب المزاج على الظرفية المجازية، والاولى رفع المزاج ونصب العسل، وقد روى كذلك أيضا، فارتفاع ماء بتقدير وخالطها ماء، ويرى برفعهن على إضمار الشأن، وأما قول ابن أسد إن كان زائدة فخطأ، لانها لا تزاد بلفظ المضارع بقياس، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك هنا، وقول رؤبة: 940 - ومهمه مغبرة أرجاؤه * كأن لون أرضه سماؤه أي كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه، فعكس التشبيه مبالغة، وحذف المضاف، وقال آخر: 941 - فإن أنت لاقيت في نجدة * فلا تتهيبك أن تقدما أي تتهيبها، وقال ابن مقبل: 942 - ولا تهيبني الموماة أركبها * إذا تجاوبت الاصداء بالسحر أي ولا أتهيبها، وقال كعب:

ص 696

943 - كأن أوب ذراعيها إذا عرقت * رقد تلفع بالقور العساقيل القور: جمع قارة، وهى الجبل الصغير، والعساقيل: اسم لاوائل السراب، ولا واحد له، والتلفع: الاشتمال، وقال عروة بن الورد: 944 - فديت بنفسه نفسي ومالى * وما آلوك إلا ما أطيق وقال القطامى: 945 - فلما أن جرى سمن عليها * كما طينت بالفدن السياعا الفدن: القصر، والسياع: الطين، ومنه في الكلام أدخلت القلنسوة في رأسي و عرضت الناقة على الحوض و عرضتها على الماء قاله الجوهرى وجماعة منهم السكاكى والزمخشري، وجعل منه (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) وفى كتاب التوسعة ليعقوب بن إسحاق السكيت: إن عرضت الحوض على الناقة مقلوب، وقال آخر: لا قلب في واحد منهما، واختاره أبو حيان، ورد على قول الزمخشري في الآية، وزعم بعضهم في قول المتنبي: 946 - وعذلت أهل العشق حتى ذقته * فعجبت كيف يموت من لا يعشق أن أصله كيف لا يموت من يعشق، والصواب خلافه، وأن المراد أنه صار يرى أن لا سبب للموت سوى العشق، ويقال: إذا طلعت الجوزاء انتصب العود في الحرباء، أي انتصب الحرباء في العود. وقال ثعلب في قوله تعالى (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه): إن المعنى اسلكوا فيه سلسلة، وقيل: إن منه (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا) (ثم دنى فتدلى) وقد مضى تأويلهما ونقل الجوهرى في (فكان قاب قوسين) أن أصله قابى قوس، فقلبت التثنية

ص 697

بالافراد، وهو حسن إن فسر القاب بما بين مقبض القوس وسيتها أي طرفها، ولها طرفان، فله قابان، ونظير هذا إنشاد ابن الاعرابي: 947 - إذا أحسن ابن العم بعد إساءة * فلست لشرى فعله بحمول أي فلست لشر فعليه قيل: ومن القلب (اذهب بكتابي هذا) الآية: وأجيب بأن المعنى ثم تول عنهم إلى مكان يقرب منهم، ليكون ما يقولونه بمسمع منك فانظر ماذا يرجعون، وقيل في (فعميت عليهم): إن المعنى فعميتم عنها (1)، وفى (حقيق على أن لا أقول) الآية فيمن جر بعلى بعد أن وصلتها على أن المعنى حقيق على، بإدخالها على ياء المتكلم كما قرأ نافع: وقيل: ضمن حقيق معنى حريص، وفى (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة): إن المعنى لتنوء العصبة بها أي تنهض بها متثاقلة، وقيل الباء للتعدية كالهمزة، أي لتنئ العصبة، أي تجعلها تنهض متثاقلة.

القاعدة الحادية عشرة من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الاحكام

ولذلك أمثلة: أحدها: إعطاء غير حكم إلا في الاستثناء بها نحو (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) فيمن نصب غير، وإعطاء لا حكم غير في الوصف بها نحو (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). والثانى: إعطاء أن المصدرية حكم ما المصدرية في الاهمال كقوله: أن تقرآن على أسماء ويحكما * مني السلام وأن لا تشعرا أحدا [35] الشاهد في أن الاولى، وليست مخففة من الثقيلة، بدليل أن المعطوفة عليها، وإعمال ما حملا على أن كما روى من قوله عليه الصلاة والسلام كما تكونوا يولى عليكم ذكره ابن الحاجب، والمعروف في الرواية كما تكونون.

(هامش)

(1) الصواب أن يقال فعموا عنها أو تتلى آية هود (فعميت عليكم) ليكون المعنى فعميتم عنها . (*)

ص 698

والثالث: إعطاء إن الشرطية حكم لو في الاهمال كما روى في الحديث فإن لا تراه فإنه يراك وإعطاء لو حكم إن في الجزم كقوله: لو يشأ طار بها ذو ميعة * [لاحق الآطال نهد ذو خصل] [436] ذكر الثاني ابن الشجرى، وخرجه غيره على أنه [جاء] على لغة من يقول شايشا - بالالف - ثم أبدلت الالف همزة على حد قول بعضهم العألم والخأتم - بالهمزة - ويؤيده أنه لا يجوز مجئ إن الشرطية في هذا الموضع، لانه إخبار عما مضى، فالمعنى لو شاء، وبهذا يقدح أيضا في تخريج الحديث السابق على ما ذكر، وهو تخريج ابن مالك، والظاهر أنه يتخرج على إجراء المعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل (إنه من يتقى ويصبر فإن الله) ؟ ؟ ياء يتقى وجزم يصبر. والرابع: إعطاء إذا حكم متى في الجزم بها كقوله: [استغن ما أغناك ربك بالغني] * وإذا تصبك خصاصة فتحمل [132] وإهمال متى حكما لها بحكم إذا، كقول عائشة رضى الله عنها وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس . والخامس: إعطاء لم حكم لن في عمل النصب، ذكره بعضهم مستشهدا بقراءة بعضهم (ألم نشرح) بفتح الحاء، وفيه نظر، إذ لا تحل لن هنا، وإنما يصح - أو يحسن - حمل الشيء على ما يحل محله كما قدمنا، وقيل: أصله نشرحن ثم حذفت النون الخفيفة وبقى الفتح دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم مع أنه كالفعل الماضي في المعنى، وحذف النون لغير مقتض مع أن المؤكد لا يليق به الحذف، وإعطاء لن حكم لم في الجزم كقوله: لن يخب الآن من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه [466]

ص 699

الرواية بكسر الباء. والسادس: إعطاء ما النافية حكم ليس في الاعمال، وهى لغة أهل الحجاز نحو (ما هذا بشرا) وإعطاء ليس حكم ما في الاهمال عند انتقاض النفى بإلا كقولهم ليس الطيب إلا المسك وهى لغة بنى تميم. والسابع: إعطاء عسى حكم لعل في العمل كقوله: [تقول بنتى قد أنى أنا كا] * يا أبتا علك أو عساكا [246] وإعطاء لعل حكم عسى في اقتران خبرها بأن، ومنه الحديث فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض . والثامن: إعطاء الفاعل إعراب المفعول وعكسه عند أمن اللبس، كقولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وقال الشاعر: 948 - مثل القنافذ هداجون قد بلغت * نجران أو بلغت سوآتهم هجر وسمع أيضا نصبهما كقوله: 949 - قد سالم الحيات منه القدما * [الافعوان والشجاع الشجعما] في رواية من نصب الحيات، وقيل: القدما تثنية حذفت نونه للضرورة كقوله: هما خطتا إما إسار ومنة * [وإما دم، والقتل بالحر أجدر] [884] فيمن رواه برفع إسار ومنة، وسمع أيضا رفعهما كقوله: 950 - إن من صاد عقعقا لمشوم * كيف من صاد عقعقان وبوم

ص 700

والتاسع: إعطاء الحسن الوجه حكم الضارب الرجل في النصب، وإعطاء الضارب الرجل حكم الحسن الوجه في الجر. والعاشر: إعطاء أفعل في التعجب حكم أفعل التفضيل، في جواز التصغير، وإعطاء أفعل التفضيل حكم أفعل في التعجب في أنه لا يرفع الظاهر، وقد مر ذلك. ولو ذكرت أحرف الجر ودخول بعضها على بعض في معناه لجاء من ذلك أمثلة كثيرة...... وهذا آخر ما تيسر إيراده في هذا التأليف

خاتمة

وأسأل الله الذى من على بإنشائه وإتمامه في البلد الحرام، في شهر ذى القعدة الحرام، ويسر على إتمام ما ألحقت به من الزوائد في شهر رجب الحرام: أن يحرم وجهى على النار، وأن يتجاوز عما تحملته من الاوزار، وأن يوقظني من رفدة الغفلة قبل الفوت، وأن يلطف بى عند معالجة سكرات الموت، وأن يفعل ذلك بأهلى وأحبابي، وجميع المسلمين، وأن يهدى أشرف صلواته وأزكى تحياته إلى أشرف العالمين، وإمام العاملين: محمد نبى الرحمة، الكاشف في يوم الحشر بشفاعته الغمة، وعلى آله الهادين، وأصحابه الذين شادوا لنا قواعد الاسلام، ومهدوا الدين، وأن يسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين، اللهم صلى وسلم وبارك على حبيبنا محمد عدد الرمل والدقيق وعدد الموج الدفيق، وسلم تسليما..... تنبيه - قد وضعنا رقما متتابعا للشواهد الشعرية، فإذا تكرر البيت وضعنا في المرة الاولى في آخره رقم الص أو الصفحات التى يتكرر فيها، ووضعنا في آخره في كل مرة بعد الاولى رقمه الذى استحقه أول مرة، فإذا رأيت بيتا وضع في أوله رقم فاعلم أنه لم يتقدم ذكره، وإذا رأيت في آخره رقما مسبوقا بحرف ص فاعلم أنه سيأتي في الص أو الصفحات المذكورة أرقامها، وإذا رأيت في آخره رقما غير مسبوق بهذا الحرف فاعلم أنه قد سبق ذكره بهذا الرقم.

الصفحة السابقة

مغني اللبيب ج2

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب